الخميس نوفمبر 21, 2024

وَفُرْقَةُ الْفَسْخِ أَنْوَاعٌ

(1) مِنْهَا فُرْقَةُ إِعْسَارٍ أَيْ عَجْزٍ عَنِ الْمَهْرِ أَوِ النَّفَقَةِ فَإِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِهِمَا بَعْدَ إِمْهَالِهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ الْفَسْخُ أَيْ فَسْخُ عَقْدِ النِّكَاحِ.

(2) وَفُرْقَةُ لِعَانٍ

(3) وَفُرْقَةُ عَتَاقَةٍ بِأَنْ كَانَتِ الأَمَةُ مُتَزَوِّجَةً بِعَبْدٍ ثُمَّ أُعْتِقَتْ.

(4) وَفُرْقَةُ عُيُوبٍ كَأَنْ وَجَدَهَا بَرْصَاءَ أَوْ مَجْنُونَةً.

(5) وَفُرْقَةُ غُرُورٍ

(6) وَفُرْقَةُ وَطْءِ شُبْهَةٍ كَأَنْ وَطِئَ أُمَّ زَوْجَتِهِ أَوِ ابْنَتَهَا بِظَنِّ الزَّوْجِيَّةِ.

(7) وَفُرْقَةٌ بِالسَّبْيِ بِأَنْ سُبِيَ الزَّوْجَانِ الْحُرَّانِ الْكَافِرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ.

(8) وَفُرْقَةُ إِسْلامٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.

(9) وَفُرْقَةُ رِدَّةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا.

(10) وَفُرْقَةُ مِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الآخَرَ.

(11) وَفُرْقَةُ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ.

(12) وَفُرْقَةُ انْتِقَالٍ مِنْ دِينٍ إِلَى ءَاخَرَ كَانْتِقَالِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ.

(13) وَفُرْقَةُ رَضَاعٍ.

   ثُمَّ الطَّلاقُ إِمَّا جَائِزٌ سُنِيٌّ وَهُوَ مَا خَلا عَنِ النَّدَمِ وَاسْتَعْقَبَ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ وَكَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ مِمَّنْ عِدَّتُهَا بِالأَقْرَاءِ أَيْ كَانَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ وَلا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [سُورَةَ الطَّلاق/1] أَيْ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ أَيْ طَلاقًا يَسْتَعْقِبُ الْعِدَّةَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ فِتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» أَيْ أَذِنَ.

   وَإِمَّا بِدْعِيٌّ كَأَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ.

   وَإِنَّمَا كَانَ طَلاقُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بِدْعِيًّا لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِطُولِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى النَّدَمِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ لِأَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ وَعِنْدَ النَّدَمِ قَدْ لا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرَ هُوَ وَالْوَلَدُ. وَإِمَّا لا وَلا أَيْ لا يُسَمَّى سُنِّيًّا وَلا بِدْعِيًّا وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ طَلَّقَ غَيْرَ بَالِغَةٍ، أَوْ طَلَّقَ ءَايِسَةً، أَوْ طَلَّقَهَا حَامِلًا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ طَلاقُ الإِيلاءِ، وَطَلاقُ الْحَكَمَيْنِ، وَفُرْقَةُ الْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُتَحَيِّرَةِ وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي لا تَذْكُرُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِ الْحَيْضِ وَلا قَدْرَهُ، فَطَلاقُهُنَّ لا يَدْخُلُ فِي السُّنِّيِّ وَلا فِي الْبِدْعِيِّ.

   وَلا فَرْقَ بَيْنَ طَلاقِ الْجِدِّ وَطَلاقِ الْمَزْحِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلاقُ وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ. فَإِذَا حَصَلَ النِّكَاحُ بِشُرُوطِهِ وَكَانَ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ مَازِحَيْنِ ثَبَتَ النِّكَاحُ، وَكَذَلِكَ الطَّلاقُ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ جَادَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَادًّا كَأَنْ طَلَبَتِ الزَّوْجَةُ الطَّلاقَ بِجِدٍّ وَهُوَ أَوْقَعَهُ بِجِدٍّ أَوْ كَانَا مَازِحَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَازِحًا فَقَدْ ثَبَتَ الطَّلاقُ، فَإِنْ كَانَ الطَّلاقُ وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ بِقَوْلِ رَجَعْتُكِ إِلَى نِكَاحِي وَنَحْوِهِ، فَإِنِ انْتَهَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا لا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بِوَلِيِّهَا وَشَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ. وَالْجِدُّ خِلافُ الْهَزْلِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ لِأَنَّهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ لا يَأْتِي لِهَذَا الْمَعْنَى بَلْ مَعْنَاهُ الْغِنَى وَيُطْلَقُ الْجَدُّ بِالْفَتْحِ عَلَى الْعَظَمَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا﴾ [سُورَةَ الْجِنّ/3] وَيُطْلَقُ الْجَدُّ عَلَى أَبِ الأَبِ وَأَبِ الأُمِّ.

   وَالْفَسْخُ لا يُحْصَرُ بِعَدَدٍ بِخِلافِ الطَّلاقِ فَإِنَّ نِهَايَتَهُ ثَلاثٌ، أَمَّا الْفَسْخُ لَوْ فُسِخَ النِّكَاحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَوْ أَكْثَرَ لا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةُ بِزَوْجٍ ءَاخَرَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ.

   وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الثَّلاثَةَ إِذَا أُوقِعَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ الطَّلاقُ طَلاقُ الثَّلاثِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّاسَ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ» وَلا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأُمُورٍ:

   أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ عَنْهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ شَاذٌّ وَالشَّاذُّ لا يُحْتَجُّ بِهِ.

   وَالثَّانِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِوُقُوعِ الثَّلاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ثَلاثًا. رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ ثَمَانِيَةٌ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ الثِّقَاتِ كَمَا بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، وَالْحَدِيثُ إِذَا خَالَفَهُ عَمَلُ الرَّاوِي لا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، وَعَلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُ وَبَعِيدٌ أَنْ يَرْوِيَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ءَانِفًا مَعَ حَمْلِهِ عَلَى الظَّاهِرِ ثُمَّ يُفْتِيَ بِخِلافِهِ.

   وَالثَّالِثُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بنَ الْعَرَبِيِّ قَالَ فِي كِتَابِهِ «الْقَبَسُ» كَانَتِ الْبَتَّةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّاسَ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ وَعَزَا هَذَا اللَّفْظَ لِمُسْلِمٍ وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ.

   وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِوُجُوهٍ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْمَعْنَى عَلَى حَسَبِ مَا فَهِمَهُ لَيْسَ بِاللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلالُ بِهِ عَلَى جَعْلِ الثَّلاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ طَلاقًا وَاحِدًا.

   وَبَعْضُ هَؤُلاءِ الْمُحَرِّفِينَ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي مَسْئَلَةِ الطَّلاقِ قَالَ فِي شَخْصٍ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ثُمَّ طَلَّقَ بَعْدَ مُدَّةٍ طَلْقَةً: «هَذَا طَلاقَانِ لَيْسَ ثَلاثًا»، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/229] دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمُوهُ، قَالُوا لا يَتِمُّ الطَّلاقُ الثَّلاثُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ فِيهِ تَقْدِيرٌ أَيِ الطَّلاقُ الَّذِي بَعْدَهُ رَجْعَةٌ مَرَّتَانِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾. وَيَلْزَمُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلاءِ أَنَّ الطَّلاقَ لا يَصِحُّ أَصْلًا إِلَّا بِمَرَّتَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ عَدَدُ الطَّلاقِ الَّذِي بَعْدَهُ رَجْعَةٌ مَرَّتَانِ، فَيَكُونُ هُنَا تَقْدِيرُ مُضَافٍ وَهُوَ لَفْظُ عَدَدٍ فَيُطَابِقُ الْخَبَرُ الْمُبْتَدَأَ، لِأَنَّ الْعَدَدَ يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَالثَّلاثَةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ.]