الإثنين ديسمبر 8, 2025

ما جاء فى بدء الخلق

 

   (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن بدء الأمر »كان الله ولم يكن شىء غيره وكان عرشه على الماء وكتب فى الذكر كل شىء ثم خلق السموات والأرض« رواه البخارى) والسائل هم أناس من أهل اليمن قالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه فى الدين ولنسألك عن بدء هذا الأمر ما كان (أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا السؤال بأن الله لا بداية لوجوده أى أزلى ولا أزلى سواه) لأنه فى الأزل لم يكن ماء ولا هواء ولا نور ولا مكان ولا ظلام ولا ليل ولا نهار (وبعبارة أخرى ففى الأزل لم يكن إلا الله تعالى) وقوله »وكان عرشه على الماء« أى وجد عرشه على الماء أى أن الماء خلق قبل العرش ثم خلق العرش فهما أول المخلوقات من الأشياء المحسوسة أما من غير المحسوسة فالزمان والمكان وجدا بوجود الماء، والعرش سرير كبير له أربعة قوائم ليس كسريرنا يحمله أربعة من الملائكة، وقوله عليه الصلاة والسلام »وكتب فى الذكر كل شىء« أى أمر الله القلم الأعلى بأن يكتب على اللوح المحفوظ ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، والقلم واللوح جرمان عظيمان علويان ليسا كأقلامنا وألواحنا، وقوله »ثم خلق السموات والأرض« معناه أن السموات والأرض خلقت بعد هذه الأشياء الأربعة وذلك بعد خمسين ألف سنة لحديث مسلم »إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة« والسموات وهى سبع والأرضون وهى سبع وكل سماء منفصلة عن الأخرى بفراغ واسع وكل أرض منفصلة عن الأخرى بفراغ واسع. والله خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام وكل يوم من هذه الأيام قدر ألف سنة بتقدير أيامنا هذه (والله تعالى خالق كل شىء أى مخرجه من العدم إلى الوجود ومعنى خلق كل شىء أنه أخرج جميع الموجودات من العدم إلى الوجود) ولا يضاف الخلق بهذا المعنى إلا لله (والله تعالى حى لا يموت لأنه لا نهاية لوجوده أى أبدى فلا يطرأ عليه العدم إذ لو جاز عليه العدم لاستحال عليه القدم أى الأزلية) ثم الأزلى لا يكون إلا أبديا أى أن الذى لم يسبقه عدم لا يلحقه عدم (وحكم من يقول »الله خلق الخلق فمن خلق الله« التكفير قطعا لأنه نسب إلى الله تعالى العدم قبل الوجود ولا يقال ذلك إلا فى الحوادث أى المخلوقات) روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك فليقل ءامنت بالله ورسله« ففى هذا الحديث دواء لما يخالج كثيرا من النفوس، وقولهم من خلق الله هو سؤال المحال وذلك أن الذى تقتضيه البراهين العقلية والنصوص القرءانية أن صانع العالم يجب أن يكون أزليا فيستحيل أن يكون له خالق (فالله تعالى واجب الوجود أى لا يتصور فى العقل عدمه فليس وجوده كوجودنا الحادث لأن وجودنا بإيجاده تعالى وكل ما سوى الله جائز الوجود أى يمكن عقلا وجوده بعد عدم وإعدامه بعد وجوده بالنظر لذاته فى حكم العقل) أما المستحيل العقلى فهو ما لا يتصور فى العقل وجوده كوجود الشريك لله (واعلم أن أقسام الموجود ثلاثة الأول أزلى أبدى وهو الله تعالى فقط أى لا بداية ولا نهاية لوجوده) وقد سئل أبو حنيفة رضي الله عنه عن الله فقال »كان كما هو ويكون على ما كان« ذكره فى إحدى رسائله الخمس فقوله »كان كما هو« فيه إثبات الأزلية وقوله »ويكون على ما كان« فيه إثبات الأبدية. فالله تعالى لا بداية لوجوده لأنه أزلى وبثبوت القدم له عقلا وجب له البقاء لأنه لو أمكن أن يلحقه العدم لانتفى عنه القدم وانتفاء القدم عنه مستحيل فانتفى عنه إمكان الفناء فهو الباقى لذاته. ويجب القدم أيضا لصفاته لأنه لو لم تكن صفاته أزلية بل كانت تحدث فى الذات لكان ذلك موجبا لحدوث الذات فعلم من ذلك أنه لا يطرأ على الله صفة لم تكن فى الأزل (وحكم من يقول إن هناك شيئا أزليا سوى الله التكفير قطعا ولذلك كفرت الفلاسفة باعتقادهم السفيه أن العالم قديم أزلى لأن الأزلية لا تصح إلا لله تعالى فقط) فمن اعتقد أن العالم أزلى لا بداية له وأنه لم يزل موجودا مع الله بمادته وصورته أو بمادته فقط كابن تيمية فهو كافر قال الزركشى فى كتابه تشنيف المسامع »وهذا العالم بجملته علويه وسفليه وجواهره وأعراضه محدث بمادته وصورته كان عدما فصار موجودا وعليه إجماع أهل الملل ولم يخالف إلا الفلاسفة ومنهم الفارابى وابن سينا قالوا إنه قديم بمادته وصورته وقيل قديم المادة محدث الصورة« ثم قال »وقد ضللهم المسلمون فى ذلك وكفروهم« انتهى ويعنى بذلك أن هذا كفر بإجماع علماء الإسلام (والثانى) من أقسام الموجود (أبدى لا أزلى أى أن له بداية ولا نهاية له وهو الجنة والنار فهما مخلوقتان أى لهما بداية إلا أنه لا نهاية لهما أى أبديتان فلا يطرأ عليهما خراب أو فناء لمشيئة الله بقاءهما أما من حيث ذاتهما فيجوز عليهما الفناء عقلا) فالجنة والنار بقاؤهما ليس بالذات بل لأن الله شاء بقاءهما فالجنة باعتبار ذاتها يجوز عليها الفناء وكذلك النار باعتبار ذاتها يجوز عليها الفناء بخلاف الناس والملائكة والجن فإنهم يفنون لأن الله لم يشأ بقاءهم فعلم بذلك أنه لا باقى بذاته إلا الله. وبهذا يندفع استشكال بعض الناس لبقاء الجنة والنار حيث توهم أن فى ذلك تشريكا لهما مع الله ولا يلزم من ذلك المشاركة لأن بقاء الله واجب أى لا يقبل العقل خلافه وأما بقاء الجنة والنار ليس بقاء واجبا عقليا إنما هو من الجائزات العقلية لكن وجب لهما البقاء من حيث حكم الله تعالى ببقائهما (والثالث لا أزلى ولا أبدى أى أن له بداية وله نهاية وهو كل ما فى هذه الدنيا من السموات السبع والأرض فلا بد من فنائهما وفناء ما فيهما من إنس وجن وملائكة) قال تعالى ﴿كل من عليها فان﴾ أى أن كل من على الأرض يفنى وفناء البشر معناه مفارقة أرواحهم لأجسادهم. فالآية نص فى فناء من على وجه الأرض وأما فناء أهل السموات فهو يفهم من قول الله تعالى ﴿ويبقى وجه ربك﴾ ومعنى الوجه هنا الذات أى يبقى الله. (واعلم أنه جرت عادة العلماء على ذكر أن الحكم العقلى ينقسم إلى ثلاثة الوجوب والاستحالة والجواز وقالوا الواجب ما لا يتصور) فى العقل (عدمه وهو الله وصفاته) أى أن العقل يحتم وجوده ولا يقبل انتفاءه (والمستحيل ما لا يتصور فى العقل وجوده) كالشريك لله تعالى والعجز والجهل بالنسبة إلى الله (وقد يعبرون عنه بالممتنع) فكل ما لا يجوز على الله فهو مستحيل عقلى. ومن المستحيل العقلى كون الحادث أزليا. أما المستحيل العادى فيصح وجوده عقلا لكن عادة لا يصح كوجود جبل من زئبق فهذا لا يحصل فى الدنيا على حسب العادة (والجائز) العقلى (ما يتصور فى العقل وجوده وعدمه) ويقال له الممكن العقلى أى يمكن وجوده بعد عدم وإعدامه بعد وجوده بالنظر لذاته فى حكم العقل وهو هذا العالم (ولذلك يصفون الله بالواجب الوجود) لأنه لا يتصور فى العقل عدمه.