الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(وشرائطُ وجوبِ الجهادِ) حيث وَجَبَ على الكفايةِ (سبعُ خصالٍ) إحداها (الإسلامُ) فلا جهادَ على كافرٍ (و)الثاني (البلوغُ) فلا جهادَ على صبِيٍّ (و)الثالثُ (العقلُ) فلا جهادَ على مجنون (و)الرابع (الحُريَّةُ) فلا جهادَ على رقيقٍ ولو مبعَّضًا ومكاتبًا ولو امرَهُ به سيِّدُهُ (و)الخامسُ (الذُّكوريَّةُ) فال جهادَ على امرأةٍ وخنثَى مشكلٍ (و)السادسُ (الصحَّةُ) فلا جهادَ على مريضٍ بمرضٍ تعظم مَشَقَّتُهُ ويمنعُهُ عنِ الركوبِ والقتالِ كحُمّى مطبِقَةٍ ولو حضر الوقعةَ فمرضَ ولم يمكنه القتالُ ولو برَمْيِ حجارةٍ جازَ له الرجوعُ (و)السابع (الطاقةُ) بالبدن والمال (على القتال) فلا جهادَ على أقطعِ يدٍ مثلًا ولا على مَن عَدِمَ أُهْبَةَ القتالِ كسلاحٍ ومركوبٍ في سفرِ قصرٍ ونفقةٍ فاضلةٍ عن مؤنة من تلزمه مؤنته ذهابًا وإيابًا كما في الحج فإن كان سفرُ الجهادِ دون مسافة القصر لم يُشترط الْمركوبُ عندئذٍ إن كان قادرًا على الْمَشْيِ. هذا كله إذا لم يَطَإِ الكفارُ بلد الْمسلمين كما تقدم فإن وَطِئُوها وغَشَوُا الْمسلمين لزم القتالُ حينئذٍ كلَّ مُطيقٍ يستوِي في ذلك الحُرُّ والعبدُ والرجلُ والْمرأةُ والأعرجُ والْمريضُ.

  (ومَن أُسِرَ) أي أسرَهُ الإمامُ أو أميرُ الجيش أو جندُ الْمسلمين (مِنَ الكُفَّار على ضربينِ ضرب) لا تَخْيِيرَ فيه للإمامِ بل (يكون) وفي بعض النسخ يصير (رقيقًا بنفس السَّبْيِ) أي الأخذِ والاستيلاءِ والقهرِ كما يَرِقُّ الحربيُّ الحربيَّ بالقهر (وهمُ الصبيانُ والنساءُ) أي صِبيانُ الكفارِ ونساؤُهُم ويُلحق بما ذكر الخَنَاثَى بفتحِ الخاءِ والْمجانينُ وعندئذٍ أي عند صَيْرورة الكافر رقيقًا بالسَّبْيِ لا يَختَصُّ به من أسَرَه بل يكون كسائر أموال الغنيمةِ فيُصرَفُ خمُسُهُ في مصرَفه الذي بيَّنَه الْمصنف في الفصل الذي يَلِي هذا والباقي يُقسَمُ بينَ الغانمين لأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقسِمُ السَّبْيَ كما يقسِمُ الْمالَ. ويُستَثْنَى الزوجةُ الكافرةُ لِمَن كان مسلمًا عند السَّبْيِ فلا ترِقُّ. ولا يجوز قتلُ النساء والصِّبيان ومَن في معناهم كالخُنَاثَى والْمجانين نظرًا لِحَقِّ الغانمين لِمَا رواه البخاريُّ ومسلم عن أبن عمر رضيَ الله عنهما أنَّ النبيَّ رأى امرأةً مقتولةً في بعض مغازيه فأنكر قَتْلَ النساء والصبيان اهـ فإن قتلَهُمُ الإمامُ أو نائبُه ضمن قيمتَهم للغانمين كسائر أموال الغنيمة.

  (وضرب) ثانٍ منَ الأسْرَى (لا يَرِقُّ بنفسِ السَّبْيِ وهمُ الرجالُ) منَ الكفار الأصليِّين (البالغون) الأحرارُ العاقلون (والإمامُ) أو أميرُ الجيشِ كما في بعضِ النُّسَخِ (مخيَّرٌ) فيهم بحسب الْمصلحة للإسلام والْمسلمين بالاجتهادِ لا بالتَّشَهِّي (بين أربعةِ أشياءَ) أحدُهما (القتلُ) بضربِ رقبةٍ لا بتحريقٍ وتغريقٍ مثلًا إذا كان فيه إخمادُ شوكةِ الكفار وإعزازُ الْمسلمين وإظهارُ قُوَّتِهم ويُستثْنَى عتيقُ الْميلم إذا التحق بدار الحرب وحارب وأُسِرَ لا يُسْبَى ولا يُسْتَرَقُّ لأنَّ الولاءَ بعد ثبوتِه لا يرتفعُ مع كونِه حقًّا للمسلم (و)الثاني (الاسترقاقُ) بضرب الرِّضِّ عليهم أي ضربُ الرِّقِّ لْمصلحةٍ ككونِ الأسير كثيرَ العمل ولا رأيَ له ولا شجاعةَ ويكونون بعد ذلك كبقيةِ أموالِ الغنيمةِ (و)الثالثُ (الْمَنُّ) عليهم بتخليةِ سبيلِهِم أي الإنعامُ عليهم بتخليةِ سبيلِهِم لْمصلحةِ إظهارِ عزِّ الْمسلمين (و)الرابعُ (الفديةُ) إما (بالْمالِ) أي مِن مالِهِم أو مِن مالنا الذي تحت أيديهم أو بأسلحتنا التي تحت أيديهم ومالُهُم الذي يُفادونَ به كبقيةِ أموالِ الغنيمةِ يُصرَف خُمسُه غلى أهلِ الخُمسِ والباقي للغانمين (أو بالرجالِ) الأسرَى مِنَ الْمسلمين وغيرِهم مِن أسرَى الْمسلمينَ والذِّمِّيِّينَ ويجوزُ أن يُفادَى مشركٌ واحدٌ بمسلمٍ أو أكثرَ ومشركون بمسلمٍ (يَفْعَلُ) الإمامُ (مِن ذلك) أي مِنَ الخصالِ الأربعِ بالاجتهادِ (ما فيه الْمصلحةُ) للمسلمين لقوله تعالى (فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً) أنزله اللهُ بعد بدرٍ في الأُسارَى فجعَلَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام والْمؤمنين بالخِيارِ فيهم إن شاءُوا قتلوهم ون شاءُوا استعبدوهم وإن شاءُوا فادَوْهُم اهـ رواهُ البيعقيُّ وغيرُهُ عنِ ابنِ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما اهـ فإن خَفِيَ عليه الأحَظُّ حبسَهُم حتى يَظهرَ له الأحظُّ فيفعلَهُ. وخرج بالأصليِّين الكفارُ غيرُ الأصليِّين كالْمُرْتَدِّينَ فيطالبهم الإمامُ بالإسلامِ فإن امتنعوا قَتَلَهُم. ولا يجوز ردُّ أسلحة الكفار التي تحت أيدِينا إليهم بمالٍ يبذلونه لنا كما لا يصِحُّ بيعُ السلاح لهم ولكن يجوزُ لنا مفاداةُ أسرانا بِرَدِّ سلاحِ الكفار إليهم.

  (ومَن أسلمَ) منَ الكفار (قبلَ الأسْرِ) أي أَسْرِ الإمامِ له (أحرزَ) أي عَصَمَ بإسلامِه (ومالَه) مِن أن يُغْنَم (ودمَه) مِن أن يُسفَكَ (وصغارَ أولادِهِ) الأحرارِ ومجانينَهم مِن أن يُسبَوْا وحُكِمَ بإسلامِهِم تَبَعًا له بخلاف البالغين مِن أولادِه فلا يعصمُهُم إسلامُ أبيهم والجدُّ أو الجدَّةُ كالأبِ يعصِمُ إسلامُ أحدهما حفيدَهُ الصغير ولو مع وجودِ أبويهِ الكافرَينِ. وإسلامُ الكافرِ لا يَعْصِم زوجتَه عنِ استرقاقِها ولو كانت حاملًا هذا حكمها هِيَ وأما الحملُ فيُحكَمُ بإسلامه تبعًا لأبيه فإن استُرِقَّت انقطعَ نكاحُهُ في الحالِ لامتناعِ نكاحِ الْمسلمِ الأمةَ الكافرةَ وهذا هو الفرق بين زوجةِ الْمسلم وزوجةِ مَن أَسلم فإنَّ زوجةَ الْمسلم لا تُسْبَى كما تقدم بخلافِ زوجةِ مَن أسلمَ بعد أسرِها. وإذا سُبِيَت زوجةٌ حرَّةٌ ورَقَّت بنفسِ السَّبْيِ أو زوجٌ حُرٌّ ورَقَّ بنفس السَّبْيِ أو بالسترقاقِ أو سُبِيَا معًا انفسخَ النكاحُ بينهما فإن كانا رَقِيْقَين لم ينفسخِ النكاحُ سواءٌ سُبِيا معًا أو سُبِيَ أحدُهما وإنما انتقل الْملك مِن شخصٍ إلى ءَاخَرَ.

  (ويُحكم للصبِيِّ) أي والصبيةِ والخنثَى الصغيرةِ (بالإسلام عند وجود ثلاثة أشياء) أحدها (أن يُسْلِمَ أحدُ أبوَيهِ) فيُحكم بإسلامه ولو حَمْلًا تبعًا له وإن عَلَا وكانَ الأقربُ حيًّا كما تقدَّمَ وكانَ غيرَ وارثٍ. وحكمُ الْمجنونِ كالصبِيِّ كما تقدَّمَ أيضًا. والسببُ الثاني هو سَبْيُّ الْمسلم له ولذا قال الْمصنف (أو يَسبيَهُ مسلمٌ) حالَ كونِ الصبِيِّ (منفردًا عن أبوَيْهِ) فإن سُبِيَ الصبِيُّ مع أحد أبويه فلا يَتبعُ الصبيُّ السابِيَ له ومعنَى كونِهِ مع أحدِ أبويهِ أن يكونا في جيشٍ واحدٍ وغنيمةٍ واحدةٍ لا أن مالكَهُما يكون واحدًا. ولو سباه ذِمِّيٌّ أو معاهَدٌ أو مؤَمَّنٌ وحمَلَه إلى دار الإسلام لم يُحكم بإسلامه في الأصحِّ بل هو على دينِ السابِي له ولو خالف ذلك دينَ أبويهِ ومِن هنا يُتَصَوَّرُ عدم التوافق بين الأولاد والأبوين وبين الأولاد بعضِهِم مع بعضٍ في الدين كما يُذكر ذلك في مواضعَ كثيرةٍ. والسببُ الثالثُ التقاطُهُ في دار الإسلام كما بيَّنَهُ الْمصنف فقال (أو يوجَدُ) أي الصبِيُّ (لقيطًا في دار الإسلام) وهيَ التي اسْتَولَى عليها الْمسلمونَ ابتداءً وإن مَنَعَهُم الكفارُ منها بعد ذلك وطالَت مدةُ مَنْعِهِم فَيُحْكَمُ بإسلامِ الصبِيِّ حينئذٍ. وكذا يُحكَمُ بإسلامِ اللقيطِ إن كان في البلدِ أهلُ ذِمَّةٍ وكان فيها مسلمٌ احتمَلَ كونُه منه ظاهرًا تَبَعًا للدار وأمَّا باطنًا فلو حَكَى الكفرَ بعد بلوغِه في هذه التبعِيَّةِ تبيَّنَ أنه كافرٌ أصليٌّ لا مرتَدٌّ. وكذا الحكمُ لو وُجِدَ في دارِ كفارٍ سكنها مسلمٌ خرج بذلك مجرَّدُ الْمجتازِ فلا عبرةَ بذلك للحكمِ بإسلامِ اللقيط يُمكِنُ أن يكونَ مِنْهُ.