الجمعة أبريل 11, 2025

مَعَاصِي الْقَلْبِ

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ).

الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَعَاصِي الْقَلْبِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الرِّيَاءُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ أَيِ الْحَسَنَاتِ وَهُوَ الْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ أَيْ لِيَمْدَحُوهُ وَيُحْبِطُ ثَوَابَهَا وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

الشَّرْحُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيَانَ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ وَهِيَ الرِّيَاءُ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الإِنْسَانُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ مَدْحَ النَّاسِ وَإِجْلالَهُمْ لَهُ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَصْدَ مَبَرَّةِ النَّاسِ لَهُ بِالْهَدَايَا وَالْعَطَايَا كَانَ أَسْوَأَ حَالًا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.

وَالرِّيَاءُ يُحْبِطُ ثَوَابَ الْعَمَلِ الَّذِي قَارَنَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ رِيَائِهِ وَتَابَ أَثْنَاءَ الْعَمَلِ فَمَا فَعَلَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْهُ لَهُ ثَوَابُهُ، فَأَيُّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ دَخَلَهُ الرِّيَاءُ فَلا ثَوَابَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلرِّيَاءِ أَوْ قَرَنَ بِهِ قَصْدَ طَلَبِ الأَجْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلا يَجْتَمِعُ الثَّوَابُ وَالرِّيَاءُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ بِالإِسْنَادِ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ، قَالَ «لا شَىْءَ لَهُ» فَأَعَادَهَا ثَلاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ «لا شَىْءَ لَهُ» ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ وَمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ» وَجَوَّدَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ إِسْنَادُهُ فِي الْفَتْحِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْعُجْبُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ شُهُودُ الْعِبَادَةِ صَادِرَةً مِنَ النَّفْسِ غَائِبًا عَنِ الْمِنَّةِ.

الشَّرْحُ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْهَدَ الْعَبْدُ عِبَادَتَهُ وَمَحَاسِنَ أَعْمَالِهِ صَادِرَةً مِنْ نَفْسِهِ غَائِبًا عَنْ شُهُودِ أَنَّهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْ غَافِلًا عَنْ تَذَكُّرِ أَنَّهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِهَا فَأَقْدَرَهُ عَلَيْهَا وَأَلْهَمَهُ فَيَرَى ذَلِكَ مَزِيَّةً لَهُ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالشَّكُّ فِي اللَّهِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الشَّكَّ فِي اللَّهِ أَيْ فِي وُجُودِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ أَوْ وَحْدَانِيَّتِهِ أَوْ حِكْمَتِهِ أَوْ عَدْلِهِ أَوْ فِي عِلْمِه أَوْ فِي صِفَةٍ أُخْرَى مِنَ الصِّفَاتِ الثَّلاثَ عَشْرَةَ فَالشَّكُّ هُنَا يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدَ تَرَدُّدٍ مَا لَمْ يَكُنْ خَاطِرًا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ بِلا إِرَادَةٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إَنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [سُورَةَ الْحُجُرَات/15] دَلَّتِ الآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي وُجُودِ اللهِ أَوْ قُدْرَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَأَنَّ الإِيْمَانَ لا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْجَزْمِ وَأَنَّ التَّرَدُّدَ يُنَافِيهِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنَ الْمَعَاصِي الْقَلْبِيَّةِ الأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَالْقُنُوطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أَمَّا الأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ الِاسْتِرْسَالُ فِي الْمَعَاصِي مَعَ الِاتِّكَالِ عَلَى الرَّحْمَةِ فَهَذَا مِنَ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ مِمَّا لا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ. وَأَمَّا الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَهُوَ أَنْ يُسِيءَ الْعَبْدُ الظَّنَّ بِاللَّهِ فَيَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهِ لا يَغْفِرُ لَهُ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّهُ لا مَحَالَةَ يُعَذِّبُهُ وَذَلِكَ نَظَرًا لَكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ مَثَلًا فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ لا يَنْقُلُ عَنِ الإِسْلامِ. وَطَرِيقُ النَّجَاةِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَكُونَ خَائِفًا رَاجِيًا يَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى ذُنُوبِهِ وَيَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ أَمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُغَلِّبُ الرَّجَاءَ عَلَى الْخَوْفِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّكَبُّرُ عَلَى عِبَادِهِ وَهُوَ رَدُّ الْحَقِّ عَلَى قَائِلِهِ وَاسْتِحْقَارُ النَّاسِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ التَّكَبُّرَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ وَهُوَ نَوْعَانِ أَوَّلُهُمَا رَدُّ الْحَقِّ عَلَى قَائِلِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الْقَائِلِ لِنَحْوِ كَوْنِ الْقَائِلِ صَغِيرَ السِّنِّ فَيَسْتَعْظِمُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ قَائِلَهُ صَغِيرُ السِّنِ وَثَانِيهِمَا اسْتِحْقَارُ النَّاسِ أَيِ ازْدِرَاؤُهُمْ كَأَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى الْفَقِيرِ وَيَنْظُرَ إِلَيْهِ نَظَرَ احْتِقَارٍ أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُ أَوْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ فِي الْخِطَابِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْهُ مَالًا. وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَنِ التَّكَبُّرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [سُورَةَ لُقْمَان/ 18] أَيْ وَلا تُعْرِضْ عَنْهُمْ مُتَكَبِّرًا وَالْمَعْنَى أَقْبِلْ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِكَ مُتَوَاضِعًا وَلا تُوَلِّهِمْ شِقَّ وَجْهِكَ وَصَفْحَتَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَكَبِّرُونَ ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ [سُورَةَ لُقْمَان/ 37]  أَيْ لا تَمْشِ مِشْيَةَ الْكِبْرِ وَالْفَخْرِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْحِقْدُ وَهُوَ إِضْمَارُ الْعَدَاوَةِ إِذَا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَلَمْ يَكْرَهْهُ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الْحِقْدَ وَهُوَ مَصْدَرُ حَقَدَ يَحْقِدُ وَهُوَ إِضْمَارُ الْعَدَاوَةِ لِلْمُسْلِمِ مَعَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ تَصْمِيمًا أَوْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ لا يَكُونُ مَعْصِيَةً.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْحَسَدُ وَهُوَ كَرَاهِيَةُ النِّعْمَةِ لِلْمُسْلِمِ وَاسْتِثْقَالُهَا وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الْحَسَدَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [سُورَةَ الْفَلَق/5]  أَيْ أَسْتَجِيرُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِ إِذَا أَظْهَرَهُ أَمَّا إِذَا لَمْ يُظْهِرِ الْحَسَدَ فَلا يَتَأَذَّى بِهِ إِلَّا الْحَاسِدُ لِاغْتِمَامِهِ بِنِعْمَةِ غَيْرِهِ. وَالْحَسَدُ هُوَ أَنْ يَكْرَهَ الشَّخْصُ النِّعْمَةَ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ دِينِيَّةً كَانَتْ أَوْ دُنْيَوِيَّةً وَيَتْمَنَّى زَوَالَهَا وَيَسْتَثْقِلُهَا لَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعْصِيَةً إِذَا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ تَصْمِيمًا أَوْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَمَّا إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ الْعَمَلُ فَلَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ. وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ النَّاسَ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَيُبْطِلُ ثَوَابَهَا كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَلَمْ أُعْطِكَ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمَنَّ بِالصَّدَقَةِ وَهُوَ أَنْ يُعَدِّدَ نِعْمَتَهُ عَلَى ءَاخِذِهَا كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَلَمْ أَفْعَلْ لَكَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَكْسِرَ قَلْبَهُ أَوْ يَذْكُرَهَا لِمَنْ لا يُحِبُّ الآخِذُ اطِّلاعَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُحْبِطُ الثَّوَابَ وَيُبْطِلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/ 264]. وَإِنَّمَا عَدَّهَا مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ لِأَنَّ الْمَنَّ يَكُونُ أَصْلًا فِي الْقَلْبِ لِأَنَّ الْمَانَّ يَقْصِدُ إِيذَاءَ الشَّخْصِ فَيَتَفَرَّعُ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلُ الْبَدَنِيُّ وَهُوَ ذِكْرُ إِنْعَامِهِ عَلَى الشَّخْصِ بِلِسَانِهِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنَ الْمَعَاصِي الْقَلْبِيَّةِ الإِصْرَارَ عَلَى الذَّنْبِ وَعُدَّ هَذَا مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ لِأَنَّهُ يَقْتَرِنُ بِهِ قَصْدُ النَّفْسِ مُعَاوَدَةَ ذَلِكَ الذَّنْبِ وَعَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِالْجَوَارِحِ. وَالإِصْرَارُ الَّذِي هُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْكَبَائِرِ هُوَ أَنْ تَغْلِبَ مَعَاصِيهِ طَاعَتَهُ فَيَصِيرُ عَدَدُ مَعَاصِيهِ أَكْبَرُ مِنْ عَدَدِ طَاعَاتِهِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى وَلَيْسَ بِالنِّسْبَةِ لِيَوْمِهِ فَقَطْ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ وَاقِعًا فِي هَذِهِ الْكَبِيرَةِ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ تَكْرَارِ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَوْعِ الصَّغَائِرِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ إِذَا لَمْ يَغْلِبْ ذَلِكَ الذَّنْبُ طَاعَاتِهِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَسُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَبِعِبَادِ اللَّهِ.

الشَّرْحُ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ بِرَبِّهِ أَنَّهُ لا يَرْحَمُهُ بَلْ يُعَذِّبُهُ، وَسُوءُ الظَّنِّ بِعِبَادِ اللَّهِ وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ بِعِبَادِهِ السُّوءَ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ مُعْتَبَرَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ٱجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [سُورَةَ الْحُجُرَات/12] قَالَ الزَّجَّاجُ هُوَ ظَنُّكَ بِأَهْلِ الْخَيْرِ سُوءًا فَأَمَّا أَهْلُ الْفِسْقِ فَلَنَا أَنْ نَظُنَّ فِيهِمْ مِثْلَ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهُمْ اهـ وَالإِثْمُ الْمَذْكُورُ فِي الآيَةِ الذَّنْبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعِقَابَ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» فَالظَّنُّ الَّذِي ذَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الظَّنُّ بِلا قَرِينَةٍ مُعْتَبَرَةٍ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ التَّكْذِيبَ بِالْقَدرِ وَهُوَ كُفْرٌ وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْتَقِدَ الْعَبْدُ أَنَّ شَيْئًا مِنَ الْجَائِزَاتِ الْعَقْلِيَّةِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [سُورَةَ الْقَمَر/49]. وَقَدْ فُسِّرَ الْقَدَرُ بِالتَّدْبِيرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ دَبَّرَ فِي الأَزَلِ الأَشْيَاءَ فَإِذَا وَقَعَتْ تَكُونُ عَلَى حَسَبِ تَقْدِيرِهِ الأَزَلِيِّ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْفَرَحُ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الْفَرَحَ بِالْمَعْصِيَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَمَنْ عَلِمَ بِمَعْصِيَةٍ حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْهَا وَلَوْ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ فَفَرِحَ بِذَلِكَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَأَمَّا الْفَرَحُ بِكُفْرِ الْغَيْرِ فَهُوَ كُفْرٌ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْغَدْرُ وَلَوْ بِكَافِرٍ كَأَنْ يُؤَمِّنَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ.

الشَّرْحُ أَنَّ الْغَدْرَ مِنَ الْمَعَاصِي الْمُحَرَّمَةِ وَهُوَ مِنْ قِسْمِ الْكَبَائِرِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ أَنْتَ فِي حِمَايَتِي ثُمَّ يَفْتِكَ بِهِ هُوَ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يَفْتِكُ بِهِ.

وَمِنَ الْغَدْرِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَغْدِرَ بِالإِمَامِ بَعْدَ أَنْ يُبَايِعَهُ بِأَنْ يَعُودَ مُحَارِبًا لَهُ أَوْ يُعْلِنَ تَمَرُّدَهُ عَلَى طَاعَتِهِ أَيْ بَعْدَ حُصُولِ الإِمَامَةِ لَهُ شَرْعًا أَيْ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ خَلِيفَةً وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى حُرْمَتِهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الإِمَامُ رَاشِدًا. وَأَمَّا الْغَدْرُ بِالْكَافِرِ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَمَّنَ الْكَافِرَ الإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ قِيلَ لَهُ لا بَأْسَ عَلَيْكَ أَوْ أَنْتَ ءَامِنٌ فَيَحْرُمُ الْغَدْرُ بِهِ بِالْقَتْلِ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ [سُورَةَ التَّوْبَة/6]. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَمِنَ الْغَدْرِ الْمُحَرَّمِ أَنْ يُعَامِلَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَخُونَهُ فِي الْوَزْنِ أَوِ الْكَيْلِ وَأَنْ يُضَيِّعَ وَدِيعَةً اسْتَوْدَعَهُ إِيَّاهَا الْكَافِرُ فَيُتْلِفَهَا أَوْ يَجْحَدَهَا وَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ يَجْحَدَهُ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمَكْرُ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الْمَكْرَ، وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ إِيقَاعُ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِ بِطَرِيقَةٍ خَفِيَّةٍ. رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ حَدِيثَ «الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» فَمَنْ مَكَرَ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ وَقَعَ فِي كَبِيرَةٍ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبُغْضُ الصَّحَابَةِ وَالآلِ وَالصَّالِحِينَ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ بُغْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالصَّحَابِيُّ هُوَ مَنْ لَقِيَهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الإِيْمَانِ بِهِ سَوَاءٌ طَالَتْ صُحْبَتُهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ تَطُلْ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ بَيْنَ صُحْبَتِهِ لَهُ وَبَيْنَ مَوْتِهِ عَلَى الإِسْلامِ رِدَّةٌ. وَالَّذِي يُبْغِضُ كُلَّ الصَّحَابَةِ يَكْفُرُ. وَأَمَّا الآلُ فَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَقْرِبَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ وَأَزْوَاجُهُ. وَأَمَّا الصَّالِحُونَ فَالْمُرَادُ بِهِمُ الأَتْقِيَاءُ الَّذِينَ أَدَوُا الْوَاجِبَاتِ وَاجْتَنَبُوا الْمُحَرَّمَاتِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْبُخْلُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ وَالشُّحُّ وَالْحِرْصُ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الْبُخْلَ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى كَالْبُخْلِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَالْبُخْلِ عَنْ دَفْعِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالأَطْفَالِ وَالْبُخْلِ عَنْ نَفَقَةِ الأَبَوَيْنِ الْمُحْتَاجَيْنِ وَالْبُخْلِ عَنْ مُوَاسَاةِ الْقَرِيبِ مَعَ حَاجَتِهِ. وَيُرَادِفُهُ الشُّحُّ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّ الشُّحَّ يُخَصُّ بِالْبُخْلِ الشَّدِيدِ. وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ الْحِرْصُ لِأَنَّ الْحِرْصَ هُوَ شِدَّةُ تَعَلُّقِ النَّفْسِ لِاحْتِوَاءِ الْمَالِ وَجَمْعِهِ عَلَى الْوَجِهِ الْمَذْمُومِ كَالتَّوَصُّلِ بِهِ إِلَى التَّرَفُّعِ عَلَى النَّاسِ وَالتَّفَاخُرِ وَعَدَمِ بَذْلِهِ إِلَّا فِي هَوَى النَّفْسِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالِاسْتِهَانَةُ بِمَا عَظَّمَ اللَّهُ وَالتَّصْغِيرُ لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ أَوْ قُرْءَانٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ جَنَّةٍ أَوْ عَذَابِ نَارٍ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ قِلَّةَ الْمُبَالاةِ بِمَا عَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الأُمُورِ كَأَنْ يَحْتَقِرَ الْجَنَّةَ كَقَوْلِ بَعْضِ الدَّجَاجِلَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ «الْجَنَّةُ لُعْبَةُ الصِّبْيَانِ» وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ «الْجَنَّةُ خَشْخَاشَةُ الصِّبْيَانِ» وَهَذَا حُكْمُهُ الرِدَّةُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ «جَهَنَّمُ مُسْتَشْفَى» أَيْ مَحَلُّ طَبَابَةٍ وَعِلاجٍ وَتَنْظِيفٍ لَيْسَتْ مَحَلَّ عِقَابٍ وَتَعْذِيبٍ وَذَلِكَ إِلْحَادٌ وَكُفْرٌ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ أَمِينِ شَيْخُو الدِّمَشْقِيِّ الَّذِينَ زَعِيمُهُمُ الْيَوْمَ عَبْدُ الْهَادِي الْبَانِي فَعَلَى زَعْمِهِمْ التَّعْذِيبُ لا يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ بِهِ وَيَقُولُونَ عَنِ الآيَةِ ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ [سُورَةَ غَافِر/3] مَعْنَاهُ شَدِيدُ التَّعَقُّبِ، وَيَقُولُونَ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُقْتَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ﴾ [سُورَةَ ءَالِ عِمْرَان/181] مَعْنَاهُ «قَتْلُ الْكُفَّارِ دَعْوَتَهُمْ» وَيَقُولُونَ «الأَنْبِيَاءُ لا يُصَابُونَ بِجُرُوحٍ بِسِلاحِ الْكُفَّارِ» وَيُنْكِرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ وَجْهُهُ، وَيَقُولُونَ «اللَّهُ شَاءَ السَّعَادَةَ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ» وَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ لا أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَقُولُونَ «عِلْمُ الدِّينِ يُؤْخَذُ مِنْ قُلُوبِ مَشَايِخِهِمُ النَّقْشَبَنْدِيِينَ مِنْ قَلْبٍ إِلَى قَلْبٍ وَلَيْسَ مِنَ الْكُتُبِ» فَهَؤُلاءِ يَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُمْ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ.

وَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَنْ مَعْصِيَةٍ مِنَ الْمَعَاصِي كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً «مَعْلِيش» وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْعَامِيَّةِ مَعْنَاهَا لا بَأْسَ بِذَلِكَ فَمَنْ قَالَ عَنْ مَعْصِيَةٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِمَعْنَى لا بَأْسَ فَهُوَ مُكَذِّبٌ لِلدِّينِ فَيَكُونُ مُرْتَدًّا.

وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الْقَلْبِيَّةِ تَصْغِيرُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْءَانِ أَوْ عِلْمِ الشَّرْعِ أَيْ عِلْمِ الدِّينِ أَوِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ الأَمْثِلَةِ لِلِاسْتِهَانَةِ بِالْجَنَّةِ وَتَصْغِيرِ عَذَابِ النَّارِ، وَأَمَّا الِاسْتِهَانَةُ بِالْقُرْءَانِ فَكَمِثْلِ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ عَبْدُ الْكَريِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الرِّسَالَةِ أَنَّ عَمْرَو بنَ عُثْمَانَ الْمَكِيَّ صُوفِيَّ مَكَّةَ فِي عَصْرِهِ رَأَى الْحَلَّاجَ الْحُسَيْنَ بنَ مَنْصُورٍ يَكْتُبُ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ هَذَا شَىْءٌ أُعَارِضُ بِهِ الْقُرْءَانَ فَمَقَتَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُحَسِّنُ بِهِ الظَّنَّ وَصَارَ يَلْعَنُهُ وَيُحَذِّرُ مِنْهُ حَتَّى بَعْدَ أَنْ غَادَرَ الْحَلَّاجُ مَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُ إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي يَحِلُّ بِهَا الْحَلَّاجُ، وَكَالَّذِي حَصَلَ مِنْ بَعْضِ التِّجَّانِيَّةِ فِي الْحَبَشَةِ مِنْ إِظْهَارِ الِاسْتِغْنَاءِ بِصَلاةِ الْفَاتِحِ عَنِ الْقُرْءَانِ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ بِكَلامِهِمْ مَا مَعْنَاهُ مَا لَكُمْ تَحْمِلُونَ هَذَا الرَّغِيفَ الثَّقِيلَ يَعْنِي الْقُرْءَانَ وَنَحْنُ بِغُنْيَةٍ عَنْهُ بِصَلاةِ الْفَاتِحِ، وَصَلاةُ الْفَاتِحِ هِيَ كَلِمَةٌ وَجِيزَةٌ وَهِيَ هَذِهِ الصِّيغَةُ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ وَالْهَادِي إِلَى صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ حَقَّ قَدْرِهِ وَمِقْدَارِهِ الْعَظِيمِ» وَهِيَ فِي الأَصْلِ مِنْ تَأْلِيفِ الشَّيْخِ مُصْطَفَى الْبَكْرِيِّ الصُّوفِيِّ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهَا كَثِيرٌ مِنَ التِّجَانِيَّةِ وَاعْتَبَرُوا الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا تَعْدِلُ سِتَّةَ ءَالافِ خَتْمَةٍ مِنَ الْقُرْءَانِ وَادَّعَوْا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا شَافَهَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقَظَةً الشَّيْخَ أَبَا الْعَبَّاسِ التِّجَّانِيَّ الَّذِي تَنْتَسِبُ إِلَيْهِ التِّجَّانِيَّةُ، عَلَى أَنَّنَا لا نَجْزِمُ بِأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْعَبَّاسِ هُوَ الْقَائِلُ لِمَا يَدَّعُونَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ كَذَبُوا عَلَيْهِ.

وَقَدْ تَكُونُ الِاسْتِهَانَةُ بِالإِخْلالِ بِالتَّعْظِيمِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِلَ الإِخْلالَ إِلَى حَدِّ الْكُفْرِ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ.