وكتب الشيخ أسامة محمد السيد
وعيد من قال في القرءان وتفسيره برأيه
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدىً وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ *} [سورة الحج] ، وقال عز وجل {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً *} [سورة الإسراء] .
القرءان الكريم كلام الله تعالى المُنزَل على خاتم أنبيائه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان جبريل يعلّم النبي، صلى الله عليهما وسلم قال الله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *} [سورة النجم] ، وكان الصحابةُ يَرجِعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرهم لكتاب الله قال الله تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *} [سورة النحل] ، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [سورة البقرة] ، وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال في القرءان برأيه فليتبوَّأ مقعده من النار» . وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «أيُّ سماءٍ تُظِلُّني وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إن قلتُ في كتابِ الله ما لا أعلم». رواه الحافظ السيوطي في «تاريخ الخلفاء». وقال سيدنا علي رضي الله عنه: «ما أبردَها على كبدي أن أقولَ لا أدري حين لا أدري». رواه الحافظ أبو نُعيم الأصبهاني.
لذا اشترط العلماءُ على من يُفَسِّر كتاب الله عز وجل ويتصدَّى لهذا المقام الجليل أن يكون مُلِمًّا بأمور تُعينه على ذلك منها:
العلم بالإجماع: كي لا يخرق الإجماع في تفسيره.
العلم بأصول الدين: وهو علم التوحيد، ويُعرف به ما يجب لله تعالى، وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه، وما يجب للأنبياء وما يستحيل عليهم.
ويشترط العلم بآيات الأحكام وأحاديث الأحكام كي لا يخالفها.
العلم باللغة: قال مجاهد: «لا يحِلُّ لأحدٍ يؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله، إذا لم يكن عارفًا بلغات العرب». وقال الإمام مالك: «لا أوتَى برجلٍ غير عالم بلغة العرب يُفَسِّرُ كتابَ اللهِ إلا جعلتُه نكالا». رواه البيهقي عن مالك كما في الإتقان[(2)].
العلم بالنحو: من لم يعرف النحو قد يقع في أخطاء فاحشة.
العلم بالتصريف: فبه تعرف أبنية الكلمات، والصيغ، وألوان التصاريف.
العلم بالاشتقاق: لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف المعنى باختلافهما.
العلم بعلوم المعاني والبيان والبديع: وهو علم البلاغة المشهور.
العلم بالقراءات: فيها تعرف مخارج الحروف والأصوات وكيفية النطق بها. العلم بأصول الفقه: فيه تُعرف فيه وجوه الاستدلال، وطريقة استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة.
العلم الفقه: فيه تُعرف فيه الأحكام الشرعية (في العبادات والمعاملات ونحوها) في ذلك ومذاهب الفقهاء.
العلم بأسباب النزول: فيها يُعرف فيه المعنى المراد من الآية كما أنه يُزيل الإشكال عن بعضها، وبعلم القصص يُعلم ما هو من الإسرائيليات التي دُسَّت في التفسير وما ليس منه وماهو حق وما هو باطل.
العلم بالناسخ والمنسوخ: وهو مهم للمفسر وإلا وقع في خطأ كبير.
العلم بالحديث والسنن والآثار المبيّنة لتفصيل المجمَل، وتوضيح المبهم وتخصيص العام وتقييد المطلق، ونحو ذلك من وجوه بيان السنة للقرءان.
فمَن فسَّر القرآن بعيدًا عن هذه العلوم كان مُفَسّرًا بالرأي المنهي عنه، وكان مستحقًا للوعيدِ الوارد في حديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم «من قال في القرءان برأيه فقد ضل» ، وفي حديث «من قال في القرءان برأيه فأصاب فقد أخطأ» ، ومعنى «فأصاب» أي صادف كلامُه الواقع. ومعنى «فقد أخطأ» أي عصى الله معصية كبيرة فيكون فاسقًا مستحقًا لعذاب الله في جهنم لأنه تجرَّأ على كتاب الله بغير علم وهذا من جملة الفتوى بالرأي، وقد قال صلى الله عليه وسلم «من أفتى بغير علم لعنَته ملائكةُ السماءِ والأرض» رواهُ ابنُ عَسَاكِر.
إن الذي يتجرَّأ على تفسيرِ كتابِ اللهِ برأيه وجهله قد يقعُ في الكفرِ ويخرجُ من الإسلام فإن سَلِمَ من الكفرِ لا يَسلَمُ من الكبيرة ومن القسم الأول كالذي يُفسّرُ قول الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} بأنه تعالى ضوء عَمَّ السمـوات والأرض أو أنه نورٌ منتشرٌ في الأرجاء وهذا تكذيب لقوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، ويَكفرُ أيضًا الذي يُفَسِّرُ قوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} بالجلوس أو الاستقرار أو المحاذاة، بل معنى الآية الأولى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الله هادي المؤمنين لنور الإيمان، وستجدُه مفصَّلا موسَّعًا في محله. ومعنى الآية الأخرى {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} قهر العرش وكل العالم قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأِنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *} ، وهذا أيضًا تجدُه مُبيَّنًا بيانًا شافيًا في محلِّه. فعِلمُ الدين وتفسيرُ القرءان لا يؤخَذان من الفضائيات والصُّحُفِ والإذاعات بل يؤخَذُان من أهلِ العِلم بالتَّلقِّي مُشافهةً كما قال الإمام الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه «الفقيه والمتفقه»[(3)]: «إنما يؤخَذُ العِلمُ من أفواهِ العلماء».
فالحذر الحذر من أدعياء العلم الذين استسهلوا الفتوى بغير علم واستسهلوا تفسير القرءان بآرائهم فهؤلاء هالِكون، ومن أخذ بآرائهم وتفسيراتهم الباطلة هو هالك أيضًا ولا عذر له، بدليل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد «إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعا من العلماء ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْق عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالا فاستُفتوا فأفتَوا بغير علم فضَلُّوا وأضَلُّوا» فليُلاحظ قوله صلى الله عليه وسلم «فضَلُّوا وأضَلُّوا» أي هم ومن تبعهم، ويؤكد هذا المعنى أيضًا ما رواه البخاري قال صلى الله عليه وسلم «أناسٌ من جِلدتنا يتكلمون بألسنتنا تعرف منهم وتُنكر دعاةٌ على أبواب جهنم من استجاب لهم قذفوه فيها» .
فالسلامة والنجاة بالوقوف عند حد الشرع الشريف وعدم التجرُّؤ عليه والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبَع، والشَّرع يعلو ولا يعلى عليه، وسلامة الدين لا يعدِلُها شىء.
ـ[2] الإتقان (2/474).
ـ[3] الفقيه والمتفقه (2/97).