(ونظرُ الرجلِ إلى المرأةِ على سبعةِ أضْرُبٍ) أي أنواعٍ (أحدُها نَظَرُهُ) ولو كان شيخًا هرِمًا عاجزًا عن الوَطْءِ (إلى) شَىْءٍ مِن بدنِ امرأةٍ (أجنبيةٍ لغيرِ حاجةٍ فغيرُ جائزٍ) إلا إلى الوجهِ والكفَّينِ قوله (إلا إلى الوجه والكفَّينِ) قال الشيخُ زكريا في فصلِ نظر الوجه والكفين عند أمنِ الفتنة مِن باب النكاحِ في أسنَى المطالب ما ملخَّصُهُ أنَّ نظرَ الوَجْهِ والكَفَّينِ عِنْدَ أَمْنِ الفِتْنَةِ فيما يظهرُ للناظرِ مِن نفسِهِ مِنَ الرجلِ إلى المرأةِ جائزٌ وإن كان مكروهًا لقولِهِ تعالى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وهو مُفَسَّرٌ بالوجه والكفينِ وهذا ما ذكرَهُ في الروضةِ عن أكثرِ الأصحابِ ولذلك ذكرَ الإسنوِيُّ في المهماتِ أنه الصوابُ وأما ما في المنهاجِ مِنَ القولِ بالتحريمِ وتوجيهُ الإمامِ لذلك باتفاقِ المسلمينَ على منع الولاةِ النِّسَاءَ مِ،َ الخروجِ سافراتِ الوجوهِ فمردودٌ بأنَّ ما نقلَهُ الإمامُ مِنَ الاتِّفاقِ على مَنْعِ الولاةِ للنِّسَاءِ مِمَّا ذُكِرَ لا يُنافي ما نقلهُ القاضي عِيَاضٌ عن اتفاقِ العلماءِ على أنه لا يجبُ على المرأوِ سَتْرُ وجهِها في طريقِها وإنما ذلكَ سُنَّةٌ وعلى الرِّجال غَضُّ البَصَرِ لأنَّ منعهُنَّ مِن ذلك لا لأنَّ السترَ واجبٌ عليهنَّ في ذاتِهِ بل لأنه سنةٌ وفيه مصلحةٌ عامةٌ اهـ لقوله تعالى في سورةِ النُّورِ (وَلَا يُبْدِينَ زِيْنَتَهُنَّ) أي مواضعَ زينتِهِنَّ (إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قالت عائشةُ رضي الله عنها إلا الوجه والكفين اهـ ومثلُها قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما وعطاءٌ أخرجَهُ الطبريُّ وغيرُهُ وقالهُ الإمامُ الشافعيُّ رضي الله عنه خلافًا لِمَا يوهمُهُ ظاهرُ كلامِ المصنفِ رحمه الله تعالى مِن حُرمة النظرِ إلى وجهِهَا وكفيها بلا شهوةٍ قال الغزيُّ رحمه الله هنا (أحدها نظرُهُ ولو شيخًا هرمًا عاجزًا عن الوطءِ إلى أجنبيةٍ لغيرِ حاجةٍ إلى نطرها فغير جائز) اهـ وقد سبقَ أن أفطلاقَ ليس في محلِّهِ وأنَّ محلَّ ذلك عند خوفِ الفتنةِ كما تقدَّمَ عن الرافعيِّ. فقد نقلَ جمعٌ مِن العلماءِ منهم المجتهدُ ابنُ جريرٍ الطبريُّ الإجماعَ على أنَّ وجهَ المرأةِ ليس بعورةٍ يجوزُ كشفُهُ في الطرقاتِ وأمامَ الأجانبِ وإن كان سترُهُ فيها أفضلَ بلا تَوَقٌّفٍ. وقال الرافعيُّ وإذا خافَ الفتنةَ بالنَّظَرِ إلى الوجهِ أو الكفِّ اجتنبَهُ اهـ قال مُحيِي السُّنَّةِ البغويُّ في شرحِ السُّنَّةِ وأما المرأةُ مَعَ الرجلِ فإن كانت أجنبيَّة حرَّةً فجميعُ بَدَنِها عَورَةٌ في حقِّ الرجلِ لا يجوز له أن ينظر إلى شَىْءٍ منها إلا الوَجْهَ والكَفَّينِ إلى الكوعين لقولِهِ عزَّ وجَلَّ (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قيل في التَّفْسِيرِ هو الوجهُ والكفانِ وعَلَيهِ غضُّ البصرِ عن النَّظَرِ إلى وجهها ويَدَيها أيضًا عند خوفِ الفتنةِ اهـ.
(والثاني نظرُهُ) أي الرجل (إلى زوجتِه وأمتِه) اللَّتَينِ يَحِلُّ له الاستمتاعُ بهما (فيجوز أن ينظرَ) مِن كلٍّ منهما إلى جميع البدن وقال بعضُهم يجوزُ (إلى ما عدا الفرج منهما) أما الفرجُ فيحرم نظره إليه وهذا وجهٌ ضعيفٌ والصحيحُ الجوازُ لكن مع الكراهة إن كان بلا حاجةٍ.
(والثالثُ نظرهُ إلى ذوات محارمِه) بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرةٍ (أو أمَتِه الْمُزَوَّجة فيجوزُ) أن ينظرَ بلا شهوةٍ (فيما عدا ما بين السرةِ والركبة) أما الذي بينهما فيحرمُ نظرُه ولو بلا شهوةٍ. وهذه أيضًا عورةُ المسلمِ مع المسلمِ وعورةُ المسلمةِ أمامَ المسلمةِ.
(والرابعُ النظرُ) إلى الأجنبيةِ (لأجلِ) حاجةِ (النكاحِ فيجوزُ) بل يُسَنُّ للشخصِ عند عَزْمِهِ على نكاحِ امرأةٍ قبلَ خِطْبَتِها النظرُ (إلى الوجهِ والكفَّينِ) منها فقط أي ظاهرًا وباطنًا وإن لم تأذَن له في ذلك ولو مع خوفِ الفتنةِ. وينظرُ مِنَ الأمة عند قصدِ خِطبتها إلى ما عدا ما بين السرة والركبة خالف الغزيُّ هنا فقال (ينظر من الأمة ما ينظره من الحرة) وهو خلافُ ما ذكره الرافعيُّ في الشرح الكبير وما يدُلُّ عليه فعلُ السَّلَفِ.
(والخامسُ النظرُ للمداواةِ) كفَصْدٍ وحِجامةٍ (فيجوزُ) نظر الطبيب مِنَ الأجنبية (إلى المواضع التي يحتاج إليها) في المداواةِ حتى مداواةِ الفرج ويكونُ ذلك بحضورِ مانعِ خلوةٍ ويُشترط لجواز ذلك أن لا تكون هناك امرأةٌ تعالجُها أو صبِيُّ يُحْسِنُ ذلك.
(والسادسُ النظرُ للشهادةِ) عليها تحمُّلًا فينظرُ الشاهدُ فرجَها عند شهادته بزناها أو ولادتها وإلى ثديِها للشهادةِ على الرضاعِ فإن تعمَّد النظر لغير الشهادة أثِمَ قال الغزيُّ هنا (فسق ورُدَّتْ شهادتُهُ) اهـ وهذا غير صحيح فإنَّ هذا النَّظَرَ لا يفسق به كما نصَّ عليه عدةٌ منهم الشيخُ زكرياءُ في أكثرَ مِن موضعٍ في أسنى المطالب قال بعضهم (أو) النظرُ (للمعاملةِ) للمرأة في بيعٍ وغيره (فيجوزُ) أي نظرُهُ (إلى الوجه) منها (خاصةً) وهذا تفريعٌ على القول المردودِ القائلِ بعدم جواز نظرِ وجهِ المرأةِ بلا حاجةٍ وقد تقدم تفنيدُهُ.
(والسابعُ النظرُ إلى الأَمَةِ عندَ ابتياعِها) أي إرادةِ شرائِها (فيجوز) النظر (إلى المواضع التي يَحتاج إلى تقليبِها) بلا شهوةٍ ولا خلوةٍ فينظرُ أطرافَها وشعرَها لا عورَتَها وهي ما بين سرتِها وركبتِها وأمَّا المسُّ فلا يجوز.