قال الله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 52، 53]، استمر أكثرُ بني إسرائيل على كفرهم وضلالهم ولم يؤمن بعيسى عليه السلام إلا القليل، وكان منهم طائفة صالحة كانوا له ظَهيرًا ونَصيرًا، يؤيدونه ويُعاضدونه ويُعينونه في نشر دين الإسلام الحق الذي أرسله الله تبارك وتعالى ليدعوَ إليه، ولـمَّا أخذت دعوتُه تنتشر ويكثرُ أتباعُه ومُؤَازِرُوه حسدَه اليهود وتآمروا على الفَتْك به، وأخذوا يُدبرون مكيدةً لقتله والتخلصِ منه، فوشوْا به إلى بعض ملوك الزمان وعزموا على قتله وصلبه، فأنقذه الله تبارك وتعالى من مكيدتهم ومكرهم ورفَعه إلى السماء من بين أظهرِهم، وألقى اللهُ شبَهَ عيسى عليه السلام على واحد من أصحابه، فأخذوه فقتلوه وصلبوه وهم يعتقدونَه عيسى عليه السلام وهُم في ذلك غالِطون، وسلَّم لهم كثيرٌ من النصارى في ما ادعَوْه، وكِلا الفريقين في ذلك مخطئون، قال الله تبارك وتعالى في الرد على اليهود الذين زعموا أنهم قتلوا نبيَّ الله عيسى عليه السلام: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 157، 158]. ومعنى: {بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ}، أي: رفعه إلى محلّ كرامته، وليس المعنى أنه رفعه إلى مكان يستقر فيه الله بذاته لأن الله تعالى موجود بلا مكان، وإنما السموات مسكن الملائكة الكرام. قال القرطبيّ. «أي: إلى السماء، والله تعالى متعال عن المكان»([1]).اهـ.
[1])) الجامع لأحكام القرآن، القرطبيّ، (6/10).