الخميس أكتوبر 17, 2024

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْجُزْءُ الثَّانِي)

مُعْجِزَةُ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الأَمِينِ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ أُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيْمِ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ تَمُرُّ عَلَيْنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيْمِ رَجَبٍ ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ سَامِيَةٌ لِذِكْرَى رَاقِيَةٍ يُحْتَفَلُ بِهَا لِعَظِيمِ مَدْلُولِهَا وَجَلالِ قَدْرِهَا، كَيْفَ لا وَهِيَ مُعْجِزَةٌ كُبْرَى خُصَّ بِهَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ الأَمِينُ، خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَأَوْفَى الأَوْفِيَاءِ فَقَدْ كَانَ إِسْرَاؤُهُ مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ لِلأَقْصَى الشَّرِيفِ، وَمِعْرَاجُهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلا وَرُجُوعُهُ فِي جُزْءِ لَيْلَةٍ يُخْبِرُ أَهْلَ الأَرْضِ عَمَّا رَأَى مِنَ الْعَجَائِبِ وَيَصِفُ لَهُمْ الأَقْصَى نَافِذَةً نَافِذَةً، دَلِيلاً قَاطِعًا وَبُرْهَانًا سَاطِعًا عَلَى صِدْقِ دَعْوَتِهِ وَحَقِيَّةِ نُبُوَّتِهِ.

إِخْوَةَ الإِيْمَانِ، رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَسِرْتُ فَقَالَ انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِيَ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا فِيهَا ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا فِيهَا ابْنَا الْخَالَةِ عِيسَى وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا فِيهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا فِيهَا إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَإِذَا فِيهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ صُعِدَ بِي فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ فَاتَيْنَا سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى».

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ لَقَدْ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجُمِعَ لَهُ الأَنْبِيَاءُ هُنَاكَ وَصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ حَتَّى بَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَهِيَ شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا مِنَ الْحُسْنِ مَا لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنْ يَصِفَهُ، وَمِنْ حُسْنِهَا وَجَدَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْشَاهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْرَاقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَثِمَارُهَا كَالْقِلالِ وَهُنَاكَ رَأَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَدَنَا جِبْرِيلُ مِنْ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشِدَّةِ شَوْقِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مَا بَيْنَهُمَا قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ أَقَلَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ عَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو الْمِرَّةِ جِبْرِيلُ، وَهُوَ الَّذِي دَنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ حِينَ رَءَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عَلَى صُورَتِهِ الأَصْلِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾. رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إِمَامَا أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنِ السَّيِّدَةِ الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ زَوْجَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا عِنْدَمَا ذُكِرَ لَهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ قَالَتْ إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ اهـ أَيْ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الآيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَنَا مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى بِالْمَسَافَةِ وَالْجِهَةِ حَتَّى صَارَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذِرَاعَيْنِ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ جِسْمًا ذَا كَمِيَّةٍ وَلَيْسَ لَهُ مَكَانٌ وَلا جِهَةٌ فَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْقُرْبُ الْمَسَافِيُّ وَالْبُعْدُ الْمَسَافِيُّ وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ. فَالْزَمْ أَخِي عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَكُنْ مِنَ الْفَائِزِينَ بِإِذْنِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، وَهُوَ بَيْتٌ مُشَرَّفٌ، وَهُوَ لأِهْلِ السَّمَاءِ كَالْكَعْبَةِ لأِهْلِ الأَرْضِ، كُلَّ يَوْمٍ يَدْخُلُهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ فِيهِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَلا يَعُودُونَ أَبَدًا ثُمَّ وَصَلَ إِلَى مَكَانٍ يَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ الَّتِي تَنْسَخُ بِهَا الْمَلائِكَةُ فِي صُحُفِهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْ صَوْتَ جَرْيِ الْقَلَمِ عَلَى صَحَائِفِهِمْ، وَرَأَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ الْجَنَّةَ وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِتَنْعِيمِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَكَانُهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَرَأَى فِيهَا الْحُورَ الْعِينِ وَرَأَى الْعَرْشَ، وَالْعَرْشُ أَحِبَّتِي هُوَ جِرْمٌ كَبِيرٌ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُ سَقْفَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا حَجْمًا بَلْ هُوَ أَكْبَرُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ حَجْمًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي جَنْبِ الْكُرْسِيِّ إِلاَّ كَحَلْقَةٍ فِي أَرْضٍ فَلاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ» وَهُوَ كَالسَّرِيرِ الْكَبِيرِ لَهُ قَوَائِمُ أَرْبَعٌ يَحْمِلُهُ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُونَ ثَمَانِيَةً. وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ لا لِيَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ كَمَا أَخْبَرَ مِصْبَاحُ التَّوْحِيدِ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَذَلِكَ لأِنَّ عَدَدًا عَظِيمًا مِنَ الْمَلائِكَةِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْعَرْشِ، وَإِذَا أَرَادُوا الصَّلاةَ يُصَلُّونَ إِلَيْهِ كَمَا نَطُوفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَنُصَلِّي إِلَيْهَا فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِ وَرَأَوْا عَظِيمَ حَجْمِهِ وَخَلْقِهِ سَبَّحُوا اللَّهَ وَازْدَادُوا عَلَى يَقِينِهِمْ يَقِينًا بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَانَ ذَهَابُهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَعُرُوجُهُ إِلَى أَنْ عَادَ إِلَى مَكَّةَ فِي نَحْوِ ثُلُثِ لَيْلَةٍ، فَأَخْبَرَ الْكُفَّارَ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ فَتَجَهَّزَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا لَهُ، «هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «أَوْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ «فَأَشْهَدُ لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ» قَالُوا «فَتُصَدِّقُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ «نَعَمْ إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ». فَبِهَا سُمِّيَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَجَمَعَ أَبُو جَهْلٍ قَوْمَهُ فَحَدَّثَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَأَى، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَيْفَ بِنَاؤُهُ وَكَيْفَ هَيْئَتُهُ وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ فَإِنْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَسَأُخْبِرُكُمْ وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا فَسَأُخْبِرُكُمْ فَجَاءَهُ ذَلِكَ الْمُشْرِكُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ بِنَاؤُهُ وَكَيْفَ هَيْئَتُهُ وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ مَقْعَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَنَظَرِ أَحَدِنَا إِلَى بَيْتِهِ بِنَاؤُهُ كَذَا وَكَذَا وَهَيْئَتُهُ كَذَا وَكَذَا وَقُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ الآخَرُ صَدَقْتَ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَمَّا النَّعْتُ أَيِ الْوَصْفُ فَقَدْ وَاللَّهِ أَصَابَ».

وَالْمَسْجِدُ الأَقْصَى عَلَيْهِ مِنَ التُّقَى                       حُلَلٌ وَمِنْ نُورِ الْهُدَى لألاءُ

وَالأَنْبِيَاءُ بِبَابِهِ قَدْ شَاقَهُمْ                                نَحْوَ النَّبِيِّ مَحَبَّةٌ وَرِضَاءُ

يَا صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ فَوْقَ الْمُنْتَهَى                       لَكَ وَحْدَكَ الْمِعْرَاجُ وَالإِسْرَاءُ

يَا وَاصِفَ الأَقْصَى أَتَيْتَ بِوَصْفِهِ                        وَكَأَنَّكَ الرَّسَّامُ وَالْبَنَّاءُ

فَالإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ إِخْوَةَ الإِيْمَانِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا. اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا بِحَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى وَدَاوِنَا يَا رَبَّنَا بِنَظْرَةٍ مِنْ جَنَابِهِ الشَّرِيفِ وَارْزُقْنَا شُرْبَةً مِنْ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ لا نَظْمَأُ بَعْدَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.