ليُعلم أنّ هذه الفرقة الوهابية ليست من الإسلامِ في شيء، إنما نشأت لهدمِ الدعوةِ الإسلامية ولتفريقِ الكلمة بين المسلمين وإضعافًا لشوكتِهم خدمةً لزعمائِهم في الدولة البريطانية، فإنّ الجاسوسَ البريطاني جيفري همفر يقول في مذكراتِه عن محمد بن عبد الوهاب([1]). «لقد وجدتُ في محمد النجدي ضالتي المنشودة، فإنّ تحررَه وطموحَه وتبرُّمَه من مشايخِ عصرِه ورأيه المستقل الذي لا يهتم حتى بالخلفاءِ الأربعة أمام ما يفهمُه هو من القرآنِ والسُّنَّة، كان أكبر نقاط الضعف التي كنتُ أتمكن أن أتسللَ منها إلى نفسِه…».
وبعد تعبئةِ همفر لمحمد بن عبد الوهاب ذهب همفر لتقديم تقريرِه إلى الدولة البريطانية في ابن عبد الوهاب، وقبل ذهابِه زوّده بالمال والرَّكوب ليبقى على صلةٍ معه لعلمِه أنه كثير التقلّب، فلما عقد همفر اجتماعَه مع الدولة البريطانية وبقية جواسيسِها قرّروا ترشيحَ ابن عبد الوهاب ليكونَ المَطِيّة لمآرِب الدولة البريطانية، وقرروا تزويدَه بالمال الوفير والسلاح لخدمةِ ذلك، وأنْ يجعلوا له إمارة صغيرة في أطرافِ بلادِه نجد.
وهذا ما حصل، وهيّأت الدولة البريطانية خطة لابنِ عبد الوهاب لتنفيذِها، من عدة بنود، فإنْ لم ينفِّذْها كلها تكون بذرة للأجيال المقبلة، وهي:
تكفير كل المسلمين وإباحة قتلِهم وسلب أموالِهم وهتك أعراضِهم وبيعهم في أسواق النخاسة.
هدم الكعبة باسم أنها آثار وثنية إنْ أمكن ومنع الناس عن الحج، وإغراء القبائل بسلبِ الحجاج وقتلِهم.
السعي لخلعِ طاعة الخليفة والإغراء لمحاربتِه وتجهيز الجيوش لذلك، ومن اللازم أيضًا محاربة (أشراف الحجاز) بكل الوسائل الممكنة والتقليل من نفوذِهم. (على زعمه).
هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدّسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك، والاستهانة بشخصية النبيّ ﷺ وخلفائِه ورجال الإسلام بما يتيسّر.
نشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسبما يمكنه ذلك.
نشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة ونقيصة([2]).
ويؤكد همفر جواب ابن عبد الوهاب على هذه النقاط بالآتي: «لقد وعدَني (الشيخ) بتنفيذِ كل الخطة السداسية إلا أنه قال: إنه لا يتمكن في الحال الحاضر إلا على الإجهارِ ببعضِها، وهكذا كان، وقد استبعدَ الشيخ أنْ يقدرَ على (هدم الكعبة) عند الاستيلاء عليها، كما لم يَبُحْ عند الناس بأنها وثنية، وكذلك استبعد قدرته على صياغة قرآن جديد. وكان أشد خوفِه من السلطة في (مكة) وفي (الآستانة)، وكان يقول: إذا أظهرْنا هذين الأمرين لا بدّ وأنْ يُجَهّز إلينا جيوش لا قِبَلَ لنا بها، وقبِلتُ منه العذر، لأنّ الأجواءَ لم تكن مهيّأة كما قال الشيخ»([3]).
فالوهابيةُ هي فرقة تتبع زعيمها مُحمد بن عبد الوهاب، ظهرت في نجد منذ نحو مائتين وخمسين سنة، قال رسول الله ﷺ (حين قيل له: وفي نجدِنا يا رسولَ الله؟): «هناك الزلازلُ والفتَن، وبها يطلُعُ قرنُ الشيطان»([4]). فهذه الفرقة قد أنشأها أعداء الإسلام وأطلقوا عليها اسم الحركة السلفية لتحارب الإسلام باسم الإسلام، وشيخهم محمد بن عبد الوهاب تخرّج على يد جاسوس المستعمرات البريطانية جفري همفر.
وهذه الفرقة الوهابية تقوم على مجموعة من الركائز أخطرها التكفير العام الشمولي لكل مَن خالفَها، فاستحلّت بذلك الفكر المتطرف دماءَ المسلمين وأعراضَهم، متّخذة هذا الفكر مِظلّة لبسط سيطرتِها على الجزيرة العربية والحرمين. فالوهابية هم خوارج القرن الثاني عشر، وقد قال النبي ﷺ: «يخرجُ ناسٌ من قبلِ المشرِقِ ويقرؤونَ القرآنَ لا يُجاوزُ تَراقِيَهم يَمرُقونَ من الدينِ كما يمرُقُ السهمُ من الرّميّة سيماهم التحليق»([5]).
وهكذا بدأت الدعوة الوهابية التي غرضها – كما رأيت – هدم الدين ونشر الفوضى في البلاد وتكفير المسلمين واستباحة دمِهم وأموالِهم وأعراضِهم([6])، وما ذاك إلا لخدمة اليهود وأصحابِهم في الدولة البريطانية. فلذلك كان الحذر والتحذير منهم واجبًا شرعيًّا شفقةً على المسلمين وحمايةً لدين الله ونصرةً له ومعرفة حقيقتِهم التي تخفى على كثيرٍ من الناس.
[1])) همفر، اعترافات الجاسوس الإنكليز، ص24.
[2])) همفر، مذكرات همفر، ص76 – 78.
[3])) همفر، اعترافات الجاسوس البريطاني، ص80.
[4])) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الاستقساء، باب: ما قيل في الزلال والآيات، ج1، 351.
[5])) البخاري، صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب: ما قراءة الفاجر والمنافق، ج6، 2748.
[6])) أحمد بن زيني دحلان، أمراء البلد الحرام، ص297، 298.