الخميس نوفمبر 21, 2024

الدرس الحادي عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

وجوب التسليم لحكم الشرع

درسٌ ألقاه المحدثُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ الهرري  الحبشي رحمهُ اللهُ تعالى وهو في بيان وجوب التسليم لحكم الشرع. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمّد.

أما بعدُ فقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿فلا ورَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حتَّى يُحَكِّمُوكَ فيمَا شَجَرَ بينَهُمْ ثمَّ لا يَجِدُوا في أنفُسِهِمْ حرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ ويُسَلِّمُوا تسليمًا﴾([i]) قال تعالى: ﴿ويُسَلِّمُوا تسليمًا﴾ المعنى أنه يجب التسليمُ للشرع في كل شيءٍ، كلُّ ما جاءَ به شرعُ اللهِ يجبُ التسليمُ له، يجب التسليم لرسول الله في كل ما جاءَ به من تحليلٍ أو تحريمٍ أو حكمِ الجِناياتِ. لا يصح أن يُؤمَنَ ببعضٍ ويُكفَرَ ببعض. هذه الآيةُ فيها نفيُ الإيمان لمن لا يُسلِّمُ للشريعةِ تسليمًا مُطلقًا. يجب تصديقُ رسول الله في كلّ ما جاءَ به في أصول العقيدةِ وفي الأحكامِ وفي الحدودِ فيجبُ الحذرُ من أناسٍ يدَّعُونَ أنه ليس لازِمًا أي ليس واجبًا تطبيقُ كلّ أحكامِ الشريعةِ. بعضُ أهلِ العصر من الدكاترة الذين يتخرجون باسم جامعة كذا وجامعة كذا يُحرّفونَ شريعة الله يُسايِرون الكفار فإنهم لمّا يسمعون من الكفار انتقادَ شرعِ الله في بعض أحكام دين الله مثلِ قتل المرتد إذا لم يرجع إلى الإسلام يسايرونهم في ذلك. المرتدُّ في شرع الله، المسلم الذي خرج من الإسلام بقولٍ أو فعلٍ يقتضي الكفرَ يُدعَى إلى الرجوع إلى الإسلام ثلاثةَ أيامٍ فإن لم يتُبْ يقتله الخليفةُ أو نائِبُهُ، واجبٌ عليه.

وقد سبقَ في شرع غيرنا قتلُ المرتد، موسى عليه السلام حكمَ بقتلِ أناسٍ عبدوا العِجلَ مع أنهم رَجَعُوا حكَم بقتلهم أما في شرعِنا إن رجعَ لا يُقتل. والكفارُ الذين درسوا بعض المسائل التي في التوراة يعلمون ذلك، يعلمون أن موسى عليه السلام ذهب إلى الطُّورِ بأمر الله وترك قومَهُ الذين نَجَوا معه من فرعون وكانوا ستمائةِ ألفٍ وهؤلاء بنو إسرائيل ذريةُ يعقوبَ ذريةُ يوسفَ عليه السلام وإخوتِهِ كان بلغ عددُهم نحو ستمائة ألفٍ في نحو أربعمائةِ سنةٍ ومكث سيدنا موسى في غيبته أربعين ليلةً ففُتِنَ أكثرُ بني إسرائيلَ برجلٍ صاغَ عِجلًا من ذهبٍ، هذا الذهبُ كانوا حملوه من مصر، حُليٌّ كانَ عوارِيَ لبعض الكفار وكان فيهم رجل أصله من عُبَّادِ البقر ظاهرًا مسلم جمعوا هذا الذهب وصاغهُ هذا الرجل عجلًا صار هذا العجل يخُورُ ويمشي فقال لهم هذا الرجلُ هذا إلهُكُمْ وإلهُ موسى فصدّقهُ كثيرٌ منهم فعبدوا العجلَ، فلما رجع موسى عَلِمَ بما فعلوا فحكمَ بقتلِ سبعين ألفًا الذين عبدوا العجل. البحّاثون من هؤلاء الأوروبيين يعرفون هذا لكن بما أنهم ابتعدوا من شرائع الأنبياء كلَ البعد ينتقدون حكم المسلمين الذي هو في دين الله الذي جاء به سيدنا محمّد. قَتْلَ المرتد يَعيبون، كذلك يَعيبونَ قتلَ الزاني الـمُحْصَنِ أي الزاني الذي كان تزوَّجَ زواجًا شرعيًّا وقضى وَطَرَه وهذا أيضًا الزاني الـمُحصَنُ في شرع موسى عليه السلام كان يُقتَل، الرجل والمرأةُ إن كانا مُحصَنَينِ ثم زنَيَا. اليهودُ الذينَ كانوا في زمن الرسول في المدينة جاؤوا إلى الرسول فقالوا هذان زَنَيا وهما مُحْصنانِ فقال لهم: ما تَجِدونَ في التوراةِ قالوا: نَجِدَ الفضيحةَ لهما، قال: ألا تجدونَ في التوراة الرجم أي القتل رميًا بالحجارة، قالوا لا، قال: ائتوا بالتوراة، وفي ذلك الوقت التوراة التي بأيديهم كان فيها ما هو صحيح لم يُبدَّل أو كانت كلها صحيحة لكن حكموا بغير ما فيها فجاء شخص من علمائهم فبدأ يقرأ في التوراة ووضع يده على ءاية الرجم وكان هناك يهوديٌّ أسلمَ اسمهُ عبدُ الله ابن سلام لما رءاه وضع يده على موضع في التوراةِ وصار يقرأ ما قبل الموضع الذي وضع عليه كفَّهُ وما بعده قال له ارفع يدك فرفع يده فإذا ءايةُ الرجم تحت يده أي الآية التي تَحْكُمُ بأنَّ الزانيَ المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت، ثم طُبِّقَ عليهما الرجم هذين اليهوديين اللذين زنيَا([ii]) اهـ هذا أي حكم الرجم كانت نزلت ءايةٌ في النصّ عليه ثم نُسِخَتْ تلاوتُها، الله نسخَها تِلاوةً وأبقَى حُكمَها، الآن لا تُقرأ قرءانًا لكن حكمها باقٍ، من حيث التلاوةُ لا تُقرأ قرءانًا، الآن لا توجدُ في المصحف. الصحابة قرأوها مُدّة من الزمن على أنها قرءان ثم نسخَ الله تعالى تلاوَتَها. وهذا عالـمُ اليهودِ الذي وضع يده على ءاية الرجم يسمَّى ابنَ صُورِيا كان من الذين حرَّفوا حكم التوراة.

صحَّ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال من جَحَدَ الرجمَ فقد كفر بالرحمن اهـ وفي لفظٍ مَن كفر بالرجم فقد كفرَ بالرحمنِ([iii]) اهـ هذا إن بلَغَهُ أن شريعة الله فيها رجم الزاني المحصن أما من لم يبلُغْهُ فإنْ أنكرَ لا يُكَفَّر.

ءايةُ الرجم التي كانت في القرءان هي الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيا فارجُمُوهُما ألبَتَّةَ نَكالًا منَ الله والله عزيزٌ حكيمٌ([iv]) هذه الآية كانت في سورة الأحزاب، سورة الأحزاب اليوم ثلاثة وسبعونَ ءايةً كانت أولَ ما أُنزِلَتْ طويلةً مثلَ سورة البقرة ثم نسخَ الله أكثرَها وأبقى ثلاثةً وسبعينَ ءايةً. الشيخُ والشيخةُ معناهُ الثَّيّبان أي شخصان تزوجا بالحلال وجامع الذكر منهما زوجته وجامع الأنثى منهما زوجُها أما غيرُ الثيِّب فعقابُهُ جلدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ، الحاكمُ الخليفةُ يَجلدُ مائةَ جلدةٍ الرجلَ والمرأةَ ثم يُغرَّبانِ أي يُنفيان سنةً كاملةً يبقيان مَنفِيَّينِ، هذا حكم الزاني البِكر.

منذ ستينَ سنةً أو أكثر في مصر بعضُ من يدَّعي العلم من الخَوَنةِ حرَّفُوا قطعَ يدِ السارقِ، السارقُ في شريعةِ الله إن سرق ما قيمته ربع دينارٍ ذهبًا تُقطعُ يده إن سرقه من المكان الذي يُحفظ فيه عادةً تُقطع يده اليُمنى أوّل مرة، هذا ورد فيه ءاية في سورة المائدة ﴿والسَّارِقُ والسَّارِقةُ فاقْطَعُوا أيدِيَهُما جَزاء بِما كَسَبَا نَكالًا مِّنَ اللهِ واللهُ عزيزٌ حَكيمٌ﴾([v]) بعضُ الخَوَنةِ من أهل مصر ممن يدعي العلم قال وجدنا لهذه الآية حلاً قال معنى اقطعوا أعطوهم مالاً بالعطاء هذا العطاء يكون قطعًا بدل قطع اليد، قال بدل قطع اليد مشايخنا استنبطوا هذا الحكم اهـ هذا باطل، هذا تحريف للشريعة. السارقُ الذي سرق ما يساوي ربعَ دينارٍ ذهبًا من مكان يُحفَظُ فيه عادةً من مكانٍ حِرزٍ لذلك المالِ إن بلغَ أمرهُ الحاكمَ وجبَ على الحاكم إذا ثبتت السرقة على الشخص عنده قطْعُ يدِهِ من مَفصِلِ الكفِّ ثمَّ يُحسَ يُغمسُ في الزيتِ الـمُغلَى، لا يبقى الدم ينزِف.

ثم أيضًا في مصر حرّفوا حكم الطلاق منذ ستين سنة أو سبعين سنة. محاكمهم الآن أفسدَتْ حكمَ الطلاق تركوا المذاهب الأربعة وتَبِعوا رجلاً حرَّفَ دينَ الله اسمه أحمد بن تيمية أخذوا بكلامه وتركوا المذاهب الأربعة. وهذا الرجل كان مُشَوّشًا على المسلمين أُخِذَ فاجتمع عليه القضاةُ وولاةُ الأمور والعلماءُ في مصر حكموا عليه بأن يُحبَسَ حبسًا طويلاً من دون تحديد وذلك في أوائل القرن الثامن فقضَى في السجن سنتين فمات فأخرِجَ محمولاً. هذا الرجل الخبيث أحمد بن تيمية هو الذي حرَّفَ حكم الطلاق، قال إنَّ الرجلَ إذا حلف بالطلاق على وجه اليمين تكفي الكفارةُ. عندهم اليوم إذا قال شخص طلقت زوجتي ثلاثًا يعتبرونه طلاقًا واحدًا لأنه ليس مُفرَّقًا إنما يكون الطلاق ثلاثًا عندهم إذا كان مُفَرَّقًا أما إذا جُمِعَت الثلاثُ بلفظٍ واحدٍ لا يعتبرونه طلاقًا ثلاثًا يعتبرونه طلاقًا واحدًا معناه يجوز له أن يرتجعها بقول أرجَعْتُكِ إلى نكاحي وهذا من جملة ما أفسدَهُ الخَوَنةُ في مصر من أمر الدين. تركوا المذاهب الأربعة لقول هذا الرجل الخبيث ابن تيمية ثم بعدما شاع في مصر تبعهم أناسٌ من غير أهل مصر. في سورية في دمشق كان رجل مُسِنٌّ يَتَزَيَّا بزِيّ شيخ كان أهل الشام يقصدونه إذا طلّقوا ثلاثًا معلّقة يذهبون إليه فيقول هات خمسًا وعشرين ليرة كفّارةً وارجع إلى زوجتك. هذا الرجلُ عُرِفَ في دمشق واشتهر قوله باسم مذهب الكلاب سماه أهل البلد مذهبَ الكلاب ومع ذلك كان الناس الذين ما عندهم تقوَى يذهبون إليه، يقصده بعض الناس الذين ليس لهم عنايةٌ بالدين.

انتهى والله تعالى أعلم.

[i])) سورة النساء/الآية 65.

[ii])) رواه البخاريّ في صحيحه بابُ أحكامِ أهلِ الذمَّةِ وإحصانِهِم إذا زَنَوا ورُفِعُوا إلى الإمامِ.

[iii])) رواه ابن حبان في باب ذكر إخفاء أهل الكتاب ءاية الرجم.

[iv])) رواه الحاكم في المستدرك باب تفسير سورة الأحزاب بسم الله الرحمنِ الرحيمِ.

[v])) سورة المائدة/الآية 38.