السبت سبتمبر 7, 2024

مواجهة موسى عليه السلام لفرعون وتكذيب فرعون لموسى وعناده

سار موسى عليه السلام بأهله نحو مصر حتى وصلها ليلاً وكان هارون عليه السلام يومئذ غائبًا بمصر، فأوحى الله تعالى إليه أن يتلقى أخاه موسى عليه السلام ويخبره أنه قد جعله وزيرًا له ورسولاً معه، وتلقى هارون موسى فلما اجتمعا والتقيا قال موسى لأخيه هارون: إن الله أمرني أن ءاتي فرعون فسألته أن يجعلك معي فانطلق معي إليه، وانطلق موسى وهارون عليهما السلام إلى قصر فرعون ليلاً، وطلب موسى من البواب أن يأذن له بالدخول على الملك أي فرعون، وعندما سأله البواب بقوله: وماذا أقول لفرعون؟ أجابه موسى: قل له جاءك رسول رب العالمين، ففزع البواب من كلام موسى ودخل على فرعون مرعوبًا وقال له: إن بالباب إنسانًا مجنونًا يزعم أنه رسول رب العالمين، فأخذت فرعون رعدة وهيبة وأمر بوابه بإدخاله مع أخيه هارون عليهما السلام، فلما دخل موسى ومعه أخوه هارون على فرعون في قصره دَعَواه إلى عبادة الله وحده لا شريك له في الألوهية والدخول في دين الإسلام وبلّغاه ما ارسلا به، وأن يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته ويتركهم يعبدون الله تعالى وحده ويتفرغون لعبادته، وهنا تكبّر فرعون في نفسه وعتا وطغى وأخذته العزة بالإثم ونظر إلى موسى وهارون بعين الازدراء، وقال لهما: وهل يوجد إله غيري؟ ولما تحقق فرعون من موسى وعلم أنه الذي تربى في بيته وقصره ثم كان من أمره ما كان، قال لموسى: ألم نربك فينا وليدًا ولبثت فينا من عمرك سنين؟ أي أما أنت الذي ربيناه في منزلنا وأحسنّا إليه وأنعمنا عليه مدة من الدهر؟ قال تعالى: {فأتيا فرعونَ فقولا إنَّا رسولُ ربِّ العالمين* أنْ أرسِلْ معَنا بني إسرائيل* قالَ ألمْ نُربِّكَ فينا وليدًا ولبثتَ فينا مِنْ عُمركَ سنين* وفعلتَ فَعْلتكَ التي فعلتَ وأنتَ مِنَ الكافرين* قال فعلتُها إذًا وأناْ مِنَ الضَّالين* ففرَرْتُ مِنكُم لمَّا خِفتُكم فوهبَ لي ربي حُكمًا وجعلني مِنَ المُرسلين} [سورة الشعراء/١٦-٢١].

 

ومعنى قوله: {وأناْ مِنَ الضالين} أي ما كنت أعرف الاحكام الشرعية في ذلك الوقت هذا قبل أن يوحى إليه، ولما ضرب ذلك الكافر لم يكن في ذلك الوقت نبيًا.

 

وأخذ فرعون يجادل موسى عليه السلام وجحد وجود الله الخالق الصانع وزعم أنه هو وحده الإله، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عما جرى بين نبيه موسى عليه السلام وفرعون من الجدال والمناظرة: {قالَ فرعونُ وما ربُّ العالمين* قالَ ربُّ السَّمواتِ والأرضِ وما بينهما إن كنتُم موقنين* قالَ لِمَنْ حولهُ ألا تستمعون* قالَ ربُّكم وربُّ ءابائكم الأوَّلين* قالَ إنَّ رسولكم الذي أُرسِلَ إليكُم لمجنونٌ* قالَ ربُّ المشرقِ والمغربِ وما بينهما إن كنتم تَعقلون} [سورة الشعراء/٢٣-٢٨].

 

أظهر فرعون كل عناد وتكبر بالذي جاءه وبلغه إياه موسى عليه السلام مع الحجج القوية الباهرة، ومع هذا كله لم يستفق من رقدته ولم يتراجع عن ضلالاته بل استمر على طغيانه وعناده وكفرانه مع ما في كلام موسى عليه السلام له من الحجج والبراهين الساطعة النيرة يقول الله تعالى في فرعون وفساده: {فحشَرَ فنادى* فقالَ أناْ ربُّكُمُ الاعلى} [سورة النازعات/٢٣-٢٤]، وقال تعالى: {وقالَ فرعونُ يا أيُّها الملأ ما علمْتُ لكم مِن إلهٍ غيري} [سورة القصص/٣٨]، ثم قال فرعون لمن حوله من أمرائه ووزرائه على سبيل التهكم ألا تستمعون لكلامه، قال تعالى: {قالَ لمن حوله ألا تستمعون} [سورة الشعراء/٢٥] فأجابه موسى: {قال ربُّكُم وربُّ ءابائكُم الأوَّلين} [سورة الشعراء/٢٦].

 

بعد أن قامت الحجج على فرعون وانقطعت شبهه الواهية ولم يبق له إلا العناد والتكبر عدل إلى استعمال سلطانه وجاهه وسطوته وجبروته، يقول الله تعالى حكاية عنه: {قالَ لئنِ اتَّخذتَ إلهًا غيري لأجعلنَّكَ مِنَ المسجونين* قالَ أوَلوْ جِئتُكَ بشيءٍ مبينٍ* قالَ فأتِ بهِ إن كنتَ مِنَ الصادقين* فألقى عصاهُ فإذا هيَ ثُعبانٌ مبينٌ* ونزَعَ يدهُ فإذا هيَ بيضاءُ للناظرين} [سورة الشعراء].

 

لذلك خافه فرعون ووثب فزعًا، ثم أدخل موسى عليه السلام يده البيضاء في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالثلج لها نور يتلألأ ثم ردّها فعادت كما كانت بقدرة الله ومشيئته.

 

وهاتان المعجزتان هما البرهانان اللذان أيد الله تبارك وتعالى بهما نبيّه موسى عليه السلام لما أرسله إلى فرعون وأتباعه وهما معجزتان أبهرتا العقول والأبصار، فحين ألقى موسى عليه السلام عصاه أمام فرعون إذا هي ثعبان مبين أي عظيم الشكل في الضخامة والهول والمنظر الفظيع الباهر، حتى قيل إن فرعون لما شاهد معجزة العصا وعاينها أخذه خوف عظيم انعكس اثر ذلك على صحته وحالته، وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها إذا هي كفلقة القمر تتلألأ نورًا يبهر الأبصار، فلما أعادها إلى جيبه واستخرجها رجعت إلى صتها الأولى، ومع هذا كله لم يقتنع فرعون بشيء من ذلك بل استمر على كفره وطغيانه وادعى أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة فأرسل يجمعهم من سائر مملكته ومن هم في رعيته وتحت سلطته ودولته، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.