فمِن صَحِيح البخارِيّ
- قال أبو عَبدِ اللهِ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البُخاريُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا([1]) وَاحْتِسَابًا([2]) غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ([3])، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
- وقال أبو عَبدِ اللهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ([4])، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا([5])»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ([6])، أَعَدَّهَا اللَّهُ([7]) لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ([8])، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ([9]) كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ([10]) فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ([11])، فَإِنَّهُ([12]) أَوْسَطُ الْجَنَّةِ([13])، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ»، أُرَاهُ([14]) قَالَ: «فَوْقَهُ([15]) عَرْشُ الرَّحْمَنِ([16])، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ([17]) أَنْهَارُ الْجَنَّةِ».
قَالَ مُحَمدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ: «وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ»([18]).
- وقال أبو عَبدِ اللهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضَانَ([19]) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ([20])، فيَقُولُ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([21]). فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ ﷺ وَالأَمْرُ علَى ذَلِكَ([22])، ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ علَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا([23]) مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ علَى ذَلِكَ.
- وقال أبو عَبدِ اللهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الهَادِ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُجَاوِرُ([24]) فِي رَمَضَانَ العَشْرَ([25]) الَّتِي ِفي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي([26]) مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي ويَسْتَقْبِلُ إحْدَى وعِشْرِينَ رَجَعَ إلى مَسْكَنِهِ ورَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ معهُ، وَإِنَّهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ ([27]) جَاوَرَ فِيهِ اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَ يَرْجِعُ فيها([28])، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَمَرَهُمْ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ قالَ: «كُنْتُ أُجاوِرُ هَذِهِ العَشْرَ، ثُمَّ قدْ بَدا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هِذِهِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ([29])، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ([30])، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، فَابْتَغُوهَا([31]) فِي العَشْرِ الَأوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ([32])، وَقَدْ رَأَيْتُنِي([33]) أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وطِينٍ([34])»، فَاسْتَهَلَّتِ السَّماءُ([35]) فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فأمْطَرَتْ، فَوَكَفَ الـمَسْجِدُ([36]) فِي مُصَلَّى النبيِّ ﷺ لَيْلَةَ إِحْدَى وعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِي([37]) رَسولَ اللَّهِ ﷺ، وَنَظَرْتُ إلَيْهِ انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ([38]) ووَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وماءً.
- وقال أبو عَبدِ اللهِ: حَدَثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، (ح)، وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ([39])، وَكَانَ أَجْوَدُ([40]) مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ([41])، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ([42])، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ([43])».
[1])) أي: تصديقًا بأنّها حقٌّ وطاعةٌ.
[2])) أي: ابتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ تعالى لا رِياءً.
[3])) أي: مِن الصّغائِر، ويجُوز أنْ يَغفِر اللهُ الكبائِرَ بعضَها أو جمِيعَها لِمَن شاء، فإنّ رحمةَ اللهِ واسِعةٌ وفضلَه عَظِيمٌ.
[4])) أي: وَعدًا ثابِتًا مِنهُ فضلًا مِنه وتكرُّمًا، إذْ لا يَجِب على اللهِ شيء.
[5])) أي: سواءٌ جاهدَ حِينَ يكونُ الجِهادُ واجبًا على الكِفايةِ وقَدْ تَمَّتْ أو لَم يُجاهِدْ.
[6])) أي: مَنزلةٍ ومَرتَبةٍ.
[7])) أي: خَلَقَها اللهُ تعالَى وجعلَها مُهيَّأةً لهؤلاءِ الـمُجاهدِين، وفِعلُ الله تعالى بلا مُباشرةٍ منه ولا مُماسّةٍ، لا يُشبِهُ شيئًا مِن خَلقِه في ذاتِه ولا فِي صِفاتِه ولا في أفعالِه.
[8])) أي: بالقتالِ إعلاءً لكلمةِ الحقّ ونُصرةً للإسلام.
[9])) أي: مِن التّفاوُت.
[10])) أي: دَعَوتُمُوه طالبِينَ منه الدّرجةَ العاليةَ في الجنّة.
[11])) أي: أنْ يُنِيلَكُمُوه.
[12])) أي: الفِردَوسَ.
[13])) أي: أفضَلُها وأوسَعُها وخَيرُها.
[14])) أي: أظُنُّه، والشّكُّ مِن يحيَى بنِ صالِح.
[15])) أي: فَوقَ الفِردَوس في الارتفاعِ.
[16])) أي: العرشُ الّذِي خلَقَه اللهُ تعالى إظهارًا لِقُدرَتِه لا لِيَتّخِذَه مكانًا لذاتِه، حاشا لله، فالله تعالى لا يَسكُن في مكانٍ ولا في جمِيع الأمكِنة، فهو تعالى موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا كيفٍ ولا مكانٍ ولا يَجرِي عليه زَمانٌ، ولَم يَزلْ سُبحانَه بَعد خَلْقِ العالَم كذلك، لا يَتغيَّر رَبِّي ولا يَتطوَّر؛ لأنّه لا يُشبِهُ شيئًا مِن خَلقِه.
[17])) أي: تَتفجَّر، أي: تنبُع.
[18])) أي: بزِيادةِ الواوِ في الروايةِ بصيغةِ الجَزمِ لا الشّكِّ كما هي عند يحيى بن صالِح.
[19])) أي: بالطّاعات.
[20])) أي: مِن غَيرِ أمرٍ بوُجوبٍ. قال الحافظُ النّوِويّ: «وأجمعَتِ الأُمّة على أنّ قِيامَ رمَضانَ ليسَ بواجِبٍ».اهـ.
[21])) تقدَّم معناه في الحديث الأوّل.
[22])) أي: الأمرُ على عدَمِ وُجوبِ قِيامِ رَمضانَ.
[23])) أي: شيئًا مِن أوائِل عَهدِه.
[24])) أي: يَعتكِفُ.
[25])) أي: الأيّام العَشرَ.
[26])) أي: يَدخُل في الـمَساء.
[27])) أي: مِن أشهُرِ رَمضانَ الّتي أدرَكَهَا ﷺ.
[28])) وهي لَيلةُ الحادِي والعِشرين.
[29])) أي: لِيَلبَثْ في مَكانِ اعتِكافِه.
[30])) أي: في الـمَنامِ.
[31])) أي: اطلُبُوها بمعنَى تَحرَّوْها.
[32])) أي: الأيّامِ الوِتِر مِن العَشرِ الأواخِر.
[33])) أي: رأيتُ نَفْسي في الـمَنامِ.
[34])) أي: في مَوضِعٍ رَطبٍ، وقَد جُعِلَتْ له علامةً على اللّيلةِ.
[35])) أي: اشتَدَّ انصبابُ مطَرِها.
[36])) أي: قَطَرَ ماءُ الـمَطرِ مِن سَقْفِه.
[37])) أي: رأيتُ، وهو للتأكيدِ بذِكر «عَيْنِي».
[38])) أي: مِن صلاتِها.
[39])) أي: أكرَهم كرَمًا وسَخاءً.
[40])) «أَجْوَدُ» بالرّفعِ اسمُ «يَكُونُ» وخبَرُه محذوفٌ، نَظِيرُ: «أخطَبُ ما يكُونُ الأمِيرُ قائِمًا».
[41])) أي: وقتَ لِقائِه إيّاه.
[42])) معناه: أنهما يَتناوَبان في قراءةِ القرءانِ. قال الحافظ العسقلاني: «فيُحمَل علَى أنّ كُلًّا مِنهُما كان يَعرِضُ على الآخَر».اهـ.
[43])) أي: أسرَعُ جُودًا مِن الرِّيحِ اللّيِّنةِ السَّهلةِ الهَبوبِ.