قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَعَالَى عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَرْكَانِ وَالأَدَوَاتِ لا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ.
الشَّرْحُ أَىْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ حَدٌّ وَالْحَدُّ مَعْنَاهُ نِهَايَةُ الشَّىْءِ فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالْمِسَاحَةُ وَالْمِقْدَارُ فَنَفْىُ الْحَدِّ عَنْهُ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْىِ الْحَجْمِ. وَمَعْنَى الْغَايَاتِ النِّهَايَاتُ وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ. وَمَعْنَى الأَرْكَانِ الْجَوَانِبُ وَمَعْنَى الأَعْضَاءِ جَمْعُ عُضْوٍ وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الأَجْسَامِ وَمَعْنَى الأَدَوَاتِ الأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ كَاللَّهَاةِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ لا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ أَىْ لا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ وَهِىَ فَوْقٌ وَتَحْتٌ وَيَمِينٌ وَشِمَالٌ وَقُدَّامٌ وَخَلْفٌ لِأَنَّ هَذِهِ لا تَصِحُّ إِلَّا لِمَنْ هُوَ جِرْمٌ وَفِى هَذَا رَدٌّ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَةَ حَيْثُ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ حَدًّا يَعْلَمُهُ هُوَ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ الْحَدِّ لِلَّهِ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ كَمَا أَوْهَمَ ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَةَ بَلْ نَقْلُ الطَّحَاوِىِّ هَذَا فِيهِ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الْحَدِّ.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ خَارِجَهُ وَلَيْسَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ لا تُحْصَى وَهُوَ سُبْحَانَهُ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْمُمَاثَلَةَ لِشَىْءٍ بِقَوْلِهِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى/11]. وَقَدْ نَصَّ عَلَى نَفْىِ التَّحَيُّزِ فِى الْمَكَانِ وَالِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ مَشَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ فَلْتُرَاجَعْ نُصُوصُهُمْ.