مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(وَأَمَّا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ إِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ وَسَلَّمَ حَنِينُ الْجِذْعِ) وَحَدِيثُ حَنِينِ الْجِذْعِ مُتَوَاتِرٌ كَمَا أَنَّ الْقُرْءَانَ مُتَوَاتِرٌ (وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَنِدُ حِينَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلٍ) كَانَ (فِى) قِبْلَةِ (مَسْجِدِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْمَلَ لَهُ الْمِنْبَرُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ فِى صَحِيحِهِ (فَلَمَّا عُمِلَ لَهُ الْمِنْبَرُ صَعِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَنَّ الْجِذْعُ) مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ اللَّهُ خَلَقَ فِيهِ الإِدْرَاكَ وَالْمَحَبَّةَ وَالشَّوْقَ لِرَسُولِ اللَّهِ (حَتَّى سَمِعَ حَنِينَهُ مَنْ فِى الْمَسْجِدِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَزَمَهُ أَىْ ضَمَّهُ وَاعْتَنَقَهُ فَسَكَتَ) وَهَذِهِ مِنْ أَعْجَبِ الْمُعْجِزَاتِ وَيَصِحُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهَا أَعْجَبُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى الَّذِى حَصَلَ لِلْمَسِيحِ لِأَنَّ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى يَتَضَمَّنُ رُجُوعَ هَؤُلاءِ الأَشْخَاصِ إِلَى مِثْلِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا أَمَّا الْخَشَبُ فَهُوَ مِنَ الْجَمَادِ الَّذِى لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِإِرَادَةٍ فَهُوَ أَعْجَبُ (وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْطَاقُ الْعَجْمَاءِ أَىِ الْبَهِيمَةِ. رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ) فِى مُسْنَدِهِ (وَالْبَيْهَقِىُّ) فِى دَلائِلِ النُّبُوَّةِ (بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بنِ مُرَّةَ الثَّقَفِىِّ قَالَ بَيْنَمَا نَسِيرُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّ بِنَا بَعِيرٌ يُسْنَى عَلَيْهِ) أَىْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَاءُ (فَلَمَّا رَءَاهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ) أَىْ أَصْدَرَ صَوْتًا مِنْ حَلْقِهِ (فَوَضَعَ جِرَانَهُ) أَىْ مُقَدَّمَ عُنُقِهِ (فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ »أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ« فَجَاءَهُ فَقَالَ »بِعْنِيهِ« فَقَالَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّهُ لِأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ فَقَالَ النَّبِىُّ »أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ«. وَأَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ فِى دَلائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ فَدَخَلَ حَائِطَ) أَىْ بُسْتَانَ (رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ) وَالذِّفْرُ أَصْلُ أُذُنِ الْبَعِيرِ كَمَا فِى النِّهَايَةِ فِى غَرِيبِ الْحَدِيثِ (فَسَكَنَ ثُمَّ قَالَ »مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ« فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ هَذَا لِى فَقَالَ »أَلا تَتَّقِى اللَّهَ فِى هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِى مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ«) أَىْ تُتْعِبُهُ (وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ الْمُحَدِّثُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ فِى شَرْحِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ. وَمِنْهَا تَفَجُّرُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ فِى عِدَّةِ مَوَاطِنَ فِى مَشَاهِدَ عَظِيمَةٍ وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ يُفِيدُ مَجْمُوعُهَا الْعِلْمَ الْقَطْعِىَّ الْمُسْتَفَادَ مِنَ التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِىِّ) وَهُوَ الَّذِى تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ وَلَمْ يَتَّفِقْ رُوَاتُهُ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ (وَلَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِ نَبِيِّنَا حَيْثُ نَبَعَ مِنْ عَظْمِهِ وَعَصَبِهِ وَلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ تَفَجُّرِ الْمِيَاهِ مِنَ الْحَجَرِ الَّذِى ضَرَبَهُ مُوسَى لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ مِنَ الْحِجَارَةِ مَعْهُودٌ بِخِلافِهِ مِنْ بَيْنِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، رَوَاهُ جَابِرٌ وَأَنَسٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو لَيْلَى الأَنْصَارِىُّ وَأَبُو رَافِعٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ »رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ) أَىْ طَلَبُوا مَاءَ الْوُضُوءِ (فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ ءَاخِرِهِمْ«. وَفِى رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِىِّ قَالَ الرَّاوِى لِأَنَسٍ كَمْ كُنْتُمْ قَالَ »ثَلاثَمِائَةٍ«. وَرَوَى الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا »عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا فَجَهَشَ النَّاسُ) أَىْ أَقْبَلُوا إِلَيْهِ (فَقَالَ »مَا لَكُمْ« فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلا مَا نَشْرَبُهُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِى الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا فَقِيلَ كَمْ كُنْتُمْ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً«. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ يَنْبُعُ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ الْكَائِنِ فِى الأَصَابِعِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِىُّ فِى شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ جَابِرٍ »فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَخْرُجُ«) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِى مُسْنَدِهِ (وَفِى رِوَايَةٍ »يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ«. وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ رَدُّ عَيْنِ قَتَادَةَ بَعْدَ انْقِلاعِهَا فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِىُّ فِى الدَّلائِلِ) أَىْ دَلائِلِ النُّبُوَّةِ (عَنْ قَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ »لا« فَدَعَا بِهِ فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ فَكَانَ لا يَدْرِى أَىَّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ اهـ. وَفِى هَاتَيْنِ الْمُعْجِزَتَيْنِ قَالَ بَعْضُ الْمَادِحِينَ شِعْرًا مِنَ الْبَسِيطِ
إِنْ كَانَ مُوسَى سَقَى الأَسْبَاطَ مِنْ حَجَرٍ
فَإِنَّ فِى الْكَفِّ مَعْنًى لَيْسَ فِى الْحَجَرِ
إِنْ كَانَ عِيسَى بَرَا الأَعْمَى بِدَعْوَتِهِ
فَكَمْ بِرَاحَتِهِ قَدْ رَدَّ مِنْ بَصَرِ)
فَقَوْلُهُ إِنْ كَانَ عِيسَى بَرَا الأَعْمَى بِدَعْوَتِهِ مَعْنَاهُ تَعَافَى الأَعْمَى بِدَعْوَةِ الْمَسِيحِ. وَخُرُوجُ الْمَاءِ بَيْنَ أَصَابِعِ النَّبِىِّ نَظِيرُ مَا أَعْطَى اللَّهُ لِمُوسَى فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مَعَ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَهُوَ قَاصِدٌ الْقُدْسَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْقُدْسِ بَقِىَ زَمَانًا فِى أَرْضٍ هِىَ قَبْلَ الْقُدْسِ بِمَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ هُنَاكَ احْتَاجُوا إِلَى الْمَاءِ فِى تِلْكَ الأَرْضِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى ﴿أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ فَضَرَبَ الْحَجَرَ بِعَصَاهُ فَانْبَجَسَتْ مِنَ الْحَجَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا فَوَزَّعَ مُوسَى هَذِهِ الْعُيُونَ الَّتِى خَرَجَتْ مِنْ هَذَا الْحَجَرِ الَّذِى ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ عَلَى الأَسْبَاطِ أَىْ عَلَى الْقَبَائِلِ الَّتِى كَانَتْ مَعَهُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ وَهُوَ إِسْرَائِيلُ (وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْبِيحُ الطَّعَامِ فِى يَدِهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِىُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ »كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ« وَهَذِهِ الْمُعْجِزَاتُ الثَّلاثُ أَعْجَبُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى الَّذِى هُوَ إِحْدَى مُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ).