اسمه ومولده:
هو العالِم الجليل قدوة المحقّقين، وعمدة المدقّقين، صدر العلماء العاملين، الإمام المحدّث، التقي الزاهد، والفاضل العابد، صاحب المواهب الجليلة، الشيخ أبو عبد الرَّحمن عبد الله بن محمَّد بن يوسف بن عبد الله بن جامع الهرري الشَّيبي العبدري مفتي هرر.
نشأته ورحلاته:
نشأ في بيتٍ متواضع محبًّا للعِلم ولأهله فحفظ القرءان الكريم استظهارًا وترتيلًا وإتقانًا وهو ابن سبع سنين، وأقرأه والده كتاب المقدمة الحضرمية، وكتاب المختصر الصغير في الفقه وهو كتاب مشهور في بلاده، ثم عكف على الاغتراف من بحور العِلم فحفظ عددًا من المتون في مختلف العلوم، ثم أولى عِلم الحديث اهتمامه فحفظ الكتب الستة وغيرها بأسانيدها حتى إنه أُجيز بالفتوى ورواية الحديث وهو دون الثامنة عشرة.
ولم يكتفِ بعلماء بلدته وما جاورها بل جال في أنحاء الحبشة والصومال لطلب العِلم وسماعه من أهله وله في ذلك رحلات عديدة لاقى فيها المشاق والمصاعب، غير أنه كان لا يأبه لها بل كلما سمع بعالِم شدّ رحاله إليه ليستفيد منه وهذه عادة السلف الصالح، وساعده ذكاؤه وحافظته العجيبة على التعمّق في الفقه الشافعي وأصوله ومعرفة وجوه الخلاف فيه، وكذا الشأن في الفقه المالكي والحنفي والحنبلي حتى صار يُشار إليه بالأيدي والبنان ويُقصد وتشدّ الرحال إليه من أقطار الحبشة والصومال حتى بلغ من أمره أن أسند إليه أمر الفتوى ببلده هرر وما جاورها.
أخذ الفقه الشافعي وأصوله والنحو عن العالِم النحرير العارف بالله الشيخ محمَّد عبد السلام الهرري، والشيخ محمَّد عمر جامع الهرري، والشيخ محمَّد رشاد الحبشي، والشيخ إبراهيم أبي الغيث الهرري، والشيخ يونس الحبشي، والشيخ محمَّد سراج الجبرتي، والشيخ يونس سِلْتي كألفيّة الزُّبد والتنبيه والمنهاج وألفية ابن مالك واللمع للشيرازي وغير ذلك من الأمّهات.
وأخذ علوم العربية بخصوصٍ عن الشيخ الصالح أحمد البصير، والشيخ أحمد بن محمَّد الحبشي وغيرهما.
وأخذ علم العروض على الشيخ بشرى كاروكي في بلدة جمة وهي تبعد عن هرر نحو ألف كيلومتر تقريبًا.
وقرأ فقه المذاهب الثلاثة وأصولها على الشيخ محمَّد العربي الفاسي، والشيخ عبد الرّحمن الحبشي.
وأخذ علم التفسير عن الشيخ شريف الحبشي في بلده جِمّه.
وأخذ الحديث وعلومه عن كثير من أجلّهم الشيخ أبو بكر محمَّد سراج الجبرتي مفتي الحبشة، والشيخ عبد الرَّحمن عبد الله الحبشي وغيرهما.
واجتمع بالشيخ الصالح المحدّث القارئ أحمد عبد المطّلب الجبرتي الحبشي، شيخ القرّاء في المسجد الحرام، فأخذ عنه القراءات الأربع عشرة واستزاد منه في علم الحديث، فقرأ عليه وحصل منه على إجازة، ثم أخذ من الشيخ داود الجبرتي القارئ، ومن الشيخ المقرئ محمود فايز الديرعطاني نزيل دمشق وجامع القراءات السبع وذلك لمّا سكن صاحب الترجمة دمشق.
ومما يدل على سعة علمه أن بعض المشايخ الذين قرأ عليهم في الحبشة عادوا وقرأوا عليه ما كان قرأ عليهم فسبحان الله يؤتي الحكمة من يشاء.
وقد شرع يُلقي الدروس مبكّرًا على الطلاب الذين ربّما كانوا أكبر منه سنًّا فجمع بين التعلُّم والتعليم.
وانفرد في أرجاء الحبشة والصومال بتفوّقه على أقرانه في معرفة تراجم رجال الحديث وطبقاتهم وحفظ المتون والتبحّر في علوم السُّنّة واللغة والتفسير والفرائض وغير ذلك، حتى إنه لم يترك علمًا من العلوم الإِسلامية المعروفة إلا درسه وله فيه باعٌ، وربما تكلّم في علم فيظن سامعه أنه اقتصر عليه في الإِحكام وكذا سائر العلوم على أنّه إذا حُدّث بما يعرف أنصت إنصات المستفيد، فهو كما قال الشاعر:
وتراه يُصغي للحديث بسمعه
وبقلبه ولعلّه أدرى به
ثم أمَّ مكّة فتعرّف على علمائها كالشيخ العالِم السيّد علوي المالكي، والشيخ أمين الكتبي، والشيخ محمد ياسين الفاداني، وحضر على الشيخ محمَّد العربي التبّان، واتّصل بالشيخ عبد الغفور الأفغاني النقشبندي فأخذ منه الطريقة النقشبنديّة.
ورحل بعدها إلى المدينة المنوّرة واتّصل بعلمائها فأخذ الحديث عن الشيخ المحدث محمَّد بن علي الصديقي البكري الهندي الحنفي وأجازه، ثم لازم مكتبة عارف حكمت والمكتبة المحمودية مطالعًا منقّبًا بين الأسفار الخطيّة مغترفًا من مناهلها فبقي في المدينة مجاورًا سنة. واجتمع بالشيخ المحدث إبراهيم الختني تلميذ المحدث عبد القادر شلبي. أما إجازاته فأكثر من أن ندخل في عددها وأسماء المجيزين وما مع ذلك.
ثم رحل إلى بيت المقدس في أواخر العقد الخامس من هذا القرن ومنه توجّه إلى دمشق فاستقبله أهلها بالترحاب لا سيما بعد وفاة محدّثها الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله، فتنقّل في بلاد الشام بين دمشق وبيروت وحمص وحماه وحلب وغيرها من المدن، ثم سكن في جامع القَطاط في محلة القيمرية وأخذ صيته في الانتشار فتردّد عليه مشايخ الشام وطلبتها وتعرّف على علمائها واستفادوا منه وشهدوا له بالفضل وأقرُّوا بعلمه واشتهر في الديار الشامية: “بخليفة الشيخ بدر الدين الحسني” و: “بمحدّث الديار الشاميّة”.
وقد أثنى عليه العديد من علماء الشام منهم: الشيخ عزّ الدين الخزنوي الشافعي النقشبندي من الجزيرة شمالي سوريا، والشيخ عبد الرزّاق الحلبي إمام ومدير المسجد الأموي بدمشق، والشيخ أبو سليمان الزبيبي، والشيخ ملَّا رمضان البوطي، والشيخ أبو اليسر عابدين مفتي سوريا، والشيخ عبد الكريم الرفاعي، والشيخ نوح من الأردن، والشيخ سعيد طناطرة الدمشقي، والشيخ أحمد الحصري شيخ معرّة النعمان ومدير معهدها الشرعي، والشيخ عبد الله سراج الحلبي، والشيخ محمد مراد الحلبي، والشيخ صهيب الشامي أمين فتوى حلب، والشيخ عبد العزيز عيون السود شيخ قرّاء حمص، والشيخ أبو السعود الحمصي، والشيخ فايز الديرعطاني نزيل دمشق جامع القراءات السبع فيها، والشيخ عبد الوهّاب دبس وزيت الدمشقي، والدكتور الحلواني شيخ القرّاء في سوريا، والشيخ أحمد الحارون الدمشقي الولي الصالح، والشيخ طاهر الكيالي الحمصي، والشيخ صلاح كيوان الدمشقي.
وكذلك أثنى عليه الشيخ عثمان سراج الدين سليل الشيخ علاء الدين شيخ النقشبندية في وقته، وقد حصلت بينهما مراسلات علمية وأخوية، والشيخ عبد الكريم البياري المدرّس في جامع الحضرة الكيلانية ببغداد، والشيخ محمد زاهد الإِسلامبولي، والشيخ محمود الحنفي من مشاهير مشايخ الأتراك العاملين الآن بتلك الديار، والشيخان عبد الله وعبد العزيز الغماري محدّثا الديار المغربية، والشيخ محمد ياسين الفاداني المكي شيخ الحديث والإسناد بدار العلوم الدينية بمكة المكرمة، والشيخ محمود الطش مفتي أزمير وغيرهم خلق كثير.
أخذ الإجازة بالطريقة الرفاعيّة من الشيخ عبد الرّحمن السبسبي الحموي، والشيخ طاهر الكيالي الحمصي، والإجازة بالطريقة القادريّة من الشيخ أحمد العربيني والشيخ الطيب الدمشقي وغيرهما رحمهم الله تعالى.
قدم إلى بيروت سنة1370ه -1950ر فاستضافه كبار مشايخها أمثال الشيخ القاضي محي الدين العجوز، والشيخ المستشار محمد الشريف، واجتمع في بيت الشيخ محمد الشريف بمفتي عكار الشيخ بهاء الدين الكيلاني وسأل الشيخ في علم الحديث واستفاد منه. والشيخ عبد الوهّاب البوتاري إمام جامع البسطا الفوقا، والشيخ أحمد اسكندراني إمام ومؤذن جامع برج أبي حيدر ولازموه واستفادوا منه، ثم اجتمع بالشيخ توفيق الهبري رحمه الله وعنده كان يجتمع بأعيان بيروت، وبالشيخ عبد الرّحمن المجذوب، واستفادا منه، وبالشيخ مختار العلايلي رحمه الله، أمين الفتوى السابق الذي أقرّ بفضله وسعة علمه وهيَّأ له الإِقامة على كفالة دار الفتوى في بيروت ليتنقّل بين مساجدها مقيمًا الحلقات العلميّة وذلك بإذن خطّي منه.
وفي سنة 1389ه-1969ر، وبطلب من مدير الأزهر في لبنان ءانذاك ألقى محاضرة في التوحيد في طلَّاب الأزهر.
تصانيفه وءاثاره:
شغله إصلاح عقائد الناس ومحاربة أهل الإلحاد وقمع فتن أهل البدع والأَهواء عن التفرّغ للتأليف والتصنيف، ورغم ذلك أعدَّ ءاثارًا ومؤلفات قيّمة وهي:
1 – شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث، خ.
2 – قصيدة في الاعتقاد تقع في ستّين بيتًا تقريبًا، خ.
3 – الصراط المستقيم في التوحيد، طُبع.
4 – الدليل القويم على الصّراط المستقيم في التوحيد، طُبع.
5 – مختصر عبد الله الهرري الكافل بعِلم الدين الضروري على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، طُبع.
6 – بغية الطالب لمعرفة العِلم الديني الواجب، طُبع.
7 – التعقُّب الحثيث على من طعن فيما صحّ من الحديث، طُبع. ردّ فيه على الألباني وفنّد أقواله حتى قال عنه محدّث الديار المغربية الشيخ عبد الله الغماري رحمه الله: “وهو ردّ جيّد متقن”.
8 – نصرة التعقب الحثيث على من طعن فيما صحّ من الحديث، طُبع.
9 – الروائح الزكية في مولد خير البرية، طُبع.
10- المطالب الوفية شرح العقيدة النسفيّة، طبع.
11- إظهار العقيدة السُّنية بشرح العقيدة الطحاوية، طبع.
12- شرح ألفيّة الزّبد في الفقه الشافعي، خ.
13- شرح متن أبي شجاع في الفقه الشافعي، خ.
14- المقالات السنية، طبع.
15 -شرح متن العشماويّة في الفقه المالكي، خ.
16- شرح متمّمة الآجرومية في النحو، خ.
17- شرح البيقونيّة في المصطلح، خ.
18- صريح البيان في الردّ على من خالف القرءان، وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
19- المقالات السنيّة في كشف ضلالات أحمد بن تيمية، طُبع.
20- كتاب الدُّرّ النضيد في أحكام التجويد، طُبع.
21- شرح الصفات الثلاث عشرة الواجبة ج، طبع.
22- العقيدة المنجية، وهي رسالة صغيرة أملاها في مجلس واحد، طبع.
23- شرح التنبيه للإمام الشيرازي في الفقه الشافعي، لم يكمل.
24- شرح منهج الطلاب للشيخ زكريا الأنصاري في الفقه الشافعي، لم يكمل.
25- شرح كتاب سُلَّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق للشيخ عبد الله باعلوي، خ.
26- مختصر عبد الله الهرري الكافل بعِلم الدين الضروري على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، طبع.
27- مختصر عبد الله الهرري الكافل بعِلم الدين الضروري على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، طبع.
28- شرح منظومة الصبان في العروض، خ.
29- الغارة الإيمانية في رد مفاسد التحريرية، طبع.
30- الدرة البهية في حل ألفاظ العقيدة الطحاوية، طبع.
31- رسالة في الرد على قول البعض إن الرسول يعلم كل شىء يعلمه الله، طبع.
32- التحذير الشرعي الواجب، طبع.
33- منظومة “نصيحة الطلاب”، خ.
34- رسالة في بطلان دعوى أولية النور المحمدي، طبع.
سلوكه وسيرته:
الشيخ عبد الله الهرري شديد الورع، متواضع، صاحب عبادة، كثير الذّكر، يشتغل بالعلم والذّكر معًا، زاهد طيّب السريرة، لا تكاد تجد له لحظة إلا وهو يشغلها بقراءة أو ذكر أو تدريس أو وعظ وإرشاد، عارِف بالله، متمسّك بالكتاب والسُّنّة، حاضر الذهن قوي الحجّة ساطع الدليل، حكيم يضع الأمور في مواضعها، شديد النكير على من خالف الشرع، ذو همّة عالية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى هابه أهل البدع والضلال وحسدوه لكن الله يدافع عن الذين ءامنوا.
وهذا ما كان من خلاصة ترجمته الجليلة، ولو أردنا بسطها لكلّت الأقلام عنها وضاقت الصُّحف ولكن فيما ذكرناه كفاية يُستدل به كما يُستدلّ بالعنوان على ما هو في طيّ الكتاب.