مُحَمَّدٌ ﷺ الْرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ:
جاءَ وصفُ
رسولِ اللهِ ﷺ في القرآنِ أنَّهُ: ﭐﱡﲧ ﲨ ﲩﲪﱠ([1]) فاللهُ تعالى
رحِمَنا بسيِّدِنا محمَّدٍ ﷺ
هذا النبيُّ العظيمُ الذي جعلَهُ ربُّه هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا الى اللهِ
بإذنِه سراجًا وهَّاجًا وقمرًا منيرًا، كان أميًّا لا يقرأُ المكتوبَ ولا يكتُبُ
شيئا ومع ذلك كان ذا فصاحةٍ بالِغَةٍ، كان ذا نُصْحٍ تامٍّ ورأفةٍ ورحمةٍ ذا شفقةٍ
وإحسانٍ يُواسي الفقراءَ ويسعى في قضاءِ حاجةِ الأراملِ والأيتامِ والمساكينِ
والضعفاءِ، كان أشدَّ الناسِ تواضُعًا يُحبُّ المساكينَ ويشهَدُ جنائِزَهم، فما
أعظمَه مِنْ نبيٍّ وما أحلاها من صفاتٍ عسانَا أنْ نتجمَّلَ بصفاتِهِ الكريمةِ
لنكونَ على هديِه ﷺ،
هذا النبيُّ العظيمُ الذي بعثه ربُّه رحمةً للعالمينَ ليعلِّمَ الناسَ الخيرَ،
ليأمرَهُم بالبِرِّ، وَيُبَيِّنَ لهم شرائعَ الإسلامِ، قالتِ السيدةُ عائشةُ رضيَ
اللهُ عنها: ((مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ
بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ
كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، ومَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ
لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فيَنَتقِمَ للهِ بها)) ([2]).اهـ
هذا
هو النبيُّ العظيمُ فما أُحَيلَاهُ مِنْ نبيٍّ كريمٍ، وما أعظمَها مِن أخلاقٍ
إسلاميةٍ محمديةٍ، وما أحوجَنا للاطِّلَاعِ على شمائلِ الرسولِ ﷺ
لنهذِّبَ أنفسَنا لنطهِّرَ جوارحَنا لنتواضَعَ فيما بيننا ونتطاوَعَ، فقد روى عبدُ
اللهِ بنُ مسعودٍ أنَّ النبيَّ ﷺ
اضطَجَعَ على حصيرٍ فأثَّرَ الحصيرُ بجلدِه قالَ: فجعلْتُ أمسحُهُ عنهُ وأقولُ:
بأبي أنتَ وأمي يا رسولَ اللهِ ألا أَذِنتَنا فنبسُطَ لكَ شيئًا يَقِيكَ منهُ تنامُ
عليهِ فقالَ: ((مَا لِي وللدُّنْيَا؟ مَاْ أَنَا وَالدُّنْيَا، إِنَّمَا أَنَا
وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا))([3])
فصلَّى اللهُ العظيمُ على نبيِّنا الكريمِ صلاةً يغفِرُ بها ذنوبَنا ويُصلِحُ بها
أحوالَنا ويُحسِنُ لنا بها الختامَ ويعينُنا بها على تمامِ الاقتداءِ بهِ ﷺ.
تِتِمَّةٌ:
في الآخرةِ رحمةُ اللهِ تشملُ المؤمنَ فقطْ كمَا سبقَ ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐﳕ ﳖ ﳗ([4]) ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞﳟ ﳠ ﳡ ﳢﳣﱠ([5])
وقالَ تعالى: ﭐﱡﭐﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ
ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﳄﱠ([6]).
وقد رُوي من حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ أنه جاءتِ امرأةٌ مِنْ سبايا طَيِّئٍ لرسولِ
اللهِ ﷺ
فقالت: يا محمدُ إنْ رأيتَ أنْ تُخلِّيَ عنا ولا تشمِتَ بي أحياءَ العربِ فإني
ابنةُ سيدِ قومي، وإنَّ أبي كان يَحمي الذمار، ويفكُّ العاني، ويُشبِعُ الجائعَ،
ويكسُو العاريَ، ويَقري الضيفَ، ويُطعمُ الطعامَ، ويُفشي السلامَ، ولا يردُّ طالبَ
حاجةٍ قطُّ، أنا ابنةُ حاتمِ طيِّئ. فقالَ النبيُّ ﷺ:
((يَاْ جَارِيَةُ لَوْ كَانَ أَبُوْكِ مُسْلِمًا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيِهِ))([7])
فهذا يدلُ على أن الرحمةَ بعد الموتِ تشملُ المؤمنينَ فقط ولا رحمةَ لكافرٍ بعد
الموتِ.
ومن رحمةِ اللهِ بالناسِ أن أرسلَ لهم
الرسلَ مبشرينَ ومُنذرينَ وداعينَ إلى اللهِ بإذنِه، فكلُّ الأنبياءِ دعَوا إلى
التوحيدِ وإلى لا إله إلا الله وإلى الأخلاقِ الحميدةِ ، ومما ذكرتُ يُعلمُ أنه لا
دينَ صحيحٌ إلا الإسلامُ فالدينُ الحقُّ
عندَ اللهِ هو الإسلامُ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬﱠ([8]). وأن الذي يطلُبُ دينًا غيرَ الإسلامِ يَدينُ
به فلن يقبلَهُ اللهُ منه.
لطِيفَةٌ:
لفظُ “الرحمنِ” أبلغُ من
“الرحيم” لأنَّ فيه زيادةَ بِناءٍ، وزيادةُ البنيةِ في الكلمةِ تدلُّ
على زيادةِ المعنى غالبًا كما في قَطَعَ وقَطَّعَ ([9])،
وأما في غيرِ الغالبِ مما يُفيدُه ناقصُ البناءِ أكثر مما يفيدُه زائدة كحَاذِر وحَذِّرْ،
فإنَّ حَذِّرْ أبلغُ من حَاذِرْ. ومعنى الرحمنِ([10])
ذو الرحمةِ الشاملةِ التي وَسِعَتِ الخلقَ في أرزاقِهم وأسبابِ معايِشِهم ومصالِحهم.
فائدةٌ: رويَ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ:
اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ))([11]).
([10]) قال البيهقي: قال الخطابي: فالرحمـٰن ذو الرحمة الشاملة التي وسعت
الخلق في أرزاقهم وأسباب معايشهم ومصالحهم وعمت المؤمن والكافر والصالح والطالح،
وأما الرحيم فخاص للمؤمنين كقوله: ﱡﳠ ﳡ ﳢﳣﱠ
سورة
الأحزاب /43 اﻫ الأسماء والصفات للبيهقي ج1 ص136 وقد ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱕ
ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱣﱠ
سورة
الأعراف / 156، قال ابن الجوزي في تفسيره: هذه الرحمة على العموم في الدنيا
والخصوص في الآخرة وتأويلها ورحمتي وسعت كل شىء في الدنيا البر والفاجر وفي الآخرة
هي للمتقين خاصة اﻫ زاد المسير لابن الجوزي ج3 ص 182 قال ابن الأثير في النهاية:
الرحمـٰن الرحيم وهما اسمان مشتقان من الرحمة مثل ندمان ونديم وهما من أبنية
المبالغة، ورحمان أبلغ من رحيم، والرحمـٰن خاص لله لا يسمى به غيره، والرحيم يوصف
به غير الله تعالى فيقال رجل رحيم ولا يقال رحمان اﻫ النهاية في
غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج 2 ص 210.