الخميس نوفمبر 21, 2024

من أقوى الدلائلِ على أن الله تباركَ وتعالىَ إرادتهُ شاملة لكل أعمال العباد معاصيها وطاعاتها قوله تعالى ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، هذه الآية وردت فيما أصاب المسلمين يوم أحد من قبل الكفار من الضرب حين انهزم الذين خالفوا رسول الله ﷺ بترك أمره الذي أمرهم فيه أن يثبتوا في ذلك الموضع فإن الكفار كرّوا عليهم فهزموهم فحصل في المسلمين قتلٌ كثير وجراحاتٌ، يعني الله تبارك وتعالى بقوله ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ أي من ذلك القتل والجراحات قوله ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي بإرادته ومشيئته، فلا يمكن للمعتزلة الذين خالفوا أهل الحق في هذه المسئلة أن يقولوا إن الإذن هنا بمعنى الأمر فلا يتجرأون على القول بأن معنى الآية أذى المشركين للمسلمين في تلك المعركة بإذن الله أي أمرِ الله.

وفي هذه الآية دليلٌ قاطع لأهل السنة أن المعاصيَ التي يعملها العباد بمشيئة الله وإذنهِ أي إرادتهِ وكذلك لأهل الحقِ دليلٌ واضحٌ في قوله تعالى ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّه﴾ حيث أثبت اللهُ في هذهِ الجملةِ أن سحر السحرةِ يضرُّ بإذن الله فالإذنُ هنا لا يَحتملُ تفسيرهُ بالأمر لأن الله لايأمرُ بالمعاصي باتفاقٍ منا ومن المعتزلة، فظهرَ صحةُ مذهبِ أهل الحقِ أن المعاصيَ بمشيئةِ الله وإرادتهِ لا بأمرهِ، فلا يصحُ للمعتزلةِ أن يقولوا ماشاء الله وأرادهُ فقد أمرَ به فالمعصيةُ ليست بإرادةِ الله، لأننا لو قلنا إنها بإرادة الله لكانت بأمرِ الله ولا يجوزُ ذلك لقوله تعالى ﴿وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾.

فحاصلُ المسئلة أن المشيئة والإرادة غيرُ الأمر بدليل هاتين الآيتين لأن فيهما إثبات أن ماحصل من الكفار من أذى المسلمين وضررهم بإذن الله أي بمشيئته وأن ماحصل من السحرة بتفريقهم بالسّحر بين المرء وزوجه بإذن الله أي بمشيئته وإرادته لا غير، لكن الفرق أن الطاعات يحبها الله وأمر بها أما المعاصي فلا يحبها الله ونهى عنها وإنما يحاسَبُ العبدُ على توجيهِ القصدِ نحو الفعل أما الخلقُ فهو لله قال تعالى ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.

والحمدُ للهِ على توفيقِ أهل السنة لموافقة كتابه وسنة نبيهِ.