الخميس مارس 28, 2024

بيانُ أَنَّ لفظَ “ءاه” ليسَ مِنْ أسماءِ اللهِ:

       اعلمْ أنَّهُ لا يجوزُ اعتقادُ أنَّ “ءاه” اسمٌ مِنْ أسماءِ اللهِ، ولقدْ غلَا بعضُهم فقالَ: ينبغي للمريضِ أنْ يقولَ: “ءاه” لأنَّه وَرَدَ أنَّه اسمٌ مِن أسمائِهِ تعالى” اهـ وهذا خلافُ قولِ الفقهاءِ في استحبابِ تركِ المريضِ الأنينَ ما أطاقَ([1])، ناهيكَ عن أنَّ “ءاهٍ” ليسَ مِن أسماءِ اللهِ بلْ هو اسمٌ وُضِعَ للتوجُّعِ والأنينِ. وكيفَ يصحُّ كونُ لفظٍ يدلُّ على الشِّكايةِ والتوجُّعِ اسمًا للهِ حاشَا- فما كانَ كذلكَ مِنَ الأسماءِ فإنَّهُ يستحيلُ أنْ يكونَ اسمًا للهِ وهوَ قولٌ مخالفٌ للقرآنِ والحديثِ ولأقوالِ علماءِ المذاهبِ الأربعَةِ.

أَوَّلًا: مُخَالَفَتُهُ القُرْءَانَ الكَرِيْمَ: ففي كتابِ اللهِ أنَّ اللهَ تعالى وَصفَ نفسَه بأنَّ لهُ الأسماءَ الدالَّةَ على الكمالِ فقالَ: ﱡﭐ         ([2])، ومعنى الحُسنى الدالَّةُ على الكمَالِ، فلا يجوزُ أنْ يكونَ اسمٌ مِنْ أسماءِ اللهِ دالًّا على خلافِ الكمالِ.

قالَ الإمامُ أبو سليمانَ الخطابيُّ البستيُّ([3]): “ودليلُ هذهِ الآيةِ أنَّ الغَلَطَ في أسمائِهِ والزيغَ عنهَا إلحادٌ” اهـ ([4]).

ثانيًا: مُخَالَفَتُهُ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ الشَّرِيْفَةَ: فقَدْ ثَبَتَ عنهُ أنَّهُ قالَ: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُم فَلَا يَقُلْ: ءَاهٍ ءَاهٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ)) أَوْ قَالَ: ((يَلْعَبُ مِنْهُ))([5]) فلو كانَ لفظُ ءاهٍ مِنْ أسماءِ اللهِ تعالى التي يُتقرَّبُ بها إلى اللهِ كمَا يزعمونَ لم يقُلِ النبيُّ : ((فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ)).

حَدِيْثٌ مَوْضُوْعٌ: روى الديلميُّ في مسندِ الفردوسِ([6]) والرافعيُّ في تاريخِ قزوينَ ([7]) أنَّ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالتْ: دخلَ علينا رسولُ اللهِ وعندنا مريضٌ يئنُّ فقلنا لهُ: اسكتْ فقدْ جاءَ النبيُّ فقالَ النبيُّ: ((دَعُوْهُ يَئِنُّ فَإِنَّ الأَنِيْنَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى يَسْتَرِيْحُ إِلَيْهِ العَلِيْلُ)) فهوَ حديثٌ موضوعٌ جزمًا أي مكذوبٌ على رسولِ اللهِ وحاشا أنْ يقولَ النبيُّ ذلكَ، وهذا الحديثُ الموضوعُ رواهُ السيوطيُّ في الجامعِ الصغيرِ ([8]) وسكتَ عليهِ، فتعقَّبَهُ الحافظُ أحمدُ بنُ الصدِّيقِ الغماريُّ ([9]) وحكمَ بوضعِه فقالَ ما نصُّه: “أخرجَه أيضًا الديلميُّ مِن طريقِ الطبرانيِّ وفيهِ محمدُ بنُ أيوبَ ابنِ سويدٍ الرمليُّ وهوَ متَّهَمٌ بوضعِ الحديثِ، ولي في بيانِ وضعِهِ جزءٌ مستقلٌ” اهـ .وممنْ ردَّه أيضًا المناويُّ فقالَ ما نصُّه: “لكنْ هذا لم يَرِدْ فيهِ حديثٌ صحيحٌ ولا حسنٌ، وأسماؤُه تعالى توقيفيةٌ” ([10]) اهـ.

ثالِثًا: مخَالَفَتُهُ لِأَقْوَالِ الفُقَهَاءِ: ذكرَ ابنُ المنذرِ ([11]) أنَّ الأنينَ -وهوَ قولُ “ءاه” و”أوه” وفيها لغاتٌ كثيرةٌ -يفسدُ الصلاةَ ([12])، وحكاهُ ابنُ المنذرِ عنِ الشعبيِّ والنخعيِّ ومغيرةَ وسفيانَ الثوريِّ ([13]). وقالَ العمرانيُّ: “فإنْ تنحنحَ أو أَنَّ أو تنفسَ أو نفخَ فإنْ تبينَ منهُ حرفانِ مثلُ أنْ يقولَ: “ءاه” أو “واه” أو “أف” بطلتْ صلاتُه لأنَّ ذلكَ يُعَدُّ كلامًا”([14])، وقالَ المقدسيُّ الحنبليُّ ما نصُّه: “ولم أرَ عنْ أحمدَ في التأوُّهِ شيئًا ولا في الأنينِ، والأشبهُ بأصولِنا أنَّه متى فَعَلَه مختارًا أفسدَ صلاتَه” ([15]).

رابِعًا: مُخَالَفَتُهُ لِأَقْوَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ: أوردَ الحافظُ اللغويُّ الفقيهُ محمدُ مرتضى الزبيديُّ([16]) في شرحِ القاموسِ جملةً مِنْ ألفاظِ الأنينِ إلى أنْ قالَ: “فهنَّ اثنتانِ وعشرونَ لغةً، كلُّ ذلكَ كلمةٌ تقالُ عندَ الشكايةِ أوِ التوجعِ والتحزُّنِ” ([17]) اهـ.

فَاْئِدَةٌ: عنْ أَنَسِ بنِ مَالِكِ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: ((مَنْ قَاْلَ حِيْنَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِيْ: اللهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلاَئِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللهُ رُبعَهُ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ قالَهَا مَرَّتَينِ أَعْتَقَ اللهُ نِصْفَهُ، وَمَنْ قالَهَا ثَلاَثًا أَعْتَقَ اللهُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا اعْتَقَهُ اللهُ مِنَ النَّارِ))([18]).



([1]) قال الرافعي في شرح الوجيز: “ويستحب له الصبر على المرض والتداوي وترك الأنين ما أطاق” اهـ. ج 2 ص392 .  

.180 سورة الأعراف / ([2])

 ([3])الخطابي الإمام العلامة الحافظ اللغوي أبو سليمان حمد بن محمد البستي الخطابي. ولد سنة بضع عشرة وثلاثمائة، وأخذ الفقه الشافعي عن أبي بكر القفال الشاشي، حدث عنه أبو عبد الله الحاكم وهو من أقرانه في السن والسند، والإمام أبو حامد الأسفراييني والبيهقي، توفي الخطابي سنة 388هـ.اهـ سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ص3.

زاد المسير لابن الجوزي ج 3 ص 198. ([4])

 ([5])سنن الترمذي ج 8 ص 18، ومسند أحمد ج 2 ص 521، وسنن أبي داوود ج 13 369.

 مسند الفردوس للديلمي ج 5 ص 431.([6])

 تاريخ قزوين للرافعي ج 4 ص 72.([7])

 الجامع الصغير وزوائده للسيوطي قسم الأقوال ج4 ص 347.([8])

 المغير على الجامع الصغير لأحمد بن الصديق الغماري ص 62 -63.([9])

 فيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي ج 3 ص 533.([10])

  ([11])أبو بكر بن المنذر الإمام المشهور، النيسابورى المجمع على إمامته، وله المصنفات المهمة النافعة فى الإجماع والخلاف، وتوفى بمكة سنة تسع أو عشر وثلاثمائة.اهـ  تهذيب الأسماء واللغات للنووي ج 2 ص 197.

([12]) الأوسط لابن النذر كتاب صفة الصلاة جماع أبواب الكلام المباح في الصلاة وذكر الأنين والتأوه في الصلاة .

([13])  قال: ثم في مذهب الشافعي ثلاثة أوجه أصحها: إن ظهر منه حرفان أفسد وإلا فلا.

 البيان للعمراني ج 2 ص 309.([14])

 المغني والشرح الكبير لابن قدامة المقدسي ج 2 ص 403.([15])

 ([16]) هو السيد مرتضى الزبيدي خاتمة اللغويين، الفقيه المحدث اللغوي النحوي الأصولي، ولد سنة 1145هـ، وأصيب بالطاعون في شهر شعبان، وتوفي ودفن بقبر أعده لنفسه رحمه الله سنة 1204هـ اهـ حلية البشر لعبد الرزاق البيطار.

تاج العروس من جواهر القاموس باب الهاء فصل الهمزة، وكذا ذكر صاحب لسان العرب باب الهمزة (أنن). ([17])

سنن أبي داوود كتاب الأدب باب ما يقول إذا أصبح. ([18]