قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا.
الشَّرْحُ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى الْقِدَمُ وَوَجُوبُهُ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ أَىْ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا أَىْ أَزَلِيًّا لَكَانَ حَادِثًا وَلَوْ كَانَ حَادِثًا لَاحْتَاجَ إِلَى مُحْدِثٍ وَذَلِكَ يُنَافِى الأُلُوهِيَّةَ ثُمَّ الْحُدُوثُ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ شَرْعًا أَيْضًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ﴿هُوَ الأَوَّلُ﴾ [سُورَةَ الْحَدِيد/3] أَىِ الْمَوْجُودُ الَّذِى لَيْسَ لَهُ ابْتِدَاءٌ فَالأَوَّلُ فِى هَذِهِ الآيَةِ الْمَوْجُودُ الَّذِى لَيْسَ لِوُجُودِهِ ابْتِدَاءٌ لِأَنَّ الأَوَلِيَّةَ النِّسْبِيَّةَ يَقْتَرِنُ بِهَا الْحُدُوثُ الَّذِى هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ فَلا مَعْنَى لِلأَوَّلِيَّةِ فِى حَقِّ اللَّهِ إِلَّا الأَوَّلِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ. وَيَجِبُ الْقِدَمُ أَيْضًا لِصِفَاتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةً بَلْ كَانَتْ تَحْدُثُ فِى الذَّاتِ لَكَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِحُدُوثِ الذَّاتِ، فَتَغَيُّرُ الأَحْوَالِ عَلَى الذَّاتِ هُوَ أَكْبَرُ أَدِلَّةِ الْحُدُوثِ فَصِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ بِأَزَلِيَّةِ الذَّاتِ أَىْ لا يَجُوزُ أَنْ تَخْتَلِفَ الصِّفَاتُ عَنِ الذَّاتِ الْقَدِيمِ الأَزَلِىِّ. فَنَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لا يَطْرَأُ عَلَى اللَّهِ صِفَةٌ لَمْ تَكُنْ فِى الأَزَلِ وَلا يَتَجَدَّدُ لِلَّهِ عِلْمٌ وَلا إِرَادَةٌ وَلا قُدْرَةٌ وَلا حَيَاةٌ وَلا سَمْعٌ وَلا بَصَرٌ.
ثُمَّ الصِّفَاتُ الَّتِى يَجِبُ لَهَا الْقِدَمُ اخْتَلَفَ فِيهَا طَائِفَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ صِفَاتٌ أَزَلِيَّةٌ أَىْ صِفَاتُ الذَّاتِ فَعِنْدَ هَؤُلاءِ صِفَاتُ الأَفْعَالِ حَادِثَةٌ لِأَنَّهَا لا تَقُومُ بِالذَّاتِ إِنَّمَا هِىَ ءَاثَارُ الْقُدْرَةِ الأَزَلِيَّةِ، هَؤُلاءِ هُمُ الأَشَاعِرَةُ أَىِ الطَّائِفَةُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى الإِمَامِ أَبِى الْحَسَنِ الأَشْعَرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلُ جَمِيعِ الأَشَاعِرَةِ بَلْ هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَى أَكْثَرِ الأَشَاعِرَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُولُ بِأَزَلِيَّةِ صِفَاتِ الأَفْعَالِ أَيْضًا وَصِفَاتُ الأَفْعَالِ هِىَ إِحْيَاؤُهُ لِمَنْ شَاءَ حَيَاتَهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَإِمَاتَتُهُ لِمَنْ يُمِيتُهُ وَالإِسْعَادُ وَالإِشْقَاءُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لا يُحْصَى وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ بِالتَّكْوِينِ فَالتَّكْوِينُ عِنْدَهُمْ صِفَةٌ مِنَ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ الأَزَلِيَّةِ. وَلا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ التَّكْوِينِ قِدَمُ الْمُكَوَّنِ، قَالُوا كَمَا لا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ قِدَمُ الْمَقْدُورَاتِ فَهَذَا الْعَالَمُ مَقْدُورَاتُ اللَّهِ أَحْدَثَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ فَالْقُدْرَةُ أَزَلِيَّةٌ وَمُتَعَلَّقُهَا وَهُوَ الْعَالَمُ حَادِثٌ قَالُوا كَذَلِكَ التَّكْوِينُ أَزَلِىٌّ وَالْمُكَوَّنَاتُ حَادِثَةٌ وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا بِالْفِعْلِ فَيُقَالُ فِعْلُ اللَّهِ أَزَلِىٌّ وَمَفْعُولُهُ حَادِثٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ وَظَهَرَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزْدَدْ بِإِحْدَاثِهِ الْخَلْقَ صِفَةً حَادِثَةً.