الحمد لله رب العالمين أما بعد اعلم رحمك الله أن الله موجود لا شك في وجوده، ولا يشبه أحدا من خلقه، ليس جسما طويلا ولا قصيرا ولا سمينا ولا نحيلا، وليس له شكل ولا لون ولا وزن سبحانه، وأنه تعالى موجود قبل خلق المكان بلا مكان وهو الآن على ما عليه كان سبحانه يغيّر ولا يتغيّر، فالله تعالى لا يسكن في السماء ولا يجلس على العرش ولا يحل في مكان واحد ولا في كل مكان ومن قال بالحلول فدينه معلول، والله سبحانه الأعلى من كل شيء قدراً لا مكانا وهو سبحانه الأكبر من كل شيء قدرا لا حجما. هذه العقيدة لا ينكرها مسلم في الأرض ولا في السماء، هذه عقيدة الملائكة وكلِ الأنبياء، وهي عقيدة أهل السلف والخلف من المسلمين، وهي العقيدة المنجية يوم القيامة من الخلود الأبدي في النار.
وبيان ذلك أنّ الله هو الخالق، وكلّ ما سوى الله مخلوق. والخالق تعالى لا يشبه المخلوقات ولا يحتاج إليها، قال تعالى: {ليس كمثله شيء} وقال سبحانه: {فإنّ الله غنيّ عن العالمين} ، ومن جملة العالمين السماءُ والعرش والجهات الستّ وكلُّ الأمكنة، فالله سبحانه غنيّ عنها وعن غيرها كما أخبر، فالله تعالى لا يسكن السماء ولا أيّ مكان آخر، وهو تعالى لا يجلس على العرش، إذ الساكن في شيء أو الجالس على شيء لا يكون غنيّا عنه بل يكون بحاجة إليه، والمحتاج ضعيف لا يستحق الألوهية.
فمن زعم أو اعتقد أن الله تعالى ساكن في السماء أو متحيّز فوقها، أو جالس على العرش أو حالّ في كل مكان أو في مكان واحد، لا يكون من المسلمين لأنه كذّب قول الله تعالى {فإنّ الله غنيّ عن العالمين}.
وأما من قال بقول أهل السنة إن الله تعالى استوى على العرش استواء يليق به سبحانه لا كما يخطر للبشر، فاعتقاده سليم لأنه لم يعتقد أن الله تعالى جسم جالس أو مستقرّ على العرش. واعلم أن من قال “الله في السماء” بمعنى أنه سبحانه عالي القدر جدًا فاعتقاده سليم لأنه لم يعتقد أنّ الله ساكن فيها.
واعلم رحمك الله أن الله تعالى ليس جسما، قال الله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} ، وقال الله تعالى: {ليس كمثله شيء}، معناه أن الله لا مثيل له ولا شبيه له ولا نظير له بأيّ وجه من الوجوه، لا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه. فالله تعالى ليس جسما كبيرا ولا صغيرا ولا طويلا ولا قصيرا ولا سمينا ولا نحيلا، الله سبحانه ليس له طول ولا عرض ولا لون ولا وزن ولا سمك ولا تركيب ولا يوصف بصفات الأجسام سبحانه لأنه ليس حجما.
ثم لو كان الله الخالق يشبه المخلوق لجاز عليه ما يجوز على المخلوق من عجز وموت ومرض وألم وهذا محال على الله، ولكان له سبحانه أمثال لا تعدّ ولا تحصى وهذا أيضا محال.
واعلم كذلك أن أهل السنة والجماعة لا يصفون الله بالكيف وهو كل ما كان من صفات المخلوقات، إنما يقولون: “الكيف عنه مرفوع” أي أن الكيفيات كلها مستحيلة على الله كما ثبت عن الإمام مالك، وهو رضي الله عنه لم يقل (الكيف مجهول) بل قال “والكيف عنه مرفوع” أي غير معقول، معناه لا يجوز على الله تعالى.
واعلم رحمك الله أن من اعتقد أن الله جسم أو يشبه الأجسام أو اعتقد أن الله ساكن في السماء أو في مكان آخر أو منتشر في كل مكان، فليس بمسلم ولا هو مؤمن لأن في قلبه خللا في أصل العقيدة، وهذا كمن يعتقد أن لله تعالى زوجة أو ولدا، لا ينفعه أن يقول بلسانه أنا مسلم، ولا يُقبل منه وضوء ولا صلاة ولاصيام ولا حج ولا زكاة، ويجب على كلّ منهما تصحيح عقيدته والنطق بالشهادتين ليصير من المسلمين.
والشهادتان هما: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، أو ما يعطي هذا المعنى كأن يقول: لا ربّ إلا الله محمد نبيّ الله.
هذه عقيدة التنزيه وهي عقيدة أهل السنة والجماعة نصرهم الله، وتنزيه الله معناه نفي النقص عن الله. أهل السنة والجماعة يثبتون ما أثبت الله لنفسه من الصفات من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف، وليس هذا منهم تعطيلا ولا نفيا لصفات الله تعالى. والحمد لله رب العالمين.