وفاته عليه الصلاة والسلام
مات يحيى بن زكريا عليه السلام مقتولاً، فقد قتله بنو إسرائيل ظلمًا وعدوانًا بأمر ملكهم حاكم فلسطين ءانذاك هيرودس. وقيل في سبب قتله: إن هذا الملك “هيرودس” كان يكرم يحيى بن زكريا ويدنيه من مجلسه ويستشيره في أمره وكان هذا الملك متزوجًا من امرأة كانت قد كبرت وذهب جمالها وكانت لها بنت بارعة الجمال يقال لها “هيروديا” وكانت ربيبة هذا الملك وليست بنته من صلبه، ثم إن هذا الملك وقع في غرام هذه البنت وأراد أن يتزوجها، فقالت له أمها: تزوج بنتي هذه حتى لا تكون بعيدة من النعمة التي تتقلب فيها، فقال لها الملك: حتى أستفتي يحيى أيجوز أم لا، فلما استفتى هذا الملك يحيى عليه السلام نهاه عن زواجها وأخبره بأن ذلك حرام في شريعتهم، فلما بلغ ذلك أمّ الفتاة حقدت على يحيى عليه السلام ودبّرت له مكيدة قتل، فقد زينت ابنتها “هيروديا” أحسن زينة وعطّرتها وألبستها أفخر لباس وأدخلتها على “هيرودس” الملك، فأخذت ترقص أمامه حتى ملكت عليه مشاعره وأمرتها أمها أن تسقه الخمر وأن تتعرض له فإن أرادها على نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته، فلما فعلت ما أمرتها أمُّها قال لها هذا الملك: تمنّي عليّ فسألته أن يؤتى برأس يحيى في طست فقال لها الملك: ويحك! سليني غير هذا؟ فقالت له: لا أريد غير هذا، فلما أبت عليه زين له الشيطان سوء عملها وطلبها واستجاب لطلبها فأمر بقتل يحيى عليه السلام والإتيان برأسه، فقتل يحيى عليه السلام على أيدي هذه الفئة الظالمة وهو في الصلاة فذبح ذبحًا، ثم قُدّم رأسه إلى الملك في الطبق والدم ينزف منه، فلما رأت المرأة الرأس قالت: اليومَ قرت عيني، وانتقم الله تعالى لنبيه يحيى عليه السلام فلما صعدت هذه المرأة إلى سطح قصرها سقطت منه إلى الأرض وكان هناك كلابٌ ضارية فوثبت الكلاب عليها فأكلتها وهي تنظر إليهم وكان ءاخر ما أكل منها عيناها.
وكان نبي الله يحيى عليه السلام لما ذُبح في الصلاة وقطع رأسه قد تقطر دمه وسال على الأرض، ولم يزل دمه يغلي ويفور حتى سلط الله تعالى عليهم بختنصر أحد ملوك بابل من دمشق فجاءته امرأة فدلته على دم “يحيى بن زكريا” وهو يغلي فسأل عنه فأخبروه بقصته، فألقى الله تعالى في قلبه أن يقتل منهم عددًا على ذلك الدم حتى يسكن فقتل سبعين ألفًا حتى سكن دم يحيى عليه الصلاة والسلام، والله عزيز ذو انتقام.
وروى ابن عساكر أن الملك هو هداد بن هدار ملك مدينة دمشق وكان قد زوج ابنه بابنة أخيه أريل ملكة صيدا وكان قد حلف بطلاقها ثلاثًا، ثم إنه أراد مراجعتها فاستفتى يحيى عليه السلام فقال: لا تحل لك حتى تنكح زوجًا غيرك، فحقدت عليه وكان الأمر ما كان، والله أعلم.
يقول الله تعالى في ذم بني إسرائيل: {لُعِنَ الذينَ كفروا من بني إسرائيل على لِسانِ داودَ وعيسى ابنِ مريمَ ذلكَ ما عَصوا وكانوا يعتدون* كانوا لا يَتَناهونَ عن مُنكرٍ فَعلوهُ لبئسَ ما كانوا يفعلون* ترى كثيرًا منهُم يتوَلَّوْنَ الذينَ كفروا لبئسَ ما قدَّمَتْ لهُم أنفُسُهم أن سَخِطَ اللهُ عليهم وفي العذابِ هُم خالدون} [سورة المائدة/٧٨-٨٠].
ويذكر أهل التواريخ أنه بعد مقتل يحيى عليه السلام جاء تلاميذه وأخذوه ودفنوه، ثم جاءوا إلى المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وأخبروه بمقتل نبي الله يحيى عليه السلام، فحزن حزنًا شديدًا لقتله.
وفي مكان دفن يحيى اختلاف كثير، فيقال إن رأسه دفن في دمشق في المكان المعروف اليوم داخل المسجد الأموي، وقيل في حلب، وقيل يده دفنت في صيدا، ويقال إن قسمًا من جسده دفن في بيروت في المكان المعروف اليوم داخل المسجد العمري، والله أعلم.