الأحد ديسمبر 22, 2024

التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث

 

تحقيق البيان في سبحة أهل الإيمان

لخادم علم الحديث الشريف

الشيخ عبد الله الهرري

المعروف بالحبشي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وهو حسبنا وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما على نبينا محمد المصطفى وعلى ءاله وصحبه بصلوات زاكيات تشمل مَن بإحسان اقتفى.

أما بعد: فقد روينا من حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا [5]: “إن محرّم الحلال كمُحلِّ الحرام”.

فمن هنا انبغى الاعتدال في الجانبين وتحقيق المقام، خطورة التسرع إلى تضعيف حديث أو عكسه، وتعقب كلام ناصر الألباني فيما كتبه في مجلة التمدن الإسلامي الصادرة في جمادى الآخرة من سنة 1375هـ.

ثم أعاد نشر ذلك فيما بعد في سلسلته المسماة “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة” [1/95]، وقد طبعت هذه السلسلة مرارًا مع إصراره على أخطائه الحديثية والفقهية العديدة تعصبًا للرأي واتباعًا للهوى كما سيظهر لك جليًا في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

 

قال الألباني [6] ما نصه: “نِعْمَ المُذكّر السُّبحة”.

[موضوع] أخرجه الديلمي في “مسند الفردوس” قال: أخبرنا عبدوس بن عبد الله، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن فتحويه الثقفي، ثنا علي بن محمد بن نصرويه، ثنا محمد بن هارون بن عيسى بن المنصور الهاشمي، حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي، حدثني عبد الصمد بن موسى، حدثتني زينب بنت سليمان بن علي، حدثتني أم الحسن بنت جعفر بن الحسن، عن أبيها، عن جدها، عن علي مرفوعًا. ذكره السيوطي في رسالته “المنحة في السبحة” [ص141/2] من الحاوي [7]، ونقله عنه الشوكاني في “نيل الأوطار” [2/166-167] وسكتا عليه. قلت: وهذا إسناد ظلمات بعضها فوق بعض [8]، جل رواته مجهولون بل بعضهم متهم: أم الحسن بنت جعفر بن الحسن لم أجد من ترجمتها، وزينب بنت سليمان بن علي ترجمها الخطيب في تاريخه [14/434] وقال: “كانت من فضائل النساء”، وعبد الصمد بن موسى هو الهاشمي ترجمه الخطيب [11/41] ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، ولكن نقل الذهبي في “الميزان” عن الخطيب أنه قال فيه: “قد ضعفوه” فلعل ذلك في بعض كتبه الأخرى. ثم قال الذهبي: “يروي مناكير عن جده محمد بن إبراهيم الإمام”، قلت: فلعله هو ءافة هذا الحديث…”، ثم قال الألباني: “فثبت أنه بإسناد ضعيف لا تقوم به حجة، ثم إن الحديث من حيث معناه باطل عندي لأمور: الأول أن السبحة بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثت بعده صلى الله عليه وسلم…، الثاني أنه مخالف لهديه” انتهى كلام الألباني.

أقول: هنا مخالفة خالفت بها قواعد الحديث المقررة في علم الاصطلاح احتججت على الحكم بالوضع بجهالة الراوي ونكارته أي روايته للمناكير، فهل رأيت أحدًا من أئمة الحديث عدّ من موجبات الوضع الجهالة والنكارة؟ بل الأمران من أسباب الضعف الوسطى. فالجهالة من القسم الذي إذا تابع صاحبه غيره ممن هو مثله أو فوقه انجبر ضعفه وصار حديثه مقبولاً حسنًا، قال الحافظ السيوطي في “تدريب الراوي” [9] عند قول صاحب المتن وهو النووي: “إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حُسنٌ، بل ما كان ضعْفُه لضعف حفظِ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجهٍ ءاخر وصار حسنًا وكذا إذا كان ضعفها لإرسال..” ما نصه: “أو تدليس أو جهالة رجال كما زاده شيخ الإسلام” ا.هـ، وهذا نص صريح من الحافظ ابن حجر فيما قلنا: “من أن جهالة الراوي من الضعف الذي يزول بموافقة راوٍ ءاخر له”.

فقد تحققت مخالفتك لأهل الحديث وبطل تمسكك في الحكم بالوضع على هذا الحديث بكون بعض رواته مجهولاً.

وأما النكارة: فقد أخرج مسلم في صحيحه [10] في المتابعات لمن قال فيه بعض أهل الجرح: “روى مناكير” وهو أبو زُكير [11].

قال الحافظ العراقي في شرح ألفية الحديث [12] عند تقسيم المنكر إلى قسمين عند شرح قوله في المتن: نحو “كلوا البلح بالتمر” ما نصه: “فالأول مثال للفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده، وهو رواه النسائي [13] وابن ماجه [14] من رواية أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كلوا البلح بالتمر فإن ابن ءادم إذا أكله غضب الشيطان”، الحديث، قال النسائي: هذا حديث منكر، قال ابن الصلاح [15]: “تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح، أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده” انتهى، وإنما أخرج له مسلم في المتابعات: انتهى كلام العراقي. وقال الحافظ العراقي أيضًا في نكته [16] على ابن الصلاح ما نصه: “وأورد له ابن عدي أربعة أحاديث مناكير” ا.هـ.

قال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح [17]: “وقول الخليلي [18]: إنه شيخ صالح، أراد به في دينه لا في حديثه لأن من عادتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك فقالوا: صالح الحديث، فإذا أطلقوا الصلاح فإنما يريدون به في الديانة، والله أعلم” ا.هـ.

وقال الحافظ العراقي في شرح ألفيته [19] في مبحث بيان مراتب الجرح والتعديل بعد أن ذكر منها ثلاثًا ما نصه: “و كل من قيل فيه ذلك من هذه المراتب الثلاث لا يحتج بحديثه ولا يستشهد به ولا يعتبر به. المرتبة الرابعة: فلان ضعيف، فلان منكر الحديث، أو حديثه منكر، أو مضطرب الحديث، وفلان واه، وفلان ضعفوه، وفلان لا يحتج به” ا.هـ.

ثم قال [20] أي العراقي: “وقولي: [وكل مَنْ ذُكِرَ * من بعد شيئًا] أي من بعد قولي لا يساوي شيئًا فإنه يخرج حديثه للاعتبار وهم المذكورون في المرتبة الرابعة والخامسة” ا.هـ.

فهذا تصريح منه بأن من قيل فيه: “يروي مناكير” ليس بساقط بحيث لا تنفعه متابعة راوٍ ءاخر له فيما رواه. فهذا الإمام مسلم قد روى في صحيحه حديث أبي زُكير في المتابعات مع كونه ممن وصف برواية المنكر.

قال الحافظ السيوطي في “التدريب” عند ذكر النووي ألفاظ الجرح بقوله: ((وإذا قالوا: “ضعيف الحديث” فدون “ليس بقوي” ولا يُطرح بل يُعتبر به)) ما نصه [21]: “ومن هذه المرتبة فيما ذكره العراقي: ضعيف فقط، منكر الحديث، حديث منكر، واهٍ، ضعفوه” ا.هـ.

قال الحافظ العراقي [22] أيضًا في نكته على ابن الصلاح ما نصه: “وأما ألفاظ التجريح فمن المرتبة الأولى وهي ألين التجريح قولهم: فلان فيه مقال، وفلان ضُعِّف وفلان تعرف وتنكر، وفلان ليس بالمتين، أو ليس بحجة، أو ليس بعمدة، أو ليس بالمرضي. وفلان للضعف ما هو، وسيء الحفظ، وفيه خلف، وطعنوا فيه، وتكلموا فيه. ومن الرتبة الثانية وهي أشد من الأولى: فلان واه، فلان ضعفوه، فلان منكر الحديث” ا.هـ.

قال الحافظ ابن حجر في النخبة [23] ما نصه: “وإن وقعت المخالفة مع الضعف فالراجح يقال له المعروف، ومقابله يقال له المنكر” ا.هـ.

فما تقرر في تعريف المنكر هو اصطلاح عام عندهم، وأما البخاري فقد نسب إليه السيوطي [24] أنه يطلق فلان منكر الحديث فيمن لا تحل الرواية عنه أي في تاريخه، فهذا إن صح عنه فاصطلاح خاص في ذلك الكتاب، و”الميزان” الذي عليه الاستعمال هو الاصطلاح العام وإلا فالبخاري نفسه روى في الأدب المفرد عن أبي زكير الموصوف برواية المنكر، وروى له أيضًا أبو داود في المراسيل وغيره.

فالحاصل: أن المنكر شيء والموضوع شيء ءاخر، فلا يحكم بكون الحديث موضوعًا بمجرد كون الراوي منكرًا أو مجهولاً [25] ولا بمجرد كونه يكذب، فمن فعل ذلك فقد خالف علم الحديث. قال الحافظ العراقي [26] في شرح ألفيته ما نصه: “إذ مطلق كذب الراوي لا يدل على الوضع إلا أن يعترف بوضع هذا الحديث بعينه أو ما يقوم مقام اعترافه” ا.هـ.

وقال الحافظ في شرح النخبة [27] عند ذكر القرائن التي يُدرك بها الموضوع ما نصه: “ومنها ما يؤخذ من حال المروي كأن يكون مناقضًا لنص القرءان أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي أو صريح العقل حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل” ا.هـ.

فاذكر لنا أيّ هؤلاء معك؟ فليت شعري أيُّ عقل يحيل إحالة مقطوعًا بها وجود السبحة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فيحض عليها؟ فهل يتوقف صحة وجود الشيء عقلاً في زمن على صحة النقل والسمع به؟ والجائز العقلي هو ما عرف بقولهم: “هو ما يتصور في العقل وجوده وعدمه” والمحال العقلي ما عرف بقولهم: “ما لا يتصور في العقل وجوده” فأين برهان عقلي يقطع بنفي وجودها في ذلك العهد. فقد أخرج السيوطي في الجامع الكبير [28] إقرار عمر رضي الله عنه لبعض من كان يستعملها، فما كان موجودًا في زمن الصحابة فلا يستبعد وجوده في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كان مشهورًا أم لا، فأين الاستحالة التي زعمتها فيما سيأتي بقولك “فكيف يعقل إلخ”؟.

وعلى فرض عدم وجودها في ذلك العصر فلا استحالة عقلاً في أن يحض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على شيء ليس بمعروف لهم ليعمل به إذا وجد، فقد رغب صلى الله عليه وسلم في الشيء لم يكن معروفًا فيما بينهم وسيعرف بعده، وحذر عن الشيء لم يوجد وسيوجد بعده، ومثال ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لحض الصحابة عليه مما لا يعرفونه في الحال ما أخرجه السيوطي في “الخصائص” قال ما نصه [29]: “أخرج ابن عساكر عن نُبيط الأشجعي قال: لما نسخ عثمان المصاحف قال له أبو هريرة: أصبت ووفقت أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أشد أمتي حبًا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني يعملون بما في الورق المعلق” فقلت: أي ورق حتى رأيت المصاحف، فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف، وقال: والله ما علمت أنك لتحبس علينا حديث نبينا” ا.هـ.

قال السيوطي في “تدريب الراوي” [31] ما نصه: “وفي لفظ للحاكم [32] من حديث عمر: “يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه”، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانًا” ا.هـ، ففيه حض للصحابة على شيء لم يكونوا يعرفونه بتلك الهيئة إذ ذاك وتشويقهم ليعتنوا به إذا رأوه.

وحديث مسلم [33] وأبي داود [34] عن النواس بن سمعان الكلابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثم ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق” وأخرجه الطبراني [35] من حديث أوس بن أوس، ولم يكن الصحابة في ذلك الوقت يعرفون المئذنة التي هي المنارة. قال ابن منظور في “اللسان” [36]: “والمنارة التي يؤذن عليها هي المئذنة” ا.هـ. فتضمن ذكره صلى الله عليه وسلم للمنارة ولا يعرفونها إذ ذاك الحض عليها، ولم يكن بحوالي دمشق في ذلك الوقت منارة وإنما كان يؤذن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على نحو سطح البيت كما في حديث [37] بلال رضي الله عنه، ولهذا نرى المسلمين يعتنون ببنائها، والأمة معصومة عن الخطإ والضلال فيما أجمعت عليه.

 

عودٌ إلى مسئلة السبحة

 

* والعجب أنك اتهمت عبد الصمد بن موسى بأنه ءافة حديث: “نعم المذكر السبحة” لقول الذهبي فيه: “يروي مناكير عن جده محمد بن إبراهيم” مُعرضًا عن تصريح ابن موسى بأنه سمعه من زينب بنت سليمان كما ورد في سند الديلمي، فالذهبي لم يقل إنه يروي مناكير عن زينب بنت سليمان بل قال عن جده محمد، وهذا كاف لإبطال مزاعم هذا الرجل الذي حاول التمويه والتلبيس على الناس بكلام لا أساس له من الصحة، ولكن الهوى يُعمي ويُصم.

 

ثم قلتَ في المجلة نفسها في العدد التالي لما تقدم [ص/837] ما نصه [38]: “فإن قيل: فمن هو واضع هذا الحديث؟ -يعني حديث السبحة- فأقول: كنتُ ذكرتُ في المقال الذي حققت فيه القول في وضع هذا الحديث احتمال أن يكون ءافته عبد الصمد بن موسى الهاشمي الضعيف، ثم تبين لي الآن أن المتهم به هو محمد بن هارون بن عيسى بن المنصور الهاشمي فإنه كان يضع الحديث لما سيأتي. ولكن كنت ذكرتُ هناك أنه محمد بن هارون بن العباس بن أبي جعفر المنصور وأنه من أهل الستر والفضل اعتقادًا مني على ورود نسبه هكذا في ترجمة الخطيب إياه، وذهلت عن الترجمة التي بعدها الموافقة لنسب المترجم كما ورد في سند الحديث فقال الخطيب: “محمد بن هارون بن عيسى بن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور، يكنى أبا إسحاق ويعرف بابن بريه، وفي حديثه مناكير كثيرة، وقال الدارقطني لا شيء”. فأنت ترى أن جد محمد بن هارون راوي هذا الحديث اسمه عيسى وكذا هو في هذه الترجمة فهو هو، وأما في الترجمة الأولى فاسم جده العباس وهو مخالف لاسمه في سند الحديث فليس به، وإنما هو هذا المطعون فيه، وقد اتهمه ابن عساكر بالوضع فقال كما في اللسان: “يضع الحديث” ا.هـ. ثم قال ناصر الألباني: “والفضل في تنبهي لهذه الحقيقة يعود إلى مقال لي قديم في الكلام على هذا الحديث، فالحمد لله على توفيقه” انتهت عبارة الألباني.

أقول: الجواب عن هذا يستدعي نقل عبارة الخطيب للترجمة كما هي قال رحمه الله [39]: “محمد بن هارون بن العباس بن عيسى بن أبي جعفر المنصور ويكنى أبا بكر، كان خطيب مسجد الجامع بمدينة المنصور، وولي إقامة الحج في سنة ثمان وثمانين ومائتين، ومكث خمسين سنة يلي إمامة مسجد المنصور، كذلك أنبأني إبراهيم بن مخلد قال: حدثنا إسماعيل بن علي الخطبي، قال: كان أبو بكر محمد بن هارون بن العباس بن عيسى ابن أمير المؤمنين المنصور إمام مسجد المدينة ببغداد من أهل الستر والفضل والخطابة” ا.هـ.

الترجمة الثانية قال فيها: “محمد بن هارون بن عيسى بن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور يكنى أبا إسحاق ويعرف بابن بريه”، إلى أن قال: “حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول: سألت الدارقطني عن محمد بن بريه الهاشمي فقال: لا شيء” ا.هـ.

واللفظ المذكور في سند الحديث هكذا “محمد بن هارون بن عيسى بن المنصور الهاشمي”.

فليُتأمل كلام الخطيب فإنه ذكر محمدين كلاهما هاشمي، ومتفقان في اسم الأب ويختلفان في الجد الأدنى، وكلاهما من ذرية عيسى بن المنصور فهو جد ثانٍ للأول وجد ثالث للثاني. فإن حملنا الذي في إسناد الحديث على الأول لزم عليه تخطي جده الأول العباس إلى جده الثاني عيسى بن المنصور إما لكونه أشهر لكونه ابن المنصور، وذلك سائغ معروف عند النسابين وإما لغير ذلك. وإن حملناه على الثاني المتهم بالوضع لزم أحد أمرين: إما تخطي الجدين الأولين عيسى وإبراهيم إلى الجد الثالث في سياق نسبه عيسى بن المنصور، وإما تخطي الجدين الثاني والثالث إبراهيم وعيسى إلى أبي جعفر المنصور الذي هو مجتمع نسبيهما.

فظهر أن لا نص صريح يعين ما ذهب إليه ناصر الألباني وهو أن يكون المتخطي في سياق نسب الهاشمي راوي الحديث الجد الثاني والثالث فكيف ساغ له أن يجزم بقوله: “فهو هو” فظهر أن لا محل لقوله السابق “والفضل في تنبهي” إلخ والمطلوب في الحكم بالوضع الصريح لا الاحتمال المعارض. وانظروا كيف شذ كعادته في إنكار ثبوت حديث التسبيح بالحصى الذي يثبته ابن تيمية عن جميع المحدثين [40]، وابن تيمية هذا إمامه الذي لم أره يسمي أحدًا سواه بشيخ الإسلام.

وأقول: لو صح وتعيّن أن الذي في إسناد حديث: “نعم المذكر السبحة” هو الهاشمي المتهم بالوضع، لم يستقم ذلك بمجرده حجة للحكم بوضع هذا الحديث.

والدليل على ذلك من جهة كتب اصطلاح الحديث أمران أحدهما: ما قاله الحافظ العراقي في شرح ألفيته التي ألفها في الحديث ما نصه [41]: “ومع هذا فلا يلزم من وجود كذاب في السند أن يكون الحديث موضوعًا إذ مطلق كذب الراوي لا يدل على الوضع، إلا أن يعترف بوضع هذا الحديث بعينه، أو ما يقوم مقام اعترافه” ا.هـ. ومحل الشاهد قوله: “بوضع هذا الحديث بعينه” حيث أفهم أن الكذاب إذا اعترف بوضع حديث فإنما يحكم بالوضع على هذا الذي عينه، لا على سائر مروياته التي سكت عنها [42].

فإذا كان هذا حكم المعترف فغير المعترف وهو الذي اتهمه بعض الحفاظ بالوضع كالهاشمي هذا أولى أن لا يحكم بالوضع على جميع مروياته فهذا الحديث لم يتهمه أحد من الحفاظ بوضعه.

والأمر الثاني: أن مما تقرر في علم اصطلاح الحديث أنه لا يحكم بوضع حديث لوجود وضاع في إسناده إلا بحكم حافظ معتمد بأنه لم يرو إلا بهذا الإسناد، فأين ذلك في هذا الحديث؟

فظهر للفطن المتأمل والباحث الفهم أن لا حجة معك في حكمك على هذا الحديث بالوضع، -لفقدان الأمور التي بنى عليها علماء الحديث الحكم بالوضع، وقد قدمنا ذكرها على وجه الاستيعاب بنقلها من نصوص كتب أهل الفن-، إلا تمويهات قد تروج عند غير أهل الفن.

وكذلك في حكمك على حديث سعد في المرأة التي مر النبي صلى الله عليه وسلم بها وبين يديها نوى أو حصى تسبح، وحديث صفية: “دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة ءالاف نواة” بالضعف لا عبرة به لتصحيح الحفاظ لهما. وقد تقرر عند أهل الحديث: أن تصحيح الحفاظ لحديث لا يقدح فيه وجود راو متكلم فيه بالضعف في بعض أسانيده، وأنه لا حق لغير الحفاظ كمثلي ومثلك في التضعيف سوى أن يقول إذا عثر على حديث سيق بإسناد فيه من ضعّفه الحفاظ أنه ضعيف بهذا الإسناد، والله أعلم.

 

ثم قلتَ [43]: “ثم إن الحديث من حيث معناه باطل عندي لأمور: الأول أن السبحة بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثت بعده صلى الله عليه وسلم، فكيف يعقل أن يحض الرسول عليه الصلاة والسلام على أمر لا يعرفونه. والدليل على ما ذكرت ما روى

 وضاح القرطبي في “البدع والنهي عنها” [ص/12] عن الصلت بن بهرام قال: مرّ ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه، ثم مر برجل يسبح بحصا فضربه برجله ثم قال: لقد سبقتم ركبتم بدعة ظلمًا ولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وسنده إلى الصلت صحيح وهو ثقة من أتباع التابعين” ا.هـ.

أقول: إبطالك هذا باطلٌ فمن أين ينطبق هذا على ما قالوه فيما يدرك به الموضوع وهو ما قدمناه عن الحافظ ابن حجر أن يكون الخبر مناقضًا لصريح العقل.

وما يؤيد ما قلناه تعقب الحافظ ابن حجر للذهبي الذي قال في “الميزان” [44] في ترجمة الحُرّ بن مالك: “أتى بخبر باطل عن عبد الله مرفوعًا: “من سره أن يحبه الله ورسوله فليقرأ في المصحف”، وإنما اتخذت المصاحف بعد النبي صلى الله عليه وسلم” ا.هـ، قال الحافظ في “اللسان” [45]: “وهذا التعليل ضعيف، ففي الصحيحين “أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرءان إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو”، وما المانع أن يكون الله أطلع نبيه على أن أصحابه سيتخذون المصاحف” ا.هـ.

فالحاصل: أنك أقدمت على الحكم على هذا الحديث بالوضع بغير حجة معتبرة من الحجج المذكورة في علم الحديث مما قدمناه، فحيث لم تأت بشيء منها لا يصح لك أن تقول فيه أكثر من أنه ضعيف بهذا السند ولا تتعدى ذلك إلا إذا رأيت حافظًا نص على وضعه، وهل رأيت حافظًا صحح هذا الإسناد، وماذا يفيد قولك في الصلت: “وهو ثقة من أتباع التابعين”؟ وبأي حجة تنسب إلى عبد الله بن مسعود أنه ضرب رجلاً يسبح بالحصى برجله؟ أليس هذا نسبة له إلى ارتكاب معصية فيها إيذاء المسلم وقد عدّ العلماء من الكبائر ضرب المسلم بغير حق؟ فالعجب ممن يستدل بالضعيف ويقول [46] في نفس الوقت إن الحديث الضعيف لا يعمل به في فضائل الأعمال، فما هذا التناقض!.

 

* ثم قلتَ [47]: “ثم روى [48] عن أبان بن أبي عياش قال: سألت الحسن عن النظام “خيط ينظم فيه لؤلؤة وخرز ونحوهما” من الخرز والنوى ونحو ذلك يسبح به، فقال: لم يفعل ذلك أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولا المهاجرات، وسنده ضعيف” ا.هـ.

أقول: فماذا ينفعك وقد اعترفت بضعف إسناده؟ ولِمَ لمْ تُفصِحْ عن إسناد سابقه؟ أليس في صنعك هذا إيهام من لا إلمام له بعبارات أهل الفن أن هذا الضعيف دون سابقه؟

 

ثم لمَ سكتَّ عن أبان بن أبي عياش الذي قال فيه الحافظ ابن حجر [49] ما نصه: “وقال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال مرة: ضعيف، وقال مرة: متروك الحديث، وكذا قال النسائي والدارقطني وأبو حاتم، وقال ابن معين مرة: ليس بثقة، وقال الجوزجاني: ساقط، وقال ابن المديني: كان ضعيفًا” انتهى باختصار.

وقال عنه الحافظ أيضًا في “التقريب” [50]: “متروك” ا.هـ.

وأما أنت الذي تدعي ترك الاحتجاج بالضعيف فضلاً عن الموضوع فقد قلتَ ما نصه [51]: “وأبان وهو ابن أبي عياش متهم بالوضع” ا.هـ، وقلتَ [52]: “وأبان هو ابن أبي عياش متروك متهم” ا.هـ، وقلتَ [53]: “لكن أبان هذا وهو ابن أبي عياش كذاب فلا يفرح به” انتهى بحروفه.

وقلتَ في ردك ما نصه [54]: “لا يشك كل من شم رائحة علم الحديث في “وضع” ما تفرد به كذاب” ا.هـ، وقلتَ أيضًا: “فحديث الكذاب موضوع بلا شك” انتهى بحروفه. فأنت شهدتَ على نفسك بأنك لم تشم رائحة علم الحديث، وإلا فلماذا سكتَّ عن بيان حال أبان بن أبي عياش وأنت تعرف بل تصرح بأنه كذاب؟! وماذا تُسمي هذا عند العلماء؟! وأنتَ قد شنعت على الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى لأنك قلتَ إنه أورد حديثًا موضوعًا فقلتَ ما نصه [55]: “لم يستحي [56] السيوطي فأورد له هذا الحديث في “الجامع الصغير” الذي صانه بزعمه عما تفرد به كذاب أو وضّاع” ا.هـ وهل استحييت أنت عندما أوردتَ هذا الأثر الذي فيه كذاب باعترافك بل وموضوع كما سبق من كلامك؟!.

وأما اقتصارك على تضعيف الإسناد فقط فهو يعارض كلامك بأن المتهم حديثه شديد الضعف. فلماذا لم تبين هذا للقارئ؟ ولماذا اقتصرت على قول “ضعيف”؟ أليس في هذا إيهام أن “الضعيف” في مرتبة من كان ضعفه شديدًا؟ فقد سويتَ بذلك بين مرتبة الضعيف ومرتبة شديد الضعف!!

 

* ثم قلتَ [57] ما لفظه: “الثاني: أنه مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمرو: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه، رواه أبو داود والحاكم والترمذي وحسنه، والبيهقي وإسناده صحيح كما قال الذهبي” ا.هـ.

أقول: يقال لك: لا يلزم من التسبيح بالسبحة بدل التسبيح بالأنامل أن يكون فاعله مخالفًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما غاية ما فيه أنه ترك الأفضل الذي هو العقد باليمين لكونه الوارد [58] من فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، ونظير ذلك ما صح من حديث البخاري ومسلم وغيرهما [59] أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمدّ أي مقدار ملء كفي رجل معتدل. وأغلب الناس اليوم يأخذون لوضوئهم أكثر من هذا القدر بكثير فهل تجعل كل من لا يقتصر في وضوئه على المد وفي غسله على الصاع مخالفًا لهديه صلى الله عليه وسلم؟ فتنكر عليه إنكارك للسبحة نظرًا لكونه ترك ما هو الوارد عنه صلى الله عليه وسلم، فهذا ترك الوضوء بالمد والغسل بالصاع الواردين، وهذا ترك التسبيح بالعقد باليمين الوارد، فهما شبيهان، أم ماذا تفعل؟

قال الشافعي وأحمد وإسحاق: “ليس معنى هذا الحديث على التوقيت أنه لا يجوز أكثرُ منه ولا أقل منه، وهو قدر ما يكفي” ا.هـ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه زاد على المد في وضوئه وعلى الصاع في غسله فيما رواه البخاري وغيره [60] من حديث أنس: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل أو يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد” وما رواه الشيخان وغيرهما [61] من حديث أنس أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكوك، فإن قلتَ هذا ليس مخالفًا للهدي النبوي والمسبح بالسبحة مخالف فقد تحكمت.

ونظير ذلك أيضًا ما صح في الحديث [62]: “أفضلُ صلاةِ المرءِ في بيته إلا المكتوبة”.

وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتي الفجر [63] والركعتين بعد الجمعة [64] في بيته، ولم يثبت أنه صلى الركعتين بعد المغرب والركعتين بعد العشاء إلا في بيته [65]. ونحن اليوم نرى الناس يصلون الرواتب كلها في المسجد، فهل يسعنا إلا أن نقول تركوا الأفضل الوارد وأخذوا بالمفضول؟. وهل يليق بيسر الدين أن يكون مَنْ يسبح بالسبحة ومن يتوضأ بأكثر من المد ويغتسل بأكثر من الصاع بقدر زائد على الوارد، ومن لا يصلي التراويح إلا أول الليل ومن لا يصلي الرواتب إلا في المسجد، كل هؤلاء مردودين محرومين من الأجر على ما ذهبت إليه نظرًا لكون أعمالهم بكيفية غير الكيفية الواردة؟ كلا، لا يسمح به نقل ولا نظر.

 

* ثم قلتَ ما لفظه [66]: “فإن قيل قد جاء في بعض الأحاديث التسبيح بالحصى وأنه صلى الله عليه وسلم أقره، فلا فرق حينئذ بينه وبين التسبيح بالسبحة كما قال الشوكاني. قلتُ: هذا وقد يسلم لو أن الأحاديث في ذلك صحيحة، وليس كذلك فغاية ما روي في ذلك حديثان أوردهما السيوطي في رسالته المشار إليها، الأول عن سعد بن أبي وقاص: “أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل؟ فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء..” الحديث، رواه أبو داود [67] والترمذي [68] والحاكم [69] من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاض، عن أبيها. وقال الترمذي: “حديث حسن”، وقال الحاكم: “صحيح الإسناد” ووافقه الذهبي، فأخطأ لأن خزيمة هذا مجهول. قال الذهبي نفسه في الميزان: خزيمة لا يعرف تفرد عنه سعيد بن أبي هلال، وكذا قال الحافظ في التقريب “لا يعرف”. وسعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، فأنّى للحديث الصحة أو الحسن” ا.هـ.

أقول: العجب منك رددت هنا تحسين الترمذي لهذا الحديث لوجود خزيمة فيه، وسلمتَ له تحسين حديث عدي بن حاتم.

ونص الترمذي [70]: “حدثنا الحسين بن يزيد الكوفي، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن غُطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: يا عدي اطرح عنك هذا الوثن”. الحديث، وذلك فيما علقتَه على ما يسمى “ذخائر الفكرة الإسلامية” للمودودي مع وجود ضعيفين فيه وهما الحسين بن يزيد الكوفي شيخ الترمذي، والثاني غطيف بن أعين. قال الحافظ [71] في الأول: “لين الحديث”، وفي الثاني [72]: “ضعيف”. ونص عبارتك في تعليقك [73]: “وقال أي الترمذي هذا إسناد ضعيف من أجل غطيف هذا فإنه ضعيف ضعفه الدارقطني والحافظ العسقلاني، وقال الترمذي عقب تخريجه: هذا حديث حسن غريب وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث، قلت: ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في سننه الكبرى [74] لكن هذا لا يمنع أن يكون للحديث طريق ءاخر بل هذا هو الظاهر لأمرين الأول: تحسين الترمذي له مع تضعيفه لسنده فإن هذا الصنيع منه إشارة إلى أن له طريقًا غير الطريق الذي ضعفه. قد قال في الخاتمة من سننه ما نصه: “وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا حسن إسناده عندنا كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب في الحديث ولا الحديث شاذ أو يروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن”. الثاني: أن ممن أخرج الحديث ابن أبي حاتم كما علمت مما نقلته عن السيوطي يعني ابن أبي حاتم في تفسيره وهو يتحرى فيه أصح الأخبار بأصح الأسانيد” انتهت نص عبارتك.

أقول: سلَّمت للترمذي هذا ولم تسلم له ذلك مع أن حديث التسبيح بالحصى أحسن حالاً من جهة الإسناد؟ لأن رواته رجال الصحيح سوى خزيمة وقد ذكره ابن حبان في الثقات [75] فهو عنده ثقة، وأما سعيد بن أبي هلال الذي حاولت جرحه وليتك كففت فيكفي أنه أخرج له الستة: البخاري ومسلم في صحيحهما، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، فما قولك بعد هذا، فإذا لم يسلم منك مثله فمن ذا الذي يسلم عندك.

وأما إسناد حديث عدي بن حاتم الذي رواه الترمذي ففيه غطيف، قال الترمذي عنه: “ليس بمعروف في الحديث” وضعفه الدارقطني وغيره، أما الحسين بن يزيد الكوفي فقد ضعفه الحافظ ابن حجر في كتابه “التقريب” [76] الذي ذكر فيه أنه يحكم فيه على الراوي بأصح ما قيل فيه أي فيما إذا كان موصوفًا بعبارات مختلفة المراتب عند أئمة الجرح والتعديل ولم ينظر فيه لذكر ابن حبان في الثقات [77].

ثم بأي حجة تثبت عن أحمد تضعيف سعيد بن أبي هلال، وهل بلغك عنه ذلك بإسناد صحيح؟

قال الحافظ ابن حجر في “مقدمة الفتح” [78] عند ترجمة سعيد هذا ما نصه: “سعيد بن أبي هلال الليثي أبو العلاء المصري، أصله من المدينة ونشأ بها ثم سكن مصر. وثقه ابن سعد، والعجلي، وأبو حاتم، وابن خزيمة، والدارقطني، وابن حبان، وءاخرون. وشذ الساجي فذكره في الضعفاء ونقل عن أحمد بن حنبل أنه قال: ما أدري أي شيء حديثه يخلط في الأحاديث، وتبع أبو محمد بن حزم الساجي فضعف سعيد بن أبي هلال مطلقًا ولم يصب في ذلك، والله أعلم، احتج به الجماعة” انتهى بحروفه.

وقال الحافظ [79] أيضًا ما نصه: “سعيد بن أبي هلال ذكره الساجي بلا حجة ولم يصح عن أحمد تضعيفه” ا.هـ.

وقال الحافظ [80] أيضًا في رد قول ابن حزم: “سعيد بن أبي هلال فيه ضعف” ما نصه: “وسعيد متفق على الاحتجاج به فلا يلتفت إليه في تضعيفه” ا.هـ.

وكأنك من المتلونين تحتج تارة بالصحيح وتارة بالضعيف إما بعلم أو بجهل مموهًا على القارئ أنه ثابت بسكوتك عنه، فوقعت في الشذوذ مع من شذوا في تضعيف سعيد هذا وبنيت على رواية ضعيفة لم تصح عن أحمد حكمًا يقتضي برد ما يرويه هذا الراوي مخالفًا بذلك علماء الحديث.

وأما تخطئتك للذهبي لتصحيحه لهذا الحديث، ثم استدراكك عليه بأنه ذكر خزيمة في “الميزان” [81] وقال عنه: “لا يُعرف”، فكيف إذًا يصححه” وهذا دليل على غفلتك، فإن رواية المستدرك [82] هي: “عن محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني، ثنا حرملة بن يحيى، أنبأ ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص..”، فليس فيها كما ترى الرواية عن خزيمة، وهكذا ساقه الحافظ الذهبي في “تلخيص المستدرك” أي من دون ذكر لخزيمة، فاتجه تصحيح الحاكم للحديث وموافقة الذهبي على تصحيحه.

كما وأنك أوهمتَ القارئ أن خزيمة له ذكر في روايه المستدرك وتلخيصه، فما بالك تعيب على غيرك ما هو فيك!!

ألم تعلم أن ابن حبان رواه أيضًا في صحيحه [83] من دون ذكر لخزيمة، قال: “أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، قال: حدثنا حرملة ابن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص..”، وكذا رواه أبو يعلى [84] في مسنده من طريق ابن وهب بدون ذكر لخزيمة.

فيحتمل أن يكون سعيد بن أبي هلال سمعه من خزيمة ثم سمعه من عائشة بنت سعد فحدث عنها به، فقد ذكر الحافظ في تهذيبه [85] في ترجمة سعيد أنه ولد بمصر سنة 70 ونشأ بالمدينة ثم رجع إلى مصر في خلافة هشام [86]، فهذا فيه دليل على أن سعيدًا بقي في المدينة التي هي سكن عائشة بنت سعد لسنوات عديدة لذلك قال عنه الحافظ ابن حبان بأنه من أهل المدينة [87]، وهو ثقة باتفاق المحدثين كما نقلنا عن الحافظ ابن حجر، وهو أيضًا لا يُعرف بالتدليس.

والعجب أنك رددت على الطحاوي لقوله: “إن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء”، فقلت في كتابك المسمى “إرواء الغليل” [88] ما نصه: “قال الطحاوي: “حديث منكر، لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء”. قلتُ –أي الألباني-: وهذا الإعلال ليس بشيء، لأنه جار على اشتراط ثبوت اللقاء في الاتصال كما هو مذهب البخاري، والمرجوح عند الجمهور، وقد رده الإمام مسلم في مقدمة “صحيحه” وأثبت أن المعاصرة كافية في ذلك إذا كان الراوي غير مدلس، والأمر كذلك هنا فإن قيس بن سعد عاصر عمرو بن دينار وشاركه في الرواية في عطاء، وثلاثتهم مكيون، بل كان قد خلف عطاء في مجلسه، يعني في المسجد الحرام، ففي مثل هذا يكاد يقطع الناظر بثبوت التلاقي بينهما، فإذا لم يثبت، فالمعاصرة متحققة، ثم هو ليس يعرف بتدليس، فماذا يضر أن الطحاوي وغيره لا يعلم أن قيسًا حدث عن عمرو، وهو قد روى عنه هذا الحديث وغيره أيضًا كما في “الكامل” ما دام أنه غير مدلس؟” انتهى كلام الألباني.

ثم أيدتَ ذلك بما نقلتَه عن الزيلعي، فقلتَ: “قال الزيلعي [89]: وقال البيهقي [90] في “المعرفة”: قال الطحاوي: لا أعلم قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار بشيء وهذا مدخول فإن قيسًا ثقة أخرج له الشيخان في “صحيحهما”. وقال ابن المديني: هو ثبت. وإذا كان الراوي ثقة وروى حديثًا عن شيخ يحتمله سنه ولقيه وكان غير معروف بالتدليس وجب قبوله…” ا.هـ.

أقول: فيلزمك على ذلك تصحيح رواية الحاكم وابن حبان وأبي يعلى.

فإذا تقرر هذا فماذا تصنع أترجع عن هذا التحكم النفساني إلى الإنصاف فتوافق قاعدة المحدثين القائلة: “لا يلزم من ضعف إسناد لمتن ضعفه لاحتمال أن يكون له إسناد ءاخر صحيح إلا إذا بحث حافظ فأداه بحثه إلى الحكم بأنه لا يوجد له سوى هذا الضعيف فحينئذ يحكم بضعف الحديث لضعف الإسناد”، أم ماذا تفعل؟

وأنّى يسوغ لمثلي ومثلك اصطلاحًا دعوى مرتبة الاستقلال في التصحيح والتضعيف، قال النووي في مختصر علوم الحديث ما نصه [91]: “فرع: إذا رأيت حديثًا بإسناد ضعيف فلك أن تقول: هو ضعيف بهذا الإسناد ولا تقل ضعيف المتن لمجرد ضعف ذلك الإسناد، إلا أن يقول إمام إنه لم يروَ من وجه صحيح أو إنه حديث ضعيف مفسرًا ضعفه” ا.هـ.

وقال الحافظ عند شرحه لهذه المسألة: “قلتُ: إذا بلغ الحافظ المتأمل الجهد، وبلغ الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة فما المانع له من الحكم بالضعف بناء على غلبة ظنه؟ وكذلك إذا وجد كلام إمام من أئمة الحديث قد جزم بأن فلانًا تفرد به وعرف المتأخر بأن فلانًا المذكور قد ضعف –فتضعيفه قادح- فما المانع له من الحكم بالضعف؟” ا.هـ، كما نقله محمود ربيع في تعليقه على شرح الحافظ العراقي في ألفية الحديث [92]، فهذا صريح في أنه ليس لمثلي ومثلك وظيفة التصحيح والتضعيف.

ثم إني أزيدك في شأن حديث سعد على تحسين الترمذي موافقة غيره له على تحسينه وهو الحافظ ابن حجر في “تخريج الأذكار” [93] وذكر أن “رجاله رجال الصحيح إلا خزيمة فلا يُعرف نسبه ولا حاله ولا روى عنه إلا سعيد، وقد ذكره ابن حبان في “الثقات” [94] كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر” [95] ا.هـ.

فبان مخالفتك لتحسين الترمذي والحافظ ابن حجر له، وأن كلامك فيه لا محل له من الاعتبار بحكم قواعد علم الحديث، فقد تسورت مرتبة لستَ من أهلها جهلاً أو تمويهًا، فهل تدعي مرتبة الحفظ وهل يدعيها لك من يعرف مبلغك ويعرف ما هو حد الحفظ؟ فما أبعد استبعادك بقولك: “فأنى للحديث الصحة أو الحسن” عن الصحة.

ثم ما ذكرتَ من أن لحديث عدي بن حاتم شاهدًا من قول ابن مسعود فكيف تعتبره شاهدًا ولم تعلم حال إسناده صحة وضعفًا؟

وأما حديث سعد فله شاهد مرفوع حسن حسنه الحافظ ابن حجر في التخريج وسيأتي إيضاحه عند الكلام على القطعة التي تلي من كلامك [96].

فإن قيل: فما توجيه تحسين الحافظ ابن حجر لحديث سعد في التخريج، قلتُ: كأنه لتوثيق ابن حبان لخزيمة مع إخراجه حديثه في صحيحه ارتفع عنه عنده جهالة العين، وجهالة الحال. وهذا من الحافظ جري على القول الذي رجحه في شرح النخبة، ففي “التدريب” في مبحث المجهول ما نصه [97]: “وقيل إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قُبل وإلا فلا، واختاره أبو الحسن بن القطان وصححه شيخ الإسلام” ا.هـ، وقال الحافظ في شرح النخبة ما نصه [98]: “فإن سُمِّيَ الراوي وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم إلا أن يوثقه غير من ينفرد به عنه على الأصح” ا.هـ. وانضاف إلى ذلك اطلاعه على شاهد له، فاتجه تصحيحه.

أما قولكَ [99] –يعني الألباني-: “الثاني عن صفية قالت: “دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: يا بنت حُيي ما هذا؟ قلت: أسبح بهن، قال: قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا، قلت: علّمني يا رسول الله، قال: “قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء” أخرجه الترمذي [100] والحاكم [101] من طريق هشام بن سعيد، عن كنانة مولى صفية عنها، وضعفه الترمذي بقوله: “هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي وليس إسناده بمعروف، وفي الباب عن ابن عباس”، وأما الحاكم فقال: “صحيح الإسناد” ووافقه الذهبي وهذا منه عجب فإن هاشم بن سعيد هذا أورده هو في “الميزان” [102] وقال: “قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن عدي: مقدار ما يرويه لا يتابع عليه”، ولهذا قال الحافظ في التقريب [103]: “ضعيف”، وكنانة هذا مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان” ا.هـ.

أقول: الجواب عن هذا التغريب من الترمذي الذي ظاهره التضعيف أن الحافظ ابن حجر حسّنه في تخريج الأذكار [104]، وقال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني [105]: “هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن محمد بن بشار بندار، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن هشام بن سعيد، وقال: ليس إسناده بالمعروف، قلتُ: كنانة هو مولى صفية التي روى عنها، وهو مدني روى عنه خمسة أنفس وذكره ابن حبان في الثقات [106]” ا.هـ.

فهل يبقى لك شيء تتشبث به بعد اطلاع الحافظ على طريق له ءاخر وتحسينه من أجلها لا من أجل طريق الترمذي؟ فظهر أنه لا محل لتضعيفك من الاعتبار.

أما ما نقلته أن ابن عدي قال: “مقدار ما يرويه لا يتابع عليه” فقد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا بقوله [107]: “قلتُ: قد توبع على هذا الحديث” ا.هـ ثم ساق الحافظ [108] هذه المتابعة بإسناده إلى صفية من طريق أحمد بن إسحاق بن عتبة قال: “ثنا روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا حديج بن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية،عن صفية بنت حُيي رضي الله عنها، “فذكر الحديث بنحوه، وقال فيه: “وكان لها أربعة ءالاف نواة إذا صلت الغداة أتت بهن فسبحت بعدد ذلك”. قال الحافظ: “وأخرجه الطبراني في الدعاء [109] من وجه ءاخر عن صفية متابعًا لكنانة وبقية رجال الترمذي رجال الصحيح” ا.هـ.

فتحصل عندنا ثلاث روايات لحديث صفية:

الأولى: رواية الترمذي من طريق هاشم بن سعيد، عن كنانة مولى صفية، عن صفية.

الثانية: الرواية التي ذكرها الحافظ عن حديج بن معاوية، عن كنانة، عن صفية، وهذه متابعة لهاشم بن سعيد.

الثالثة: رواه الطبراني من طريق منصور بن زادان، عن يزيد بن مُعتب مولى صفية، عن صفية، وهذه متابعة لكنانة.

فهذه الروايات الثلاث كافية لإثبات حديث التسبيح بالنوى كما هو مقرر في قواعد علم الحديث، ولا يخالف في ذلك من درس هذا العلم على أيدي العلماء، وأما الذي يكتفي بالمطالعة فهو صحفي لا يؤخذ منه العلم كما قال علماء الحديث.

ومن المهم أن نذكر رواية الطبراني التي أحال إليها الحافظ ابن حجر لبيان أن الألباني يكتفي برأيه ولا يرجع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحديث حجة عليه.

قال الطبراني في “الدعاء” [110] ما نصه: “حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبي قال: وجدت في كتاب أبي بخطه، ثنا مستلم بن سعيد، عن منصور بن زاذان، عن يزيد، يعني ابن معتب مولى صفية بنت حيي رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ عليها وبين يديها كوم من نوى فسألها: ما هذا؟ فقالت: أسبح به يا رسول الله، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سبحت منذ قمتُ عليك أكثر من كل شيء، سبحت فقلت: قالت: كيف قلت؟ قال: قلت: سبحان الله عدد ما خلق” ا.هـ، وبذلك يكون الحديث حسنًا كما قال الحافظ ابن حجر.

أما قولك عقب ما تقدم [111]: “وكنانة هذا مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان”.

فالجواب عنه: أن جهالة الحال ترتفع بتوثيق حافظ من أئمة الجرح، وقد وثقه

 حبان. وقال الحافظ في “التقريب” [112] ما نصه: “كنانة مولى صفية مقبول، ضعفه الأزدي بلا حجة” ا.هـ.

وقال أيضًا في التهذيب [113] ما نصه: “روى عنه زهير وحديج ابنا معاوية، ومحمد بن طلحة بن مصرف، وهاشم بن سعيد الكوفي، وسعدان بن بشر الجهني، ذكره ابن حبان في الثقات” ا.هـ.

وقولك عقب ما تقدم: “ولهذا قال الحافظ في التقريب: ضعيف” خطأ ناشئ عن سوء فهمك لتصرفاتهم في مراتب الجرح، فإن الحافظ لم يتبع ابن معين وابن عدي في حكمهما على هاشم بما هو من أشد مراتب الجرح حيث حكم عليه بعبارة: “ضعيف” التي هي من ألين مراتب الجرح وأخفها، وقد التزم في “التقريب” أن يحكم على الراوي بأصح ما قيل فيه، ولو تبعهما لقال بعبارتيهما أو ما يساويهما في المرتبة، ويدل على ذلك أنه لم يبن كلامه على كلاميهما قوله: “وقد توبع على هذا الحديث”.

ومما يجدر تنبيه القارئ إليه تلاعبك وتحريفك لعبارات العلماء والمحدثين، لتوهم الناس خلاف الواقع، وذلك حين نسبت للحافظ ابن حجر ما لم يقله عند تكلمه على كنانة، ونص عبارتك [114]: “بل أشار في “التقريب” إلى أنه لين الحديث” انتهى بحروفه.

ولننقل عبارة الحافظ نفسِه لتقارن بين نص الحافظ وبين ما زعمه الألباني.

قال الحافظ في كتابه “تقريب التهذيب” [115] ما نصه: “كنانة مولى صفية، يقال اسم أبيه نُبيه، ضعفه الأزدي بلا حجة، من الثالثة. بخ ت” انتهى بحروفه.

وقد فرق الحافظ في مقدمة كتابه “التقريب” بين قوله: “مقبول” وبين قوله: “لين الحديث”، فقال [116]: “السادسة: مَن ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يُترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث” ا.هـ.

فاتق الله أيها الكاتب، ولا توهم الناس خلاف ما أنت عليه.

 

* ثم قلتَ ما نصه [117]: “ومما يدل على ضعف هذين الحديثين أن القصة وردت عن ابن عباس بدون الحصى، ولفظه قال: “عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بُكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلتُ بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهنَّ: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته”. أخرجه مسلم [118]، والترمذي [119] وصححه، وابن ماجه [120]، وأحمد [121]. فدل هذا الحديث على أمرين:

الأول: أن صحابة القصة هي جويرية لا صفية كما في الحديث الثاني.

الثاني: أن ذكر الحصى منكر، ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رءاهم يعدون بالحصى، وقد جاء ذلك عنه من طريق سبق أحدها” ا.هـ.

أقول: تضمّن كلامك هذا أشياء:

منها: حكمك عليهما بالضعف، فقد بيّنا ما يقضي عليك بأنك متهور في ذلك. مَنْ أنت حتى يُعتبر تضعيفك لهما!! وأحدهما لم يَسِمهُ أحد من الحفاظ بالضعف؟ بل صححه [122] عدة منهم، والآخر حسنه مَنْ هو أمير المؤمنين في الحديث في مراتب المحدثين في عصره الحافظ ابن حجر بعد أن سبق له من الترمذي الحكم بالغرابة. و”الغرابة” عنده تطلق على عدة معان قد تجامع الصحة كما بينها في خاتمة الجامع. وتضعيفك هذا خارج عن قواعد علم الحديث كما بيّنا وسنزيد الموضوع إن شاء الله تعالى وضوحًا. كما وأن حديث صفية برواياته الثلاث شاهدًا لحديث سعد بن أبي وقاص فيرتقي إلى درجة الحسن لغيره على قواعد المحدثين.

ومنها: استدلالك بحديث جويرية على أن صاحبة القصة هي جويرية لا صفية، فهل له محل من النظر بعد تحسين الحافظ ابن حجر لحديث صفية على اعتباره حديثًا مستقلاً؟

وأين الدليل على أن صاحبة القصة هي جويرية لا صفية كما جزمت بذلك؟ والجازم لا بد وأن يكون معه دليل صريح يؤيد ما ذهب إليه، وحديث جويرية لا يُشير إلى ما زعمت، فكيف يكون نصًا قاطعًا على دعواك؟!.

مع أن المرأة المبهمة في حديث سعد يحتمل أن تكون صفية، ويحتمل أن تكون جويرية، ويحتمل أن تكون امرأة أخرى، فسقط بذلك استدلالك أن صاحبة القصة في رواية سعد هي جويرية مع وجود هذه الاحتمالات الثلاثة، وليس عندك نص صريح يرجح أن صاحبة هذه القصة هي جويرية من بين هذه الاحتمالات التي ذكرناها.

وأما نحن فنقول إن حديث صفية فيه أنها هي صاحبة القصة لا غير لورود التصريح باسمها في رواية كنانة مولى صفية والذي تابعه عليها يزيد بن معتب مولى صفية أيضًا، وتمسكك بمحض الاحتمال لرد رواية صفية من الشُّبه الواهية التي هي أوهى من بيت العنكبوت الغرض منها التشويش وتقديم الرأي على الحديث، فليس بمحض الاحتمالات تُرَد الروايات، فاتق الله ولا تتبع الهوى.

ومنها: حكمك بأن ذكر الحصى في القصة منكر [123] وهذا من تحكيمك الخيال المبني على توحيد الحديثين وقد أثبت الحافظ ابن حجر تغايرهما، فإن قصة جويرية مستقلة أخرجها مسلم وغيره بدون ذكر الحصى، وقصة صفية مستقلة أخرجها غير مخرجي حديثها مع ذكر الحصى.

وأما قولك [124]: “ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود على الذين رءاهم يعدُّون بالحصى وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها [125]” ا.هـ.

فيقال لك: بأي سند تثبت هذا الإنكار عن عبد الله بن مسعود، والعجب أنك تصر على الاستدلال بهذا الأثر الضعيف تارة بقولك [126]: “والدليل على ما ذكرتُ ما روى ابن وضاح..”، وتارة بقولك [127]: “ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود..” مع قولك أن الضعيف لا حجة فيه، بل وتشنع على من يستدل بالضعيف للقول بالاستحباب في بعض المسائل. فما هذا التناقض والتمويه على الناس.

أما قولك: “وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها” ا.هـ، تلبيس ءاخر فإن هذه الطريق التي أشرتَ إليها ضعيفة، وأما سائر الطرق فلا حجة فيها على ما ادعيته، وهذه الطرق هي:

الطريق الأول: قال ابن وضاح في كتابه “البدع والنهي عنها” ما نصه [128]: “نا أسد، عن عبد الله بن رجاء، عن عبيد الله بن عمر عن سيَّار [129] أبي الحكم أن عبد الله بن مسعود حُدث أن أناسًا بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد، فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة حصا، قال: فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد، ويقول: لقد أحدثتم بدعة ظلمًا، أو قد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علمًا” ا.هـ.

قال الحافظ ابن حجر في “سيار” ما نصه [130]: “قد أدرك بعض الصحابة لكن لم يلق أحدًا منهم، فهو من كبار أتباع التابعين” ا.هـ، فيكون في السند انقطاع، فهو ضعيف.

الطريق الثاني: قال ابن وضاح [131]: “حدثني إبراهيم بن محمد، عن حرملة، عن ابن وهي، قال: حدثني ابن سمعان قال: بلغنا عن عبد الله بن مسعود أنه رأى أناسًا يسبحون بالحصى فقال: على الله تحصون، لقد سبقتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علمًا، أو لقد أحدثتم بدعة ظلمًا” ا.هـ.

قلت: ابن سمعان هو عبد الله بن زياد المخزومي [132]، قال عنه مالك: كذاب، وقال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن المديني وعمرو بن علي: ضعيف الحديث جدًا، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث سبيله سبيل الترك، وقال أبو داود: كان من الكذابين ولي قضاء المدينة، وقال النسائي والدارقطني: متروك.

الطريق الثالث: روى الدارمي في سننه [133] قال: “أخبرنا الحكم بن المبارك، أنا عمر [134] بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مَشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد ءانفًا أمرًا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرًا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قومًا حَلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول سبحوا مائة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئًا انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟ ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن [135] حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هِلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وءانيته لم تُكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرؤن القرءان لا يجاوز تراقيهم، وايمُ الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج” ا.هـ.

قلتُ: الموضع الذي يستدل به الألباني وجماعة نفاة التوسل لتحريم استعمال السبحة هو قول ابن مسعود –إن صح عنه-: “فعدوا سيئاتكم..” وذلك بعدما قالوا له: “حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح”، لكن أين دليل إنكار التسبيح بالحصى في هذه الرواية” فهم لما قالوا له إنهم يستعملون الحصى لعد التكبير والتهليل والتسبيح لم يكن جوابه إنكارًا لاستعمالهم الحصى، وما قال لهم: لا يجوز استعمال الحصى في عد التسبيح، ولا قال: لا تستعملوا الحصى، بل كان الإنكار لأمر ءاخر إن صحت الرواية. هذا هو منطوق ومفهوم الرواية، لذلك قال الحافظ السيوطي [136] ما نصه: “فإن قلتَ: فقد نُقل عن ابن مسعود أنه رأى قومًا يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: “ما أراكم إلا مبتدعين” حتى أخرجهم من المسجد. قلتُ: هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم، وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض. ثم رأيتُ ما يقتضي إنكار ذلك عن ابن مسعود، قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب “الزهد”: “ثنا حسين بن محمد، ثنا المسعودي، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل قال: “هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالست عبد الله مجلسًا قط إلا ذكر الله فيه” ا.هـ.

ومما يؤيد أن ابن مسعود لم يكن إنكاره لاستعمال الحصى في عد التسبيح ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه [137]، قال: “حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان عبد الله يكره العدد، ويقول: “أيُمَنُّ على الله حسناته” ا.هـ، وهذا الأثر إنما رواه ابن أبي شيبة تحت باب: “من كره عقد التسبيح”، فعلى هذا يكون ابن مسعود قد كره عد التسبيح فقط فهو مذهب له، لكن ثبت في السنة جواز العد فتُحمل الكراهية على أمر مخصوص أنكره ابن مسعود، وإلا فالعمل بما ثبت في السنة من جواز عد التسبيح، وهذا مقدم على ما ذهب إليه ابن مسعود رضي الله عنه كما يؤخذ من كلام الحافظ السيوطي المذكور ءانفًا.

ومما يدل أيضًا على أن الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه وأصحابه لا ينكرون استعمال السبحة ولا التسبيح بالحصى أن الحافظ المجتهد يحيى بن سعيد القطان كان على مسلك سفيان الثوري وأصحاب ابن مسعود، فقد قال ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” [138] ما نصه: “حدثنا عبد الرحمن، نا محمد بن أحمد بن البراء، قال: قال علي بن المديني: كان من بعد سفيان الثوري يحيى بن سعيد القطان، كان يذهب مذهب سفيان الثوري وأصحاب عبد الله بن مسعود” ا.هـ.

وقال يعقوب بن سفيان في كتابه “المعرفة والتاريخ” [139] ما نصه: “حدثني محمد بن عبد الرحيم، حدثنا علي قال: أعلم الناس بعبد الله [140]: علقمة [141]، والأسود [142]، وعبيدة [143]، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل، وءاخر ذكره، فكان علم هؤلاء وحديثهم انتهى إلى سفيان بن سعيد، وكان يحيى بن سعيد بعد سفيان يعجبه هذا الطريق ويسلكه” ا.هـ.

فلو كان ابن مسعود وأصحابه ينكرون استعمال الحصى والسبحة ما كان يحيى بن سعيد الذي كان يسلك طريقهم يستعمل السبحة!.

وما قولك [144]: “وقد تلقى هذا الإنكار منه بعض من تخرج من مدرسته ألا وهو إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه الكوفي فكان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يسبح بها. رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” بسند جيد” ا.هـ.

قلنا: هذا الأثر ذكره ابن أبي شيبة [145] تحت باب: “من كره عقد التسبيح” ففهم الحافظ ابن أبي شيبة من هذا اللفظ كراهية عد التسبيح، ولو فهم منه كراهية التسبيح بالحصى لكان قال: “باب من كره التسبيح بالحصى” فبطل ما ادعيته.

ويقال أيضًا: أين في الأثر أن النهي كان من أجل السبحة؟ وأين الدليل أن فتل الخيط لأجل التسبيح منكر؟ وأما النهي فيحمل على غير ذلك، بل هذا الأثر حجة عليك لأن ظاهر اللفظ أنه نهى ابنته فقط ولم ينه بقية النساء اللواتي كن يعملن على فتل الخيوط للتسبيح بها، فلو كان هذا منكرًا لنهاهنّ أيضًا، وفي هذا الأثر دليل أيضًا على أن العدّ واستعمال أداة يُستعان بها على ضبط العد كان مشهورًا في زمن التابعين، فبطل ادعاؤك، والله المستعان وعليه التكلان.

ثم قلتَ ما نصه [146]: “قد يقول قائل: إن العد بالأصابع كما ورد في السنة لا يُمكن أن يُضبط به العدد إذا كان كثيرًا. فالجواب قلتُ: إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى وهي ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة، فإن أكثر ما جاء من العدد في السنة الصحيحة فيما أذكر الآن مائة وهذا يمكن ضبطه بالأصابع بسهولة لمن كان ذلك عادته” ا.هـ.

أقول: يُردُّ قولك بأنه قد صح الترغيب في الإكثار من الذكر كحديث [147]: “أكثِر من قول لا حولَ ولا قوة إلا بالله” من غير تقييد إلى غاية معينة وقد حسّن إسناده الحافظ ابن حجر [148] بعد عزوه لابن أبي شيبة.

وحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “استكثروا من الباقيات الصالحات”. قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: “التكبير، والتهليل والتحميد والتسبيح، ولا حول ولا قوة إلا بالله” رواه ابن حبان والحاكم وصححاه [149] وأحمد [150] وأبو يعلى وإسنادهما حسن [151].

فالكثرة تحصل بالمئات والآلاف، فمن اتخذ لنفسه وردًا بمئات متعددة أو ءالاف بمقدار مخصوص يواظب عليه فهو داخل في هذا الترغيب. ولا شك أنه يحتاج بحسب الكثرة في ضبط العدد الذي يريد المواظبة عليه لاستعمال السبحة أو ما في معناها.

وهل من ضير شرعًا في أن يواظب المرء على عدد مخصوص من هذه الأذكار لا ينقصه كل يوم حتى يأتي عليه ثم يزيد عليه إن شاء؟، وقد صح: [152] “وإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله ما دُوْوِمَ عليه وإن قلّ”.

وكذلك قد جاء في السنة أكثر من مائة فقد روى أحمد [153]، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائتي مرة في يوم لم يسبقه أحد كان قبله ولا يدركه أحد بعده إلا بأفضل من عمله” قال الحافظ الهيثمي [154]: “رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: “في كل يوم” ورجال أحمد ثقات وفي رجال الطبراني من لا أعرفه” ا.هـ.

وروينا في “عمل اليوم والليلة” [155] للنسائي أنه قال: “أخبرني عثمان بن عبد الله قال: قلت لعبيد الله بن معاذ وقرأته عليه، حدثك أبوك، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة إذا أصبح ومائة مرة إذا أمسى لم يأت أحد بأفضل منه إلا من قال أفضل من ذلك”.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا داود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائتي مرة لم يدركه أحد بعده إلا من قال مثل ما قال أو أفضل”.

أخبرني عمرو بن منصور وإبراهيم بن يعقوب، حدثنا الحجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وداود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قال في يوم مائتي مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لم يسبقه أحد كان قبله ولا يدركه أحد كان بعده إلا من عمل أفضل من عمله” ا.هـ.

وروى مسلم في صحيحه [156] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثلَ ما قال أو زاد عليه” ا.هـ.

وغير ذلك من الأحاديث التي تحث على الإكثار من ذكر الله تعالى.

ولا يزال القارئ يزداد تعجبًا كلما قرأ قولك: “أكثر ما جاء من العدد في السنة الصحيحة، فيما أذكر الآن مائة” ا.هـ، لا سيما وأنك قلتَ إنه مضى على دراستك لعلم الحديث عشرون سنة!!، ولا يجديك نفعًا قولك: “فيما أذكر الآن” وخصوصًا إذا كنت تريد أن تبني على قولك هذا حكمًا تُحرّم فيه على المسلمين ذكر الله في عدد محصور يزيد على المائة!!، وإن كنتَ لا تذكر حين كتابتك للمقال [157] فلماذا لم تبيّن ثبوت الذكر بأكثر من مائة كما في صحيح مسلم في ردّك الذي ألفته بعد ذلك [158]، وكذلك تركتَ التنبيه على ذلك في كتابك المسمى “سلسلة الأحاديث الضعيفة” وقد طبع بعد ذلك عدة مرات، إلا إذا كنت لا تزال تحرم الزيادة على المائة وتعتبره بدعة ضلالة، أليس في ذلك كله إيهام أنه لم يرد في السنة إلا الذكر بعدد مائة فقط، هل هكذا يكون رد الفروع إلى الأصول، وتتبع الروايات كما زعمتَ؟! وهل اتقيت اللهَ تعالى حين حرمتَ ذلك من دون الرجوع إلى السنة النبوية؟ أم أن الهوى منعك عن قبول الحق؟

وأما ما وصفتَ به نفسك بقولك [159]: “تفردنا في هذا العصر فيما أعلم من تتبع الزيادات من مختلف روايات الحديث وجمع شملها وضمها إلى أصل الحديث” ا.هـ، فإن كان هذا صحيحًا فكيف خفي عليك جواز الذكر بأكثر من مائة كما ورد في السنة النبوية المطهرة ولِمَ لمْ ترجع إلى الصحيحين والسنن وغيرها، فهل هكذا يكون تتبع الزيادات من مختلف روايات الحديث؟ أم أنك لا تتبع الروايات حيث تكون الحجة عليك!!.

ولئن كنتَ من الذين يرجعون إلى كل مخطوط ومطبوع لتخريج الحديث كما تزعم فلماذا لم ترجع إلى كتب السنة المطبوعة لتنظر إن كان فيها الزيادة على المائة، لا سيما رواية أبي هريرة التي هي في “صحيح مسلم” الذي هو في متناول يدك، ولذلك اتخذ أبو هريرة رضي الله عنه وردًا يُسبح الله تعالى كل يوم بالآلاف عملاً بحديث الرسول الذي سمعه منه، فقد قال الحافظ ابن حجر في كتابه “الإصابة” ما نصه [160]: “وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن عكرمة أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، يقول: أسبّح بقدر ذنبي” ا.هـ، وأخرجه أبو نعيم في “الحلية” بنحوه، وأورده الذهبي في “السير” [161].

فهل تُبدّع هذا الصحابي الجليل لكونه التزم بذكر الله بعدد محصور كل يوم؟!

ثم قلتَ [162]: “ولو لم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة وهي أنها قضت على سنة العد بالأصابع أو كادت” ا.هـ.

أقول: هذا خلاف الواقع، والمشاهدة شاهد صدق، وليس الخبر كالعيان، فلا نزال نرى الناس أكثرهم يسبحون أدبار الصلوات بالأصابع وأصحاب السبح فيهم أقلّ ولكنك لما اعتقدتها من أفحش المنكرات ارتسم في مخيلتك خلاف الواقع، وهل تعلم أحدًا من السلف عادى السبحة معاداتك بلغك عنه ذلك بإسناد صحيح؟ فإذا لم تجد ذلك فمع من أنت؟.

ويبقى أن نبين كيف تسيئ الظن بالمسلمين وتنسبهم إلى الرياء وذلك حين قلت [163]: “رأيتُ رجلاً على دراجة عادية يسير بها في بعض الطرق المزدحمة بالناس وفي إحدى يديه سبحة!! يتظاهرون للناس بأنهم لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين” انتهى بحروفه.

أليس ذلك إساءة الظن بالمسلمين؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إياكم والظن فإن الظن أكذبُ الحديث” رواه البخاري [164]. وكيف تتجرأ على رمي هؤلاء المسلمين بأنهم يتظاهرون للناس المداومة على ذكر الله، هل شققت عن قلوبهم؟ وإذا رأيت رجلاً يسير على الطريق وهو يعقد التسبيح بيمينه هل تقول: يتظاهر للناس بأنه لا يغفل عن ذكر الله طرفة عين؟!.

فالقيام بالطاعة من ذكر وصلاة وحج وقراءة قرءان وغير ذلك طلبًا لمدح الناس والثناء على فاعله أو طلبًا للأجر والثواب من الله تعالى هو عمل قلبي لا تُعرف نية فاعله بمجرد قيامه بعمل الطاعة، هذا ما عليه المسلمون، وإن شئت التأكد مما قلناه يمكنك الرجوع إلى ما ذكره العلماء في تعريفهم للرياء، فصحح مفهومك إن كنتَ من الذين يقولون إن الرياء هو مجرد القيام بالطاعة من غير اعتبار لنية فاعله، وإلا فلماذا تتهم من يستعمل السبحة من المسلمين بأنه يتظاهر للناس أنه لا يغفل عن ذكر الله؟!.

وأما قولك [165]: “وكثيرًا ما تكون هذه البدعة سببًا لإضاعة ما هو واجب، فقد اتفق لي مرارًا وكذا لغيري أنني سلمتُ على أحدهم فرد عليّ السلام بالتلويح بها! دون أن يتلفظ بالسلام، ومفاسد هذه البدعة لا تحصى” ا.هـ.

نقول: إن كانت لها مفاسد لا تحصى كما تزعم فلماذا لم تستطع أن تثبت مفسدة واحدة لها؟! أما الذي ذكرته أنت فلا يقوله أهل التحقيق والتدقيق، ولا يعتبرونه شبهة فضلاً عن أن يجعلوه حجة لتحريم استعمال السبحة. والذي يعقد التسبيح بيمينه إذا رد السلام بالإشارة بيده لكونه يحرك لسانه بذكر الله تعالى فهل تقول إن عقد التسبيح باليد بدعة ضلالة لأنه أضاع واجبًا لتركه رد السلام بلسانه؟!.

وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على ضعف فهمك للنصوص وأنك بعيد عن مرتبة الفقه وأهله.

 

الهوامش:

 

[1] تقع هرر في المنطقة الداخلية الأفريقية، يحدها من الشرق جمهورية الصومال، ومن الغرب الحبشة، ومن الجنوب كينيا، ومن الشمال الشرقي جمهورية جيبوتي، وقد احتُلت الصومال وقسمت إلى خمسة أجزاء، فكان إقليم الصومال الغربي [هرر] من نصيب الحبشة، وذلك سنة 1304هـ -1887ر.

[2] بنو شيبة بطن من عبد الدار من قريش وهم حجبة الكعبة المعروفون ببني شيبة إلى الآن، انتهت إليهم من قبل جدهم عبد الدار حيث ابتاع أبوه قصي مفاتيح الكعبة من أبي غبشان الخزاعي، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم في عقبهم. سبائك الذهب [ص/68].

[3] بنو عبد الدار بطن من قصي بن كلاب جد النبي صلى الله عليه وسلم الرابع. سبائك الذهب [ص/68].

[4] استلم إمامة ومشيخة المسجد الحرام أيام السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله.

[5] أخرجه القضاعي في مسنده [2/106]، والبخاري في التاريخ الكبير [6/34]، وأورده الحافظ السيوطي في جمع الجوامع [3/150]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [1/176]: “رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح” ا.هـ، وعزاه الحافظ أحمد الغماري في كتابه فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب [2/158] للطبراني في “الأوسط” والقضاعي في المسند من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “ورجاله رجال الصحيح” ا.هـ.

[6] انظر سلسلته الضعيفة [1/95].

[7] الحاوي للفتاوى [2/3].

[8] قال المحدث عبد الله الغماري في كتابه إتقان الصنعة [ص/47] ما نصه: “قوله –يعني الألباني- عن سند الديلمي: “هذا إسناد ظلمات بعضها فوق بعض”، وهذه العبارة منه تدل على جهله أو تجاهله باصطلاح أهل الحديث، لأن الحفاظ يقولون هذه العبارة في سند يكون رجاله ضعفاء، وبعضهم أشد ضعفًا من بعض، أما السند الذي يكون فيه مجهول أو مجهولون فلا يزيدون على أن يقولوا: فيه مجهول، أو فيه مجاهيل” ا.هـ.

[9] تدريب الراوي: ذكره في الفرع الثالث بعد أن انتهى من بيان “الحديث الحسن” [ص/111].

[10] انظر صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان خصال المنافق.

[11] هو يحيى بن محمد بن قيس المحاربي، أبو زكير البصري الضرير، مدني الأصل. راجع ترجمته في: الجمع بين رجال الصحيحين [2/572]، تهذيب التهذيب [11/240-241]، الكاشف [3/234]، الميزان [4/405]، الضعفاء الكبير [4/243]، الضعفاء لابن الجوزي [3/202]، التاريخ الكبير [8/304]، الكامل [7/243]، رجال صحيح مسلم [2/350]، الجرح والتعديل [9/184]، المجروحين [3/119].

[12] فتح المغيث [ص/88].

[13] أخرجه النسائي في السنن الكبرى: أبواب الأطعمة: باب البلح بالتمر [4/166-177].

[14] أخرجه ابن ماجه: في سننه: كتاب الأطعمة: باب أكل البلح بالتمر.

[15] مقدمة ابن الصلاح [ص/38].

[16] التقييد والإيضاح [ص/107].

[17] النكت على ابن الصلاح [ص/277].

[18] انظر الإرشاد [ص/13].

[19] فتح المغيث [ص/176].

[20] فتح المغيث [ص/177].

[21] تدريب الراوي [ص/229].

[22] التقييد والإيضاح [ص/156].

[23] شرح النخبة [ص/69].

[24] تدريب الراوي [ص/231].

[25] ولذلك روى البخاري في تعاليق الصحيح في كتاب بدء الخلق: باب ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} لعيسى بن موسى التيمي أو التميمي البخاري، قال الحاكم: “هو في نفسه صدوق محتج به في الجامع الصحيح إلا أنه إذا روى عن المجهولين كثرت المناكير في حديثه”، انظر “تهذيب التهذيب” [8/209].

قال ابن حبان في كتابه “الثقات” [8/493]: “فلم أر فيما يروي عن المتفنين شيئًا يوجب تركه إذا بيّن السماع في خبره” ا.هـ، قال الحافظ العراقي في فتح المغيث [ص/106] في مبحث المنكر عن همام بن يحيى: “إنه ثقة احتج به أهل الصحيح” مع أنه ذكر عن أبي داود أنه حكم على حديثه الذي انفرد به وهو “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه” بأنه حديث منكر، وسيأتي أن من قيل فيه منكر الحديث يعتبر به.

[26] فتح المغيث [ص/120].

[27] شرح النخبة [ص/87].

[28] ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه [2/162]، في باب “من كره عقد التسبيح” عن سعيد بن جبير قال: رأى عمر بن الخطاب رجلاً يسبح بتسابيح معه، فقال عمر: إنما يجزيه من ذلك أن يقول: “سبحان الله ملء السموات والأرض..”، لكن سعيد بن جبير لم يدرك عمر.

[29] الخصائص الكبرى [2/220].

[30] تدريب الراوي: القسم الثامن من أقسام التحمل: الوِجادة [ص/276].

[31] أخرجه الحاكم في المستدرك: [4/85-86] وصححه، وخالفه الذهبي فقال: “بل محمد ضعفوه”. وأورده الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد” [10/65] وقال: “رواه أبو يعلى ورواه البزار فقال: عن عمرو، عن النبي..، وقال: الصواب أنه مرسل عن زيد بن أسلم، وأحد إسنادي البزار المرفوع حسن، المنهال بن بحر وثقه أبو حاتم وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح” ا.هـ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده [1/147]، والحافظ ابن حجر في “المطالب العالية” [3/67-68] وقال: “فيه سيء الحفظ”، وانظر النسخة المسندة من “المطالب” للحافظ أيضًا [7/481]، و”إتحاف الخيرة” للبوصيري [1/106].

[32] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب ذكر الدجال وصفته وما معه.

[33] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الملاحم: باب ذكر خروج الدجال.

[34] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير [1/217]. وقال الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد” [8/205] “رواه الطبراني ورجاله ثقات”، ورمز السيوطي في الجامع الصغير [2/464] للحديث بالحسن.

[35] لسان العرب [5/241].

[36] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب الأذان فوق المنارة، وحسنه الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” [2/103] في كتاب الأذان: باب الأذان بعد الفجر.

[37] صحيفة [14-15] من رسالته.

[38] تاريخ بغداد [3/356].

[39] عازيًا له إلى مسلم، ولعله رأى ذلك في بعض نسخ مسلم، أو حمل المرأة المبهمة في حديث سعد السابق على أنها هي جويرية. وأما جزمه بالحصى مع أن المذكور في الحديث لفظ التردد “بحصى أو نوى” فلعله وقف على رواية جازمة بالحصى، فوحد بين الحديثين. وقد ذكر الحافظ احتمال أن تكون المبهمة جويرية. انتهى كلام المؤلف.

[40] فتح المغيث [ص/120].

[41] أي فما عدا ذلك الحديث الذي اعترف بوضعه لا يحكم عليه بالوضع بمقتضى ذلك الاعتراف بل يتوقف فيها وينظر فإن وجدت فيه قرينة من القرائن المذكورة حكم بوضعه وإلا فلا يحكم بوضعه مع الحكم عليها كلها بأنها مردودة، وفرق بين الرد والوضع، فلا ملازمة بين الوضع ومطلق الرد، فليقف مريد التحقيق عند قول الحافظ “بعينه” حتى لا يقع في الخبط وحتى لا ينسب إلى القوم ما ليس عندهم، والله أعلم. انتهى كلام المؤلف.

[42] السلسلة الضعيفة [1/95-96].

[43] ميزان الاعتدال [1/471].

[44] لسان الميزان [2/233].

[45] انظر كتابه المسمى “تمام المنة” [ص/34].

[46] السلسلة الضعيفة [1/96].

[47] أي ابن وضاح في كتابه “البدع والنهي عنها” [ص/13].

[48] تهذيب التهذيب [1/85-86].

[49] تقريب التهذيب [ص/110].

[50] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة [2/54، رقم/585].

[51] المرجع السابق [2/182، رقم/760].

[52] المرجع السابق [2/172، رقم/749].

[53] انظر رسالته المسماة: “الرد على التعقب الحثيث” [ص/5].

[54] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة [2/58، رقم/592].

[55] هكذا جاء في كلام الألباني، وهو خطأ نحوي ظاهر.

[56] السلسلة الضعيفة [1/96].

[57] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: جماع أبواب فضائل القرءان: باب التسبيح بالحصى، والترمذي في سننه: كتاب الدعوات: باب ما جاء في عقد التسبيح باليد، والحاكم في المستدرك [1/547]، والبيهقي في سننه [2/253].

[58] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الغسل: باب الغسل بالصاع ونحوه، ومسلم في صحيحه: كتاب الحيض: باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، والترمذي في سننه: أبواب الطهارة: باب في الوضوء بالمد، والنسائي في سننه: كتاب المياه: باب القدر الذي يكتفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل، وابن ماجه في سننه: كتاب الطهارة وسننها: باب ما جاء في مقدار الماء للوضوء والغسل من الجنابة، وأحمد في مسنده [6/121 ،133]، والبيهقي في سننه [1/194].

[59] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوضوء: باب الوضوء بالمد، ومسلم في صحيحه: كتاب الحيض: باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، والبيهقي في سننه [1/194].

[60] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحيض: باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، والترمذي في سننه: أبواب الصلاة: باب قدر ما يجزئ من الماء في الوضوء، والنسائي في سننه: كتاب المياه: باب القدر الذي يكتفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل، وأحمد في مسنده [3/282].

[61] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأذان: باب صلاة الليل، ومسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.

[62] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التهجد: باب المداومة على ركعتي الفجر، ومسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما.

[63] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجمعة: باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها.

[64] قال النووي في شرح مسلم [6/9-10]: “وفي الحديث استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها، ولا خلاف في هذا عندنا وبه قال الجمهور، وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل، قال جماعة من السلف: الاختيار فعلها في المسجد كلها، وقال مالك والثوري: الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد وراتبة الليل في البيت، ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة وفيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم يصلي سنة الصبح والجمعة في بيته وهما صلاتا نهار مع قوله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة” وهذا عام صحيح صريح لا معارض له فليس لأحد العدول عنه والله أعلم” ا.هـ.

[65] سلسلة الأحاديث الضعيفة [1/97-98].

[66] أخرجه أبو داود في سننه: أبواب قراءة القرءان وتحزيبه وترتيله: باب التسبيح بالحصى.

[67] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الدعوات: باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذه دبر كل صلاة.

[68] أخرجه الحاكم في المستدرك [1/547-548].

[69] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب التفسير: تفسير سورة التوبة [حديث رقم/3095].

[70] تقريب التهذيب [ص/205].

[71] تقريب التهذيب [ص/515].

[72] راجع [ص/19].

[73] السنن الكبرى [10/116].

[74] الثقات [6/268].

[75] تقريب التهذيب [ص/205].

[76] انظر غطيف في الثقات [7/311]، والحسين الكوفي [8/188].

[77] مقدمة فتح الباري [ص/406].

[78] مقدمة فتح الباري [ص/462].

[79] ذكره الحافظ في فتح الباري: كتاب التوحيد: باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى [13/357].

[80] ميزان الاعتدال [1/653].

[81] المستدرك [1/547-548].

[82] انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان [2/101].

[83] مسند أبي يعلى [2/66-67].

[84] تهذيب التهذيب [4/84].

[85] هو هشام بن عبد الملك ابن مروان، تولى الخلافة سنة 105هـ.

[86] ثقات ابن حبان [6/374].

[87] إرواء الغليل [8/298-299].

[88] نصب الراية [4/98].

[89] معرفة السنن والآثار [7/401-402].

[90] التقريب: النوع الثاني والعشرون، المقلوب [ص/39].

[91] فتح المغيث [ص/136].

[92] نتائج الأفكار [1/77].

[93] الثقات [6/268].

[94] نتائج الأفكار [1/78].

[95] فثبت أن حديث سعد في التسبيح بالحصى أحسن حالاً من حديث عدي لأمرين أحدهما: أن حديث سعد رجاله رجال الصحيح إلا واحدًا بخلاف ذاك فإن فيه راويين لم يخرج لهما في الصحيح: أحدهما متفق على تضعيفه والآخر لا أعرف له موثقًا إلا ابن حبان مع تضعيف الحافظ، والأمر الثاني أن له شاهدًا مرفوعًا حسنه الحافظ وهو حديث صفية بخلاف حديث عدي فكيف يصح لك مع هذا رد تحسين الترمذي له وتقبل تحسينه لحديث عدي، أنصف ودع الغرض الفاسد ولا تتعسف.

[96] تدريب الراوي: النوع الثالث والعشرون: صفة من تقبل روايته وما يتعلق به، المسئلة السادسة [ص/209].

[97] شرح النخبة [ص/99].

[98] السلسلة الضعيفة [1/98].

[99] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الدعوات: باب رقم [104].

[100] أخرجه الحاكم في المستدرك [1/547].

[101] الميزان [4/289].

[102] تقريب التهذيب [ص/662].

[103] نتائج الأفكار [1/79].

[104] المعجم الكبير [24/195].

[105] ثقات ابن حبان [5/339].

[106] نتائج الأفكار [1/80].

[107] نتائج الأفكار [1/80-81].

[108] الدعاء [3/1585-1586].

[109] الدعاء [3/1585-1586].

[110] السلسلة الضعيفة [1/98].

[111] تقريب التهذيب [ص/539].

[112] تهذيب التهذيب [8/403-404].

[113] كتابه المسمى سلسلة الأحاديث الضعيفة [1/98، حاشية رقم 2].

[114] تقريب التهذيب [ص/539].

[115] تقريب التهذيب [ص/96].

[116] السلسلة الضعيفة [1/98-99].

[117] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب التسبيح أول النهار وعند النوم.

[118] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الدعوات: باب 104 حديث رقم 3555.

[119] أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الأدب: باب فضل التسبيح.

[120] أخرجه أحمد في مسنده [6/325، 429-430].

[121] بالمعنى الشامل للصحيح والحسن انتهى كلام المؤلف.

[122] أخبرنا من أي قسمي المنكر؟ ثم طبق تعريف المنكر المصطلح عليه.

[123] السلسلة الضعيفة [1/99].

[124] أي الأثر الذي ورد بإسناد ضعيف أن ابن مسعود مر برجل يسبح بحصى فضربه برجله.

[125] السلسلة الضعيفة [1/96].

[126] السلسلة الضعيفة [1/99].

[127] البدع والنهي عنها [ص/11].

[128] ورد في النسخة المطبوعة “يسار”، والصواب “سيّار” كما في “التاريخ الكبير” للبخاري [4/161]، و”الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم [4/254-255]، و”الثقات” لابن حبان [6/421]، و”تهذيب التهذيب” للحافظ ابن حجر [4/256].

[129] فتح الباري: كتاب التيمم، الحديث الثاني منه [1/436].

[130] البدع والنهي عنها [ص/11].

[131] تهذيب التهذيب [5/192-193].

[132] سنن الدارمي [1/68-69].

[133] كذا في سنن الدارمي.

[134] في النسخة المطبوعة: يا أبا عبد الله.

[135] الحاوي للفتاوى: [1/394].

[136] مصنف ابن أبي شيبة [2/162].

[137] الجرح والتعديل [1/234].

[138] المعرفة والتاريخ [2/558].

[139] هو عبد الله بن مسعود.

[140] هو علقمة بن قيس النخعي.

[141] هو الأسود بن يزيد النخعي.

[142] هو عبيدة السلماني.

[143] السلسلة الضعيفة [1/99].

[144] مصنف ابن أبي شيبة [2/162].

[145] السلسلة الضعيفة [1/99].

[146] أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير”: [4/132-133]، وعزاه الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد” [10/98] له في الكبير والأوسط فقال: “رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسنادين ورجال أحدهما ثقات” ا.هـ.

[147] المطالب العالية [3/261].

[148] رواه ابن حبان في صحيحه: انظر الإحسان [2/102]، والحاكم في المستدرك [1/512-513] وقال: “هذا أصح إسناد المصريين فلم يخرجاه”، ووافقه الذهبي على تصحيحه.

[149] أخرجه أحمد في مسنده [3/75] و[4/267-268].

[150] قال الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد” [10/87] بعد عزوه لأحمد وأبي يعلى: “وإسنادهما حسن”.

[151] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب فضيلة العلم الدائم من قيام الليل وغيره.

[152] رواه أحمد في مسنده [2/185 و214].

[153] مجمع الزوائد [10/86].

[154] عمل اليوم والليلة: باب فضل من قال ذلك مائة مرة إذا أصبح ومائة مرة إذا أمسى [ص/180-181].

[155] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء.

[156] تاريخه: “جمادى الآخرة من سنة 1375هـ”.

[157] تاريخه: “22/11/1377هـ”.

[158] انظر كتابه المسمى ءاداب الزفاف [ص/141].

[159] الإصابة في تمييز الصحابة [4/209].

[160] حلية الأولياء [1/389]، السير للذهبي [2/610].

[161] السلسلة الضعيفة [1/99-100].

[162] السلسلة الضعيفة [1/100].

[163] اخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأدب: باب {يا أيها الذينَ ءامنوا اجتنبوا كثيرًا مِنَ الظنِّ إنَّ بعض الظن إثم} [سورة الحجرات].

[164] السلسلة الضعيفة [1/100].

[165] السلسلة الضعيفة [1/96].