مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِى حَصَلَتْ لِمَنْ قَبْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِى حَصَلَتْ لِمَنْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ عَدَمُ تَأْثِيرِ النَّارِ الْعَظِيمَةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فَقَدْ أَرَادَ مِنْهُ قَوْمُهُ أَنْ يَتْرُكَ دِينَهُ الَّذِى هُوَ عَلَيْهِ وَيَتَّبِعَ دِينَهُمُ الْبَاطِلَ لِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى فَأَضْرَمُوا لَهُ نَارًا عَظِيمَةً مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قُوَّتِهَا أَنْ يَقْتَرِبُوا مِنْهَا فَقَذَفُوهُ إِلَيْهَا بِالْمِنْجَنِيقِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَلَّمَهُ فَكَانَتِ النَّارُ بَرْدًا وَسَلامًا عَلَيْهِ (حَيْثُ لَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ) وَإِنَّمَا أَحْرَقَتِ الْقَيْدَ الَّذِى قَيَّدُوهُ بِهِ (وَمِنْهَا انْقِلابُ عَصَا مُوسَى ثُعْبَانًا حَقِيقِيًّا) وَذَلِكَ لَمَّا تَحَدَّى فِرْعَوْنُ سَيِّدَنَا مُوسَى فَجَمَعَ فِرْعَوْنُ سَبْعِينَ سَاحِرًا مِنْ كِبَارِ السَّحَرَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ فَأَلْقَوِا الْحِبَالَ الَّتِى فِى أَيْدِيهِمْ فَخُيِّلَ لِلنَّاسِ أَنَّهَا حَيَّاتٌ تَسْعَى فَأَلْقَى سَيِّدُنَا مُوسَى بِعَصَاهُ فَحَصَلَتْ مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِىَ انْقِلابُ الْعَصَا ثُعْبَانًا حَقِيقِيًّا (ثُمَّ عَوْدُهَا إِلَى حَالَتِهَا بَعْدَ أَنِ اعْتَرَفَ السَّحَرَةُ الَّذِينَ أَحْضَرَهُمْ فِرْعَوْنُ لِمُعَارَضَتِهِ) بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ لا يَسْتَطِيعُونَ مُعَارَضَتَهُ بِالْمِثْلِ (وَأَذْعَنُوا فَآمَنُوا بِاللَّهِ) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (وَكَفَرُوا بِفِرْعَوْنَ وَاعْتَرَفُوا لِمُوسَى بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا جَاءَ بِهِ) فَغَضِبَ فِرْعَوْنُ لِأَنَّهُمْ ءَامَنُوا قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ وَتَرَكُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَهَدَّدَهُمْ فَلَمْ يَرْجِعُوا عَنِ الإِيمَانِ بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ فَقَتَلَهُمْ (وَمِنْهَا مَا ظَهَرَ لِلْمَسِيحِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى) وَالَّذِى حَصَلَ أَنَّهُ كَانَ مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ مَحْمُولًا عَلَى النَّعْشِ يَذْهَبُونَ بِهِ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى سَيِّدُنَا الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يُحْيِيَهُ فَأَحْيَاهُ اللَّهُ (وَذَلِكَ لا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ فَلَمْ تَسْتَطِعِ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا مُولَعِينَ بِتَكْذِيبِهِ وَحَرِيصِينَ عَلَى الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ أَنْ يُعَارِضُوهُ بِالْمِثْلِ) بَلْ قَالُوا لَهُ أَنْتَ سَاحِرٌ (وَقَدْ أَتَى أَيْضًا بِعَجِيبَةٍ أُخْرَى عَظِيمَةٍ وَهِىَ إِبْرَاءُ الأَكْمَهِ) أَىِ الَّذِى وُلِدَ أَعْمَى فَقَدْ كَانَ يُؤْتَى لَهُ بِالأَعْمَى فَيَمْسَحُ لَهُ عَلَى وَجْهِهِ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ فَيَتَعَافَى (فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ مُعَارَضَتَهُ بِالْمِثْلِ مَعَ تَوَفُّرِ الطِّبِّ فِى ذَلِكَ الْعَصْرِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ فِى كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ وُجُوبِ عِبَادَةِ الْخَالِقِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكٍ بِهِ وَوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ فِى الأَعْمَالِ الَّتِى يَأْمُرُهُمْ بِهَا) فَظَهَرَ بُطْلانُ قَوْلِ بَعْضِ الْمُلْحِدِينَ فِى هَذَا الْعَصْرِ إِنَّ مَا أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ وَعِيسَى مِنَ الْمُعْجِزَاتِ هُوَ تَخْدِيرٌ لِأَفْكَارِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ وَبُطْلانُ هَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ السِّحْرَ يُعَارَضُ بِالْمِثْلِ وَهَذَا الَّذِى يُظْهِرُهُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِى الأَنْبِيَاءِ مِنَ الْخَوَارِقِ لا يُعَارَضُ بِالْمِثْلِ مِنْ قَبِيلِ السَّحَرَةِ، إِنَّمَا كَلامُ هَذَا الْمُلْحِدِ تَمْوِيهٌ عَلَى ضُعَفَاءِ الْعُقُولِ لِأَنَّ هَؤُلاءِ الْعَوَامَّ لا يَعْرِفُونَ الْمَعْنَى الْفَارِقَ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَةِ.