وفاة رسول الله ﷺ
اعذروني اليوم أيها المشاهدون، حديثنا اليوم ليس عن وفاة قريب فحسب، ليس عن وفاة عزيز فحسب، ليس عن خسارة ملك، ليس عن فقر غني، ليس عن انهدام بناء. كلامنا اليوم عن مصيبة المسلمين، مصيبة المسلمين بوفاة سيد المرسلين. يوم الاثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، بعد عشر سنوات من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، ودع رسول الأمة الأمة، ودعت الأمة نبيها في يوم لا ينسى، في يوم أظلمت فيه الدنيا، رسول الله به أضاءت الدنيا، وبوفاته أظلمت الدنيا. عند صلاة الفجر في يوم الاثنين، في اليوم الأخير بعد غياب أيام قليلة ورسول الله ﷺ لا يراه الناس في ما بينهم، عند صلاة الفجر يسدل رسول الله ﷺ الستارة، أغمض عيني وأتخيل نفسي بين صفوف المصلين وكان رسول الله قد غاب.
وكأنهم يقولون كنا نصلي خلف رسول الله واليوم لا نصلي خلفه، كنا نسمع تلاوة رسول الله واليوم فقدنا تلاوته، كنا نسمع دعاء نبي الله واليوم لا نؤمن على دعائه وإذ بصلاة الفجر نرى رسول الله ﷺ يطل علينا، وجهه كأنه ورقة مصحف من شدة اللون، ينظر إلينا رسول الله مبتسما، يرانا مجتمعين، يكاد الناس يفتنون في صلاتهم، هذا رسول الله ينظر إليهم، فينشغلون عن صلواتهم برسول الله ﷺ. أبو بكر يهم بالتراجع يظن رسول الله آتيا لكنها كانت آخر لحظات رؤيتهم لرسول اللهﷺ. رسول اللهﷺ يشير إلى أبي بكر أن ابق مكانك، مضت تلك الأيام يا أبا بكر، ولت تلك الأيام التي يأتيك فيها رسول الله ﷺ، مضت تلك الأيام وسيأتي يوم مر، يأتي يوم صعب.
في منتصف اليوم، تخبر السيدة عائشة رضي الله عنها عما حصل مع رسول الله ﷺ، كيف بك يا عائشة ورسول الله في حجرك، رسول الله يلتقط أنفاسه الأخيرة، وهو بين يديك. تقول السيدة عائشة: سمعت رسول الله ﷺ يقرأ قوله تعالى:{ مع الذين أنْعم الله عليْهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ۚ وحسن أولٰئك رفيقا} وسمعته بعد ذلك يقول:“اللهم مع الرفيق الأعلى، اللهم مع الرفيق الأعلى”) قالت:”فعلمت أنه يخير، فاختار الموت والرفيق الأعلى جبريل” فاختار رسول اللهﷺ لقاء جبريل، وكانت تلك لحظة رسول الله الأخيرة.
مات رسول الله وانتشر الخبر في المدينة، ضجت المدينة، أحقا مات؟ لا نراه بعد اليوم؟ لا يصلي فينا إماما؟ لا نطرق بابه لنسأل؟ لا نسأله دعاء؟ لا نسأله مسألة؟ لا نشكو إليه ضيقا أو حاجة؟ أحقا مات؟ لا يخطب فينا رسول الله، لن نراه واقفا على المنبر؟ أحقا مات؟ لن نرى رسول الله مبتسما، لن نرى رسول الله متكلما؟ أحقا مات؟ لن يكون بيننا رسول الله؟
أيها المسلمون فقدت الأمة نبيها، أحقا لن نسمع رسول الله يقول:”أرحنا بها يا بلال.”؟ أحقا سيؤذن بلال، ولن ينتظر رسول الله يصلي إماما بالمسلمين؟ عمر بن الخطاب يخرج سيفه ولا يرضى أن يقال مات رسول الله.
وجاء أبو بكر، جاء أبو بكر بعد أن بلغه الخبر على فرس حتى يودع صاحبه، الوداع الأخير.حتى ينظر إليه النظرة الأخيرة، جاء أبو بكر ونزل عن فرسه ودخل المسجد ولم يكلم أحدا. دخل مباشرة إلى حجرة السيدة عائشة، يلقى صاحبه حتى يتأكد، هل حقا مات رسول الله، هل حقا مات حبيبه وخليله وصفيه. ماذا كان في بالك يا أبا بكر، هل ذكرت آنذاك مشهدك معه في الغار، هل ذكرت كيف هاجرت معه، تقف تارة أمامه وتارة خلفه، تارة عن يمينه، تارة عن شماله، تقول فداك أبي وأمي يا رسول الله؟ هل ذكرت كيف كان يضحك لك؟ هل ذكرت كيف كان يدعو لك؟ هل ذكرت كيف كان يخصك بخصائص؟ يا أبا بكر ، ما هذا الموقف، ما الذي أنت فيه؟ أبو بكر يزيل الغطاء عن وجه حبيبه رسول اللهﷺ ويقبله ويقول:”بأبي أنت وأمي يارسول الله، طبت حيا وميتا يا حبيب الله، ما أطيبك يا رسول الله، ما أطيبك حيا وما أطيبك ميتا.” أبو بكر ينادي ويقول:”وا صفياه،وا خليلاه.” مات رسول اللهﷺ وخرج أبو بكر في مشهد تاريخي، ينعى للأمة وفاة نبيها. ما أصعبه من موقف، أكثر الناس محبة لرسول الله: أبو بكر، والذي ينعى للأمة نبيها: أبو بكر، خرج أبو بكر وهو يرى عمر يقول للناس:”ما سمعت أحدا يقول بوفاة رسول اللهﷺ إلا ضربت عنقه.” لا يصدق عمر بوفاة رسول الله. فيقول أبو بكر: “على رسلك يا عمر.” فلا يرد عمر. فيصعد أبو بكر في الناس ويخطب خطبته المشهورة:” من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.” وقرأ قوله تعالى:{ وما محمد إلا رسول قدْ خلتْ من قبْله الرسل ۚ أفإن مات أوْ قتل انقلبْتمْ علىٰ أعْقابكمْ ۚ ومن ينقلبْ علىٰ عقبيْه فلن يضر الله شيْئا ۗ وسيجْزي الله الشاكرين} وهنا يقول عمر بن الخطاب:”ما احتملتني قدماي، علمت أن رسول اللهﷺ حقا مات.” هناك رجل أقعد فلم يستطع القيام، وهناك آخر لا يستطيع الكلام، هناك رجل اختلط عليه عقله. وضجت المدينة. وما الذي يحصل بعد ممات رسول اللهﷺ؟
نعم مات رسول الله، لكن لم تمت دعوته. أخذ أبو بكر بزمام الأمور، ومشى على ما عهد عليه رسول اللهﷺ، وكأنه يقول تركتنا يا رسول الله، ولكن لقاؤنا بك قريب، لقاؤنا بك في جنة الفردوس على العهد بإذن الله يا رسول الله.
ففي بيت رسول الله، مات رسول الله