قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلًا فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَضْلًا مِنْهُ وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ عَدْلًا مِنْهُ وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغَ لَهُ وَصَائِرٌ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ.
الشَّرْحُ يَجِبُ الإِيـمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَهْلًا فَمَنْ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ فَبِفَضْلِهِ وَمَنْ أَدْخَلَهُ النَّارَ فَبِعَدْلِهِ.
وَقَوْلُهُ «وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغَ لَهُ وَصَائِرٌ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ» أَىْ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْعِبَادِ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ فِى اللَّوْحِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ فِى الْجَنَّةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا يُنْجِى أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ» قَالُوا وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «وَلا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِىَ اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَوْلُهُ «عَدْلًا» ذَلِكَ لِأَنَّ الظُّلْمَ وَضْعُ الشَّىْءِ فِى غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَهُوَ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِى مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِى مِلْكِ غَيْرِهِ فَيُعَذِّبُ عَلَى تَرْكِ الأَوَامِرِ وَارْتِكَابِ النَّوَاهِى فَكَانَ تَعْذِيبُهُ لَهُمْ عَدْلًا وَحِكْمَةً وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، فَطَاعَةُ الطَّائِعِ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ فَالْعَبْدُ وَعَمَلُهُ مِلْكٌ لِلَّهِ قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ [سُورَةَ النُّور/21].