الخميس يناير 2, 2025
  • من معاصي البدن التجسس على عورات الناس

     

    إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي حضّ على التقوى ووصى وأحاط بكل شىء علمًا وأحصى خلق الإنسان في أحسن تقويم ما ترى في خلق الرحمن تفاوتًا ولا نقصًا وفضّل أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمَم كما هو مذكور في القرءان قصصًا. وأشهد أنّ سيدنا ونبينا محمّدًا عبده ورسوله الذي صار بالشفاعة العظمى مختصًا. اللهمّ فصلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبي الكريم والرسول السيّد السند العظيم سيِّدنا محمّد وعلى ءاله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

    وبعد عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم القائل في كتابه الكريم: {يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرًا من الظنِّ إنّ بعض الظنّ إثم ولا تجسّسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إنّ الله توّاب رحيم} الحجرات/12 .

    عباد الله، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم تزينوا للعرض الأكبر {يومئذٍ تُعرضون لا تخفى منكم خافية} الحاقّة/18 .

    فاتقوا الله عباد الله .

    فبالله عليك يا رفيع القدر بالتقوى

    لا تبـع عِزّهـا بذلِّ المعاصـي

    فمِمّا نهى الله تعالى ورسوله عنه التجسّس على عورات الناس أي التطلّع على عوراتهم والتتبع لها. قال تعالى: {ولا تجسّسوا} ويقول حبيبنا محمّد صلوات ربِّي وسلامه عليه: “لا تجسّسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا” .

    فلا يبحث احدكم عن عيب أخيه ليطلع عليه إذا ستره الله. فمن الناس من يتجسّس على عورات الناس ، يبحث عن عيوب الناس وعوراتِهم ، يفتِّش عن مساوىء الناس ، يفتِّش عمّا لا يريد الناس الاطلاع عليه، يريد أن يعرف عنهم القبيح من القول أو الفعل فيسأل عنه الناس أو يبحث عنه بنفسه من دون سؤال . ولقد روى الحاكم في مستدركه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “من رأى عورةً فسترها كان كمن أحيا موؤدة في قبرها”. والعورة ما يُعاب عليه ويُستحى منه أن يطّلع عليه الناس .

    فهذا الحديث يخبرنا بأنّ من رأى عورةً أي لمسلمٍ فسترها أي لم يبُثّها بين الناس بل أخفاها فله أجر شبيه بأجر من أحيا موؤدةً أي أنقذ بنتًا مولودةً دفنت وهي حيّة كما كان جاهلية العرب يفعلون.

    الرسول صلى الله عليه وسلم شبّه هذا الذي يرى عورةً لمسلمٍ فسترها بأجر هذا الإنسان الذي رأى موؤدةً فأنقذها قبل أن تموت.

    وقد حصل في زمان سيِّدنا عمر رضي الله عنه قصة فيها دليل على مشروعيّة الستر على المسلم وهي “أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: يا أمير المؤمنين إني كنت وأدت بنتًا لي في الجاهليّة (أي قبل أن أُسلِم) ثم أخرجتها قبل أن تموت ثم أدركنا الإسلام فأسلمت ونحن أسلمنا ثم ارتكبت حدًا من حدود الله (أي زنت قبل أن تتزوّج) فأخذت شفرةً لتذبح نفسها (أي من عظم ما وقعت فيه من الفضيحة) فأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها (أي بعض عروق العنق من الجانبين) فداويناها ثم تابت توبةً حسنة ثم خُطبت إلينا من قومٍ فأخبرتُ ببعض ما جرى لها حتى يقدموا على إتمام خطبتها أو يفسخوا ويتركوها (وهو على زعمه فعل ذلك لئلا يغشّهم وظنّ بنفسه أنه بذلك ينصحهم) فقال له سيِّدنا عمر رضي الله عنه أنت تبثُ ما ستره الله لئن أخبرتَ بذلك أحدًا لأجعلنّك نكالاً يتحدث به أهل الأمصار” .

    معناه لئن عدت بعد هذا إلى إفشاء هذه العورة التي سبقت لابنتك وقد تابت توبةً نصوحًا فتحدثتَ بها لأجعلنك عبرةً للناس بعقوبة أنزلها بك يتحدّث بها أهل المدن.

    فيؤخذ من هذه القصة إخوة الإيمان حكمان شرعيّان: أحدهما أنّ الإنسان بعد أن يتوب لا يجوز ذكره بالعار والعيب الذي سبق له، والآخر أنّ هذه البنت لو لم تكن تابت كان حقًا على أبيها إذا خطبت إليه أي جاء من يخطبها منه حقًا عليه أن يتكلم فيها وإن سكت هو وغيرُه مِمّن علم بالحادثة يكونون غاشين والعياذ بالله تعالى .

    اللهمّ استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض يا ربّ العالمين

    هذا وأستغفر الله لي ولكم

     

    الخطبة الثانية:

        من معاصي البدن محاكاة المؤمن استهزاءً به

    إنّ الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأشكره وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا من يهدِ الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين من بعثه الله رحمة للعالمين  .

    أمّا بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائل في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِن نِسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الحجرات/11

    أي لا يستهزىء غني بفقير عسى أن يكون عند الله خيرًا منه ولا يستهزئ مستور عليه ذنبه بمن لم يستر عليه ولا ذو حسب بلئيم الحسب وأشباه ذلك مما ينتقصه به، عسى أن يكون عند الله خيرًا منه.

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِن قَوْمٍ} والقوم اسم للرجال دون النساء ولذلك قال: {ولا نساء من نساء} .

    وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ أي لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم . فمحاكاة المؤمن استهزاء به حرام لا يجوز والعلماء عدّوا ذلك من معاصي البدن .

    ومعنى محاكاة المؤمن استهزاء به أي تقليده في قول أو فعل أو إشارة على وجه الاستهزاء به ، وقد تكون المحاكاة بالضحك على كلامه إذا تخبّط فيه وغلط أو على صنعته وقبح صورته أو على مشيه إن كان به عرج فتقليده في ذلك لإضحاك الناس عليه حرام لا يجوز .

    إخوة الإيمان فلنتمسّك بالأخلاق المحمدية، فلنتمسّك بالأخلاق الرفاعية، فالرفاعي رضي الله عنه يقول: “الكيِّس من خاف ربه ودان نفسه وعمِل لِما بعد الموت” .

    أخي عليك بملازمة الشرع بأمر الظاهر والباطن وبحفظ القلب من نسيان ذكر الله وبخدمة الفقراء، وبادر دائمًا بالسرعة للعمل الصالح من غير كسل ولا ملل. همّة أبناء الدنيا دنياهم وهمّة أبناء الآخرة ءاخرتهم .

    واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ  “إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا” اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ  على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: {يا أيها الناس اتقـوا ربكـم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد}، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون . اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.