وصية عظيمة
من وصية الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه لتلميذه يوسف بن خالد السمتي البصري حين استأذنه الخروج إلى البصرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا دخلت البصرة واستقبلك الناس، وزاروك وعرفوا حقك فأنزل كل رجل منهم منزلته وأكرم أهل الشرف وعظم أهل العلم ووقر الشيوخ ولاطف الأحداث، وتقرب من العامة ودار الفجار، وأصحب الأخيار، ولا تحقرن أحداً يقصدك ولا تقصرن في إقامة مودتك، ولا تخرجن سرك إلى أحد ولا تخادم خسيساً ولا وضيعاً ولا تقولن من الكلام ما ينكر عليك في ظاهره.
وإياك والانبساط إلى السفهاء، وعليك بالمدارات والصبر والاحتمال وحسن الخلق وسعة الصدر، واعمد في زيارة من يزورك ومن لا يزورك والإحسان إلى من أحسن إليك أو أساء. وخذ العفو وأمر بالمعروف، وتغافل عما لا يعنيك، واترك كل من يؤذيك.
ومن مرض من إخوانك فعده بنفسك، ومن غاب منهم فتفقد أحواله، ومن قعد منهم عنك فلا تقعد أنت عنه. وصل من جفاك وأكرم من أتاك واعف عمن أساء إليك ومن تكلم منهم بالقبيح فيك فتكلم فيه بالحسن الجميل. ومن كانت له فرحة هنيته لها، ومن كانت له مصيبة عزيته عنها ومن أصابه هم فتوجه له به.
ومن استنهضك لأمر من أموره نهضت له، ومن استغاثك فأغثه.
ومن استنصرك فانصره، وأظهر التودد إلى الناس ما استطعت، وأفش السلام، وآنسهم ومازحهم أحياناً، وحادثهم، فإنها تجلب المودة وتستديم به مواظبة العلم وأطعمهم أحياناً واقض حوائجهم واعرف مقدارهم وتغافل عن زلاتهم وارفق بهم وسامحهم، ولا تبد لأحد منهم ضيق صدر أو ضجراً، وكن كواحد منهن، وارض منهم ما ترضى لنفسك وعامل الناس معاملتك لنفسك، واستعن على نفسك بالصيانة لها والمراقبة لأحوالها.
وإياك والغدر وإن غدروا بك وأد الأمانة وإن خانوك، وتمسك بالوفاء واعتصم بالتقوى.