الخميس نوفمبر 21, 2024

مَعَاصِي الرِّجْلِ

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

الشَّرْحُ  أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَعَاصِي الرِّجْلِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الْمَشْيُ فِي مَعْصِيَةٍ كَالْمَشْيِ فِي سِعَايَةٍ بِمُسْلِمٍ أَوْ فِي قَتْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الَّتِي مِنَ الْكَبَائِرِ السِّعَايَةَ بِالْمُسْلِمِ لِلإِضْرَارِ بِهِ لأِنَّ السِّعَايَةَ فِيهَا أَذًى كَبِيرٌ لأِنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا إِدْخَالُ الرُّعْبِ إِلَى الْمَسْعِيّ بِهِ وَتَرْوِيعُ أَهْلِهِ بِطَلَبِ السُّلْطَانِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ يَهُودِيَيْنِ سَأَلا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [سُورَةَ الإِسْرَاء/101] فَأَجَابَهُمَا النَّبِيُّ وَذَكَرَ مِنْهَا «وَلا تَذْهَبُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ» الْحَدِيثَ. وَهَذَا إِذَا كَانَتِ السِّعَايَةُ بِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَمَّا السِّعَايَةُ بِحَقٍّ فَهِيَ جَائِزَةٌ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْمَشْيُ بِالرِّجْلِ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ كَالْمَشْيِ لِلزِّنَى بِامْرَأَةٍ أَوِ التَّلَذُّذِ الْمُحَرَّمِ بِمَا دُونَ ذَلِكَ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْمُسَمَّاةِ حِزْبَ التَّحْرِيرِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا أَنَّهُمْ نَشَرُوا بِطَرَابْلُسَ الشَّامِ مَنْشُورًا يَتَضَمَّنُ جَوَازَ مَشْيِ الرَّجُلِ لِلزِّنَى بِامْرَأَةٍ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ إِنَّمَا الْحَرَامُ الزِّنَى الْحَقِيقِيُّ بِاسْتِعْمَالِ الآلَةِ قَالُوا وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ بِقَصْدِ الْفُجُورِ بِغُلامٍ لا يَكُونُ مَعْصِيَةً إِلاَّ بِاسْتِعْمَالِ الآلَةِ فِيهِ وَكَفَاهُمْ هَذَا خِزْيًا.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِبَاقُ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ وَمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ بِرِّ وَالِدَيْهِ أَوْ تَرْبِيَةِ الأَطْفَالِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ إِبَاقَ أَيْ هُرُوبَ الْعَبْدِ أَيِ الْمَمْلُوكِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ سَيِّدِهِ وَالزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَذَلِكَ كَبِيرَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْهَرَبُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي يَلْزَمُهُ كَأَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ بِأَنْ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً عَمْدًا ظُلْمًا أَوْ فَقَأَ عَيْنَ شَخْصٍ مَعْصُومٍ عَمْدًا ظُلْمًا، أَوْ لَزِمَهُ نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلْوَالِدَيْنِ أَوْ لِلأَطْفَالٍ. وَتَحْريِمُ الْهُرُوبِ مِنَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ يَعُولُ» رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ أَيْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ التَّبَخْتُرَ فِي الْمَشْيِ أَيْ مِشْيَةَ الْكِبْرِ وَالْخُيَلاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ [سُورَةَ الإِسْرَاء/37] أَيْ لا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مُخْتَالًا فَخُورًا، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ وَلا اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَخَطِّي الرِّقَابِ إِلَّا لِفُرْجَةٍ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ تَخَطِّي الرِّقَابِ أَيْ إِذَا كَانَ النَّاسُ يَتَأَذَّوْنَ بِذَلِكَ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ بُسْرٍ جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اجْلِسْ فَقَدْ ءَاذَيْتَ» رَوَاهُ أُبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ»، فَإِنْ كَانُوا لا يَتَأَذَّوْنَ بِتَخَطِّيهِ لِرِقَابِهِمْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ . وَأَمَّا التَّخَطِّي لِفُرْجَةٍ أَيْ لِأَجْلِ سَدِّهَا فَهُوَ جَائِزٌ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُ السُّتْرَةِ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي الرِّجْلِ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي صَلاةً صَحِيحَةً بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ الْمُصَلِّي مَعَ حُصُولِ السُّتْرَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِأَنْ قَرُبَ مِنْهَا ثَلاثَةَ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ بِذِرَاعِ الْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ وَكَانَتْ مُرْتَفِعَةً ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ. وَتَحْريِمُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فَإِذَا وُجِدَتِ السُّتْرَةُ سُنَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْفَعَ الْمَارَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ السُّتْرَةُ فَلَيْسَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُزْعِجَ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوِ اقْتَرَبَ مِنْهُ بِذِرَاعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَدُّ الرِّجْلِ إِلَى الْمُصْحَفِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُرْتَفِعٍ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الرِّجْلِ مَدَّهَا إِلَى الْمُصْحَفِ إِذَا كَانَ قَرِيبًا غَيْرَ مُرْتَفِعٍ عَلَى شَىْءٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِهَانَةً لَهُ، كَمَا يَحْرُمُ كَتْبُهُ بِنَجِسٍ وَمَسُّهُ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ رَطْبٍ أَوْ جَافٍّ. وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِ كَتْبِ الْفَاتِحَةِ بِالْبَوْلِ لِلِاسْتِشْفَاءِ إِنْ عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ فَهُوَ ضَلالٌ مُبِينٌ. أَنَّى يَكُونُ فِي ذَلِكَ شِفَاءٌ وَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ ذَلِكَ، كَيْفَ وَقَد نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ تَقْلِيبِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِالإِصْبَعِ الْمَبْلُولَةِ بِالْبُصَاقِ، كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ عِلَّيْش الْمَالِكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ رِدَّةٌ مَعَ أَنَّ إِطْلاقَ هَذَا الْقَوْلِ غَيْرُ سَدِيدٍ لَكِنْ تَحْريِمُ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ تَرَدُّدٌ. وَيَحْرُمُ كِتَابَةُ شَىْءٍ مِنَ الْقُرْءَانِ الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِدَمِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ لِلِاسْتِشْفَاءِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأَغْرَاضِ.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكُلُّ مَشْيٍ إِلَى مُحَرَّمٍ وَتَخَلُّفٍ عَنْ وَاجِبٍ.

الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الْمَشْيَ بِهَا إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى اخْتِلافِ أَنْوَاعِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ إِلَى مَا فِيهِ إِضَاعَةُ وَاجِبٍ كَأَنْ يَمْشِيَ مَشْيًا يَحْصُلُ بِهِ إِخْرَاجُ صَلاةٍ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [سُورَةَ الْمُنَافِقُونَ/9].