وَمِن مُستَدرَك الحاكِم
- قال أبُو عَبدِ اللهِ محمّدٌ الحاكِمُ النَّيْسابُورِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنِ الْعلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ طلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَيْلَةً مِنْ رَمَضَانَ فِي حُجْرَةٍ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ([1])، قَالَ: فَقَامَ فَكَبَّرَ([2]) فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ([3]) ذُو الْجَبَرُوتِ([4]) وَالْمَلَكُوتِ([5])، وَذُو الْكِبْرِيَاءِ([6]) وَالْعَظَمَةِ([7])»، ثُمَّ افْتَتَحَ الْبَقَرَة فَقرَأَ فَقُلْتُ: يَبْلُغُ رَأْسَ الْمِائَةِ([8])، ثُمَّ قُلْتُ: يَبْلُغُ رَأْسَ الْمِائَتَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا([9])، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا([10])، لَا يَمُرُّ بِآيَة التَّخْوِيفِ([11]) إلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ مِثْلَ مَا قَامَ([12]) يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» يُرَدِّدُهُنَّ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ([13])، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» مِثْلَ مَا رَكَعَ([14])، ثُمَّ سَجَدَ مِثْلَ مَا قَامَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى([15])»، وَيقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ([16]): «رَبِّ اغْفِرْ لِي»([17])، فَمَا صَلَّى إلَّا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ منْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ حَتَّى جَاءَ بِلَالٌ([18]) فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ([19]).
- قال أبُو عَبدِ اللهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا بَحْرُ ابْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ قَال: قُرِئَ عَلَى عَبْد اللهِ بْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَك عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَة ابْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا فِي رَمَضَانَ فِي عَهْدِ رَسولِ اللهِ ﷺ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ([20])، حتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ: {فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الْآيَةَ [البقرة: 185]».
- وقال أبُو عَبدِ اللهِ: أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَي ابنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا قَامَ فِي رَمَضَانَ رَأَى شَجَرَةً نَاِبتًةً بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: لِأَيِّ شَيٍء أَنْتِ([21])؟ فَتَقُولُ: لِكَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَتْ لِدَوَاءٍ كُتِبَ وَإِنْ كَانَتْ لِغَرْسٍ غُرِسَتْ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي ذَاتَ يَوْمٍ إِذَا شَجَرةً نَابِتَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا([22]): مَا اسمُكِ؟ قَالَتِ: الْـخُرْنُوبُ([23])، قَالَ: لِأَيِّ شَيٍء أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِخَرَابِ هَذَا الْبَيْتِ([24])، فَقَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اللَّهُمَّ غُمَّ عَلَى الْجِنِّ مَوْتِي([25])، حَتَّى يَعْلَمَ الْإنْسُ([26]) أَنَّ الْجِنَّ لَا تَعلَمُ الْغَيْبَ، قَالَ: فَنَحَتَهَا([27]) عَصًا، فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا حَوْلًا ميِّتًا([28])، وَالْجِنُّ تَعْمَلُ([29])، فَأَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ([30])، فَسَقَطَ، فَلَمَّا خَرَّ([31]) تَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ([32]) أَنَّ الْجِنَّ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ([33])، قَالَ: فَشَكرَتِ الْجِنُّ الْأَرَضَةَ فَكَانَتْ تَأْتِيهَا بالْمَاءِ»، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا هَكَذَا([34]).
[1])) أي: مُتّخذَه مِن أغصانِ النّخلِ الّتي جُرِّد عنها خُوضُها، أي: ورَقُها.
[2])) أي: للصّلاة.
[3])) معناه: اللهُ أكبَرُ مِن كُلّ كَبِيرٍ قَدرًا وعظَمةً لا أنّه أكبَرُ حَجمًا ومكانًا لأنّه تعالَى ليسَ جِسمًا ولا عرَضًا ولا يَتمكَّن في مَكانٍ ولا يَتقيَّدُ بزَمانٍ.
[4])) أي: هو قاهِرٌ لجمِيع خَلقِه جابِرٌ لـمَفاقرِهم.
[5])) أي: له الـمُلكُ التامُّ، فهو مالِكُ كُلّ شيءٍ.
[6])) أي: له الغلَبةُ التّامّةُ الـمُطلَقةُ.
[7])) أي: له عظَمةُ الشّأنِ والقَدرِ ولا يجوزُ عليه أنْ يتّصِفَ بعظّمةِ الجُثّةِ والجِسم؛ لأنّه ليس جِسمًا ولا عرَضًا ولا يُشبِهُ الأجسامَ كما أنّه لا يُشبِهُ شيئًا مِن خَلقِه.
[8])) أي: مِن ءايات السُّورة.
[9])) أي: كُلَّها.
[10])) أي: جميعَها.
[11])) أي: فيها تَخويفٌ مِن العذابِ.
[12])) أي: مِثلَ طُولِ ذلكَ.
[13])) أي: تَقبَّلَ اللهُ حَمدَ مَن حَمِدَه مِن عِبادِه المؤمنِينَ.
[14])) أي: مِثلَ طُولِ ذلكَ.
[15])) أي: تَنزَّهَ الهُ المتّصِفُ بعُلُوّ القَدرِ والشّأنِ، أمّا العلُوّ الـمَكانِيُّ فمستحيلٌ عليه تعالى؛ لأنّه تعالَى موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا مكَانٍ ولا كَيفٍ ولا جِهةٍ.
[16])) أي: في الجُلوس.
[17])) هو جارٍ منه r على سبيل التضرُّع إلى اللهِ تعالى والخُضوع له.
[18])) أي: الحَبشيُّ t.
[19])) أي: أعْلَمَه بدُخولِ وقتِ صلاةِ الصُّبح.
[20])) أي: بإطعامِه.
[21])) أي: ما نَفعُكِ.
[22])) أي: عَقِبَ صلاتِه.
[23])) بالضّمّ أفصَح، شجَرٌ يَنبُت في جِبالِ الشّامِ يُسمَّى القِثّاءَ الشامِيَّ وهو يابِسٌ أسوَدُ.
[24])) أي: لمَوتِهم وذَهابِ مُلكِهم بذلكَ.
[25])) أي: أخْفِه عن الجَنِّ حِينَ حُصولِه إلى فَترةٍ.
[26])) أي: جَهَلتُهم.
[27])) أي: الخُرنُوبةَ.
[28])) أي: توكأَ علَيها قَبلَ مَوتِه فماتَ وهو متوكِّئٌ علَيها وبقِيَ على ذلكَ عامًا.
[29])) أي: فِيما سُخِّرَتْ فيه لِسُلَيمان u.
[30])) دُوَيْبةٌ بَيْضاءٌ تُشبِهُ النّملَ تأكُل الخشَبَ وتَظهرُ أيّامَ الرّبيع.
[31])) أي: سقَط.
[32])) أي: علِمَتِ الإنسُ كُلُهم عِلمًا بَيِّنًا بَعدَ الْتِباسِ الأمرِ على جَهلَتِهم.
[33])) قال الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سورة سبأ: 14].
[34])) أي: بلَفظِ {تَبَيَّنتِ الْإِنسُ}، أي: تَبَيَّنَ جهَلَهُ الإنسِ أمرَ الجِنِّ، وهي قراءةٌ شاذّةٌ مروِيّةٌ عنِ ابنِ مسعودٍ أيضًا.