وهذا التأويل أخذه أهل السنة من رواية النسائي
إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا فيقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى.
قال الشيخ محمد السفاريني الحنبلي في كتاب لوامع الأنوار البهية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية ما نصه: قال أهل التأويل إن العرب تنسب الفعل إلى من أمر به كما تنسبه إلى من فعله وباشره بنفسه قالوا والمعنى هنا إن الله تعالى يأمر ملكا بالنـزول إلى السماء الدنيا فينادي بأمره وقال بعضهم إن قوله: ينـزل راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته المقدس فإن النـزول كما يكون في الأجساد يكون في المعاني أو راجـع إلى المَلَك الذي ينـزل بأمره ونهيه تعالى، فإن حمل النـزول في الأحاديث على الجسم فتلك صفة المـلَك المبعوث بذلك وإن حمل على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل سمى ذلـك نـزولا من مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة والحاصل أن تأويله على وجهين إما بأن المراد ينـزل أمره أو المَلَك بأمره وإما أنه استـعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحو ذلك كما يقال نزل البائع في سلعته إذا قارب المشتري بعدما باعده وأمكنه منها بعد منعه، والمعنى هنا أن القرب في هذا الوقت أقرب إلى رحمة الله منه في غيره من الأوقات وأنه تعالى يُقبِلُ عليهم بالتحنن والعطف في هذا الوقت بما يُلقيه في قلوبـهم من التنبيه والتذكير الباعِثَين لهم على الطاعة.
وقد حكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبط رواية البخاري بضم أوله على حذف المفعول أي يُنـزل ملكا قالوا ويقويه ما روى النسائي وغيره عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يُمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى قال القرطبي صححه عبد الحق، قالوا: وهذا يرفع الإشكال ويُـزيل كل احتمال والسنة يُفسر بعضها بعضا وكذا الآيات، قالوا: ولا سبيل إلى حمله على صفات الذات المقدس فإن الـحديـث فيه التصريح بتجدد النـزول واختصاصه ببعض الأوقات والساعات وصفات الرب جل شأنه يجب اتصافها بالقدم وتنـزيهها عن التجدد والحدوث، قالوا: وكل ما لم يكن فكان أو لم يثبت فثبت من أوصافه تعالى فهو من قبيل صفة الأفعال، قالوا: فالنـزول والاستواء من صفات الأفعال.اهـ
قال الحافظ النووي في شرحه على مسلم عند قوله ينـزل ربنا… الحديث، هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تـنـزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانـتـقـال والحركات وسائر سمات الخلق.
والثاني
مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تـتـأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الـحديـث تأويلين أحدهما تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تـنـزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال: فعل السلطان كذا إذا فعله بأمره.
والثاني أنه على الاستـعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. اهـ
وقال البيهقي في الأسماء والصفات: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن أحمـد بن بالويه ثنا محمد بن بشر بن مطر ثنا الهيثم بن خارجة ثنا الوليد بن مسلم قال سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية.اهـ
وقال القاضي ابن العربي في العارضة في شرحه على الترمذي: واختلف الناس في هذا الحديـث وأمثاله على ثلاثة أقوال فمنهم من رده لأنه خبر واحد ورد بما لا يجوز ظاهره على الله وهم المبتدعة ومنهم من قبله وأمرَّه كما جاء ولم يتأوّلـه ولا تكلم فيه مع اعتقاده أن الله ليس كمثله شىء ومنهم من تأولـه وفسره وبه أقول لأنه معنى قريب عربي فصيح، أما إنه قد تعدى إليه قوم ليسوا من أهل العلم بالتفسير فـتـعدوا عليه بالقول بالتكثير قالوا في هذا الحديث دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات قلنا هذا جهل عظيم وإنما قال ينـزل إلى السماء ولم يقل في هذا الحديث من أين ينـزل ولا كيف ينـزل فأما قوله ينـزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينـزل بأمره ونهيه، والنـزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني فإن حـملته في الحديث على الحسي فتلك صفة المَلَك المبعوث بذلك وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نـزولا عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة.اهـ