مَقُولَةُ وَحْدَةِ الْكَلامِ
قَالَ الإِمَامُ الْهَرَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى وَحْدَةِ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الإِمَامُ أَبُو عَلِىٍّ السَّكُونِىُّ الإِشْبِيلِىُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 717 مِنَ الْهِجْرَةِ وَكَذَلِكَ الْبَيْهَقِىُّ ذَكَرَ وَحْدَةَ الْكَلامِ فِى كِتَابَيْنِ مِنْ كُتُبِهِ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صِفَاتُهُ لا تُشْبِهُ صِفَاتِ خَلْقِهِ، اللَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ لَيْسَ حَرْفًا وَصَوْتًا لِأَنَّ الْكَلامَ الَّذِى يَكُونُ بِالْحَرْفِ وَالصَّوْتِ مَخْلُوقٌ، اللَّهُ لا يَتَّصِفُ بِحَادِثٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى كِتَابِهِ الْفِقْهِ الأَكْبَرِ «نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلاتِ وَالْحُرُوفِ وَاللَّهُ يَتَكَلَّمُ بِلا ءَالَةٍ حَرْفٍ» وَكَلامُ اللَّهِ الَّذِى هُوَ غَيْرُ حَرْفٍ وَصَوْتٍ أَزَلِىٌّ أَبَدِىٌّ لا يَنْقَطِعُ لا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ ثُمَّ يَسْكُتَ. الْكَلامُ الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ لَيْسَ حَرْفًا وَصَوْتًا يَسْمَعُهُ الإِنْسُ وَالْجِنُّ فِى الآخِرَةِ. وَأَمَّا الْكَلامُ الَّذِى هُوَ حَرْفٌ وَصَوْتٌ كَالْقُرْءَانِ الَّذِى نَقْرَؤُهُ بِالْحُرُوفِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ هَؤُلاءِ عِبَارَاتٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ لَيْسَتْ عَيْنَ الْكَلامِ الذَّاتِىِّ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخْبَرَ فِى الْقُرْءَانِ أَنَّهُ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ بِكَلامِهِ، وَكُلُّ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَمَا سَيَخْلُقُهُ وُجُودُهُ بِكَلامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [سُورَةَ يَس] مَعْنَى الآيَةِ أَنَّ الشَّىْءَ الَّذِى أَرَادَ اللَّهُ وُجُودَهُ يَخْلُقُهُ بِكَلامِهِ الأَزَلِىِّ لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْطِقُ بِالْكَافِ وَالنُّونِ النُّطْقُ بِالْكَافِ وَالنُّونِ مِنْ صِفَاتِنَا. ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ بِالْكَافِ وَالنُّونِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ بَعْدَ النُّطْقِ بِالْكَافِ وَالنُّونِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ إِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ الَّتِى أَرَادَ وُجُودَهَا بِالْكَلامِ الأَزَلِىِّ الَّذِى لَيْسَ حَرْفًا وَصَوْتًا هَذَا مَعْنَى الآيَةِ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [سُورَةَ يَس] وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ سُبْحَانَ مَنْ أَمْرُهُ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ فَكَلامٌ فَاسِدٌ لا هُوَ قُرْءَانٌ وَلا حَدِيثٌ وَلا هُوَ كَلامُ أَهْلِ الْعِلْمِ.