مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَالرَّسُولِ
قَالَ الإِمَامُ الْهَرَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَمَعْرِفَةُ الرَّسُولِ ﷺ هُوَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ لِأَنَّ هَذَا هُوَ بَابُ السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ مِنْ هُنَا يَدْخُلُ الإِنْسَانُ بَابَ السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ السَّعَادَةِ الأُخْرَوِيَّةِ فِى الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ يَنْجُو مِنْ عَذَابِ اللَّهِ الدَّائِمِ الْمُقِيمِ الَّذِى لا انْقِطَاعَ لَهُ لِهَذَا صَارَ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كُلُّ شَىْءٍ مِنَ الْعَالَمِ اللَّطِيفِ وَالْكَثِيفِ مَا كَانَ شَيْئًا مَوْجُودًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ اللَّهُ إِنَّمَا وُجِدَ بَعْدَ أَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ. هَذِهِ الْعَقِيدَةُ هِىَ عَقِيدَةُ التَّوْحِيدِ الَّتِى جَاءَ بِهَا الْقُرْءَانُ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى] هَذِهِ الآيَةُ مَعْنَاهَا هَذَا الَّذِى قَالَهُ سَيِّدُنَا أَحْمَدُ الرِّفَاعِىُّ «غَايَةُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ الإِيقَانُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى بِلا كَيْفٍ وَلا مَكَانٍ». وَهَذَا الَّذِى يَشْرَحُهُ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِى الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ بِأَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ جِسْمٌ فَوْقَ الْعَرْشِ بِقَدْرِ الْعَرْشِ، لا يُوجَدُ شَىْءٌ لَهُ حَيَاةٌ مُسْتَقِرٌّ فَوْقَ الْعَرْشِ لا يُوجَدُ. يُوجَدُ كِتَابٌ كَتَبَ اللَّهُ فِيهِ ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [سُورَةَ الأَنْعَام] فَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ بِلا جِهَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ حَجْمًا لَطِيفًا كَالْمَلائِكَةِ وَالنُّورِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ حَجْمًا كَثِيفًا كَالإِنْسَانِ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِى يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ فَهَذَا عَرَفَ اللَّهَ ءَامَنَ بِاللَّهِ يُقَالُ لَهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ فَإِذَا اعْتَقَدَ رِسَالَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ صَارَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ فَمَا دَامَ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ فَهُوَ مُسْلِمٌ لَكِنْ يَبْقَى شَىْءٌ لِاسْتِمْرَارِ إِسْلامِهِ وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ مِنْ سَبِّ اللَّهِ فِى حَالِ الْغَضَبِ أَوْ فِى حَالِ الْمَزْحِ أَوْ فِى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا» لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ ذَاتُهُ لَهُ كَلامٌ يَدْخُلُهُ السُّكُوتُ إِنَّمَا مَعْنَى «وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ» أَىْ لَمْ يُنْزِلْهُ فِى الْقُرْءَانِ، أَنْزَلَ فِى الْقُرْءَانِ أَشْيَاءَ بَيَّنَ أَنَّهَا حَرَامٌ وَبَيَّنَ أَشْيَاءَ أَنَّهَا فَرَائِضُ وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَذْكُرْهَا أَنَّهَا حَرَامٌ وَلا أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ أَنَّهَا حَرَامٌ، هَذَا (أَىِ الَّذِى لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ) لا تَجْعَلُوهُ حَرَامًا اسْكُتُوا عَنْهُ. سَكَتَ مَعْنَاهُ فِى الْحَدِيثِ أَىْ لَمْ يُذْكَرْ فِى الْقُرْءَانِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِأَشْيَاءَ ثُمَّ سَكَتَ، لَوْ كَانَ اللَّهُ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقْطَعُ لَكَانَ مِثْلَنَا وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ خَلْقِهِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ افْهَمُوا هَذَا لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَصْلِ الدِّينِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ أَسَاسُ الدِّينِ، مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ مَهْمَا أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِى الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ لا يَنْفَعُهُ أَمَّا مَنْ عَقِيدَتُهُ صَحِيحَةٌ الْحَسَنَةُ الْقَلِيلَةُ تَنْفَعُهُ.