الأحد ديسمبر 22, 2024

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْرُمُ بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ.

   الشَّرْحُ مِنَ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامٌّ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَطْعُومًا أَوْ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ إِنْ كَانَ بِالتَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدِّ أَوْ بِالذَّرْعِ أَوْ جُزَافًا أَيْ بِلا تَقْدِيرٍ بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [فِي صَحِيحَيْهِمَا] وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى» أَيْ قَبْلَ قَبْضِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ «وَلا أَرَى كُلَّ شَىْءٍ إِلَّا كَذَلِكَ» [انْظُرِ الْمَصْدَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ]، وَخَصَّ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّهْيَ بِالْمَطْعُومِ. وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ بِالتَّخْلِيَةِ أَيِ التَّمْكِينِ فِي الْعَقَارِ فَإِنْ كَانَ بَيْتًا يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ تَفْرِيغُهُ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَيَحْصُلُ فِيمَا يُنْقَلُ بِالنَّقْلِ إِلَى مَكَانٍ لا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ، وَبِالْمُنَاوَلَةِ فِيمَا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ كَالثَّوْبِ. فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ بَيْدَرًا مِنْ قَمْحٍ لا يَبِيعُهُ إِلَّا أَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ هَذَا الْبَيْدَرِ إِلَى مَكَانٍ ءَاخَرَ. أَمَّا شِرَاؤُهُ لَهُ فَقَدْ صَحَّ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِلنَّاسِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ ءَاخَرَ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إِذَا اشْتَرَى الشَّخْصُ بَيْتًا لا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَبْضُهُ يَكُونُ بِاسْتِلامِ الْمِفْتَاحِ وَإِخْلاءِ الْبَيْتِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ. وَيَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ «ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ».

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ.

   الشَّرْحُ يَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِ هَذَا اللَّحْمِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ بَاعَ لَحْمَ ضَأْنٍ بِحَيَوَانِ ضَأْنٍ أَوْ بَاعَ لَحْمَ ضَأْنٍ بِحَيَوَانٍ إِبِلٍ لِحَدِيثِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» [أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ]، وَهِيَ مَسْئَلَةٌ خِلافِيَّةٌ بَيْنَ الأَئِمَّةِ. وَأَمَّا بَيْعُ اللَّحْمِ الرَّطْبِ بِاللَّحْمِ الرَّطْبِ فَيَجُوزُ مَعَ اخْتِلافِ الْجِنْسِ لا مَعَ اتِّحَادِهِ.

   فَائِدَةٌ لا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ وَزْنًا وَلا كَيْلًا، وَلا يَأْبَاهُ قَوَاعِدُ مَذْهَبِنَا مَعْشَرَ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهُ إِذَا بِيعَ حَيَوَانٌ بِشَرْطِ الْوَزْنِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ الْيَوْمَ يَدْخُلُ الْقَذَرُ الَّذِي فِي جَوْفِهِ فِي الْمُقَابَلَةِ بِالثَّمَنِ فَيَنْصَرِفُ قِسْمٌ مِنْهُ إِلَى الْقَذَرِ وَالْقِسْمُ الآخَرُ إِلَى مَا سِوَاهُ كَاللَّحْمِ وَالْعَظْمِ. وَالْخَلاصُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لا يُعْتَبَرَ الْوَزْنُ شَرْطًا وَإِنْ ذُكِرَ لِتَخْمِينِ السِّعْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ «هَذَا وَزْنُهُ كَذَا فَأَبِيعُكَ كُلَّ كِيلُو مِنْهُ بِكَذَا» يَقُولُ الْمُشْتَرِي «أَنَا لا أَشْتَرِيهِ بِشَرْطِ الْوَزْنِ إِنَّمَا أُعْطِيكَ الثَّمَنَ الَّذِي تُرِيدُهُ عَلَى حَسَبِ تَخْمِينِكَ» [ثُمَّ يَعْقِدَانِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَا ثَمَنَ الْكِيلُو بِكَذَا] وَأَمَّا الْمَمْنُوعُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ «أَبِيعُكَهُ عَلَى أَنَّ وَزْنَهُ كَذَا بِكَذَا» أَوْ «سِعْرَ الْكِيلُو كَذَا» وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي «أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ كَذَا».

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الأَوْسَطِ مَا نَصُّهُ:

«ذِكْرُ إِبَاحَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ وَاحِدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ

   حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَشْعُرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بِعْنِيهِ» فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ].

   حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، قَالَ وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ بِتِسْعَةِ أَرْؤُسٍ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ «وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمَرْءِ مَا لَيْسَ بِيَدِهِ مِمَّا هُوَ فِي مِلْكِهِ جَائِزٌ» [مَعْنَاهُ بَيْعُ الْغَائِبِ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَطِيعُ تَسَلُّمَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَرِّدًا عَلَى سَيِّدِهِ] اهـ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَأَنْ يَبِيعَ دَيْنًا لَهُ عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى شَهْرٍ مَثَلًا.

   الشَّرْحُ يَحْرُمُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَلَهُ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى ذِمَّةِ شَخْصٍ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ مِنْ طَرِيقِ السَّلَمِ كَأَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ إِلَى رَجُلٍ دِينَارًا فِي قَمْحٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يَبِيعُ ذَلِكَ الدَّيْنَ مِنْ شَخْصٍ بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئ بِالْكَالِئ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ [فِي الْمُسْتَدْرَكِ] وَالْبَيْهَقِيُّ [فِي سُنَنِهِ] وَغَيْرُهُمَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَلَكِنْ عَمَلُ الأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ بِمَعْنَاهُ يُقَوِّيهِ.&

   أَمَّا بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ أَيْ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِثَمَنٍ حَالٍّ بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ الآخَرِ فَيَجُوزُ وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ أَنْ يَكُونَ لِبَكْرٍ عَلَى عَمْرٍو دَيْنٌ وَقَدْ حَلَّ وَقْتُهُ فَبَاعَ بَكْرٌ هَذَا الدَّيْنَ لِزَيْدٍ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَقَبَضَ مِنْهُ الْمَالَ فِي الْحَالِ فَيَجُوزُ ثُمَّ زَيْدٌ يَقْبِضُ مِنْ عَمْرٍو وَأَمَّا قَبْلَ حُلُولِهِ فَهُوَ حَرَامٌ، فَيَحْرُمُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الشَّخْصَ يَكُونُ لَهُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ ثَمَنُ مَبِيعٍ مُقَسَّطٍ إِلَى ءَاجَالٍ ثُمَّ يَأْتِي إِلَى بَنْكٍ أَوْ شَخْصٍ فَيَقُولُ لَهُ «لِي كَذَا وَكَذَا فِي ذِمَّةِ فُلانٍ فَأَبِيعُكَ بِمَبْلَغِ كَذَا» فَيَكُونُ أَنْقَصَ مِنْ دَيْنِهِ وَيَكُونُ بَاعَهُ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلانٍ قَبْلَ حُلُولِهِ فَهَذَا حَرَامٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهُوَ مِمَّا اتُّفِقَ عَلَى تَحْرِيـمِهِ.

وَفِي كِتَابِ الأَوْسَطِ لِابْنِ الْمُنْذِرِ مَا نَصَّهُ:

 

«ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئ

 

   أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لا يَجُوزُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُسْلِمَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ دَنَانِيرَ فِي عَشْرَةِ أَمْدَادِ قَمْحٍ إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَيَأْتِيَ الْوَقْتُ وَلا يُحْضِرُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ الطَّعَامَ الَّذِي عَلَيْهِ فَيَشْتَرِي الَّذِي عَلَيْهِ الأَمْدَادُ مِنَ الْمُسْلِفِ الَّذِي حَلَّ لَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى وَقْتٍ ثَانٍ مَعْلُومٍ، فَهَذَا دَيْنٌ انْقَلَبَ إِلَى دَيْنٍ مِثْلِهِ وَمِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَنْ يُسْلِفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي عَشْرَةِ أَمْدَادِ قَمْحٍ إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَلا يُقْبِضَ الثَّمَنَ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا بِدَيْنٍ. وَمِمَّنْ قَالَ «إِنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لا يَجُوزُ» مَالِكُ بنُ أَنَسٍ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ ذَلِكَ عَنِ الْكُوفِيِّ [يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ]. قَالَ أَحْمَدُ إِجْمَاعٌ أَنْ لا يُبَاعَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ حَدِيثًا وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ أَنَّهُ نَهَى عَنِ كَالِئٍ بِكَالِئٍ، أَخْبَرَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بنُ مَرْزُوقٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَالِئٍ بِكَالِئٍ. يَعْنِي دَيْنًا بِدَيْنٍ.

   مَسْئَلَةٌ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ لِرَجُلٍ وَلَهُ عَلَيْهِ دَنَانِيرَ فَحَلَّتْ أَوْ لَمْ تَحِلَّ فَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا فَلا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا اشْتَرَى عَشْرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الدِّينَارَ وَلَمْ يَقْبِضِ الْعَشَرَةَ حَتَّى جَعَلَهَا قِصَاصًا بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا جَازَ» اهـ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ أَيْ بَيْعُ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَلا وِلايَةٌ.

   الشَّرْحُ الْفُضُولِيُّ هُوَ الشَّخْصُ الَّذِي يَبِيعُ مَا لَيْسَ مِلْكًا لَهُ وَلا لَهُ عَلَيْهِ وِلايَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ فَلا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ وِلايَةٌ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ وَلِيَّ يَتِيمٍ أَوْ وَكِيلًا عَنِ الْمَالِكِ فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ، فَوَلِيُّ الْيَتِيمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ لِمَصْلَحَتِهِ أَيْ لِمَصْلَحَةِ الْيَتِيمِ. وَفِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ إِنْ بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَلا وِلايَةٌ مِنْ دُونِ إِذْنِ الْمَالِكِ ثُمَّ أَقَرَّ الْمَالِكُ هَذَا الْبَيْعَ وَرَضِيَ بِهِ صَحَّ الْبَيْعُ أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِرَّهُ هُوَ يَبِيعُ ذَلِكَ الشَّىْءَ لِلشَّخْصِ الَّذِي بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ. وَإِنْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ ظَاهِرًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالُهُ صَحَّ الْبَيْعُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَا لَمْ يَرَهُ وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ مَعَ الْوَصْفِ.

   الشَّرْحُ يَحْرُمُ بَيْعُ عَيْنٍ غَيْرَ مُشَاهَدَةٍ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورُ الأَئِمَّةِ يُجَوِّزُونَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ إِذَا رَءَاهُ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِصِحَّتِهِ إِذَا وَصَفَهُ وَصْفًا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ الْمُطْلَقَةِ ثُمَّ إِذَا طَلَعَ عَلَى حَسَبِ الْوَصْفِ ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ. فَلا يَصِحُّ بَيْعُ غَائِبٍ أَيِ الشَّىْءِ الَّذِي فِي غَيْرِ مَكَانِ الْبَيْعِ هَذَا إِذَا كَانَ لا يَعْرِفُهُ أَمَّا إِنْ كَانَ عَايَنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَ مِمَّا لا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَيَصِحُّ. وَكَذَلِكَ يَصِحُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ مَبِيعٍ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ صُبْرَةِ نَحْوِ بُرٍّ وَرُؤْيَةِ الأُنْمُوذَجِ أَيْ مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ بِالْعَيِّنَةِ وَيَصِحُّ بَيْعُ رُمَّانٍ وَبَيْضٍ إِذَا رَأَى ظَاهِرَهُ، وَكَذَا بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إِذَا رَأَى الْقِشْرَةَ السُّفْلَى وَهِيَ الْقِشْرَةُ الْقَاسِيَةُ الَّتِي تَلِي اللُّبَّ لِأَنَّ فِي بَقَائِهَا حِفْظًا لَهَا عَنْ سُرْعَةِ الْفَسَادِ).

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلا يَصِحُّ بَيْعُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَعَلَيْهِ أَيْ لا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ.

   الشَّرْحُ لا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ مَالَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَبِيعَهُ مَالَهُ، وَأَجَازَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ بَيْعَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَليِّهِ وَذَلِكَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَءَاخَرِينَ. وَمِثْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِكَوْنِهِ سَفِيهًا فَلا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَالسَّفِيهُ هُوَ الَّذِي يَبْلُغُ وَهُوَ لا يُصْلِحُ دِينَهُ وَمَالَهُ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَيُسَمَّى غَيْرَ الرَّشِيدِ، وَيَكْفِي عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ أَنْ يَكُونَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِدِينِهِ بِأَنْ يَبْلُغَ وَهُوَ تَارِكُ الصَّلاةِ أَوْ يَتَعَاطَى الْمَعَاصِيَ الْمُفَسِّقَةَ.
   وَيَدْخُلُ فِي حُكْمِ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ، وَالْمُكْرَهُ هُوَ مَنْ هُدِّدَ بِنَحْوِ الْقَتْلِ أَوْ قَطْعِ الأَطْرَافِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ [فِي سُنَنِهِ] بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَإِ مَا يَفْعَلُهُ الشَّخْصُ بِدُونِ إِرَادَةٍ. فَإِذَا حَرُمَ إِكْرَاهُهُ عَلَى بَيْعِ مَا يَمْلِكُ حَرُمَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُكْرَهٌ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ بِحَقٍّ شَرْعِيٍّ فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ كَأَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ كَبَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ شِرَاءِ مَالٍ أُسْلِفَ فِيهِ فَأَكْرَهَهُ حَاكِمٌ عَلَى ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِ عَدَمِ الإِكْرَاهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِّنْكُمْ ﴾ [سُورَةَ النِّسَاء/29] وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ [فِي صَحِيحِهِ] وَابْنُ مَاجَهْ [فِي سُنَنِهِ].

   فَائِدَةٌ الطِّفْلُ إِذَا اصْطَادَ سَمَكًا صَارَ مِلْكًا لَهُ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إِنَّمَا أَبُوهُ يَبِيعُهُ لَهُ مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَتِهِ، كَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ الْغَابَةَ فَجَمَعَ حَطَبًا صَارَ مِلْكًا لَهُ وَأَبُوهُ يَبِيعُ لَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَتْ أُمُّهُ وَتَرَكَتْ مَالًا فَالْمَالُ الَّذِي يَرِثُهُ مِنْ أُمِّهِ أَبُوهُ يَبِيعُهُ لِمَصْلَحَتِهِ إِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ فَائِدَةً لَهُ وَإِذَا أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يُعْطِيَهُ هَدِيَّةً أَبُوهُ يَقْبَلُهَا لَهُ وَيَقْبِضُ لَهُ [أَيْ إِنْ كَانَ عَدْلًا].

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْ لا قُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنَ الْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَبِيعَ مَا لا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى تَسَلُّمِهِ صَحَّ الْبَيْعُ، فَلا يَصِحُّ بَيْعُ ضَالٍّ وَمَغْصُوبٍ وَنَادٍّ [نَدَّ الْبَعِيرُ يَنِدُّ بِالْكَسْرِ نَفَرَ وَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا] لِمَنْ لا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، بِخِلافِهِ لِقَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ بِلا كَثِيرِ مُؤْنَةٍ أَوْ كُلْفَةٍ فَيَجُوزُ. فَعَلَى هَذَا لَوِ اغْتُصِبَ لَهُ دَارٌ أَوْ سَيَّارَةٌ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسَلِّمَهَا لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا إِلَّا لِمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَهَا مِنَ الظَّالِمِ وَيَنْتَفِعَ بِهَا.

   وَقَوْلُهُ: أَوْ لا قُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ يَجْمَعُهَا مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بنُ الْمُنْذِرِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُطْلَقِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ [فِي الأَوْسَطِ]:

 

«جِمَاعُ مَا نُهِيَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ

 

   حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ].

   حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزَّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْحَصَى» [بَيْعُ الْحَصَى مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الرَّجُلِ ثِيَابٌ فَيَقُولُ لِلَّذِي يَأْتِي لِلشِّرَاءِ بِعْتُكَ الثَّوْبَ الَّذِي تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ، وَهَذَا مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، بَدَلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ أَيْ بَعْدَ وُقُوعِ الْحَصَاةِ عَلَيْهِ وَتَعْيِينِهِ، يَجْعَلُ ذَلِكَ بَيْعًا ثَابِتًا مِنَ الِابْتِدَاءِ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْحَصَاةِ عَلَى الثَّوْبِ قَبْلَ تَعْيِينِهِ].

   حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ نَا شَاذَانُ قَالَ أَيُّوبُ بنُ عُتْبَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ].

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ [هُوَ ابْنُ الْمُنْذِرِ]: وَنَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ يَدْخُلُ فِي أَبْوَابٍ مِنَ الْبُيُوعِ وَذَلِكَ كُلُّ بَيْعٍ عَقَدَهُ مُتَبَايِعَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى شَىْءٍ مَجْهُولٍ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا، مِنْ ذَلِكَ:

   * بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ الْحَيَوَانِ مِنَ الأَنْعَامِ وَالْبَهَائِمِ.

   * وَبَيْعُ الأَلْبَانِ فِي ضُرُوعِ الأَنْعَامِ.

  *  وَبَيْعُ السَّمْنِ فِي الأَلْبَانِ وَعَصِيرِ هَذَا الْعِنَبِ وَزَيْتِ هَذَا الزَّيْتُونِ.

  *  وَبَيْعُ الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ الَّتِي تُؤَجَّلُ إِلَى اصْطِيَادِهِ أَوْ لا تُؤَجَّلُ.

    *وَبَيْعُ الطَّيْرِ فِي السَّمَاءِ [وَأَمَّا النَّحْلُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ فِي الْهَوَاءِ لِأَنَّهُ يَعُودُ إِلَى كَوَّارَتِهِ]، وَالْعَبْدِ الآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ.

  *  وَكُلُّ شَىْءٍ مَعْدُومِ الشَّخْصِ فِي وَقْتِ تَبَايُعِهِمَا وَإِنْ وُجِدَ وَجْهٌ مَجْهُولٌ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ وَمَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَأَنَا ذَاكِرٌ مَا يَحْضُرُنِي مِنْ بُيُوعٍ أُخَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

   حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَحَدُهُمْ يَشْتَرِي بِالشَّارِفِ مِنَ الإِبِلِ حَبَلَ الْحَبَلَةِ.

 

ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ

 

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ [أَيِ ابْنُ الْمُنْذِرِ]: وَمِمَّا هُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ حَبَلُ الْحَبَلَةِ أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ].

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي خَبَرِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ]، وَهُوَ بَيْعٌ كَانُوا يَتَبَايَعُونَهُ بِالْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الْجَزُورَ حَتَّى تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ يُنْتَجَ مَا فِي بَطْنِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَلا أَعْلَمَهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي إِبْطَالِ هَذَا الْبَيْعِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ مَجْهُولٌ لا يُدْرَى أَيَكُونُ أَوْ لا، وَلا إِذَا كَانَ مَتَى يَكُونُ يَسْتَقْدِمُ وَيَسْتَأْخِّرُ وَقَدْ لا يَأْتِي ذَلِكَ الْوَقْتُ لِأَنَّ النَّاقَةَ قَدْ لا تَلِدُ، وَإِنْ نُتِجَتِ النَّاقَةُ لَمْ يُدْرَ أَتُنْتَجُ وَلَدُهَا، وَقَدْ يَكُونُ وَلَدُهَا ذَكَرًا فَلا يُنْتَجُ وَقَدْ تَمُوتُ النَّاقَةُ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ، وَالْبَيْعُ إِلَى الأَجَلِ الْمَجْهُولِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَبِيعَ وَلَدَ الْجَنِينِ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ: هُوَ نِتَاجُ النِّتَاجِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ.

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَالْبَيْعُ فِيهِ يَبْطُلُ مِنْ وُجُوهٍ.

 

ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَجْرِ وَهُوَ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ الإِنَاثِ

 

   رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَجْرِ، وَهُوَ بَيْعُ مَا فِي الأَرْحَامِ، حَدَّثَنِيهِ حَامِدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الدَّارِيُّ عَنْ حَاجِبِ بنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَجْرِ [أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ].

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْبَيْعُ فِي هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَقَالٌ.

   وَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْمَجْرُ أَنْ يُبَاعَ الْبَعِيرُ أَوْ غَيْرُهُ بِمَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، يُقَالُ أَمْجَرْتُ فِي الْبَيْعِ إِمْجَارًا.

 

ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلاقِيحِ

 

   أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمَضَامِينِ وَالْمَلاقِيحِ بَاطِلٌ. وَمِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَبِي الأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلاقِيحِ […..] [سَقَطَ فِي الأَصْلِ] مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ عَنْ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَلاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ وَهِيَ الأَجِنَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا مَلْقُوحَةٌ وَالْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلابِ الْفُحُولِ كَانُوا يَبِيعُونَ الْجَنِينَ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ وَمَا يَضْرِبُ الْفَحْلُ فِي عَامِهِ أَوْ أَعْوَامٍ.

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ وَفِي بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ بَطَلَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا أَوْ غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَيَبْطُلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كُلُّ مَا ابْتِيعَ فِي وِعَاءٍ أَوْ ظَرْفٍ يَجْهَلُهُ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيَبْطُلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا بَيْعُ الرَّطَابِ [الرَّطَابُ جَمْعُ رَطْبَةٍ وَهِيَ الْقَضْبَةُ وَهِيَ الْفُصَّةُ] جَزَّاتٍ وَبَيْعُ الْجَزَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِنَ الْقِثَّاءِ وَالْجَزَرِ وَالْخِيَارِ وَالتِّينِ وَكُلِّ مَا خَرَجَ مِنَ الْبَحْرِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لا يَكُونُ وَيَكُونُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا وَوَسَطًا، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى مَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ.

 

 

 

 

ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ

 

   حَدَّثَنَا عِلَّانُ بنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الزَّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ »نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ« [أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ].

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ قَدْرُهُ حَتَّى تَقَعَ عَلَيْهِ الْمَقَاسِمُ وَكُلُّ بَيْعٍ مَجْهُولٍ فَفِي هَذَا الْمَعْنَى«. انْتَهَى كَلامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِي الأَوْسَطِ.

   وَقَالَ فِي الإِشْرَافِ »ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينِ [بَيْعُ السِّنِينِ هُوَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ ضَمَانِ الشَّجَرِ لِسِنِين أَمَّا إِنْ بَاعَهُ مَا عَلَى الشَّجَرَةِ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجُوزُ بِشُرُوطِهِ]، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ بَيْعَ ثَمَرِ النَّخْلِ السِّنِين لا يَجُوزُ، وَقَالَ: وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ »مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا« [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ]؛ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ قَائِلٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِنَا، وَقَالَ ءَاخَرُ لَيْسَ مِنْ أَخْلاقِنَا، وَقَالَ ءَاخَرُ لَمْ يَتَّبِعْنَا عَلَى أَخْلاقِنَا. احْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [سُورَةَ إِبْرَاهِيمَ/36] الآيَةَ.

   ثُمَّ قَالَ الأَوْسَطِ فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْبُيوعِ مَا نَصُّهُ:

 

بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ

 

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ] وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُكَ بِكَذَا أَوْ بِكَذَا فَيَفْتَرِقَانِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا بَاعَهُ ثَوْبًا بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ الدِّينَارَ إِذَا حَلَّ أَخَذَ بِهِ دَرَاهِمَ إِلَى وَقْتٍ فَهَذَا حَرَامٌ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَشَرْطَيْنِ فِي شَرْطٍ.

   وَقَدْ رَوَيْنَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ »الصَّفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبَا«. قَالَ الثَّوْرِيُّ [أَيِ الإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ] وَتَفْسِيرُهُ أَنْ أَبِيعَكَ بِأَلْفٍ وَتُعْطِيَنِي الدِّينَارَ فِي عَشَرَةٍ وَأَبِيعَكَ بِعَشَرَةٍ بِنَقْدٍ وَبِعِشْرِينَ بِنَسِيئَةٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ مِثْلُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.

   وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ طَاوُسٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لا بَأْسَ بِأَنْ يَقُولَ أَبِيعُكَ بِالنَّقْدِ بِكَذَا وَبِالنَّسِيئَةِ بِكَذَا فَيَذْهَبَ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ: جَارِيَتِي هَذِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي عَبْدَكَ هَذَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا، وَالْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَاسِدٌ اهـ.

   وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ »مَعالِمِ السُّنَنِ«:

   قَالَ أَبُو دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا«.

قَالَ الشَّيْخُ [أَيِ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ] رَحِمَهُ اللَّهُ: لا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ صَحَّحَ الْبَيْعَ بِأَوْكَسِ الثَّمَنَيْنِ إِلَّا شَىْءٌ يُحْكَى عَنِ الأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبٌ فَاسِدٌ وَذَلِكَ لِمَا تَتَضَّمَنُهُ هَذِهِ الْعَقْدَةُ مِنَ الْغَرَرِ وَالْجَهْلِ، وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. حَدَّثَنَا الأَصَمُّ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو. وَحَدَّثُونَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيِّ حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، فَأَمَّا مَا رَوَاهُ يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حُكُومَةٍ فِي شَىْءٍ بِعَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ دِينَارًا فِي قَفِيزٍ إِلَى شَهْرٍ فَلَمَّا حَلَّ الأَجَلُ وَطَالَبَهُ بِالْبُرِّ، قَالَ لَهُ بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ بِقَفِيزَيْنِ إِلَى شَهْرٍ فَهَذَا بَيْعٌ ثَانٍ قَدْ دَخَلَ عَلَى الْبَيْعِ الأَوَّلِ فَصَارَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَيُرَدَّانِ إِلَى أَوْكَسِهِمَا وَهُوَ الأَصْلُ فَإِنْ تَبَايَعَا الْمَبِيعَ الثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَتَنَاقَضَا الأَوَّلَ كَانَا مُرْبِيَيْنِ (أَيْ وَقَعَا فِي الرِّبَا).

   وَتَفْسِيرُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِعَشَرَةٍ وَنَسِيئَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذَا لا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لا يُدْرَى أَيُّهُمَا الثَّمَنُ الَّذِي يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا فَيَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وَإِذَا جُهِلَ الثَّمَنُ بَطَلَ الْبَيْعُ. وَالْوَجْهُ الآخَرُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي جَارِيَتَكَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، فَهَذَا أَيْضًا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ الْعَبْدِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ جَارِيَتَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَذَلِكَ لا يَلْزَمُهُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ سَقَطَ بَعْضُ الثَّمَنِ وَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ صَارَ الْبَاقِي مَجْهُولًا [هَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ. وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَنْوَاعِ الشُّرُوطِ لَيْسَ كُلَّ الشُّرُوطِ مِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ] اهـ.

   قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارَيْنِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي بِهِمَا دَرَاهِمَ صَرْفَ عِشْرِينَ أَوْ ثَلاثِينَ بِدِينَارٍ. فَأَمَّا إِذَا بَاعَهُ شَيْئَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كَدَارٍ وَثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ وَثَوْبٍ فَهَذَا جَائِزٌ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي الْبَيْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنَّمَا هِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ. وَعَقْدُ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ فَاسِدٌ.

   وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ لا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ لَهُ هَذَا الثَّوْبُ نَقْدًا بِعَشَرَةٍ وَإِلَى شَهْرٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَذْهَبَ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ لا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا.

   وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ لا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنْ لا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَبَاتَّهُ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ فَإِنَّهُ ذَهَبَ بِالسِّلْعَةِ عَلَى ذَيْنِكَ الشَّرْطَيْنِ فَقَالَ: هِيَ بِأَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ إِلَى أَبْعَدِ الأَجَلَيْنِ.

   قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مَا لا يُشَكُّ فِي فَسَادِهِ فَأَمَّا إِذَا بَاتَّهُ عَلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَهُوَ صَحِيحٌ لا خُلْفَ فِيهِ وَذِكْرُ مَا سِوَاهُ لَغْوٌ لا اعْتِبَارَ بِهِ اهـ.

   هَذَا كَلامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ بَاطِلٌ لا يَجُوزُ كَبَيْعِهِ زَرْعًا أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ أَوْ يَخِيطَهُ فَهَذَا لا يَصِحُّ، وَلَكِنْ يَصِحُّ بَيْعٌ بِشَرْطِ خِيَارٍ كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَكَ الْخِيَارُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً فَإِنْ لَمْ يُعْجِبْهُ يَرُدُّ ضِمْنَ هَذِهِ الأَيَّامِ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ وَمَعْنَاهُ لا تَرُدُّ عَلَيَّ إِنْ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لَهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الثِّمَارَ الَّتِي عَلَى الشَّجَرِ بِشَرْطِ أَنْ تَقْطَعَهَا أَيْ لا تُبْقِيَهَا.

   وَكَذَلِكَ يَصِحُّ إِذَا قَالَ لَهُ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إِلَى شَهْرٍ أَوْ قَالَ لَهُ بِعْتُكَ هَذَا الْبَيْتَ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ تَرْهَنَنِي فَرَسَكَ أَوْ بَقَرَتَكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْكَفِيلِ وَمَعْنَاهُ تُعْطِينِي كَفِيلًا يَضْمَنُ لِيَ الثَّمَنَ.

   وَكَذَلِكَ إِنْ بَاعَ بِشَرْطِ الإِشْهَادِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الشُّهُودَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/282] فَإِنْ قَالَ لَهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا فَقَالَ اشْتَرَيْتُ بِشَرْطِ أَنْ تُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ مَعَ التَّعْيِينِ أَوْ بِدُونِ تَعْيِينٍ جَازَ وَكَذَلِكَ إِذَا اشْتَرَى مِنْهُ الْعَبْدَ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ كَاتِبًا أَيْ يَعْرِفُ الْخَطَّ جَازَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَاتِبًا يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ.

   وَكَذَلِكَ إِنْ شَرَطَ أَنْ يُقْبِضَهُ أَوْ شَرَطَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إِنْ كَانَ فِيهِ عَيْبٌ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ. وَكَذَلِكَ إِنْ بَاعَهُ الْعَبْدَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ:

بَابُ النَّهْيِ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَبَيْعٍ وَسَلَفٍ

 

   جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَنَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ]، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْقَوْلِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَكَانَ أَحْمَدُ رُبَّمَا قَالَ بِهِ وَرُبَّمَا وَقَفَ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ لا يَرَى الْقَوْلَ بِهِ [لا يَرَى مَا جَاءَ بِهَذَا الإِسْنَادِ صَحِيحًا]، وَقَدِ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَعْنَى نَهْيِهِ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ، فَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الطَّعَامِ يَعْنِي مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: فِي كُلِّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنِ اسْتِئْجَارُكَ الْغُلامَ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ تُؤَاجِرُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ [مَعْنَاهُ لا يُؤْجِرُهُ لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا دَفَعَ. وَهَذَا لَيْسَ ثَابِتًا]. وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ أَنْ يَقُولَ ءَاخُذُ سِلْعَتَكَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا فَالْبَيْعُ هَذَا فَاسِدٌ، قَالَ فَإِنْ تَرَكَ الَّذِي اشْتَرَطَ [إِنْ أَسْقَطَهُ فِي الْمَجْلِسِ] السَّلَفَ مِنْهُ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا. وَالْبَيْعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا فَاسِدٌ تَرَكَ الشَّرْطَ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ« انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.

   وَمِمَّا يَحْرُمُ أَيْضًا مَا اشْتُهِرَ فِي هَذَا الْعَصْرِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى التَّأْمِينَ عَلَى الْحَيَاةِ أَوْ عَلَى السَّيَّارَةِ أَوْ عَلَى الْبَيْتِ أَوْ عَلَى الْبِضَاعَةِ بِحَيْثُ إِنْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ أَوْ تَعَطَّلَتْ سَيَّارَتُهُ أَوْ تَحَطَّمَتْ أَوِ احْتَرَقَ بَيْتُهُ أَوْ سُرِقَ دُكَّانُهُ أَوْ غَرِقَتْ بِضَاعَتُهُ فِي الْبَحْرِ تَدْفَعُ لَهُ شَرِكَةُ التَّأْمِينِ بَدَلَ الَّذِي تَكَلَّفُهُ أَوْ تَدْفَعُ لِوَرَثَتِهِ مَالًا إِنْ مَاتَ. وَعِلَّةُ تَحْرِيـمِ التَّأْمِينِ عَلَى الْحَيَاةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ غَرَرًا فَهُوَ لا يَدْرِي مَتَى يَمُوتُ وَإِذَا مَاتَ هَلْ يَكُونُ لَهُ وَارِثٌ أَمْ لا. ثُمَّ إِنْ كَانَ إِجْبَارًا مِنَ الدَّوْلَةِ الدُّخُولُ فِي هَذَا الشَّىْءِ يَدْخُلُ الشَّخْصُ فِي هَذَا الأَمْرِ ثُمَّ لا يَأْخُذُ مِنَ الشَّرِكَةِ إِلَّا قَدْرَ مَا دَفَعَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَا لا مَنْفَعَةَ فِيهِ.

   الشَّرْحُ لا يَجُوزُ شِرَاءُ مَا لا مَنْفَعَةَ فِيهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَالْخُبْزِ الْمُحْتَرِقِ الَّذِي لا يُقْصَدُ لِلأَكْلِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا مَعَ وُجُودِهَا حِسًّا فَهِيَ كَبَيْعِ ءَالاتِ اللَّهْوِ وَصُلْبَانِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّوَرِ الَّتِي هِيَ لِذَوِي الأَرْوَاحِ الَّتِي تَكُونُ بِهَيْئَةٍ يَعِيشُ بِهَا ذَلِكَ الْحَيَوَانُ أَوْ لا يَعِيشُ بِهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْحُصُولَ عَلَى صُورَةٍ لِحَاجَةٍ يُحَصِّلُهَا بِغَيْرِ الشِّرَاءِ، يُعْطِيهِ مَالًا مَجَّانًا وَذَاكَ يُعْطِيهِ الصُّورَةَ مَجَّانًا، أَمَّا أَنْ يَبِيعَهُ إِيَّاهَا فَلا يَصِحُّ، إِلَّا صُوَرَ الْبَنَاتِ الصِّغَارِ [أَيْ مَا تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ لُعَبَ الْبَنَاتِ الصِّغَارِ] لِأَجْلِ أَنْ تَلْعَبَ بِهَا الْبَنَاتُ الصِّغَارُ فَهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلا يُمَكَّنُ مِنَ اللَّعِبِ بِهَا، أَمَّا صُوَرُ الْكِلابِ وَالطُّيُورِ وَالْفِئْرَانِ وَنَحْوِهَا فَلا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا حَتَّى لِلْبَنَاتِ الصِّغَارِ. وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ بَيْعُ حَبَّةِ حِنْطَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ لِأَنَّهُمَا لا تُقْصَدَانِ لِلِانْتِفَاعِ وَلَوْ كَانَتَا تَنْفَعَانِ بِالْبَذْرِ لِأَنَّهُ إِذَا بُذِرَتْ هَاتَانِ الْحَبَّتَانِ يَطْلَعُ مِنْهُمَا مِنَ الْحَبِّ مِقْدَارٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، لَكِنْ هَاتَانِ لا تُقْصَدَانِ لِلِانْتِفَاعِ بِالْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ شِرَاءُ الْحَشَرَاتِ وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الأَرْضِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَإِنْ ذَكَرَ لَهَا أَصْحَابُ ذِكْرِ خَوَاصِّ الْحَيَوَانَاتِ خَوَاصَّ، بِخِلافِ مَا يَنْفَعُ مِنْهَا كَالضَّبِّ لِأَكْلِهِ وَالْعَلَقِ لِامْتِصَاصِهِ الدَّمَ. وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ بَيْعُ السِّبَاعِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا نَفْعٌ مُعْتَبَرٌ كَالأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ بِخِلافِ مَا يَنْفَعُ مِنْهَا كَالضَّبُعِ لِلأَكْلِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْفَهْدِ لِلصَّيْدِ وَالْفَيْلِ لِلْقِتَالِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلا صِيغَةٍ وَيَكْفِي التَّرَاضِي عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ عَلَى مَا هُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصِّيغَةُ أَيِ اللَّفْظُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَيْ بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ كَذَا بِكَذَا فَيَقُولَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ. وَاخْتَارَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ صِحَّتَهُ بِالْمُعَاطَاةِ بِدُونِ صِيغَةٍ وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ بِلا لَفْظٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَالْبَيْعُ عِنْدَهُ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبَيْعُ مَا لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِلْكِ كَالْحُرِّ وَالأَرْضِ الْمَوَاتِ.

   الشَّرْحُ يَحْرُمُ بَيْعُ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا كَالإِنْسَانِ الْحُرِّ أَيْ غَيْرِ الرَّقِيقِ وَالأَرْضِ الْمَوَاتِ أَيِ الَّتِي لَمْ تُعْمَرْ لِأَنَّ الْمَوَاتَ لا يُمْلَكُ إِلَّا بِالإِحْيَاءِ أَيْ بِتَهْيِئَتِهِ لِلِانْتِفَاعِ إِمَّا لِلزِّرَاعَةِ أَوْ السَّكَنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ مَعْلُومَيْنِ فَيَحْرُمُ وَلا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ مِنَ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ فَيَأْخُذَ أَحَدَهُمَا، أَوْ يَقُولَ بِعْتُكَ شَاةً مِنْ هَذِهِ الشِّيَاهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ وَاحِدَةً. أَوْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الشَّىْءَ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ الدَّرَاهِمِ كمْ هيَ وَلا الدَّنَانِيرِ كَمْ هِيَ وَذَلِكَ حَذَرًا مِنَ الْغَرَرِ الْمُؤَدِّي لِلتَّنَازُعِ، نَعَمْ يَصِحُّ لَوْ عَيَّنَ الْمَبِيعَ، وَيَصِحُّ لَوْ قَالَ فِي شَىْءٍ مُعَيَّنٍ كَالْبُرِّ بِعْتُكَ هَذَا الْبُرَّ بِمِلْءِ هَذَا الْمَخْزَنِ مِنْ هَذَا الشَّعِيرِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ كَمْ هُوَ مِلْؤُهُ.

   قَالَ الْحَافِظُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ فِي شَرْحِ الإِحْيَاءِ مَمْزُوجًا كَلامُهُ بِكَلامِ الْغَزَالِيِّ «(وَأَمَّا الأَعْمَى فَإِنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي مَا لا يَرَى) بِعَيْنِهِ (فَلا يَصِحُّ) بَيْعُهُ وَلا شِرَاؤُهُ (فَلْنَأْمُرْهُ بِأَنْ يُوكِّلَ وَكِيلًا) عَنْ نَفْسِهِ (بَصِيرًا) بِعَيْنِهِ (لِيَشْتَرِيَ لَهُ أَوْ يَبِيعَ، فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ) عَنْهُ (وَيَصِحُّ بَيْعُ وَكِيلِهِ، فَإِنْ عَامَلَهُ التَّاجِرُ بِنَفْسِهِ) مِنْ غَيْرِ إِقَامَةِ وَكِيلٍ (فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ، وَمَا أَخَذَهُ مِنْهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَمَا سَلَّمَهُ إِلَيْهِ أَيْضًا مَضْمُونٌ لَهُ بِقِيمَتِهِ). وَقَالَ أَبُوحَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: الأَعْمَى إِذَا وُصِفَ لَهُ الْبَيْعُ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَلَكِنْ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: فِي بَيْعِ الأَعْمَى وَشِرَائِهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلَيْ شِرَاءِ الْغَائِبِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ. وَإِذَا قُلْنَا لا يَصِحُّ بَيْعُ الأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ لا تَصِحُّ مِنْهُ الإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ أَيْضًا، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لا وَقَالَ فِي التِّتِمَّةِ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الأَصَحُّ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ. وَلِلْعَبْدِ الأَعْمَى أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لا يَجْهَلُ نَفْسَهُ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ وَأَنْ يُزَوِّجَ مَوْلِيَّتَهُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْعَمَى غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْوِلايَةِ وَالصَّدَاقَ غَيْرُ مَالٍ وَكَذَلِكَ لَوْخَالَعَ الأَعْمَى عَلَى مَالٍ، وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ فِي شَىْءٍ أَوْ بَاعَ سَلَمًا فَيُنْظَرُ إِنْ عُمِيَ بَعْدَمَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ السَّلَمَ يَعْتَمِدُ الأَوْصَافَ وَهُوَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مُمَيِّزٌ بَيْنَ الأَلْوَانِ وَيَعْرِفُ الأَوْصَافَ ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ، وَهَلْ يَصِحُّ قَبْضُهُ بِنَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لا لِأَنَّهُ لا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ وَغَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ أَكْمَهَ أَوْ عَمِيَ قَبْلَ مَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لا يَصِحُّ سَلَمُهُ لِأَنَّهُ لا يَعْرِفُ الأَلْوَانَ وَلا يُمَيِّزُ بَيْنَهَا وَبِهَذَا قَالَ الْمُزَنِيُّ وَيُحْكَى عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ خَيْرَانَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيُحْكَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَإِلَيْهِ مَالَ الْمَصَنِّفُ فِي الْوَجِيزِ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الصِّفَاتِ وَالأَلْوَانَ بِسَمَاعٍ وَيَتَخَيَّلُ فَرْقًا بَيْنَهَا، فَعَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْصُوفًا بِعَيْنٍ فِي الْمَجْلِسِ أَمَّا إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَهُوَ كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ الأَعْمَى رَأَى شَيْئًا مِمَّا لا يَتَغَيَّرُ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إِيَّاهُ إِذَا صَحَّحْنَا ذَلِكَ مِنَ الْبَصِيرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ. وَكُلُّ مَا لا نُصَحِّحُهُ مِنَ الأَعْمَى مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فَسَبِيلُهُ أَنْ يُوَكَّلَ عَنْهُ ويُحْتَمَلُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   (وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ) لِأَنَّ إِسْلامَ الْعَاقِدِ لا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ مُطْلَقِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (لَكِنْ لا يُبَاعُ مِنْهُ الْمُصْحَفُ) أَيِ الْقُرْءَانُ وَلا شَىْءٌ مِنْ أَخْبَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوِ اشْتَرَى ذَلِكَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ وَبِهِ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَجِيزِ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ وَأَظْهَرُهُمَا الْقَطْعُ بِالْبُطْلانِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْكُتُبُ الَّتِي فِيهَا ءَاثَارُ السَّلَفُ كَالْمُصْحَفِ فِي طَرْدِ الْخِلافِ، وَامْتَنَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي مِنْ إِلْحَاقِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ بِالْمُصْحَفِ وَقَالَ إِنَّ بَيْعَهَا مِنْهُ صَحِيحٌ لا مَحَالَةَ، وَهَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهَا فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ الْخِلافُ فِي بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ إِنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِلا خِلافٍ.

   (وَلا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ) لَكِنْ لَوِ اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ نَصُّهُ [أَيْ نَصُّ الشَّافِعِيِّ] فِي الإِمْلاءِ أَنَّهُ لا يَصِحُّ لِأَنَّ الرِّقَّ ذُلٌّ فَلا يَصِحُّ إِثْبَاتُهُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا لا يَنْكِحُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَةَ [مَعْنَاهُ لا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ كَمَا لا يَجُوزُ لِلْكَافِرِ زِوَاجُ الْمُسْلِمَةِ]، وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمِلْكِ فَمَلَكَ بِهِ الْكَافِرُ رَقَبَةَ الْمُسْلِمِ كَالإِرْثِ. وَالْقَوْلانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ وُهِبَ مِنْهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَقَبِلَ أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ، قَالَ فِي التِّتِمَّةِ: هَذَا إِذَا قُلْنَا الْمِلْكُ فِي الْوَصِيَّةِ يَحْصُلُ بِالْقَبُولِ فَإِنْ قُلْنَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ ثَبَتَ بِلا خِلافٍ كَالإِرْثِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: إِنْ قُلْنَا لا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَلَوِ اشْتَرَى قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لا يَصِحُّ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَأَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَعْقَبَ لِلْعِتْقِ شَاءَ الْمَالِكُ أَوْ أَبَى لَيْسَ بِإِذْلالٍ، أَلا تَرَى أَنَّ لِلْمُسْلِمِ شِرَاءَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إِذْلالًا لَمَا جَازَ لَهُ إِذْلالُ أَبِيهِ، وَالْخِلافُ جَارٍ فِي كُلِّ شَىْءٍ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ كَمَا إِذَا قَالَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَكَ الْمُسْلِمَ عَنِّي بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ، وَكَمَا إِذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ. وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا بِشَرْطِ الإِعْتَاقِ وَصَحَّحْنَا الشِّرَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَهُوَ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِتْقَ لا يَحْصُلُ عَقِيبَ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِإِزَالَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ عَلَى وَجْهَيْ شِرَاءِ الْقَرِيبِ. (وَلا يُبَاعُ مِنْهُ السِّلاحُ) أَيْ ءَالَةُ الْحَرْبِ (إِنْ كَانَ) الْكَافِرُ (مِنْ أَهْلِ) دَارِ (الْحَرْبِ) وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، (فَإِنْ فَعَلَ) شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (فَهِيَ مُعَامَلاتٌ مَرْدُودَةٌ) فَاسِدَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ (وَهُوَ عَاصٍ بِهَا رَبَّهُ) عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي ءَاخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ: وَمِنَ الْمَنْهِيَّاتِ بَيْعُ السِّلاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُوَ لا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لا يُرَادُ إِلَّا لِلْقِتَالِ فَيَكُونُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَدِيدِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لا يَتَعَيَّنُ لِلسِّلاحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ قُلْتُ: بَيْعُ السِّلاحِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي دَارِ الإِسْلامِ صَحِيحٌ اهـ وَقِيلَ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّوْيَانِيُّ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا وَكَذَا بَيْعُ السِّلاحِ مِنَ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ مَكْرُوهٌ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ قُلْتُ الأَصَحُّ التَّحْرِيـمُ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الإِحْيَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَأَمَّا الْجُنْدِيَّةُ مِنَ الأَتْرَاكِ وَالتُّرْكُمَانِيَّةِ) – بِالضَّمِّ – جِنْسٌ خَاصٌّ مِنَ الأَتْرَاكِ (وَالْعَرَبُ) الْجَاهِلَةُ (وَالأَكْرَادُ) جِيلٌ مِنَ النَّاسِ مُخْتَلَفٌ فِي نَسَبِهِمْ (وَالسُّرَّاقُ) وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ النَّشَّالَةُ (وَالْخَوَنَةُ) مُحَرَّكَةً جَمْعُ خَائِنٍ (وَأَكَلَةُ الرِّبَا) هُمُ الَّذِينَ يَتَعَامَلُونَ بِالرِّبَا فِي مُعَامَلاتِهِمْ مِنَ التُّجَّارِ (وَالظَّلَمَةُ) الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ فَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ (وَكُلُّ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُتَمَلَّكَ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ شَىْءٌ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، إِلَّا إِذَا عَرَفَ) مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ (بِعَيْنِهِ أَنَّهُ حَلالٌ) فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي ءَاخِرِ بَابِ التَّخَالُفِ يُكْرَهُ مُبَايَعَةُ مَنْ يُرَابِي أَوْ يُطَفَّفُ أَوْ يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَبْطُلْ إِذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّ مَا أَخَذَهُ حَرَامٌ اهـ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُكْرَهُ مُبَايَعَةُ مَنِ اشْتَمَلَتْ يَدُهُ عَلَى الْحَلالِ وَالْحَرَامِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلالُ أَكْثَرَ أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَوْ بَايَعَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِالْفَسَادِ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ مُبَايَعَةَ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ بَاطِلٌ اهـ (وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ) قَرِيبًا بَعْدَ هَذَا الْكِتَابِ.

   (الرُّكْنُ الثَّانِي فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَالُ الْمَقْصُودُ نَقْلُهُ مِنْ) ذِمَّةِ (أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ إِلَى) ذِمَّةِ (الآخَرِ ثَمَنًا كَانَ أَوْ مُثْمَنًا) وَهُوَ مَا قَامَ مَقَامَ الثَّمَنِ، وَجُمْلَةُ مَا قِيلَ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثْمَنِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الثَّمَنَ مَا أُلْصِقَ بِهِ الْبَاءُ، وَيُحْكَى هَذَا عَنِ الْقَفَّالِ، وَالثَّانِي أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ النَّقْدُ وَالْمُثْمَنَ مَا يُقَابِلُ عَلَى اخْتِلافِ الْوَجْهَيْن، وَالثَّالِثُ وَهُوَ الأَصَحُّ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ النَّقْدُ وَالْمُثْمَنَ مَا يُقَابِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ نَقْدٌ أَوْ كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا أُلْصِقَ بِهِ الْبَاءُ وَالْمُثْمَنُ مَا يُقَابِلُهُ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِالآخَرِ فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لا ثَمَنَ [لَعَلَّ الصَّوَابَ مُثْمَنَ] فِيهِ، وَلَوْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ فَعَلَى الثَّانِي لا مُثْمَنَ فِيهِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ مُقَايَضَةً (فَيُعْتَبَرُ فِيهِ سِتَّةُ شُرُوطٍ) وَاقْتَصَرَ فِي الْوَجِيزِ عَلَى خَمْسَةٍ (الأَوَّلُ أَنْ لا يَكُونَ نَجِسًا فِي عَيْنِهِ فَلا يَصِحُّ بَيْعُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ) وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا »إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ وَالْخِنْزِيرِ« وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجْوِيزُ بَيْعِ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَقُورًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ اخْتِلافٌ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْكَلْبَ الْمَأْذُونَ فِي إِمْسَاكِهِ.

   (وَلا) يَصِحُّ (بَيْعُ زِبْلٍ) بِالْكَسْرِ (وَعَذِرَةٍ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وِزَان كَلِمَةٍ الْخُرْء فَإِنَّهُمَا نَجِسَا عَيْنٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْجِينِ الثَّخِينِ لِمَا تُسَمَّدُ بِهِ الأَرْضُ فَصَارَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي حَالٍ، وَوَافَقَ أَحْمَدُ الشَّافِعِيَّ وَمَالِكًا فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ السِّرْجِينِ وَالْبَوْلِ.

   تَنْبِيهٌ قَالَ أَصْحَابُنَا [يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ] لا يَجُوزُ بَيْعُ شَعَرِ الْخِنْزِيرِ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرْزِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ [لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لا يَتَأَتَّى بِدُونِهِ]، وَلا يَجُوزُ قِنْيَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ كَالْخَمْرِ وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ يُشْعِرُ بِإِعْزَازِهِ فِي غَيْرِ الآدَمِيِّ، وَنَجَاسَتُهُ تُشْعِرُ بِجَوَازِ الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلأَسَاكِفَةِ لِأَنَّ خَرْزَ النِّعَالِ وَالأَخْفَافِ لا يَتَأَتَّى إِلَّا بِهِ [الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَانُوا لا يَجِدُونَ لِصُنْعِ الْخُفِّ إِلَّا شَعَرَ الْخِنْزِيرِ] فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ الْخَرْزَ يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ وَالأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَحْمَهُ فَالشَّعْرُ أَوْلَى، ثُمَّ لا حَاجَةَ إِلَى شِرَائِهِ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحَ الأَصْلِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إِنْ كَانَتِ الأَسَاكِفَةُ لا يَجِدُونَ شَعْرَ الْخِنْزِيرِ إِلَّا بِالشِّرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُمُ الشِّرَاءُ لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، فَأَمَّا الْبَيْعُ فَيُكْرَهُ [يُكْرَهُ عِنْدَهُمْ مَعْنَاهُ مَعْصِيَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا كَانَ دَلِيلُ تَحْرِيـمِهِ قَطْعِيًّا يَقُولُونَ يَحْرُمُ وَمَا كَانَ دَلِيلُهُ غَيْرَ قَطْعِيٍّ يَقُولُونَ يُكْرَهُ] لِأَنَّهُ لا حَاجَةَ إِلَيْهِ لِلْبَائِعِ.

   (وَلا) يَصِحُّ (بَيْعُ الْعَاجِ وَالأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْهُ) وَهِيَ أَنْيَابُ الْفِيَلَةِ وَلا يُسَمَّى غَيْرُ النَّابِ عَاجًا، (فَإِنَّ الْعَظْمَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَلا يَطْهُرُ الْفِيلُ بِالذَّبْحِ) وَهُوَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يُسَمَّى نَابُهُ عَاجًا، (وَلا يَطْهُرُ عَظْمُهُ بِالتَّنْقِيَةِ) لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ [أَيْ مُحَمَّدِ بنِ الْحَسَنِ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِلَّا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِطَهَارَةِ الْعَاجِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ: كَانَ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سِوَارٌ مِنْ عَاجٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوُسفَ أَيْضًا، وَحَمَلَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَهْرِ السُّلْحَفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ [قَالُوا سِوَارُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ مِنْ ظَهْرِ السُّلْحَفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ مَا كَانَ مِنْ عَظْمِ الْفِيلِ وَهَكَذَا فَسَرَّ الشَّافِعِيَّةُ وَهَذَا الَّذِي يَلِيقُ، ظَهْرُ السُّلْحَفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ طَاهِرٌ لِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ طَاهِرَةٌ]، وَقَالَ صَاحِبُ الْكَنْزِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَذَبْحُ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ [عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ لَكِنْ لا يَجُوزُ أَكْلُهُ] وَجِلْدَهُ إِلَّا الآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ، وَلَكِنْ نَقَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ أَصَحَّ مَا يُفْتَى بِهِ أَنَّهُ يُطَهِّرُ جِلْدَهُ دُونَ لَحْمِهِ [مَعْنَاهُ جِلْدُهُ يَنْقَلِبُ طَاهِرًا أَمَّا لَحْمُهُ فَيَبْقَى نَجِسًا هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. مَعْنَاهُ جِلْدُهُ يُسْتَعْمَلُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، لَكِنْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِهِ وَلا لَحْمِهِ، كُلٌّ لا يَجُوزُ]. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   (وَلا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ) لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ جَابِرٍ قَرِيبًا.

   (وَلا بَيْعُ الْوَدَكِ [أَيْ دَسَمِ اللَّحْمِ] النَّجِسِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لا تُؤْكَلُ) مِمَّا يَتَحَلَّبُ مِنْ شَحْمِهَا وَلَحْمِهَا (وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلِاسْتِصْبَاحِ أَوْ طِلاءِ السُّفُنِ) وَذَلِكَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَدَكُ الْمَيْتَةِ إِنْ نَجُسَ بِعَارِضٍ فَفِي بَيْعِهِ خِلافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، فَفِي ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ وَفِي صَاحِبِ الإِفْصَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لا يُمْكِنُ، فَعَلَى هَذَا لا يَجُوزُ بَيْعُهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ: هَذَا التَّرْتِيبُ غَلَطٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَسِيطِ وَكَيْفَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي بَيْعِ الصِّبْغِ النَّجِسِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا كَالزَّيْتِ، وَالثَّانِي لا يَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّهُ لا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ وَإِنَّمَا يُصْبَغُ بِهِ الثَّوْبُ وَيُغْسَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   (وَلا بَأْسَ بِبَيْعِ الدُّهْنِ الطَّاهِرِ الَّذِي نَجُسَ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ أَوْ مَوْتِ فَأْرٍ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الأَكْلِ وَهُوَ فِي عَيْنِهِ لَيْسَ بِنَجِسٍ) وَعِبَارَةُ الْوَجِيزِ: وَالدُّهْنُ إِذَا نَجُسَ بِمُلاقَاةِ النَّجَاسَةِ صَحَّ بَيْعُهُ وَجَازَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ نَجَاسَتِهِ بِالْمُلاقَاةِ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِيَجْرِيَ الْقَوْلانِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ مُسَاعَدٍ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ بَلِ الظَّاهِرُ عِنْدَ الأَصْحَابِ مَنْعُهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ خِلافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِصِحَّةِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ وَبَنَى الإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ مَسْئَلَةَ الدُّهْنِ عَلَى وَجْهٍ ءَاخَرَ فَقَالَ: إِنْ قُلْنَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَفِي بَيْعِهِ قَوْلانِ مَبْنِيَانِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ، وَعَلَى هَذَا جَرَى الْمُصَنِّفُ فِي الْوَجِيزِ [يَعْنِي بِالْمُصَنِّفِ الْغَزَالِيَّ أَمَّا الإِمَامُ فَهُوَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ شَيْخُ الْغَزَالِيِّ] فَذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِي الْبَيْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى امْتِنَاعِ تَطْهِيرِ الدُّهْنِ النَّجِسِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ »إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَرِيقُوهُ«، وَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَمَا أَمَرَنَا بِإِرَاقَتِهِ، وَحُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ.

   (وَكَذَلِكَ لا أَرَى بَأْسًا بِبَيْعِ بِزْرِ الْقَزِّ) وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَيْلَجِ وَفِي بَاطِنِهِ الدُّودُ الْمَيْتَةُ، لِأَنَّ إِبْقَاءَهَا فِيهِ مِنْ مَصَالِحِهِ كَالْحَيَوَانِ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَالنَّجَاسَةُ فِي بَاطِنِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ: الْفَيْلَجُ بِالْفَاءِ وَهُوَ الْقَزُّ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَفِيهِ الدُّودُ سَوَاءٌ كَانَ مَيْتًا أَوْ حَيًّا وَسَوَاءٌ بَاعَهُ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (فَإِنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَتَشْبِيهُهُ بِالْبَيْضِ وَهُوَ أَصْلُ حَيَوَانٍ أَوْلَى مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالرَّوْثِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ فَأْرَةِ الْمِسْكِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَقِيلَ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي الْفَأْرَةِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ بِيْعَ مَعَهَا أَوْ دُونَهَا، وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْفَأْرَةِ مَفْتُوحًا أَوْ لا، وَلَوْ رَأَى الْمِسْكَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الرَّدِّ إِلَيْهَا صَحَّ، فَلَوْ رَأَى الْفَأْرَةَ دُونَ الْمِسْكِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الرَّدِّ إِلَيْهَا فَإِنْ كَانَ رَأْسُهَا مَفْتُوحًا فَرَأَى أَعْلاهُ لا يَجُوزُ وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ. (وَيُقْضَى بِطَهَارَتِهَا إِذَا انْفَصَلَتْ مِنَ الظَّبْيَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ) وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي بَيْعِ بِزْرِ الْقَزِّ وَفَأْرَةِ الْمِسْكِ خِلافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلافِ السَّابِقِ فِي طَهَارَتِهَا اهـ. وَوَافَقَهُ مُحَمَّدٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي بَيْضِهِ وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدُّودَ مِنَ الْهَوَامِّ وَبَيْضَهُ لا يُنْتَفَعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَاتِ وَبَيْضَهَا، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدُّودَ يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَا بَيْضُهُ فِي الْمَآلِ فَصَارَ كَالْجَحْشِ وَالْمُهْرِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَعَامَلُوهُ فَمَسَّتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.

   (الثَّانِي أَنْ يَكُونَ) الْمَبِيعُ (مُنْتَفَعًا بِهِ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَالًا وَكَانَ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ قَرِيبًا مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، ولِخُلُوِّ الشَّىْءِ عَنِ الْمَنْفَعَةِ سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا الْقِلَّةُ كَالْحَبَّةِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لا يُعَدُّ مَالًا وَلا يُبْذَلُ فِي مُقَابَلَتِهِ الْمَالُ، وَلا يُنْظَرُ إِلَى ظُهُورِ الِانْتِفَاعِ إِذَا ضُمَّ هَذَا الْقَدْرُ إِلَى أَمْثَالِهِ وَلا إِلَى مَا يُفْرَضُ مِنْ وَضْعِ الْحَبَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْفَخِّ، وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ زَمَانِ الرُّخْصِ وَالْغَلاءِ، وَمَعَ هَذَا فَلا يَجُوزُ أَخْذُ الْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ مِنْ صُبْرَةِ الْغَيْرِ إِذْ لَوْ جَوَّزْنَاهُ لَانْجَرَّ إِلَى أَخْذِ الْكَثِيرِ، وَلَوْ أَخَذَ الْحَبَّةَ وَنَحْوَهَا ءَاخِذٌ فَعَلَيْهِ الرَّدُّ، فَإِنْ تَلِفَتْ فَلا ضَمَانَ إِذْ لا مَالِيَّةَ لَهَا، وَعَنِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مِثْلَهَا [هَذَا الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ إِلَّا إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ لا يَطْلُبُ عِوَضًا]. وَالثَّانِي الْخِسَّةُ (فَلا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ كَالْفَأْرَةِ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلا الْفَأْرَةِ (وَالْحَيَّةِ) وَالْخُنْفُسِ وَالْعَقْرَبِ وَالنَّمْلِ وَنَحْوِهَا (وَلا الْتِفَاتَ إِلَى انْتِفَاعِ الْمُشَعْوِذِ بِالْحَيَّةِ، وَكَذَلِكَ لا الْتِفَاتَ إِلَى انْتِفَاعِ أَرْبَابِ الْحِلَقِ فِي إِخْرَاجِهَا مِنَ السَّلَّةِ وَعَرْضِهَا عَلَى النَّاسِ) وَلا إِلَى مَنَافِعِهَا الْمَعْدُودَةِ فِي الْخَوَاصِّ، فَإِنَّ تِلْكَ الْمَنَافِعَ لا تُلْحِقُهَا بِمَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ مَالًا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ النَّمْلِ بِعَسْكَرِ مُكْرمٍ [بَلَدٌ فِيهَا هَذِهِ النَّمْلُ الَّتِي لَهَا هَذَا الشَّأْنُ] لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ السُّكرَ، وَبِنَصِيبَيْنِ [نَمْلُ نَصِيبَيْنِ أَيْضًا هَكَذَا] لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ الْعَقَارِبُ الطَّيَّارَةُ.

   (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرَّةِ) لِأَنَّهَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَقَدْ وَصَّى الشَّارِعُ عَلَيْهَا، وَعَدَّهَا مِنَ الطَّوَّافَاتِ عَلَيْنَا، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ ثَمَنِ الْهِرَّةِ فَقَالَ الْقَفَّالُ: أَرَادَ الْهِرَّةَ الْوَحْشِيَّةَ أَوْ مَا لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةُ اسْتِئْنَاسٍ وَلا غَيْرِهِ.

   ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْغَنَمِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمِنَ الصَّيُودِ كَالضَّبِّ وَالْغِزْلانِ وَمِنَ الطُّيُورِ كَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ وَالْعُقَابِ، (وَ) بَيْعُ (النَّحْلِ) مِنَ الْكَوَّارَةِ صَحِيحٌ إِنْ كَانَ قَدْ شَاهَدَ جَمِيعَهَا وَإِلَّا فَهُوَ فِي صُورَةِ بَيْعِ الْغَائِبِ، فَإِنْ بَاعَهَا وَهِيَ طَائِرَةٌ مِنَ الْكَوَّارَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ الْبَيْعَ كَبَيْعِ النَّعَمِ الْمُسَيَّبَةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ فِي التِّتِمَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ إِذْ لا قُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ وَالْعَوْدُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ. وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ قُلْتُ الأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَوَافَقَ مُحَمَّدٌ الشَّافِعِيَّ فِي جَوَازِ بَيْعِ النَّحْلِ إِذَا كَانَ مُحْرزًا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ لا يُؤْكَلُ فَصَارَ كَالْحِمَارِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مِنَ الْهَوَامِّ كَالزُّنْبُورِ وَهَوَامِّ الأَرْضِ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لا بِعَيْنِهِ فَلا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ وَالشّىْءُ إِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ بِالْكَوَّارَاتِ صَحَّ تَبَعًا لَهَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ [وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْحَنَفِيَّةِ] أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ وَقَالَ الشَّىْءُ إِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إِذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالشُّرْبِ [الْحِصَّةِ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ الزَّرْعُ وَالأَشْجَارُ] وَالطَّرِيقِ. اهـ.

   وَمِنَ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ الْجَوَارِحُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَبَيْعُ الْفَهْدِ) وَهُوَ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَفِي حُكْمِهِ الصَّقْرُ وَالْبَازِيْ، (وَ) فِي بَيْعِ (الأَسَدِ) وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ خِلافٌ فَمُقْتَضَى سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا جَوَازُ بَيْعِهَا، وَمُقْتَضَى سِيَاقِهِ فِي الْوَجِيزِ الْمَنْعُ فَإِنَّهُ قَالَ وَبَيْعُ السِّبَاعِ الَّتِي لا تَصِيدُ بَاطِلٌ، أَيْ لا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ وَالْقِتَالِ، وَلا نَظَرَ إِلَى اقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ فَلَيْسَتْ هِيَ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمُعْتَبَرَةِ. وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ حِكَايَةُ وَجْهٍ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا مُتَوَقَّعٌ فِي الْمَآلِ. (وَمَا يَصْلُحُ لِلصَّيْدِ) أَيْ لِلِاصْطِيَادِ (أَوْ يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْمَآلِ. وَلا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِدَأَةِ [طَائِرٌ يَخْطُفُ اللَّحْمَ إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَحْمِلُهُ حَجْمُهُ قَرِيبٌ مِنَ الصَّقْرِ لَوْنُهُ أَسْوَدُ] وَالرَّخَمَةِ وَالْغُرَابِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَجْنِحَةِ بَعْضِهَا فَائِدَةٌ جَاءَ فِيهَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهَكَذَا قَالَ الإِمَامُ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ الْجُلُودَ تُدْبَغُ فَتَطْهُرُ وَلا سَبِيلَ إِلَى تَطْهِيرِ الأَجْنِحَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ: قُلْتُ وَجْهُ الْجَوَازِ الِانْتِفَاعُ بِرِيشِهِ فِي النِّبَالِ فَإِنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي النِّبَالِ وَغَيْرِهَا [أَمَّا الرِّيشُ الطَّاهِرُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

   (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِيلِ لِأَجْلِ الْحَمْلِ) عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ أَضْعَافَ مَا تَحْمِلُهُ الْجِمَالُ فَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَاصِلٌ.

   (وَ) مِنَ الْحَيَوَانَاتِ مَا يُنْتَفَعُ بِلَوْنِهِ أَوْ صَوْتِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (يَجُوزُ بَيْعُ الطُّوطِيِّ وَهُوَ الْبَبَّغَاءُ) أَيْ لِحُسْنِ صَوْتِهِ، أَمَّا الْبَبَّغَاءُ – فَبِمُوَحَّدَتَيْنِ الثَّانِيَةُ مُشَدَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ – طَائِرٌ مَعْرُوفٌ، وَتَعْرِيفُ الطُّوطِيِّ بِهِ غَرِيبٌ، وَالطُّوطِيُّ لَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ وَلا ذَكَرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَقَدْ نَقَلَ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ »الْعِنْوَانُ فِي أَسْمَاءِ الْحَيَوَانِ« مِمَّا زَادَ بِهِ عَلَى صَاحِبِ »حَيَاةِ الْحَيَوَانِ« وَعَزَاهُ إِلَى الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الْبَبَّغَاءُ وَهَذَا الطَّائِرُ مَعْرُوفٌ فِي بِلادِ الْعَجَمِ وَيُسَمُّونَهُ هَكَذَا، وَهُوَ صَغِيرٌ أَصْغَرُ مِنَ الْعُصْفُورِ قَلِيلًا مُخْتَلِفُ الأَلْوَانِ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيمِ حَسَنُ الصَّوْتِ يُرَبُّونَهُ فِي الأَقْفَاصِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنَ الْحَمَامَةِ أَخْضَرُ اللَّوْنِ طَوِيلُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ أَكْدَرُ يُجْلَبُ مِنْ بِلادِ الْحَبَشِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ اسْمُ الطُّوطِيِّ فَإِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ عَرَبِيَّةً فَيَكُونُ مِنْ طَأْطَأَ عُنُقَهُ، وَهَذَا الْجِنْسُ مِنَ الطَّيْرِ كَذَلِكَ كَثِيرُ الطَّأْطَأَةِ يَتَعَلَّقُ بِرِجْلَيْهِ فِي غُصْنٍ أَوْ خَشَبٍ وَيُطَأْطِئُ وَيَنْطِقُ بِأَصْوَاتٍ غَرِيبَةٍ أَوْ يَكُونُ سُمِّيَ بِاسْمِ صَوْتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَالطَّاوُوسُ) لِحُسْنِ لَوْنِهِ وَإِنْ كَانَ صَوْتُهُ مُنَفِّرًا، (وَكَذَا) سَائِرُ (الطُّيُورِ الْمَلِيحَةِ الصُّوَرِ) الْحَسَنَةِ الأَلْوَانِ (وَإِنْ كَانَتْ لا تُؤْكَلُ فَإِنَّ التَّفَرُّجَ بِأَصْوَاتِهَا) وَنَغَمَاتِهَا (وَالنَّظَرَ إِلَيْهَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ وَمُبَاحٌ) شَرْعًا، وَيُلْحَقُ بِالْفَهْدِ أَوِ الْهِرَّةِ الْقِرْدُ لِأَنَّهُ يُعَلَّمُ الأَشْيَاءَ فَيَتَعَلَّمُ، فَإِنْ قُلْتَ: ذَكَرْتُمْ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الأَلْوَانِ الْحَسَنَةِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ وَمُبَاحٌ، فَإِذَا وَجَدْنَا بَعْضَ الْكِلابِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ فَهَلَّا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ فَاسْتَدْرَكَ الْمُصَنِّفُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ (وَإِنَّمَا الْكَلْبُ هُوَ الَّذِي لا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَنَى إِعْجَابًا بِصُورَتِهِ) وَلَوْنِهِ (لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ) فِي قَوْلِهِ »مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ« رَوَاهُ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ »مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ«، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ »مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا حَرْثٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ«، وَجَاءَ عَنْ سُفْيَانَ بنِ أَبِي زُهَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ »مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ«، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: »مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ«، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ نَقْلًا عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ لا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ إِلَّا لِصَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا. هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ اقْتِنَائِهِ لِهَذِهِ الثَّلاثَةِ وَعَلَى اقْتِنَائِهِ لِتَعْلِيمِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَالأَصَحُّ جَوَازُ اقْتِنَائِهِ لِحِفْظِ الدُّورِ وَالدَّوَابِّ، وَتَرْبِيَةِ الْجِرْوِ لِذَلِكَ وَتَحْرِيـمُ اقْتِنَائِهِ قَبْلَ شِرَاءِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ، وَكَذَا كَلْبُ الصَّيْدِ لِمَنْ لا يَصِيدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   (وَلا يَجُوزُ بَيْعُ الْعُودِ) وَهُوَ بِالضَّمِّ مِنْ ءَالاتِ اللَّهْوِ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ عِيدَانٌ وَأَعْوَادٌ، (وَالصَّنْجِ) – بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ ءَاخِرُهُ جِيمٌ – قَالَ الْمُطرِزِيُّ هُوَ مَا يُتَّخَذُ مُدَوَّرًا يُضْرَبُ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ، وَيُقَالُ لِمَا يُجْعَلُ فِي أَطْرَافِ الدُّفِّ مِنَ النُّحَاسِ الْمُدَوَّرِ صُنُوجٌ أَيْضًا، وَهَذَا شَىْءٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ. وَأَمَّا الصَّنْجُ ذُو الأَوْتَارِ فَمُخْتَصٌّ بِهِ الْعَجَمُ وَكِلاهُمَا مُعَرَّبٌ. (وَالْمَزَامِيرِ وَالْمَلاهِي) وَالطَّنَابِيرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُعَدُّ ءَالَةَ اللَّهْوِ، (فَإِنَّهُ لا مَنْفَعَةَ بِهَا شَرْعًا) إِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لا تُعَدُّ بَعْدَ الرَّضِّ وَالْحَلِّ مَالًا فَلا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي قَبْلَهَا لَمَّا كَانَتْ مَحْظُورَةً شَرْعًا كَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ حِسًّا، وَإِنْ كَانَ الرُّضَاضُ يُعَدُّ مَالًا بَعْدُ فَفِي جَوَازِ بَيْعِهَا قَبْلَ الرَّضِّ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَأَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا ءَالَةُ الْفِسْقِ وَلا يُقْصَدُ فِيهَا غَيْرُهُ مَا دَامَ ذَلِكَ التَّرْكِيبُ بَاقِيًا.

   (وَكَذَا بَيْعُ الصُّوَرِ الْمَصْنُوعَةِ مِنَ الطِّينِ وَالْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُبَاعُ فِي الأَعْيَادِ لِلَعِبِ الصِّبْيَانِ فَإِنَّ كَسْرَهَا وَاجِبٌ شَرْعًا)، وَأَمَّا الأَصْنَامُ وَالصُّوَرُ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْخَشَبِ فَيَجْرِي فِيهَا الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي ءَالاتِ الْمَلاهِي، وَتَوَسَّطَ الإِمَامُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَذَكَرَ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهَا إِنِ اتُّخِذَتْ مِنْ جَوَاهِرَ نَفِيسَةٍ صَحَّ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا، وَإِنِ اتُّخِذَتْ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ فَلا، وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدَهُ، وَتَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَسِيطِ لَكِنْ جَوَابُ عَامَّةِ الأَصْحَابِ الْمَنْعُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْوَجِيزِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَوَّلِ الرُّكْنِ، (وَصُوَرُ الأَشْجَارِ) فِي الْوَرَقِ (يُتَسَامَحُ بِهَا) لِكَوْنِهَا لا ظِلَّ لَهَا وَلا أَرْوَاحَ، وَيُلْحَقُ بِهَا صُوَرُ الْقُصُورِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالْمُدُنِ. (وَأَمَّا الثِّيَابُ وَالأَطْبَاقُ الَّتِي عَلَيْهِ صُوَرُ الْحَيَوَانِ) فَإِنَّهُ (يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَكَذَا السُّتُورُ) الَّتِي تُرْخَى عَلَى الأَبْوَابِ، (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ اتَّخَذَتْ فِي بَيْتِهَا قِرَامًا [وَالْقِرَامُ سِتْرٌ فِيهِ رَقْمٌ وَنُقُوشٌ] فِيهِ صُوَرٌ فَكَرِهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ »أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ« وَقَالَ لَهَا »اتَّخِذِي مِنْهُ نَمَارِقَ« جَمْعُ نُمْرُقَةٍ أَيْ وَسَائِدَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهَا، (فَلا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا) حَالَةَ كَوْنِهَا (مَنْصُوبَةً) عَلَى الْحَائِطِ أَوْ غَيْرِهِ، (وَيَجُوزُ) اسْتِعْمَالُهَا (مَوْضُوعَةً) عَلَى الأَرْضِ (وَإِذَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ وَجْهٍ صَحَّ الْبَيْعُ لِذَلِكَ الْوَجْهِ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   (الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ) الْمَبِيعُ (الْمُتَصَرَّفُ فِيهِ مِلْكًا لِلْعَاقِدِ) وَعِبَارَةُ الْوَجِيزِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْعَاقِدِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ ءَاخَرَ كَوْنُهُ مِلْكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ إِنْ كَانَ مُبَاشِرَهُ لِنَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُبَاشِرَهُ لِغَيْرِهِ بِوِلايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (أَوْ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ. وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَلا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ انْتِظَارًا لإِذْنِ الْمَالِكِ بَلْ لَوْ رَضِيَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ [أَيْ تَجْدِيدُ] الْعَقْدِ) وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ هُنَا أَنَّهُ إِذَا بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَوِلايَةٍ يَكُونُ لاغِيًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِحَكِيمِ ابْنِ حِزَامٍ »لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ«، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ إِنْ أَجَازَ نَفَذَ وَإِلَّا لَغَا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ دِينَارًا إِلَى عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ وَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ«، وَالِاسْتِدْلالُ أَنَّهُ بَاعَ الشَّاةَ الثَّانِيَةَ بِغَيْرِ إِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنَّهُ أَجَازَهُ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا كَالْوَصِيَّةِ، وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ وَقَالَ (وَلا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الزَّوْجَةِ مَالَ الزَّوْجِ وَلا مِنَ الزَّوْجِ مَالَ الزَّوْجَةِ وَلا مِنَ الْوَلَدِ مَالَ الْوَالِدِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَضِيَ بِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الرِّضَا مُتَقَدِّمًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ)، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْجَدِيدَ أَنَّ بَيْعَ الآبِقِ غَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَبَيْعُ مَا لا يُمْلَكُ وَلا قُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَوْلَى أَنْ لا يَصِحَّ، وَمِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذِهِ الْمَسْئَلَةِ أَنَّ الْفُضُولِيَّ لَوِ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ شَيْئًا نُظِرَ إِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ فَفِيهِ الْقَوْلانِ وَإِنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ نُظِرَ إِنْ أَطْلَقَ وَنَوَى كَوْنَهُ لِلْغَيْرِ فَعَلَى الْجَدِيدِ يَقَعُ عَنِ الْمُبَاشِرِ وَعَلَى الْقَدِيمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الإِجَازَةِ فَإِنْ رَدَّ نَفَذَ فِي حَقِّهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ كَالْقَوْلِ الْجَدِيدِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْقَوْلِ الْقَدِيمِ فِي الْبَيْعِ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَقَدْ قَالَ فِي صُورَةِ شِرَاءِ الْمُطْلَقِ يَقَعُ عَنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ وَلا يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا.

   وَمِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ لَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَبَاعَهَا وَتَصَرَّفَ فِي أَثْمَانِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَفِيهِ الْقَوْلانِ أَصَحُّهُمَا الْبُطْلانُ [إِذَا إِنْسَانٌ غَصَبَ مَالًا وَتَصَرَّفَ فِيهِ بَاعَ وَاشْتَرَى هَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ ثُمَّ الْمَالِكُ إِنْ شَاءَ يَقُولُ لَهُ رُدَّ لِي مَالِي وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ فَيُنَفِّذَ عَلَى قَوْلٍ وَيَأْخُذَ الْمَالَ الَّذِي جَمَعَهُ ذَلِكَ الْغَاصِبُ، وَعَلَى قَوْلٍ لا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي غَصَبَهُ وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّوْبَةُ فِي كِلا الْحَالَيْنِ] وَالثَّانِي لِلْمَالِكِ أَنْ يُجِيزَهَا وَيَأْخُذَ الْحَاصِلَ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلافِ يَنْبَنِي الْخِلافُ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا رَبِحَ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ يَكُونَ الرِّبْحُ لَهُ أَوْ لِلْمَالِكِ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْقِرَاضِ. فَفِي مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَهُوَ فُضُولِيٌّ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَيِّتًا وَأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الْعَاقِدِ فَفِيهِ قَوْلانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ مِنَ الْمَالِكِ، الثَّانِي أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَإِنْ كَانَ مُنْجَزًا فِي الصُّورَةِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُعَلَّقٌ، وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ. (وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِي الأَسْوَاقِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ الْمُتَدَيِّنِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ) اسْتِبْرَاءً لِدَيْنِهِ.

   (الرَّابِعُ أنَ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ) وَلا بُدَّ مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ عَنْ أَنْ يَكُونَ بَيْعَ غَرَرٍ وَيُوثَقَ بِحُصُولِ الْغَرَضِ، ثُمَّ إِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيِمِ قَدْ تَكُونُ (شَرْعًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ (وَ) قَدْ تَكُونُ (حِسًّا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحِسُّ، (فَمَا لا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ حِسًّا لا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالآبِقِ [رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ فَرَّ فَلا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا لِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ قَدْ لا يَعُودُ إِلَى يَدِهِ فَيَكُونُ ضَاعَ مَالُ الْمُشْتَرِي. الْعَبْدُ الآبِقُ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي نَشَزَتْ عَلَى زَوْجِهَا الصَّلاةُ مِنْهُمَا لا تُرْفَعُ فَوْقَ رُؤُوسِهِمَا شِبْرًا أَيْ لا تُقْبَلُ أَيْ لا ثَوَابَ لَهُمَا كَذَلِكَ الإِمَامُ الَّذِي يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُمْ يَكْرَهُونَهُ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍ صَلاتُهُ لا تُرْفَعُ فَوْقَ رَأْسِهِ شِبْرًا رَوَى ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]) وَالضَّالُّ عُرِفَ مَوْضِعُهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْحَالِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ الأَئِمَّةُ وَلا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلانِ الْيَأْسُ مِنَ التَّسْلِيمِ بَلْ يَكْفِي ظُهُورُ التَّعَذُّرِ، وَأَحْسَنَ بَعْضُ الأَصْحَابِ فَقَالَ إِذَا عُرِفَ مَكَانُهُ وَعُرِفَ أَنَّهُ يَتَّصِلُ إِلَيْهِ إِذَا رَامَ الْوُصُولَ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الآبِقِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَلا يَجُوزُ بَيْعُ الآبِقِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَهُوَ شَرْطٌ لِجَوَازِهِ بِخِلافِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةٍ لِثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْعَقْدِ حُكْمًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ عَوْدُهُ إِلَى مَوْلاهُ وَلا كَذَلِكَ الآبِقُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ جَازَ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الآبِقِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَبِقَ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنَ وَهَذَا لَيْسَ بِآبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إِذْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُطْلَقُ إِذْ هُوَ لَيْسَ بِعَاجِزٍ عَنْ تَسَلُّمِهِ وَهُوَ الْمَانِعُ، ثُمَّ لا يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ إِنْ كَانَ أُشْهِدَ عِنْدَ الأَخْذِ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، وَقَبْضُ الأَمَانَةِ لا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ قَبْضَهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَلا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنْ وُجُوبُ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَقَبْضُ الضَّمَانِ أَقْوَى مِنْ قَبْضِ الأَمَانَةِ لِتَأَكُّدِ قَبْضِ الضَّمَانِ بِاللُّزُومِ وَالْمِلْكِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوِ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ يُوجِبُ الْمِلْكَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الأَصْلُ عِنْدَنَا، بِخِلافِ قَبْض الأَمَانَةِ فَإِنَّهُ لا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلا يُوجِبُ الْمِلْكَ فَكَانَ أَضْعَفَ فَلا يَنُوبُ عَنِ الأَقْوَى وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الأَخْذِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا خِلافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إِذَا لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ بَلْ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا شَرْطٌ، وَلَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ قَالَ عِنْدَ فُلانٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَبِقَ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ إِذْ لا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَسْخِ لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ، بِخِلافِ مَا إِذَا بَاعَهُ ثُمَّ أَبِقَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ عَادَ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ احْتِمَالَ عَوْدِهِ يَكْفِي لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى مَا كَانَ دُونَ الِابْتِدَاءِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَعُودُ صَحِيحًا لِأَنَّ الْمَالِيَةَ فِيهِ قَائِمَةٌ فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فَيَنْعَقِدُ غَيْرَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ لِيَنْفُذَ، فَإِذَا ءَابَ قَبْلَ الْفَسْخِ عَادَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَيُجْبَرَانِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبِقَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَكَبَيْعِ الْمَرْهُونِ ثُمَّ افْتَكَّ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الأَصْحَابِ، وَبِالأَوَّلِ كَانَ يُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمَشَايِخِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ) أَيْ وَلا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ وَهُوَ فِي الْمَاءِ وَكَذَا بَيْعُ الطَّيْرِ وَهُوَ فِي الْهَوَاءِ وَإِن كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، وَلَوْ بَاعَ السَّمَكَ فِي بِرْكَةٍ لا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا نُظِرَ إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ صَحَّ بَيْعُهَا لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لا يُمْكِنُهُ أَخْذُهَا إِلَّا بِاحْتِمَالِ تَعَبٍ شَدِيدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَوْرَدَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ وَأَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَبَيْعِ الآبِقِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَمْنَعِ الْمَاءُ رُؤْيَةَ السَّمَكِ فَإِنْ مَنَعَ الرُّؤْيَةَ فَهُوَ عَلَى قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ [فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَوْلانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ، شَخْصٌ لَهُ فِي بَلَدِهِ فَرَسٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِلْكُهُ وَلَيْسَ حَاضِرًا أَمَامَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ بَيْعُهُ وَلَوْ مَعَ الْوَصْفِ لا يَصِحُّ وَبَعْضُهُمْ قَالَ مَعَ الْوَصْفِ يَصِحُّ. لَكِنْ أَكْثَرُ الأَئِمَّةِ قَالُوا إِنْ وَصَفَ لَهُ وَطَلَعَ عَلَى حَسَبِ الْوَصْفِ يَصِحُّ] إِلَّا أنْ لا يَعْلَمَ قِلَّةَ السَّمَكِ وَكَثْرَتَهَا وَشَيْئًا مِنْ صِفَاتِهَا فَيَبْطُلُ لا مَحَالَةَ، وَبَيْعُ الْحَمَامِ فِي الْبُرْجِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبِرْكَةِ وَلَوْ بَاعَهَا وَهِيَ طَائِرَةٌ اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ عَوْدِهَا بِاللَّيْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الإِمَامِ الصِّحَّةُ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَبْعُوثِ فِي شُغْلٍ وَأَظْهَرُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَجِيزِ الْمَنْعُ وَبِهِ قَالَ الأَكْثَرُونَ إِذْ لا قُدْرَةَ فِي الْحَالِ وَعَوْدُهَا غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ إِذْ لَيْسَ لَهُ عَقْلٌ بَاعِثٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   وَقَالَ أَصْحَابُنَا لا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ الِاصْطِيَادِ لِمَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَا لا يَمْلِكُهُ فَلا يَجُوزُ، ثُمَّ هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ الأَخْذِ لا يَجُوزُ، وَإِنْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الْحَظِيرَةِ فَإِنْ كَانَتِ الْحَظِيرَةُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إِلَّا بِحِيلَةٍ لا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي بَيْعِ الآبِقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ.

   وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَهُ، وَلا يُعْتَدُّ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ فِي الْمَاءِ لِأَنَّ السَّمَكَ يَتَفَاوَتُ فِي الْمَاءِ وَخَارِجَهُ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ السَّمَكُ الْحَظِيرَةَ بِاحْتِيَالٍ بِأَنْ يُسَدَّ عَلَيْهِ فَوْهَةُ النَّهْرِ أَوْ سُدَّ مَوْضِعُ الدُّخُولِ حَتَّى لا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا احْتُبِسَ فِيهِ بِاحْتِيَالِهِ صَارَ ءَاخِذًا لَهُ وَمِلْكَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِيهِ، وَقِيلَ لا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَيْسَ بِإِحْرَازٍ لَهُ فَصَارَ كَطَيْرٍ دَخَلَ الْبَيْتَ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، وَهَذَا الْخِلافُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُهَيِّئِ الْحَظِيرَةَ لِلِاصْطِيَادِ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ مَلَكَهُ بِالإِجْمَاعِ فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّفْصِيلِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ السَّمَكُ فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ وَلَمْ يُسَدَّ عَلَيْهِ الْمَدْخَلُ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الأَخْذُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ أَمْ لا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. وَأَمَّا كَلامُ أَصْحَابِنَا فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ قَبْلَ الأَخْذِ وَبَعْدَهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَهَذَا إِذَا كَانَ يَطِيرُ وَلا يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَكْرٌ عِنْدَهُ يَطِيرُ مِنْهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِحِيلَةٍ لا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَوْ أَخَذَهُ وَسَلَّمَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا ذُكِرَ فِي الآبِقِ، وَلَوِ اجْتَمَعَ فِي أَرْضِهِ الصَّيْدُ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَخْذِهِ لا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلِهَذَا لَوْ بَاضَ فِيهَا صَيْدٌ أَوْ تَكَنَّسَ [الْكِنَاسُ: مُسْتَتَرُ الظَّبْيِ فِي الشَّجَرِ، يُقَالُ: كَنَسَ الظَّبْيُّ وَتَكَنَّسَ] أَوْ تَكَسَّرَ يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ إِيَّاهُ، بِخِلافِ مَا إِذَا عَسَلَ فِيهَا النَّحْل حَيْثُ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الْعَسَلَ قَائِمٌ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ كَالأَشْجَارِ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ كَالثِّمَارِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُهَيِّئْ أَرْضَهُ لِذَلِكَ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ بِأَنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا لِلِاصْطِيَادِ وَنَصَبَ شَبَكَةً فَدَخَلَ فِيهَا صَيْدٌ أَوْ تَعَقَّدَ بِهِ مَلَكَهُ لِأَنَّ التَّهْيِئَةَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، أَلا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَطَّ طَسْتًا لِيَقَعَ فِيهِ الْمَطَرُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ وَكَذَا لَوْ بَسَطَ ذَيْلَهُ عِنْدَ النَّثَارِ [فِي الْمَاضِي كَانُوا يَنْثُرُونَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي الأَعْرَاسِ الْوَاحِدُ إِذَا بَسَطَ رِدَاءَهُ فَوَقَعَ فِيهِ هَذَا النَّثَارُ يَمْلِكُهُ] لِيَقَعَ الشَّىْءُ الْمَنْثُورُ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ، وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ كَانَ الصَّيْدُ لَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلافًا، وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي لا يَكُونُ لَهُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْئَلَةِ رِوَايَتَانِ وَإِلَّا فَلا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ [فِي سُنَنِهِ]. وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْغَرَرُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لا، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَلاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ. رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا، وَالْمَلاقِيحُ مَا فِي بُطُونِ الأُمَّهَاتِ مِنَ الأَجِنَّةِ، وَالْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلابِ الْفُحُولِ [مَعْنَاهُ أَنَّ بَيْعَ الْمَنِيِّ الَّذِي فِي الْفَحْلِ بِمَالٍ حَرَامٌ، يَتَبَرَّعُ إِنْ شَاءَ لِصَاحِبِ النُّوقِ لِتَحْمِلَ مِنْهُ أَمَّا بِالْبَيْعِ فَلا يَجُوزُ وَبِطَرِيقِ الأُجْرَةِ أَيْضًا لا يَجُوزُ لَكِنْ إِنْ أَعْطَاهُ صَاحِبُ النُّوقِ مِنْ بَابِ الإِكْرَامِ شَيْئًا يَجُوزُ].

   (وَعَسْبِ الْفَحْلِ) لِمَا رُوِيَ النَّهْيُ عَنْهُ وَقَدْ عَسَبَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ عَسْبًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ طَرَقَهَا، وَعَسَبْتُ الرَّجُلَ عَسْبًا أَعْطَيْتُهُ الْكِرَاءَ عَلَى الضِّرَابِ، وَفِي الْحَدِيثِ حَذْفُ مُضَافٍ وَالأَصْلُ عَنْ كِراءِ عَسْبِ الْفَحْلِ لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ الْمَقْصُودَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، فَإِنَّهُ قَدْ لا يُلْقِحُ فَهُوَ غَرَرٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ الضِّرَابُ نَفْسُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ تَنَاسُلَ الْحَيَوَانِ مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فَلا يَكُونُ النَّهْيُ لِذَاتِهِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ أَنَّ كُلَّ فَاسِدٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إِمَّا نَهْيٌ خَاصٌّ أَوْ نَهْيٌ عَامٌّ، ثُمَّ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّهْيُ مِنَ الْبُيُوعِ قَدْ يُحْكَمُ بِفَسَادِهِ قَضِيَّةً لِلنَّهْيِ وَهُوَ الأَغْلَبُ، وَقَدْ لا يُحْكَمُ وَهُوَ بِحَيْثُ يُفَارِقُ الْبَيْعَ مَا يُعْرَفُ عَوْدُ النَّهْيِ إِلَيْهِ كَالْمَنْعِ مِنَ الْبَيْعِ حَالَةَ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ. وَمَا حُكْمَ فِيهِ بِالْفَسَادِ عَلَى أَنْوَاعٍ فَمِنْهَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الْفَحْلِ وَهَذَا رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ [مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ]، قَالَ فِي الصَّحَاحِ الْعَسْبُ الْكِرَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى ضِرَابِ الْفَحْلِ، وَعَسْبُ الْفَحْلِ أَيْضًا ضِرَابُهُ وَيُقَالُ مَاؤُهُ، فَهَذِهِ ثَلاثَةُ مَعَانٍ وَالثَّالِثُ هُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْفِقْهِيَّاتِ، ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْخَبَرِ فِي الرِّوَايَةِ الأُولَى الضِّرَابَ فَإِنَّ نَفْسَ الضِّرَابِ لا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَهْيٌ وَلا مَنْعٌ مِنَ الإِنْزَاءِ أَيْضًا بَلِ الإِعَارَةُ لِلضِّرَابِ مَحْبُوبَةٌ وَلَكِنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مُضْمَرٌ فِيهِ هَكَذَا قَالُوهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَسْبُ عَلَى الْكِرَاءِ عَلَى مَا هُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي فَيَكُونُ نَهْيًا عَنْ إِجَارَةِ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ وَيُسْتَغْنَى عَنِ الإِضْمَارِ، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَالْمُفَسِّرُونَ لِلْعَسِيبِ بِالضِّرَابِ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الثَّمَنِ الْكِرَاءُ، وَقَدْ يُسَمَّى الْكِرَاءُ ثَمَنًا مَجَازًا وَيَجُوزُ أَنْ يُفَسَّرَ الْعَسِيبُ بِالْمَاءِ وَيُقَالَ هَذَا نَهْيٌ عَنْ بَيْعِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَذْلَ الْمَالِ لِلضِّرَابِ مُمْتَنِعٌ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ لِأَنَّ مَاءَهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلا مَعْلُومٍ وَلا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَأَمَّا بِطَرِيقِ الِاسْتِئْجَارِ فَفِيهِ قَوْلانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لِأَنَّ فِعْلَ الضِّرَابِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ الْفَحْلِ، وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُحْكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَلْقِيحِ النَّخْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبُ الأُنْثَى صَاحِبَ الْفَحْلِ شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ خِلافًا لِأَحْمَدَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   (وَكَذَلِكَ بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِالْمَبِيعِ) لِمَا رُوِيَ [فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ« وَهُمَا جُمْلَتَانِ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا، أَمَّا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ فَيُقَالُ أَيْضًا إِنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا عَلَى ظَهْرِ الْجِلْدِ وَلا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ إِلَّا بِإِيلامِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ شَرَطَ الْجَزَّ فَالْعَادَةُ فِي الْمِقْدَارِ الْمَجْزُوزِ تَخْتَلِفُ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لا يَجُوزُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْجَزِّ، وَحَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا لِبَعْضِ الأَصْحَابِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ بَعْدَ الذَّكَاةِ إِذْ لَيْسَ فِي اسْتِيفَاءِ جَمِيعِهِ إِيلامٌ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ إِنَّهُ قَبْلَ الْجَزِّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ لِقِيَامِهِ كَسَائِرِ أَطْرَافِهِ، وَلِأَنَّهُ يَزِيدُ مِنَ الأَسْفَلِ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ بِخِلافِ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلاهَا وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْخِضَابِ، وَبِخِلافِ الْقَصِيلِ [مَا يَبْقَى بَعْدَ حَصَادِ الْقَمْحِ] لِأَنَّهُ يُقْلَعُ وَالصُّوفُ يُقْطَعُ فَيَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ الأَمْوَالِ اهـ.

   وَأَمَّا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إِذَا عَرَفَ قَدْرَ حِلابِهَا فِي كُلِّ دُفْعَةٍ صَحَّ وَإِنْ بَاعَهُ أَيَّامًا، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ لِتَفَاوُتِ ثِخَنِ الضَّرْعِ وَلِأَنَّهُ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا سِيَّمَا إِذَا أَخَذَ فِي الْحَلْبِ، وَمَا يَحْدُثُ لَيْسَ مِنَ الْمَبِيعِ فَلا يَتَأَتَّى التَّمْيِيزُ وَالتَّسْلِيمُ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنَ اللَّبَنِ الَّذِي فِي ضَرْعِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ كَذَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ وُجُودَ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي الضَّرْعِ لا يُسْتَيْقَنُ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ كَمَا لَوْ بَاعَ قَدْرًا مِنَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ فَيَجْرِي فِيهِ قَوْلا بَيْعِ الْغَائِبِ، وَلَوْ حَلَبَ شَيْئًا مِنَ اللَّبَنِ فَأَرَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُدًّا مِمَّا فِي الضَّرْعِ فَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ كَمَا فِي مَسْئَلَةِ الأُنْمُوذَجِ، قَالَ الإِمَامُ وَهَذَا لا يَنْقَدِحُ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَدْرًا لا يَتَأَتَّى حَلْبُهُ إِلَّا وَيَتَزَايَدُ اللَّبَنُ، فَإِنَّ الْمَانِعَ قَائِمٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلا يَنْفَعُ إِبْدَاءُ الأُنْمُوذَجِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ يَسِيرًا وَابْتَدَرَ إِلَى الْحَلْبِ فَلا يُفْرَضُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلا يَقَعُ ازْدِيَادُ شَىْءٍ بِهِ مُبَالاةٌ فَيَحْتَمِلُ التَّجْوِيزُ، لَكِنْ إِذَا صَوَّرْنَا الأَمْرَ هَكَذَا فَلا حَاجَةَ إِلَى الأُنْمُوذَجِ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى الْخِلافِ بَلْ صَارَ صَائِرُونَ إِلَى إِلْحَاقِهِ بِبَيْعِ الْغَائِبِ وَءَاخَرُونَ حَسَمُوا الْبَابَ وَأَلْحَقُوا الْقَلِيلَ بِالْكَثِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْوَسِيطِ حَكَى الْخِلافَ فِي صُورَةٍ أُخْرَى تُنَاسِبُ هَذِهِ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى قَدْرِ رَمْيِ الضَّرْعِ وَيُحْكِمَ شَدَّهُ وَيَبِيعَ مَا فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا [أَيِ الْحَنَفِيَّةُ] فِي هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ وَصُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ وَلَبَنٌ فِي ضَرْعٍ أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ [فِي سُنَنِهِ] وَلِأَنَّهُ يَدِرُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ فَيُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاخًا وَلَيْسَ فِيهِ لَبَنٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ« انْتَهَى كَلامُ الزَّبِيدِيِّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالنَّجِسِ كَالدَّمِ.

   الشَّرْحُ يَحْرُمُ بَيْعُ النَّجِسِ عَلَى اخْتِلافِ أَنْوَاعِهِ وَذَلِكَ كَالدَّمِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيـمِ أَكْلِهِ، إِلَّا أَنَّ دَمَ السَّمَكِ قَالَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ بِطَهَارَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لا يَجُوزُ أَكْلُ دَمِ السَّمَكِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّجِسِ هُنَا نَجِسُ الْعَيْنِ، وَحُكْمُ الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ مِثْلُ حُكْمِ نَجِسِ الْعَيْنِ. وَأَمَّا التَّبَرُّعُ بِالدَّمِ فَجَائِزٌ فَمَنْ أَرَادَ الْحُصُولَ عَلَيْهِ يُحَصِّلُهُ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ. وَأَمَّا التَّبَرُّعُ بِالأَعْضَاءِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَلَوْ أَعْطَى مُسْلِمٌ كُلْيَةً لِمُسْلِمٍ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعِيشَ بِدُونِهَا وَكَانَ الَّذِي أَعْطَى لا يَنْضَرُّ إِلَّا الأَلَمَ فَيَجُوزُ إِنْ كَانَ ذَاكَ لَمْ يَجِدْ دَوَاءً غَيْرَهُ وَإِلَّا فَلا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ لَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيـمِ ذَلِكَ فِي كِلا الْحَالَيْنِ. أَمَّا مِنَ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ فَلا يَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ »كَسْرُ عَظْمِ الْمُؤْمِنِ مَيْتًا كَكَسْرِهِ حَيًّا« رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ] فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُ شَىْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَسْرُ عَظْمٍ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكًا لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَهَتْكُ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ. وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَرَّعَ الْمُسْلِمُ بِعَيْنِهِ لِمُسْلِمٍ أَعْمَى لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ وَالإِنْسَانُ يَعِيشُ أَعْمَى بِدُونِ أَنْ يَنْضَرَّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكُلِّ مُسْكِرٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ الْمُسْكِرِ أَيْ مَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ مَعَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُسْكِرُ مِنْ غَيْرِ عَصِيرِ الْعِنَبِ كَالْعَسَلِ الْمَمْزُوجِ بِالْمَاءِ إِذَا غَلَى مِنَ الْمُكْثِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا »اجْتَنِبْ كُلَّ شَىْءٍ يَنِشُّ« رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْمُجْتَبَى، وَالنَّشِيشُ صَوْتُ غَلَيَانِ الشَّرَابِ، وَهُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ النَّبِيذِ الْحَلالِ وَالنَّبِيذِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ أَوَّلُ الْخَمْرِ وَيَبْقَى هَذَا الشَّرَابُ خَمْرًا إِلَى أَيَّامٍ طَوِيلَةٍ إِلَّا أَنَّهُ بَعْدَ نَحْوِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَدْ يَتَغَيَّرُ طَعْمُهُ إِلَى الْحُمُوضَةِ فَلا يَصْلُحُ لِلإِسْكَارِ، أَمَّا الْخَمْرُ طَعْمُهَا مُرٌّ لَكِنْ شَرَبَتُهَا يَسْتَلِذُّونَهَا مَعَ ذَلِكَ. فَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لا يَحْرُمُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِيَ وَلا يُسَمَّى خَمْرًا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَغْلِيَ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغَلَيَانِ الْغَلَيَانَ بِالْوَضْعِ عَلَى النَّارِ بَلِ الْغَلَيَانُ الَّذِي يَنْشَأُ فِي الْعَصِيرِ مِنَ الْمُكْثِ مَعَ تَغْطِيَةِ إِنَائِهِ فَيَحْصُلُ لِلْغَلَيَانِ صَوْتٌ فَيَرْتَفِعُ عِنْدَ الْغَلَيَانِ إِلَى أَعْلَى ثُمَّ يَنْزِلُ وَيَصْفُو فَيَسْتَطِيبُهُ شَرَبَةُ الْخُمُورِ، ثُمَّ لا يَزَالُ مُحَرَّمًا إِلَى أَنْ يَصِيرَ خَلًّا وَذَلِكَ بِتَغَيُّرِهِ إِلَى الْحُمُوضَةِ وَلَوْ كَانَتْ حُمُوضَةً خَفِيفَةً فَيَصِيرُ خَلًّا طَاهِرًا حَلالًا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمُحَرَّمٍ كَالطُّنْبُورِ وَهُوَ ءَالَةُ لَهْوٍ تُشْبِهُ الْعُودَ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنَ الْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ بَيْعَ ءَالاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ كَالطُّنْبُورِ وَهُوَ شَىْءٌ يُشْبِهُ الْعُودَ يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ فِي لُبْنَانَ بُزُقًا. وَكَذَلِكَ الْمِزْمَارُ وَالْكُوبَةُ وَهُوَ الطَّبْلُ الضَّيِّقُ الْوَسَطِ وَالْكَمَنْجَّةُ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا بَيْعُ النَّرْدِ لَكِنَّهُ مَعَ حُرْمَتِهِ يَجُوزُ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ إِنْ صَلَحَ بَيَادِقَ لِلشِّطْرَنْجِ. وَالْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لا يُظَنَّ أَنَّ الَّذِي يُرِيدُهُ يَسْتَعْمِلُهُ لِلْمَعْصِيَةِ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُهُ لِلَهْوٍ مُحَرَّمٍ حَرُمَ بَيْعُهُ.

   فَائِدَةٌ الطَّبْلُ جَائِزٌ اسْتِعْمَالُهُ وَهُوَ يُضْرَبُ بِهِ لِلإِعْلامِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مِثْلَ الصَّحْنِ مُغَشَّى بِجِلْدٍ اسْتِعْمَالُهُ جَائِزٌ أَيْضًا وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْحَبَشَةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْرُمُ بَيْعُ الشَّىْءِ الْحَلالِ الطَّاهِرِ عَلَى مَنْ تَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعْصِيَ بِهِ كَالْعِنَبِ لِمَنْ يُرِيدُهُ لِلْخَمْرِ وَالسِّلاحِ لِمَنْ يَعْتَدِي بِهِ عَلَى النَّاسِ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ الْحَلالِ الطَّاهِرِ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ لِلْمَعْصِيَةِ كَبَيْعِ الْعِنَبِ أَوِ الزَّبِيبِ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا، وَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ ءَالَةَ لَهْوٍ مُحَرَّمٍ أَوْ صَنَمًا، وَبَيْعِ السِّلاحِ لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى قِتَالٍ مُحَرَّمٍ فِي شَرْعِ اللَّهِ، وَالْحَشِيشَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهَا لِلْمَعْصِيَةِ. وَالْحَشِيشَةُ لا تُعَدُّ مِنَ الْمُسْكِرَاتِ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الأَشْيَاءِ الْمُخَدِّرَةِ الضَّارَّةِ لِذَلِكَ لا يُحَدُّ شَارِبُهَا بَلْ يُعَزَّرُ أَيْ يُعَاقَبُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ زَاجِرًا لَهُ بِخِلافِ الْمُسْكِرَاتِ فَإِنَّ شَارِبَهَا يُحَدُّ الْحَدَّ الْوَارِدَ فِي الشَّرْعِ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَيْعُ الدِّيكِ لِمَنْ يُهَارِشُ بِهِ وَالثَّوْرِ لِمَنْ يُنَاطِحُ بِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَمَّا الشَّاكُّ فَلا يَحْرُمُ عَلَيْهِ.

   فَالشَّىْءُ الَّذِي يُخَدِّرُ وَلا يُسْكِرُ كَالأَفْيُونِ يَصِحُّ بَيْعُهُ لَكِنْ بَيْعُهُ لِمَنْ يَسْتَعْمِلُهُ لِلتَّخْدِيرِ حَرَامٌ. الأَفْيُونُ يَدْخُلُ فِي الأَدْوِيَةِ لِذَلِكَ هُوَ مُنْتَفَعٌ بِهِ. فَالشَّىْءُ الَّذِي يُخَدِّرُ وَلا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَنْ يَسْتَعْمِلُهُ لِلتَّخْدِيرِ أَمَّا لِلأَطِبَّاءِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُمْ يُدَاوُونَ بِهِ النَّاسَ. وَيَجُوزُ بَيْعُ السُّمُومِ لِقَتْلِ الْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبَيْعُ الأَشْيَاءِ الْمُسْكِرَةِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الْمُسْكِرَ مَعْنَاهُ مَا يُعْطِي طَرَبًا وَنَشْوَةً وَيُغَيِّرُ الْعَقْلَ. وَيَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الإِسْبِيرْتُو وَلَوْ لِغَيْرِ الشَّرْبِ، وَمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا فَلْيُحَصِّلْهَا بِغَيْرِ طَرِيقَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَأَنْ يَقُولَ »بِعْنِي هَذِهِ الْقِنِّينَةَ بِكَذَا إِلَّا الإِسْبِيرْتُو الَّذِي فِيهَا فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُهُ مَجَّانًا«. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَجْهَلُونَ حُرْمَتَهُ وَبَعْضٌ كَوْنَهُ مُسْكِرًا وَيَخْفَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُمْ لا يَقْصِدُونَهُ فِي الْغَالِبِ لِلشُّرْبِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُونَهُ لِلْوَقُودِ وَنَحْوِهِ مِنَ الِاسْتِعْمَالاتِ فِي ظَاهِرِ الْجِسْمِ كَالْجُرُوحِ، وَذَلِكَ أَنَّ الإِسْبِيرْتُو مُسْكِرٌ بَلْ هُوَ رُوحُ الْخَمْرِ أَيْ قُوَّتُهُ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَرْسَلَ فِي شِرَائِهِ لِأَنَّهُ كَسَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ حُكْمًا فَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي تَحْرِيـمِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [فِي صَحِيحَيْهِمَا] مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ« قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ قَالَ »لا هُوَ حَرَامٌ« شَاهِدٌ لِتَحْرِيـمِ بَيْعِ الإِسْبِيرْتُو الَّذِي هُوَ مُسْكِرٌ لِمَنْ يَقْصِدُهُ لِلسُّكْرِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْوَقُودِ وَالتَّدَاوِي لِظَاهِرِ الْجِسْمِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ حَرَّمَ بَيْعَ الْمَيْتَةِ بِقَصْدِ جُمْلَتِهَا أَوْ بِقَصْدِ شَحْمِهَا لِغَيْرِ الأَكْلِ كَطَلْيِ السُّفُنِ بِهَا وَدَهْنِ الْجُلُودِ وَالِاسْتِصْبَاحِ بِهَا أَيِ اتِّخَاذِهَا سِرَاجًا يُسْتَضَاءُ بِهِ.

   فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَنْ أَرَادَهُ لِلتَّدَاوِي فِي الْجُرُوحِ وَنَحْوِهَا وَالْوَقُودِ وَنَحْوِهِ فَلْيَسْتَعْمِلِ الطَّرِيقَةَ الْمَذْكُورَةَ ءَانِفًا، وَهَذِهِ حِيلَةٌ يُرَادُ بِهَا التَّخَلُّصُ مِنَ الْحَرَامِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ فِي دِينِ مُسْتَعْمِلِيهَا وَلَكِنْ لا يُتَدَاوَى بِهَا إِلَّا عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهَا مِنَ الطَّاهِرَاتِ. هَذَا فِي الإِسْبِيرْتُو الْمُسْكِرِ وَأَمَّا الْمُسْتَخْرَجُ مِنَ النَّفْطِ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لا يَكُونُ مُسْكِرًا فَهُوَ طَاهِرٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبَيْعُ الْمَعِيبِ بِلا إِظْهَارٍ لِعَيْبِهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ الْمَعِيبِ مَعَ كِتْمَانِ عَيْبِهِ أَيْ تَرْكِ بَيَانِهِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ الطَّعَامَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَمَسَّتْ يَدُهُ بَلَلًا فَقَالَ »يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ مَا هَذَا؟« فَقَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ أَيِ الْمَطَرُ فَقَالَ »هَلَّا جَعَلْتَهُ ظَاهِرًا حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا«. مَعْنَاهُ لا يَمْشِي عَلَى طَرِيقَتِنَا الْكَامِلَةِ. لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْلِمًا لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْكُفْرِيَّاتِ. وَالْمُرَادُ بِالطَّعَامِ فِي الْحَدِيثِ الْقَمْحُ، وَإِطْلاقُ الطَّعَامِ عَلَى الْقَمْحِ شَائِعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْ إِنْسَانٍ أَنَّهُ يَبِيعُ الْمَعِيبَ مَعَ كِتْمَانِ الْعَيْبِ أَنْ يُحَذِّرَ مِنْهُ. أَمَّا إِذَا هُوَ أَرَاهُ الْعَيْبَ ثُمَّ رَضِيَ فَاشْتَرَى فَمَا عَلَيْهِ حَرَجٌ، لَكِنْ هَذَا الْبَائِعُ أَيْضًا إِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغُشُّ النَّاسَ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ [أَيِ اعْتَقَدَ] إِنْ أَنَا بِعْتُهُ الآنَ بَعْدَ إِطْلاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ هُوَ يَبِيعُهُ وَلا يُظْهِرُ عَيْبَهُ لِلنَّاسِ لا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.

قَالَ جَلالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ مَا نَصُّهُ:

»فَائِدَةٌ سُئِلْتُ عَمَّنْ تَعَاطَى عَقْدًا فَاسِدًا وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِفَسَادِهِ هَلْ عَلَيْهِ إِثْمٌ. وَكَانَ السُّؤَالُ عَمَّنْ أَسْلَمَ الذَّهَبَ فِي الْفِضَّةِ أَوْ عَكْسُهُ مُؤَجَّلًا فَظَهَرَ لِيَ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ يُرْجَى مِنَ اللَّهِ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى الْعَوَامِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى فَسَادُهُ عَلَى الْعَوَامِ فَيَظْهَرُ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لا يَخْفَى كَبَيْعِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَضَامِينِ وَالْمَلاقِيحِ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ وَإِنْ جَهِلَ الْحُكْمَ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا قَدْ تَرَبَّى فِي بِلادِ الإِسْلامِ، أَمَّا مَنْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ. وَمِمَّا يَخْفَى بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَبَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ« اهـ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَائِدَةٌ لا تَصِحُّ قِسْمَةُ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَلا بَيْعُ شَىْءٍ مِنْهَا مَا لَمْ تُوَفَّ دُيُونُهُ وَوَصَايَاهُ وَتُخْرَجْ أُجْرَةُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ إِنْ كَانَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُبَاعَ شَىْءٌ لِقَضَاءِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ، فَالتَّرِكَةُ كَمَرْهُونٍ بِذَلِكَ كَرَقِيقٍ جَنَى وَلَوْ بِأَخْذِ دَانَقٍ.
   الشَّرْحُ أَنَّهُ لا تَصِحُّ قِسْمَةُ التَّرِكَةِ الَّتِي خَلَّفَهَا الْمَيِّتُ مِنْ كُلِّ حَقٍّ مَالِيٍّ لَهُ حَتَّى الْخَمْرُ الَّتِي تَخَلَّلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالدِّيَةُ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ قَاتِلِهِ، وَكَذَا مَا وَقَعَ بِشَبَكَةٍ نَصَبَهَا فِي حَيَاتِهِ مَا لَمْ تُؤَدَّ دُيُونُ الْمَيِّتِ مِنْ دَيْنٍ لِلنَّاسِ أَوْ مِنْ دَيْنٍ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فِي عَيْنِ الْمَالِ وَالْوَصَايَا أَيْ مَا أَوْصَى بِهِ بِأَنْ يُصْرَفَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُمْ إِذَا مِتُّ فَأَعْطُوا لِفُلانٍ كَذَا، وَأُجْرَةُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْمُسْتَقِرَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ كَأَنْ مَاتَ وَقَدْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُمَا، فَلا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَرَثَةِ فِي شَىْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ حَتَّى يُخْرَجَ ذَلِكَ قَبْلًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا بِيعَ لِقَضَاءِ شَىْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ، عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لا يَمْنَعُ الإِرْثَ عَلَى أَحَدِ الرَّأْيَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ لَكِنَّهَا تَكُونُ كَأَنَّهَا رَهْنٌ بِذَلِكَ، فَكَمَا لا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْمَرْهُونِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ لا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ الْمَشْغُولَةِ بِمَا ذُكِرَ، وَالْمَرْهُونُ هُوَ الشَّىْءُ الَّذِي يُجْعَلُ وَثِيقَةً عِنْدَ صَاحِبِ الدَّيْنِ يَسْتَوْثِقُ بِهَا لِدَيْنِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُوَفِّ دَيْنَهُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يُبَاعُ هَذَا الشَّىْءُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ دَيْنَهُ. وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّقِيقُ الَّذِي جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ تَعَلُّقَ مَالٍ بِرَقَبَتِهِ كَأَنْ أَتْلَفَ مَالَ إِنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَيْهِ مَالِكُهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمَالِهِ أَيْ يَقُولُ لَهُ إِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي مَا لِي مِنَ الْمَالِ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ يَكُونَ لِي فِيهِ حِصَّةٌ بِقِيمَةِ مَا لِي عَلَيْهِ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ مَالًا كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا حَتَّى لَوْ كَانَ أَخَذَ هَذَا الرَّقِيقُ دَانَقًا – بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا – أَيْ سُدُسَ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِقَ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ إِذَا قَطَعَ إِصْبَعَ شَخْصٍ أَوْ كَسَرَ أَنْفَ شَخْصٍ فَهَذَا الْحَقُّ يَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فَلا يُقَالُ لِسَيِّدِهِ هَذَا عَبْدُكَ أَنْتَ اغْرَمْ، وَالإِصْبَعُ الْوَاحِدَةُ دِيَتُهَا عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عَمْدٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا خَطَأً فَدَفَعَ عَنْهُ سَيِّدُهُ أَيْ فَدَاهُ يَجُوزُ لِسَيِّدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ أَوِ الْهِبَةِ إِنْ شَاءَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا يَصِحُّ بَيْعُهُ حَتَّى يُؤَدَّى مَا بِرَقَبَتِهِ أَوْ يَأْذَنَ الْغَرِيْمُ فِي بَيْعِهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ غَرَامَةٌ لا يَجُوزُ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ حَتَّى يُؤَدَّى مَا بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيْمِ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّقَبَةِ فَهِيَ مَشْغُولَةٌ تَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِ السَّيِّدِ لَهَا، أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ الْغَرِيْمُ وَهُوَ ذُو الْمَالِ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ فِي بَيْعِهِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ قَصَاصٌ كَأَنْ قَتَلَ عَمْدًا وَلَمْ يَعْفُ مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ أَوِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ حَقٌّ بِأَنِ اشْتَرَى شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ أَوِ اقْتَرَضَ مَالًا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي رَقَبَةِ هَذَا الْعَبْدِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الرَّقَبَةِ وَلا تَعَلُّقَ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِهَا، وَيَبْقَى مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَعْتِقَ، وَيُمَكَّنُ مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ مَتَى شَاءَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَهُ إِنْ جَهِلَ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ جَهْلُهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَفْسَخُ حَالًا فَلا رُجُوعَ وَيَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهُ.

   فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ كَكَسْبِ الرَّقِيقِ وَوَلَدِهِ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ لا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ، بِخِلافِ الْحَادِثَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ تَبْرُزْ كَحَمْلِ الْمَمْلُوكَةِ أَوْ ثَمَرِ الشَّجَرِ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ [يُلَقَّحْ] فَإِنَّهَا تَرِكَةٌ.

   وَأَفَادَ كَوْنُهَا كَمَرْهُونٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَرْهُونَةً حَقِيقِيَّةً أَيْ رَهْنًا جَعْلِيًّا إِذْ لا عَقْدَ وَلا عَاقِدَ هُنَاكَ لَكِنَّهَا مَرْهُونَةٌ شَرْعًا فَلا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِيهَا قَطْعًا بِلا إِذْنٍ مِنَ الْغَرِيْمِ كَالْمَرْهُونِ رَهْنًا جَعْلِيًّا، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَدَّى الْوَارِثُ قَدْرَهَا انْفَكَّتْ وَلَوْ بَقِيَ مِنَ الدَّيْنِ شَىْءٌ بِخِلافِ نَظِيرِهِ فِي الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ، وَلَوْ وَفَّى بَعْضُ الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ انْفَكَّ نَصِيبُهُ فَإِنْ رَهَنَهَا أَيِ التَّرِكَةَ فَمَاتَ فَعَلَى وَارِثِهِ تَأْدِيَةُ جَمِيعِ الدَّيْنِ أَوْ تَسْلِيمُهَا لِلْبَيْعِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ فِدَاءُ حِصَّتِهِ مِنْهَا بِدَفْعِ مَا يَخُصُّهُ، فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرَّهْنَ الْجَعْلِيَّ أَشَدُّ تَعَلُّقًا مِنَ الشَّرْعِيِّ.

   مَسْأَلَةٌ لَوْ زَادَ الدَّيْنُ عَلَى التَّرِكَةِ وَطَلَبَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ بِالْقِيمَةِ وَطَلَبَ الْغَرِيْمُ بَيْعَهَا لِأَخْذِ ثَمَنِهَا رَجَاءَ زِيَادَتِهَا أُجِيبَ الْوَارِثُ، وَهَذَا فِي الرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُفَتِّرَ رَغْبَةَ الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ لِيَبِيعَ عَلَيْهِ أَوْ لِيَشْتَرِيَهُ مِنْهُ.

   الشَّرْحُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يُفَتِّرَ رَغْبَةَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ يُخْرِجَ لَهُ أَرْخَصَ مِمَّا يُرِيدُ شِرَاءَهُ أَوْ يَبِيعَ بِحَضْرَتِهِ مِثْلَ الْمَبِيعِ بِأَرْخَصَ أَوْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ لِيَشْتَرِيهِ، كَمَا يَحْرُمُ تَفْتِيرُ رَغْبَةِ الْبَائِعِ كَأَنْ يُرَغِّبَهُ بِاسْتِرْدَادِهِ لِيَشْتَرِيَهُ مِنْهُ بِأَغْلَى أَوْ يَطْلُبَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي بِزِيَادَةِ رِبْحٍ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ. وَحُرْمَةُ ذَلِكَ إِنْ حَصَلَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ بِأَنْ يَكُونَا قَدْ صَرَّحَا بِالرِّضَا بِهِ وَإِنْ فَحُشَ نَقْصُ الثَّمَنِ عَنِ الْقِيمَةِ. فَيَدْخُلُ فِي الأَوَّلِ أَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِيَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ لِيَبِيعَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ، وَمِنَ الثَّانِي أَنْ يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ مِنْهُ.

   وَالْمَعْنَى فِي تَحْرِيـمِ ذَلِكَ الإِيذَاءُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ »وَمِثْلُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَرَّرَ الإِيْجَارُ وَالْعَارِيَةُ أَخْذًا بِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلامِ فَلا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بَلْ مَنْ أَنْعَمَ بِإِسْكَانِ حَانُوتِهِ عَلَى شَخْصٍ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ طَلَبُهُ مِنْ مَالِكِهِ« اهـ.

   وَأَمَّا إِذَا كَانَ اثْنَانِ لَهُمَا مَحَلَّانِ فِي شَارِعٍ وَاحِدٍ فَصَارَ أَحَدُهُمَا يَبِيعُ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِ الْمِثْلِ حَتَّى لا تَرُوجَ بِضَاعَةُ الآخَرِ فَمَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا اتَّفَقَ اثْنَانِ عَلَى الْبَيْعِ بِسعِرٍ وَاحِدٍ فَصَارَ أَحَدُهُمَا يَبِيعُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا.

   وَإِذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الْبِضَاعَةَ بِكَذَا وَقَبْلَ أَنْ يُجْرِيَا عَقْدَ الْبَيْعِ جَاءَ شَخْصٌ وَقَالَ لَهُ هَذَا الشَّىْءُ أَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ بِعْنِي إِيَّاهُ فَهَذَا حَرَامٌ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي لا تَشْتَرِ هَذَا أَنَا أَبِيعُكَ أَحْسَنَ مِنْهُ بِمِثْلِ هَذَا السِّعْرِ أَوْ أَبِيعُكَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا السِّعْرِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبَعْدَ الْعَقْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَشَدُّ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَا ذُكِرَ إِنْ وَقَعَ بَعْدَ إِجْرَاءِ الْعَقْدِ وَقَبْلَ لِزُومِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَيْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَهُمَا الْخِيَارُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَشَدُّ مِنْهُ قَبْلَهُ وَبَعْدَ الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الإِيذَاءَ هُنَا أَكْثَرُ. وَخِيَارُ الشَّرْطِ مَعْنَاهُ الْوَقْتُ الَّذِي لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِيهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ هَذَا الْبَيْتَ بِكَذَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فَيَقُولَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ. فَإِنْ شَرَطَا الْخِيَارَ إِلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ بِمَعْنَى إِنْ نَدِمَ أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ فِي مَالِهِ إِنْ شَاءَ خِلالَ هَذِهِ الْمُدَّةِ صَحَّ ذَلِكَ. ثُمَّ لَوْ أَذِنَ مَنْ لَحِقَهُ الضَّرَرُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ فَلا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِيَّ الْمَحْجُورِ وَالْوَكِيلَ وَنَحْوَهُمَا أَيْ فَلا يَزُولُ التَّحْرِيـمُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ وَقْتَ الْغَلاءِ وَالْحَاجَةِ لِيَحْبِسَهُ وَيَبِيعَهُ بِأَغْلَى.

   الشَّرْحُ يَحْرُمُ أَنْ يَشْتَرِيَ الإِنْسَانُ الطَّعَامَ أَيِ الْقُوتَ أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ الْبَدَنُ أَيْ يَعِيشُ بِهِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ حَتَّى التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ وَنَحْوَهُمَا وَقْتَ الْغَلاءِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِيَحْبِسَهُ وَيَبِيعَهُ بِأَغْلَى مِنْ ذَلِكَ أَيْ بِثَمَنٍ زَائِدٍ عِنْدَ اشْتِدَادِ حَاجَةِ أَهْلِ مَحَلِّهِ أَوْ غَيْرِهِمْ إِلَيْهِ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْضَرُّونَ، هُمْ يَحْتَاجُونَ لِهَذَا الطَّعَامِ وَهُوَ يَقْطَعُ عَنْهُمْ حَاجَاتِهِمْ، وَهَذَا يُسَمَّى الِاحْتِكَارَ وَهَذَا تَفْسِيرُهُ فِي الْمَذْهَبِ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ احْتِكَارُ طَعَامٍ غَيْرِ قُوتٍ كَالتِّينِ وَاللَّوْزِ وَالسِّمْسِمِ وَالتُّفَّاحِ وَاحْتِكَارُ قُوتٍ لَمْ يَشْتَرِهِ كَغَلَّةِ ضَيْعَتِهِ كَمَنْ يَمْلِك بُسْتَانًا طَلَعَ لَهُ فِيهِ ثِمَارٌ فَحَبِسَهُ فَهَذَا لَيْسَ حَرَامًا، أَوِ اشْتَرَى الْقُوتَ وَقْتَ الرُّخْصِ أَوِ الْغَلاءِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ وَقْتَ الْغَلاءِ وَالْحَاجَةِ لِيَبِيعَهُ لا بِأَكْثَرَ، نَعَمْ إِنِ اشْتَدَّتْ ضَرُورَةُ النَّاسِ إِلَيْهِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِدَادِ الأَوْلَى لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا فَوْقَ كِفَايَةِ سَنَةٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ إِذَا خَافَ جَائِحَةً فِي زَرْعِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إِمْسَاكُ كِفَايَتِهَا، وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ إِمْسَاكُ الثِّيَابِ أَيِ احْتِكَارُهَا، وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَلامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيـمِيَّةِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّخْصِيصُ بِالأَقْوَاتِ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُ فِي الثِّيَابِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا لِسَتْرِ عَوْرَةٍ وَدَفْعِ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَنَقَلَ السُّبْكِيُّ عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ يَحْرُمُ احْتِكَارُ مَا بِالنَّاسِ ضَرُورَةٌ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي غُنْيَةٍ عَنْهُ. أَمَّا مَا اشْتَرَاهُ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ وَلَيْسَ فِي وَقْتِ الْغَلاءِ ثُمَّ خَبَّأَهُ لِيَبِيعَهُ فِي وَقْتِ الْغَلاءِ فَيَجُوزُ وَلَوْ بَاعَهُ بِسِعْرٍ غَالٍ جِدًّا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إِضْرَارٌ بِالنَّاسِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ سِلْعَةٍ لِيَغُرَّ غَيْرَهُ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ سِلْعَةٍ لا لِيَشْتَرِيَ بَلْ لِيَغُرَّ النَّاسَ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ فِيمَا يُسَمُّونَهُ بِالْمَزَادَاتِ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ يَتَّفِقُ مَعَ وَاحِدٍ فَيَقِفُ بَيْنَ النَّاسِ لِيَزِيدَ فِي السِّعْرِ لِيَغُرَّهُمْ فَيَزِيدُوا هُمْ فِي السِّعْرِ أَيْضًا يُوهِمُهُمْ أَنَّ هَذَا الْغَرَضَ سِعْرُهُ أَكْثَرُ مِمَّا قَالُوا لِيَزِيدُوا فِي السِّعْرِ وَهَذَا الَّذِي زَادَ فِي السِّعْرِ لا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَهَذَا يُسَمَّى النَّجْشَ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَذَلِكَ مَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »وَلا تَنَاجَشُوا« [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ]، فَيَحْرُمُ النَّجْشُ وَلَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي مَالِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِتَرْوِيْجِهِ لَهُ، وَيَلْتَحِقُ بِالنَّجْشِ مَدْحُ السِّلْعَةِ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ فِيهَا بِكَذِبٍ، وَقَدْ قَيَّدَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ اخْتِلافِ الْحَدِيثِ حُصُولَ الإِثْمِ بِأَنْ يَكُونَ النَّاجِشُ عَالِمًا بِوُرُودِ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ »فَمَنْ نَجَشَ فَهُوَ عَاصٍ بِالنَّجْشِ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ« وَصَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ اخْتِلافِ الْحَدِيثِ. أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ شَخْصٌ أَدْفَعُ لَكَ كَذَا ثُمَّ جَاءَ ءَاخَرُ فَعَرَضَ سِعْرًا أَعْلَى فِي الْبِضَاعَةِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ لا لِيَغُرَّ الأَوَّلَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَالِكِ الأَمَةِ أَيْ سَيِّدِهَا التَّفْرِيقُ بِالْبَيْعِ بَيْنَ الأَمَةِ وَوَلَدِهَا قَبْلَ أَنْ يُمَيِّزَ الْوَلَدُ وَلَوْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَنْضَرُّ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ وَلَدُهَا مَجْنُونًا بَالِغًا قَبْلَ إِفَاقَتِهِ. وَالسَّيِّدُ إِنْ جَامَعَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ، أَمَّا إِنْ زَوَّجَهَا لِرَجُلٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَالْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَغُشَّ أَوْ يَخُونَ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ وَالْعَدِّ أَوْ يَكْذِبَ.

   الشَّرْحُ مِمَّا يَحْرُمُ مِنَ الْبَيْعِ الْغَشُّ فِيهِ أَوِ الْخِيَانَةُ فِي الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الذَّرْعِ أَوِ الْعَدِّ أَوْ يَكْذِبُ بِالْقَوْلِ فِي شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْغَشُّ مَعْنَاهُ إِخْفَاءُ الْعَيْبِ كَأَنْ يَكُونَ أَصَابَ قِسْمًا مِنَ الْقَمْحِ الْعَفَنُ فَيَجْعَلَ الَّذِي فِيهِ الْعَفَنُ فِي الأَسْفَلِ وَالَّذِي لَمْ يُصِبْهُ الْعَفَنُ فِي الأَعْلَى حَتَّى يَنْظُرَ الْمُشْتَرِي إِلَى الظَّاهِرِ فَيَظُنَّهُ كُلَّهُ صَحِيحًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سُورَةَ الْمُطَفِّفِينَ] أَيْ لِلْحِسَابِ. وَالْوَيْلُ هُوَ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ [فِي صَحِيحِهِ] أَنَّ الْوَيْلَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَنْزِلُ الْكَافِرُ فِيهِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا بُعْدَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، هَذَا وَيْلُ الْكَافِرِ أَمَّا وَيْلُ الْمُسْلِمِ مَعْنَاهُ هَلاكٌ شَدِيدٌ، الْمُسْلِمُ الْعَاصِي لا يَنْزِلُ إِلَى ذَلِكَ الْقَعْرِ هِيَ جَهَنَّمُ فِيهَا أَمَاكِنُ أَعْمَقُ مِنْ بَعْضٍ.

   وَالْمُطَفِّفُونَ هُمُ الَّذِينَ يَنْقُصُونَ فِي الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ﴾، هَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ، مَعْنَاهُ أَلا يَتَيَقَّنُ أُولَئِكَ بِأَنَّهُمْ سَيُبْعَثُونَ، مَعْنَاهُ لَوْ تَيَقَّنُوا مَا نَقَصُوا فِي الْكَيْل وَالْوَزْنِ. وَالْخِيَانَةُ فِي الْكَيْلِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَبِيعُكَ كَذَا وَسْقًا مِنَ الْحِنْطَةِ أَوِ التَّمْرِ أَوِ الشَّعِيرِ أَوِ الزَّبِيبِ ثُمَّ يَنْقُصُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهُ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَخُونَهُ فِي الْوَزْنِ كَأَنِ اتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ مِنَ السُّكَّرِ ثُمَّ نَقَصَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ لَهُ أَبِيعُكَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ هَذِهِ الْخِرْقَةِ ثُمَّ نَقَصَ عَلَيْهِ ذِرَاعًا، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ يَبِيعُهُ بِالْعَدَدِ كَأَنْ قَالَ لَهُ أَبِيعُكَ خَمْسِينَ بَيْضَةً بِمَبْلَغِ كَذَا ثُمَّ خَانَهُ فِي الْعَدِّ فَنَقَصَ لَهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَبِيعَ الْقُطْنَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْبَضَائِعِ وَيُقْرِضَ الْمُشْتَرِيَ فَوْقَهُ دَرَاهِمَ وَيَزِيدَ فِي ثَمَنِ تِلْكَ الْبِضَاعَةِ لِأَجْلِ الْقَرْضِ، وَأَنْ يُقْرِضَ الْحَائِكَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الأُجَرَاءِ وَيَسْتَخْدِمَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْقَرْضِ أَيْ إِنْ شَرَطَ ذَلِكَ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الرَّبْطَةَ أَوْ يُقْرِضَ الْحَرَّاثِينَ إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ ثُمَّ يَبِيعُونَ عَلَيْهِ طَعَامَهُمْ بِأَوْضَعَ مِنَ السِّعْرِ قَلِيلًا وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الْمَقْضِيَّ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ حَرَامٌ بِشَرْطِ أَنْ يَسْبِقَ اتِّفَاقٌ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ رِبَا الْقَرْضِ. وَأَمَّا لَوْ أَقْرَضَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِدُونِ هَذَا الِاتِّفَاقِ ثُمَّ أَجْرَى الْعَقْدَ لَمْ يَحْرُمْ.

   أَمَّا الْمَسْئَلَةُ الأُولَى فَمَعْنَاهَا أَنْ يُقْرِضَهُ الثَّمَنَ الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ الْبِضَاعَةَ وَيَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ وَهَذَا لا يَجُوزُ. الْقَرْضُ شُرِعَ لِلإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ لَيْسَ لِطَلَبِ الرِّبْحِ.

   وَالْمَسْئَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُقْرِضَ الْحَائِكَ الَّذِي يَنْسُجُ الثِّيَابَ وَيَشْرِطَ عَلَيْهِ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ أَنْ يَعْمَلَ عِنْدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَيُسَمُّونَ هَذَا الرَّبْطَةَ لِأَنَّهُ رَبَطَهُ بِهَذَا، وَهَذَا مِنْ عَادَةِ بَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ.

   وَالْمَسْئَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُقْرِضَ الْحَرَّاثِينَ إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ وَيَشْرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبِيعُوهُ طَعَامَهُمْ بِأَقَلَّ مِنَ السِّعْرِ قَلِيلًا وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الْمَقْضِيَّ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْقَضَى بِذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَذَا جُمْلَةٌ مِنْ مُعَامَلاتِ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ وَأَكْثَرُهَا خَارِجَةٌ عَنْ قَانُونِ الشَّرْعِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ ءَانِفًا فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لا يَخْلُو مِنْ مَحْظُورَاتِ الشَّرْعِ.

وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُعَامَلاتِ الْفَاسِدَةِ أَنْوَاعُ التَّأْمِينَاتِ الَّتِي تَعَارَفُوهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ كَتَأْمِينِ السَّيَّارَةِ أَوْ تَأْمِينِ الْبَضَائِعِ الْمُسْتَجْلَبَةِ وَمَا يُسَمُّونَهُ التَّأْمِينَ عَلَى الْحَيَاةِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا فِيمَا قَبْلُ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَعَلَى مُرِيدِ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَسَلامَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ مِنْ عَالِمٍ وَرِعٍ نَاصِحٍ شَفِيقٍ عَلَى دِينِهِ فَإِنَّ طَلَبَ الْحَلالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَجِبُ تَعَلُّمُ عِلْمِ الدِّينِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ تَلَقِيًّا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالثِّقَةِ فَلا يَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ لَهُ كَفَاءَةٌ فِي عِلْمِ الدِّينِ وَلا اسْتِفْتَاءُ الْعَالِمِ الْفَاسِقِ. قَالَ الإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ »إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ« رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ. فَالَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ أَيَّ شَخْصٍ بَلْ يَسْأَلُ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالثِّقَةِ. يَسْأَلُ الثِّقَاتِ هَلْ هَذَا الْمُفْتِي أَهْلٌ لِلْفَتْوَى فَإِنْ قَالَ لَهُ الْعَالِمُ الثِّقَةُ فُلانٌ ثِقَةٌ أَهْلٌ لِلْفَتْوَى يَجُوزُ أَنْ يَسْتَفْتِيهِ، أَمَّا أَنْ نَهْجُمَ بِدُونِ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّهُ ثِقَةٌ تَقِيٌّ فَنَسْتَفْتِيَهُ فَلا يَجُوزُ. فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَالِمَانِ ثِقَتَانِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ فَيَسْتَفْتِيهِ. وَلا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ إِلَّا بِالتَّلَقِّي إِمَّا سَمَاعًا مِنْ فَمِ الْعَالِمِ وَإِمَّا أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُهُ فَيُقِرُّهُ عَلَيْهِ أَيْ مَعَ تَفْهِيمِ الْعَالِمِ لِلْقَارِئِ إِذَا كَانَ لَمْ يَفْهَمْهُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْمُطَالَعَةِ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَهَذَا لَيْسَ طَرِيقًا نَافِعًا، الطَّرِيقُ النَّافِعُ هُوَ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ.

   الْحَافِظُ أَبُو سَعِيدٍ الْعَلائِيُّ خَلِيلُ بنُ كَيْكَلْدِي هُوَ أَحَدُ مَشَايِخِ الْحَافِظِ زَيْنِ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ تَلَقَّى الْحَدِيثَ مِنْ سَبْعِمِائَةِ عَالِمٍ سَمَاعًا. سَمَاعُ لَفْظِ الْعَالِمِ مَعَ تَفَهُّمِ الْمَعَانِي هُوَ الأَفْضَلُ وَلا سِيَّمَا الْحَدِيثُ وَالْقُرْءَانُ.

   الْقُرْءَانُ تَلَقِّيهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ إِمَّا أَنْ يَسْمَعَ الطَّالِبُ مِنْ لَفْظِ الْمُقْرِئِ ثُمَّ يَقْرَأَ عَلَيْهِ فَيُقِرُّهُ وَهَذَا أَفْضَلُ وَإِمَّا أَنْ يَقْرَأَ الطَّالِبُ عَلَى الْمُقْرِئِ وَالْمُقْرِئُ يَسْمَعُهُ فَيُقِرُّهُ.

   وَمِنْ فَسَادِ طَرِيقِ التَّلَقِّي الْيَوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ كَثُرَ التَّحْرِيفُ وَالِافْتِرَاءُ عَلَى الدِّينِ وَإِدْخَالُ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ. الْعِلْمُ يُحَصَّلُ بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ أَمَّا الْكَسَلُ فَإِنَّهُ يُنَافِي تَحْصِيلَ الْعِلْمِ. الْمُحَدِّثُونَ لا يَعْتَبِرُونَ مُحَدِّثًا مَنْ لَمْ يَتَلَقَّ مِنْ أَفْوَاهِ الْمُحَدِّثِينَ. كَذَلِكَ الْفِقْهُ لا يَكُونُ الرَّجُلُ فَقِيهًا إِنْ لَمْ يَتَلَقَّ مِنْ أَفْوَاهِ الْفُقَهَاءِ. يَقُولُ الْحَافِظُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ أَخَذَ الْحَدِيثَ مِنَ الْكُتُبِ لا يُسَمَّى مُحَدِّثًا بَلْ يُسَمَّى صَحَفِيًّا، وَمَنْ أَخَذَ الْقُرْءَانَ مِنَ الْمُصْحَفِ يُسَمَّى مُصْحَفِيًّا وَلا يُسَمَّى قَارِئًا. فَمَنْ كَانَ قَوِيَّ الْهِمَّةِ لا يَعْتَمِدُ عَلَى مُطَالَعَةِ نَفْسِهِ إِلَّا عَلَى التَّلَقِّي مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. جَابِرُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَافَرَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مِصْرَ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا صَحَابِيًّا اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُنَيْسٍ مُقِيمًا فِي مِصْرَ رَوَى حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَسَافَرَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مِصْرَ لِيَسْمَعَ مِنْهُ فَلَقِيَهُ فَقَالَ جِئْتُ لِكَذَا فَأَقَرَّهُ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ [الْمُفْرَدِ]. هَكَذَا كَانُوا يَهْتَمُّونَ لِتَلَقِّي الْعِلْمِ.

   وَمَعْنَى قَوْلِهِ »إِنَّ طَلَبَ الْحَلالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ« أَنَّهُ لا يَجُوزُ تَنَاوُلُ رِزْقٍ مِنْ طَرِيقٍ حَرَامٍ بَلْ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَحْصِيلَ الْمَالِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ حَاجَةِ عِيَالِهِ أَنْ يَسْعَى لِلتَّحْصِيلِ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ شَرْعًا، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَمْكُثَ مِنْ دُونِ تَعَاطِي عَمَلٍ فَلَوْ تَرَكَ الشَّخْصُ الْعَمَلَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَمِدٍ عَلَى السُّؤَالِ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى الشَّحَاذَةِ بَلْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِذَلِكَ وَاثِقًا بِرَبِّهِ أَنَّهُ يَسُوقُ إِلَيْهِ رِزْقَهُ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ [فِي سُنَنِهِ] بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَاهُ لِأَنَّهُ لا يَحْتَرِفُ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ »لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ« الشَّاهِدُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الأَخِ تَرْكَ الِاحْتِرَافِ مَعَ أَخِيهِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ فَرْضًا عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا إِنَّمَا الْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ لا يَأْكُلَ الْحَرَامَ وَلا يَشْحَذَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَكْفِيَ نَفْسَهُ عَنِ الشَّحَاذَةِ وَلا يُضَيِّعَ زَوْجَتَهُ وَأَوْلادَهُ الأَطْفَالَ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ لِتَكَاسُلِهِ عَنِ الْعَمَلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ »طَلَبُ الْحَلالِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ« فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ [فِي شُعُبِ الإِيـمَانِ] وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.