الأحد ديسمبر 7, 2025

قال تعالى:
{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}
[الفلق: 2].

قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط ما نصه: «وقرأ الجمهور: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}، بإضافة شر إلى ما، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد، كالإحراق بالنار، والإغراق بالبحر، والقتل بالسم.

وقرأ عمرو بن فايد: من شر بالتنوين.

وقال ابن عطية: وقرأ عمرو بن عبيد، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر: من شر بالتنوين، ما خلق على النفي، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، الله خالق كل شيء». اهـ.

مَعْنَى القَدَرِ والإيمانِ به

قال بعض العلماء: القدر هو تدبير الأشياء على وجهٍ مطابقٍ لعلم الله الأزليّ ومشيئته الأزليّة فيوجدها في الوقت الذي علم أنّها تكون فيه فيدخل في ذلك عمل العبد الخير والشّرّ باختياره. ويدلّ عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإيمان: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِرِ وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرّه»([1]) رواه مسلم.

ومعناه: أنّ المخلوقات التي قدّرها الله تعالى وفيها الخير والشّرّ وجدت بتقدير الله الأزليّ، وأمّا تقدير الله الذي هو صفة ذاته فهو لا يوصف بالشّرّ بل تقدير الله للشر الكفر والمعصية وتقديره للإيمان والطاعة حسنٌ منه ليس قبيحًا، فإرادة الله تعالى نافذةٌ في جميع مراداته على حسب علمه بها، فما علم كونه أراد كونه في الوقت الذي يكون فيه، وما علم أنّه لا يكون لم يرد أن يكون، فلا يحدث في العالم شيءٌ إلا بمشيئته ولا يصيب العبد شيءٌ من الخير أو الشرّ أو الصحة أو المرض أو الفقر أو لغنى أو غير ذلك إلا بمشيئة الله تعالى، ولا يخطئ العبد شيءٌ قدّر الله وشاء أن يصيبه، فقد ورد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم علّم بعض بناته: «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» رواه أبو داود في السّنن([2]) ثمّ تواتر واستفاض بين أفراد الأمّة.

وروى البيهقيّ([3]) رحمه الله تعالى عن سيّدنا عليٍّ رضي الله عنه أنّه قال: «إنّ أحدكم لن يخلص الإيمان إلى قلبه حتّى يستيقن يقينًا غير شكٍّ أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويقرّ بالقدر كلّه» أي لا يجوز أن يؤمن ببعض القدر ويكفر ببعضٍ.

وروى أيضًا([4]) بالإسناد الصّحيح أنّ عمر بن الخطّاب كان بالجابية – وهي أرضٌ من الشّام – فقام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له»، وكان عنده كافرٌ من كفّار العجم من أهل الذّمّة فقال بلغته: «إنّ الله لا يضلّ أحدًا»، فقال عمر للتّرجمان «ماذا يقول»؟ قال إنّه يقول إنّ الله لا يضلّ أحدًا، فقال عمر: «كذبت يا عدوّ الله ولولا أنّك من أهل الذّمّة لضربت عنقك هو أضلّك وهو يدخلك النّار إن شاء»([5]).

وروى الحافظ أبو نعيم([6]) عن ابن أخي الزّهريّ عن عمّه الزّهريّ أنّ عمر بن الخطاب كان يحبّ قصيدة لبيد بن ربيعة التي منها هذه الأبيات، وهي: [الرمل]

إنّ تقوى ربّنا خير نفل
أحمد الله فلا ندّ له
من هداه سبل الخير اهتدى

 

وبإذن الله ريثي وعجل
بيديه الخير ما شاء فعل
ناعم البال ومن شاء أضل

 ومعنى قوله: «إنّ تقوى ربّنا خير نفل»، أي خير ما يعطاه الإنسان.

ومعنى قوله: «وبإذن الله ريثي وعجل»، أي أنّه لا يبطئ مبطئ ولا يسرع مسرعٌ إلا بمشيئة الله وبإذنه.

وقوله: «أحمد الله فلا ندّ له»، أي لا مثل له.

وقوله: «بيديه الخير»، أي والشّرّ.

وإنّما اقتصر على ذكر الخير من باب الاكتفاء كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي والبرد لأن السرابيل تقي من الأمرين ليس من الحرّ فقط.

وقوله: «ما شاء فعل»، أي ما أراد الله حصوله لا بدّ أن يحصل وما أراد أن لا يحصل فلا يحصل.

وقوله: «من هداه سبل الخير اهتدى» أي من شاء الله له أن يكون على الصّراط الصّحيح المستقيم اهتدى.

وقوله: «ناعم البال» أي مطمئنّ البال. وقوله: «ومن شاء أضلّ» أي من شاء له أن يكون ضالًّا أضلّه.

وروى البيهقيّ عن الشافعيّ أنّه قال حين سئل عن القدر: [متقارب تام]

ما شئت كان وإن لم أشأ

خلقت العباد على ما علمت
على ذا مننت وهذا خذلت
فمنهم شقيٌّ ومنهم سعيدٌ

 

وما شئت إن لم تشأ لم يكن
ففي العلم يجري الفتى والمسن
وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا قبيحٌ وهذا حسن

 فتبيّن بهذا أنّ الضّمير في قوله تعالى: {يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} [النحل: 93] يعود إلى الله لا إلى العبد كما زعمت القدريّة بدليل قوله تعالى إخبارًا عن سيّدنا موسى: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ} [الأعراف: 155].

وكذلك قالت طائفةٌ ينتسبون إلى أمين شيخو الذين زعيمهم اليوم عبد الهادي الباني الذي هو بدمشق فقد جعلوا مشيئة الله تابعةً لمشيئة العبد حيث إنّ معنى الآية عندهم إن شاء العبد الاهتداء شاء الله له الهدى وإن شاء العبد أن يضلّ أضلّه الله فكذّبوا بالآية {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} [التكوير: 29]، فإن حاول بعضهم أن يستدلّ بآيةٍ من القرءان لضدّ هذا المعنى قيل له القرءان يتصادق ولا يتناقض فليس في القرءان ءايةٌ نقيض ءايةٍ وليس هذا من باب النّاسخ والمنسوخ، لأنّ النّسخ لا يدخل العقائد وليس موجبًا للتّناقض فالنسخ لا يدخل في الأخبار إنما هو في الأمر والنهي. إنّما النّسخ بيان انتهاء حكم ءايةٍ سابقةٍ بحكم ءايةٍ لاحقةٍ، على أنّ هذه الفئة لا تؤمن بالنّاسخ والمنسوخ.

ومن غباوتهم العجيبة أنّهم يفسّرون قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} [البقرة: 31] بأسماء الله الحسنى، فإن قيل لهم لو كانت الأسماء هي أسماء الله الحسنى لم يقل الله {فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم} [البقرة: 33] بل لقال فلمّا أنبأهم بأسمائي انقطعوا، لكنّهم يصرّون على جهلهم وتحريفهم للقرءان.

وروى الحاكم رحمه الله تعالى أنّ عليّ الرّضى بن موسى الكاظم كان يقعد في الرّوضة وهو شابٌّ ملتحفٌ بمطرف([7]) خزّ فيسأله النّاس ومشايخ العلماء في المسجد، فسئل عن القدر فقال: قال الله زّ من قائل: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُر * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} [القمر: 47 – 49].

ثمّ قال الرّضى: «كان أبي يذكر عن ءابائه أنّ أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالبٍ كان يقول: «إنّ الله خلق كلّ شيءٍ بقدرٍ حتّى العجز والكيس وإليه المشيئة وبه الحول والقوّة». اهـ.

فالعباد منساقون إلى فعل ما يصدر عنهم باختيارهم لا بالإكراه والجبر كالريشة المعلقة تميلها الرياح يمنةً ويسرةً كما تقول الجبرية.

ولم لم يشأ الله عصيان العصاة وكفر الكافرين وإيمان المؤمنين وطاعة الطّائعين لما خلق الجنّة والنّار.

ومن ينسب لله تعالى خلق الخير دون الشّرّ فقد نسب إلى الله تعالى العجز ولو كان كذلك لكان للعالم مدبّران مدبّر خيرٍ ومدبّر شرّ وهذا كفرٌ وإشراكٌ.

وهذا الرّأي السّفيه من جهةٍ أخرى يجعل الله تعالى في ملكه مغلوبًا لأنّه على حسب اعتقاده الله تعالى أراد الخير فقط فيكون قد وقع الشّرّ من عدوّه إبليس وأعوانه الكفّار رغم إرادته.

ويكفر من يعتقد هذا الرّأي لمخالفته قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] أي لا أحد يمنع نفاذ مشيئته.

وحكم من ينسب إلى الله تعالى الخير وينسب إلى العبد الشّرّ أدبًا أنّه لا حرج عليه، أمّا إذا اعتقد أنّ الله خلق الخير دون الشّرّ فحكمه التّكفير.

واعلموا رحمكم الله أنّ الله تعالى إذا عذّب العاصي فبعدله من غير ظلم، وإذا أثاب المطيع فبفضله من غير وجوبٍ عليه، لأن الظّلم إنّما يتصوّر ممّن له ءامرٌ وناهٍ ولا ءامر لله ولا ناهي له، فهو يتصرّف في ملكه كما يشاء لأنّ خالق الأشياء ومالكها، وقد جاء في الحديث الصّحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده([8]) والإمام أبو داود في سننه([9]) وابن حبان([10]) عن ابن الدّيلميّ قال: 6أتيت أبيّ ابن كعبٍ فقلت يا أبا المنذر، إنّه حدث في نفسي شيءٌ من هذا القدر فحدّثني لعلّ الله ينفعني»، قال: «إنّ الله لو عذّب أهل أرضه وسمواته لعذّبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحدٍ ذهبًا في سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر، وتعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو متّ على غير هذا دخلت النّار».

قال: ثمّ أتيت عبد الله بن مسعودٍ فحدّثني مثل ذلك، ثمّ أتيت حذيفة بن اليمان فحدّثني مثل ذلك، ثمّ أتيت زيد بن ثابتٍ فحدّثني مثل ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وروى مسلمٌ في صحيحه([11]) والبيهقيّ في كتاب القدر([12]) عن أبي الأسود الدّؤليّ قال: قال لي عمران بن الحصين أرأيت ما يعمل النّاس اليوم ويكدحون فيه أشيءٌ قضي عليهم ومضى عليهم من قدرٍ قد سبق أو فيما يستقبلون به ممّا أتاهم به نبيّهم وثبتت الحجّة عليهم؟ فقلت بل شيءٌ قضى عليهم ومضى عليهم، قال فقال أفلا يكون ظلمًا، قال ففزعت من ذلك فزعًا شديدًا وقلت كلّ شيءٍ خلقه وملك يده لا يسئل عمّا يفعل وهم يسألون، قال فقال لي يرحمك الله إنّي لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك، إنّ رجلين من مزينة أتيا رسول الله فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل النّاس اليوم ويكدحون فيه أشيءٌ قضي عليهم ومضى عليهم من قدرٍ قد سبق أو فيما يستقبلون به ممّا أتاهم به نبيّهم وثبتت الحجّة عليهم؟ فقال: «بل شيءٌ قضي عليهم ومضى عليهم»، ومصداق ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8].

وصحّ حديث: «فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه» رواه مسلم([13]) من حديث أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الله عزّ وجلّ.

أمّا الأوّل وهو من وجد خيرًا فلأنّ الله تعالى متفضّلٌ عليه بالإيجاد والتّوفيق من غير وجوبٍ عليه، فليحمد العبد ربّه على تفضّله عليه.

أمّا الثاني هو من وجد شرًّا فلأنّه تعالى أبرز بقدرته ما كان من ميل العبد السيّء فمن أضلّه الله فبعدله ومن هداه فبفضله.

ولو أنّ الله خلق الخلق وأدخل فريقًا الجنّة وفريقًا النّار لسابق علمه أنّهم لا يؤمنون لكان شأن المعذّب منهم ما وصف الله بقوله: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134].

فأرسل الله الرسل مبشّرين ومنذرين ليظهر ما في استعداد العبد من الطّوع والإباء فيهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيا من حيّ عن بيّنةٍ.

فأخبرنا أنّ قسمًا من خلقه مصيرهم النّار بأعمالهم التي يعملون باختيارهم، وكان تعالى عالمًا بعلمه الأزليّ أنّهم لا يؤمنون، قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين} [السجدة: 13] أخبر الله تعالى في هذه الآية أنّه قال في الأزل {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين}، وقوله صدقٌ لا يتخلّف لأنّ التّخلّف أي التّغيّر كذبٌ والكذب محالٌ على الله.

قال تعالى: {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين} [الأنعام: 149] أي ولكنّه لم يشأ هداية جميعكم إذ لم يسبق العلم بذلك، فالعباد منساقون إلى فعل ما يصدر عنهم باختيارهم لا بالإكراه والجبر.

واعلم أنّ ما ذكرناه من أمر القدر ليس من الخوض الذي نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: «إذا ذكر القدر فأمسكوا» رواه الطّبرانيّ([14])، لأنّ هذا تفسيرٌ للقدر الذي ورد به النّصّ، وأمّا المنهيّ عنه فهو الخوض فيه للوصول إلى سرّه، فقد روى الشّافعيّ([15]) والحافظ ابن عساكر([16]) عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال للسّائل عن القدر «سرّ الله فلا تتكلّف»، فلمّا ألحّ عليه قال له: «أمّا إذ أبيت فإنّه أمرٌ بين أمرين لا جبرٌ ولا تفويضٌ».

واعلم أيضًا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذمّ القدريّة وهم فرقٌ، فمنهم من يقول العبد خالقٌ لجميع فعله الاختياريّ، ومنهم من يقول هو خالق الشّرّ دون الخير وكلا الفريقين كفّارٌ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القدريّة مجوس هذه الأمّة»([17])، وفي روايةٍ لهذا الحديث: «لكلّ أمّةٍ مجوسٌ، ومجوس هذه الأمّة الذين يقولون لا قدر» رواه أبو داود([18]) عن حذيفة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وفي كتاب «القدر» للبيهقيّ([19]) وكتاب «تهذيب الآثار»([20]) للإمام ابن جريرٍ الطّبريّ رحممهما الله تعالى عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صنفان من أمّتي ليس لهما نصيبٌ في الإسلام القدريّة والمرجئة»([21]).

فالمعتزلة هم القدريّة لأنّهم جعلوا الله والعبد سواسيةً بنفي القدرة عنه عزّ وجلّ على ما يقدر عليه عبده، فكأنّهم يثبتون خالقين في الحقيقة كما أثبت المجوس خالقين خالقًا للخير هو عندهم النّور وخالقًا للشّرّ هو عندهم الظّلام.

والهداية على وجهين:

أحدهما: إبانة الحقّ والدّعاء إليه، ونصب الأدلّة عليه، وعلى هذا الوجه يصحّ إضافة الهداية إلى الرّسل وإلى كلّ داع لله كقوله تعالى في رسوله محمّدٍ صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} [الشورى: 52].

وقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17].

والثّاني: من جهة هداية الله تعالى لعباده، أي خلق الاهتداء في قلوبهم كقوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125].

والإضلال خلق الضّلال في قلوب أهل الضّلال فالعباد مشيئتهم تابعةٌ لمشيئة الله قال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} [الإنسان: 30].

وهذه الآية من أوضح الأدلة على ضلال جماعة أمين شيخو لأنهم يقولون إن شاء العبد الهداية يهديه الله وإن شاء العبد الضلال يضله الله([22])، فماذا يقولون في هذه الآية {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} فإنّها صريحةٌ في سبق مشيئة الله على مشيئة العبد لأنّ الله نسب المشيئة إليه وما ردّها إلى العباد. فأولئك كأنهم قالوا من يرد العبد أن يشرح صدره للإسلام يشرح الله صدره، ثم قوله: {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ} فلا يمكن أن يرجع الضمير في يرد أن يضله إلى العبد لأن هذا يجعل القرءان ركيكًا ضعيف العبارة والقرءان أعلى البلاغة لا يوجد فوقه بلاغةٌ، فبان بذلك جهلهم العميق وغباوتهم الشديدة. وعلى موجب كلامهم يكون معنى الآية {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} أن العبد الذي يريد أن يهيده الله يشرح الله صدره للهدى وهذا عكس اللفظ الذي أنزله الله، وهكذا كان اللّازم على موجب اعتقادهم أن يقول الله والعبد الذي يريد أن يضلّه الله يجعل صدره ضيّقًا حرجًا، وهذا تحريفٌ للقرءان لإخراجه عن أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرءان وفهم الصحابة القرءان على موجبها، والدليل على أنهم يفهمون القرءان على خلاف ما تفهمه هذه الفرقة اتفاق المسلمين سلفهم وخلفهم على قولهم «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن».

نور العين في بيان أخطاء تفسير الجلالين

قال المحدث عبد الله بن محمد صديق الغماري الحسني الإدريسي في كتابه «بدع التفاسير» ما نصه([23]): «تفسير الجلالين ينساق مع الإسرائيليات».

* في الجزء الأول من كتاب «تفسير الجلالين» هناك موضعان:

* عند قول الله تعالى في تفسير سورة الأعراف {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190].

يقول الكاتب: أي أن ءادم وحواء وافقا إبليس في أمره لهما بتسمية المولود الذي يأتيهما «عبد الحارث».

الرد:

هذا شيء لا يليق بآدم وحواء أن ينخدعا للشيطان إلى حد الإشراك، فيستحيل على نبي من الأنبياء أن يشرك بالله قبل النبوة وبعدها، وذلك متفق عليه بلا خلاف في عقيدة المسلمين. ثم إنّ حواء وليّة من الوليّات أيضًا لا تنخدع بهذا للشيطان، فالله تبارك وتعالى يقول في أوليائه: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].

والمعنى الصحيح لهذه الآية أن الأب والأم من ذرية ءادم وحواء (أي من بعد نبي الله إدريس) أشرك بعضهم بدل أن يشكروا الله بطاعته ويدل ءاخر الآية على ذلك وهو قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

  • قال النسفي في تفسيره ما نصه: «جعلا له شركاء» أي جعل أولادهما (أي من بعد نبي الله إدريس) له شركاء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك «في ما ءاتاهما» أي ءاتى أولادهما.

دليله: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} حيث جمع الضمير، وءادم وحواء بريئان من الشرك. اهـ.

وحاصل المعنى أن البعض أشرك بالله بعد نبي الله إدريس عليه السلام، وقوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزه الله عمّا زعموا من الشرك وإن كانت جاءت الآية بصيغة الجمع لكنه لا يراد بذلك ءادم وحواء لأنهما بريئان من الشرك.

* ومما لا أصل له ما جاء في تفسير سورة يوسف {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}.

يقول الكاتب: قصد ذلك أي بالجماع، أي قصد الزنا.

الرد:

هذا ضلال وغلط شنيع يخالف نزاهة الأنبياء فيستحيل على نبي من الأنبياء قصد الزنا كما يستحيل عليه فعله لما فيه من الطعن والقدح بنبي من الأنبياء.

  • قال الحافظ أبو الفرج عبد الرحمـن ابن الجوزي في تفسيره «زاد المسير» ما نصه([24]): «ولا يصح ما يروى عن بعض المفسرين أنه حلّ السراويل وقعد منها مقعد الرجل، فإنه لو كان هذا دل على العزم، والأنبياء معصومون من العزم على الزنا». اهـ.
  • وقال الفخر الرازي في تفسيره ما نصه: «إن يوسف عليه السلام كان بريئًا عن العمل بالباطل والهمّ المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول وعنه نذبّ»([25]). اهـ.
  • وقال المفسر اللغوي أبو حيان الأندلسي في تفسيره «النهر الماد» ما نصه([26]): «الذي نقوله إن يوسف عليه السلام لم يقع منه همّ ألبتة بل هو منهي لوجود رؤية البرهان».

وقال أيضًا: «واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة: يوسف عليه السلام وتلك المرأة وزوجها والنسوة والشهود، وربّ العالمين شهد ببراءته عن الذنب، وإبليس أقر ببراءته أيضًا عن المعصية، وإذا كان الأمر كذلك فحينئذٍ لم يبق للمسلم توقف في هذا الباب».

  • أما بيان أن يوسف عليه السلام برّأ نفسه من الذنب فهو قوله عليه السلام «هي راودتني عن نفسي» وقوله عليه السلام: «ربِّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه».
  • وأما بيان أن المرأة اعترفت بذلك فلأنها قالت النسوة «ولقد راودته عن نفسه فاستعصم» وأيضًا قالت: «الآن حصحص الحقَّ أنا راودته عن نفسه وإنّه لمن الصادقين».
  • وأما بيان أن زوج المرأة أقر بذلك فهو قوله: «إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك».
  • وأما الشهود فقوله تعالى: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وقد كان قميصه قدّ من الدبر – أي من الخلف -.
  • وأما شهادة الله تعالى بذلك قوله: «كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين» فقد شهد الله تعالى في هذه الآية على طهارته عدة مرات.
  • وأما بيان أن إبليس أقرّ بطهارته فلأنه قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين ويوسف من المخلصين لقوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} فكان هذا إقرارًا من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريقة الهدى. اهـ.
  • وقال أيضًا في تفسيره ما نصه([27]): «المراد أنه عليه السلام هم بدفعها عن نفسه ومنعها عن ذلك القبيح، لأن الهم هو القصد فوجب أن يحمل في حق كل أحد على القصد الذي يليق به فمراد المرأة (أي زليخا امرأة العزيز) تحصيل اللذة والتمتع، واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد إلى زجر العاصي عن معصيته وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقال: هممت بفلان أي بضربه ودفعه.

فإن قيل: فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله: {لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} فائدة.

قلنا: بل فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين:

الأول: أنه تعالى أعلم يوسف عليه السلام أنه لو همّ بدفعها لقتلته أو لكانت تأمر بقتله، فأعلمه الله تعالى أن الامتناع من ضربها أولى صونًا للنفس عن الهلاك.

والثاني: أنه عليه السلام لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت به فكان يتمزق من قُدام، ولكان الشاهد شهد عليه عندها بالخيانة، ولو كان ثوبه ممزقًا من خلف لكانت المرأة هي الخائنة، فالله تعالى أعلمه بهذا المعنى، فلا جرم أنه لم يشتغل بدفعها عن نفسه بل ولّى عنها حتى صارت شهادة الشاهد حجة له على براءته عن المعصية». اهـ.

فيتلخص مما ذكر أن الله تبارك وتعالى عصم الأنبياء عن الرذائل ونزههم عنها ويوسف عليه السلام لم يشتهها لنفسه ولا أراد أن يواقعها ولم يهم بذلك، هذا هو اللائق بالنبي يوسف عليه السلام وهو من تعلق قلبه بمحبة الله وتعظيمه ومخافته كغيره من إخوانه الأنبياء وهذا هو اعتقاد المسلمين.

  • وقال بعض العلماء في تفسير الآية: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}.

أحسن ما قيل: إن جواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله أي لولا أن رأى برهان ربه لهمّ فلم يحصل منه همٌ بالزنا لأن الله تبارك وتعالى أراه برهانه، كما تقول لصديقك: «زرتك لولا أمطرت» فلم تحصل الزيارة لنزول المطر.

فالقول إن سيدنا يوسف عليه السلام همّ بالزنا بامرأة العزيز أي قصد ذلك هو قول باطل عاطل مخالف لهدي القرءان وفيه طعن وقدح بنبي من الأنبياء، وهي دعوى باطلة بالنقل والعقل، وفيه ضلال مبين.

* ومما لا أصل له ما في الجزء الثاني من هذا التفسير ففيه غلطان:

الأول: في تفسير سورة الحج عند قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج: 52].

يقول الكاتب: وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم: 19، 20] بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» ففرحوا بذلك وكانوا بالقرب منه مع المسلمين، وقالوا ما ذكر ءالهتنا بخير قبل اليوم فجاء جبريل وقال له: هذا ليس من القرءان فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله الآية تسلية له {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ}.

الرد:

هذه الرواية غير صحيحة، وحصول قراءة شيء غير القرءان على ظن أنه قرءان مستحيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معصوم من ذلك، فقد قال الفخر الرازي: «يكفر من اعتقد أن الشيطان أجرى كلامًا على لسان النبي صلى الله عليه وسلم هو مدح الأوثان الثلاثة اللات والعزى ومناة بهذه العبارة: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» إذ يستحيل أن يمكّن الله الشيطان من أن يجري على لسان نبيِّه مدح الأوثان.

«والتفسير الصحيح: أن كل نبيّ كان يقرأ على قومه ثم الشيطان يُلقي إلى الناس كلامًا غير الذي يقرؤونه أي يزيد للناس من كلامه على ما قاله النبي ليوهم الناس أن النبي قال ذلك أي ليفتنهم، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ويثبت ما يقرؤونه وذلك ابتلاء من الله تبارك وتعالى، وليس في أي كتاب معتبر أن الشيطان يلقي على ألسنة الأنبياء كلامًا وإلا لارتفعت الثقة في كلامهم ولقال الناس لعل هذا من إلقاء الشيطان فلذلك استحال حصول ذلك.

قال النسفي ما نصه([28]): ولأنه تعالى قال في صفة المنزل عليه – أي على النبي صلى الله عليه وسلم – «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه».

وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر: 9] فلما بطلت هذه الوجوه – حيث ذكر احتمالات وردّها – لم يبق إلا وجه واحد وهو أنه عليه السلام سكت عند قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم: 20] فتكلم الشيطان بهذه الكلمات متصلًا بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم فوقع عند بعضهم – من المشركين – أنه عليه الصلاة والسلام هو الذي تكلم بها فيكون هذا إلقاء في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم – وكان الشيطان يتكلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويُسمَعُ كلامه، فقد رُوي أنه نادى يوم أحد ألا إن محمدًا قد قتل، وقال يوم بدر: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم». اهـ.

والثاني: في تفسير سورة ص ءاية 23 في تفسير النعجة المذكورة في الآية {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}.

يقول الكاتب: (لتنبيه داود عليه السلام على ما وقع منه وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوجها ودخل بها).

ثم فسر قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ}» فقال: (أوقعناه في بلية بمحبته تلك المرأة).

 

الرد:

أساء الكاتب بقوله: إن النعجة هي امرأة شخص أعجب بها داود فعمل حيلة فأرسل زوجها للغزو ليقتل هناك ثم يأخذها داود، وهذا لا يليق بمنصب النبوة.

قال الإمام الحافظ ابن الجوزي في تفسيره بعد ذكر هذه القصة المكذوبة عن سيدنا داود: «وهذا لا يصح من طريق النقل ولا يجوز من حيث المعنى، لأن الأنبياء منزهون عنه، وأما استغفار داود ربه فهذا لأنه حكم بين الاثنين بسماعه من أحدهما قبل أن يسمع الآخر».

والمقصود بالنعجة في هذه الآية هي النعجة الحقيقية وليس المراد بها امرأة، وإن كانت العرب قد تكني بالنعاج عن النساء لكن لا يجوز تفسير النعاج في هذه الآية بالنساء.

فائدة: لو فعل ذلك ملك من ملوك الأرض بصديقه أو قائد من قادة جيشه ذلك إعجابًا بزوجة هذا القائد ليستأثر بها إذا قتل لنفرت منه النفوس، فما لبعض الناس يقولون في حق أنبياء الله ما لا يليق بهم، فهم أي الأنبياء قدوة للناس وقد جمّلهم الله بالصفات الحميدة وعصمهم عن الصفات الذميمة.

تنبيه مهم: مما يجب التحذير منه كتاب (قصص الأنبياء) للثعالبي، ففيه مثل هذه المواضع وزيادة عليها من قصص أخرى مفتراة لا أصل لها، كالقصة التي تروى أن الدود كان يتناثر من جسد أيوب عليه السلام في مرضه فصار يردها إلى جسده ويقول لها: «كلي فقد جعلني الله طعامك» وأن أيوب عليه السلام على زعمه تقطع لحمه وأنتن فأخرجه أهل القرية فجعلوه على كناسة وجعلوا له عريشًا، نعوذ بالله تعالى من الضلال فقد أجمع علماء الإسلام على أن أنبياء الله هم صفوة خلق الله وهم علماء حكماء معصومون بعصمة الله لهم تبارك وتعالى فيستحيل على أحدهم أن يضر نفسه – لأن حفظ النفس مما اتفقت عليه شرائع الأنبياء وأجمع عليه العقلاء -، ويستحيل عليهم أيضًا الأمراض المنفّرة التي تنفّر الناس عنهم، وهذه القصة لا تجوز في حق نبي من الأنبياء وهي كذب، وهي مذكورة أيضًا في بعض التفاسير غير المعتمدة.

وإنما أيوب عليه السلام ابتلاه الله تبارك وتعالى بلاء شديدًا استمر مرضه ثمانية عشر عامًا وفقد ماله وأهله ثم عافاه الله وأغناه ورزقه الكثير من الأولاد، وأما أن مرض أيوب طال ثمانية عشر عامًا فهو في صحيح ابن حبان. اهـ.

([1]) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان.

([2]) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأبد، باب: ما يقول إذا أصبح.

([3]) كتاب القضاء والقدر (ص299).

([4]) المصدر نفسه، (ص260).

([5]) أي شاء أن تموت على كفرك هذا.

([6]) حيلة الأولياء 03/369، 370).

([7]) قال ابن الأثير في النهاية (3/121): «المطرف بكسر الميم وفتحها وضمها الثوب الذي في طرفيه علمان».

([8]) أخرجه أحمد في مسنده (5/182).

([9]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب: في القدر.

([10]) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/55).

([11]) أخرجه مسلم في صحيحه: باب القدر، باب: كيفية خلق الآدمي.

([12]) القضاء والقدر (ص123).

([13]) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم.

([14]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن مسعود (2/116).

([15]) ذكر المتقي الهندي في كنز العمال عن الإمام الشافعي (1/348) وعزاه للحلية ولم نعثر عليه فيه.

([16]) تاريخ دمشق (51/182).

([17]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/207).

([18]) رواه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب: في القدر.

([19]) القضاء والقدر (ص228 – 289).

([20]) تهذيب الآثار (2/180).

([21]) المرجئة هم طائفة انتسبوا للإسلام كانوا يعتقدون أن العبد المؤمن مهما عمِل من الكبائر ومات بلا توبة ليس عليه عذاب.

([22]) انظر: الكتاب المسمى التفسير الفريد: القسم الثاني (267، 268).

([23]) بدع التفاسير (ص224).

([24]) زاد المسير (4/205).

([25]) التفسير الكبير (18/118).

([26]) النهر الماد (2/114).

([27]) (18/120، 121).

([28]) (في الجزء الثالث ص107).