مقدمــة
الحمد لله الموجود أزلاً وأبداً بلا مكان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد ولد عدنان وأفضل الخلائق والعالمين والأكوان وعلى آله ذوي العرفان وصحابته أهل الشرف والشان وعلى جميع إخوانه النبيين والمرسلين ومن على دربهم سار واستقام وأمر بالمعروف والحق ونهى عن المنكر والابطل وما لان.
وبعد، فقد جمعت في هذا الكتاب فصولاً موجزة تبين حقيقة التصوف في الإسلام والموافقة لتعاليم وأحوال سيد البشر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها تذكر العاقل وتنبه الغافل، إذ من المفيد لكل مسلم أراد التصوف ان يتعرف إلى سيرة وشمائل وأحوال الرسول الطاهرة ليسير بنور سيرته ويتأسى بكمال أخلاقه صلى الله عليه وسلم، لأن الصوفية الحقة هي اقتفاء طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد أسميته حقيقة التصوف الإسلامي، راجياً من الله ان ينتفع به كل من اطلع عليه.
ومما دفعني إلى ذلك الرغبة الصادقة في إظهار الفرق بين حقيقة الصوفي الصادق الذي هو على هدى النبي صلى الله عليه وسلم من دجل وافتراء وجهل المتصوف الذي يدعي التصوف وهو منه بعيد، وهو الذي دفعه جهله إلى مخالفة الشريعة متوهماً ما وسوس له الشيطان من ان الباطن يخالف الظاهر فأوقعه في الخطر المحدق غافلاً أن الصوفي الحقيقي الصادر ظاهره وهو لب باطنه.
وزاد الطغيان في هذا الزمان حتى نقض بعضهم عرى الإيمان وروجوا مقالات وافتروا على أصحاب الطرق الصحيحة بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان وغاصوا في مهالك الكفر والارتداء وخاضوا في عقائد الحلول والاتحاد وسلكوا طرق الزندقة والإلحاد.
أسأل الله التوفيق والإخلاص في النية والقول والعمل بجاه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتعزز بجلاله وجبروته عن لواحق الظنون، المتفرد بذاته عن شبه ذوات المخلوقين، المتنزه بصفاته عن صفات المحدثين، القديم الذي لم يزل والباقي الذي لا يزال، المتعالي عن الأشباه والأضداد والأشكال، الدال لخلقه على وحدانيته بأعلامه وآياته، المتعرف إلى أوليائه بأسمائه ونعوته وصفاته، المقرب أسرارهم منه، العاطف بقلوبهم عليه، المقبل([1]) عليهم بلطفه، الجاذب لهم إليه بعطفه([2]). طهر عن أدناس النفوس أسرارهم، وأجل عن موافقة الرسوم أقدارهم، سبقت لهم من الله الحسنى، وألزمهم كلمة التقوى، وعزف بنفوسهم عن الدنيا، صدقت مجاهداتهم فنالوا علوم الدراسة، وصفت سرائرهم فأكرموا بصدق الفراسة، ثبتت أقدامهم، وزكت أفهامهم، وأنارت أعلامهم، فهموا عن الله فعرفوا ما يحب وما يكره، وساروا إلى الله، وأعرضوا عما سوى الله، خرقت الحجب أنوارهم، وجالت حول العرش أبصارهم، فهم أجسام روحانيون، وفي الأرض سماويون، ومع الخلق ربانيون، سكوت نظار، غيب حضار، ملوك تحت أطمار، أنزاع قبائل، وأصحاب فضائل، وأنوار دلائل، ءاذانهم واعية، وأسرارهم صافية، ونعوتهم خافية، صفوية صوفية، نورية صفية، ودائع الله بين خليقته، وصفوته بين بريته، ووصاياه لنبيه، وخباياه عند صفيه، هم في حياته أهل صفته، وبعد وفاته خيار أمته، لم يزل يدعو الأول الثاني، والسابق التالي بلسان فعله، أغناه ذلك عن قوله.
حتى قل الرغب، وفتر الطلب، فصار الحال أجوبة ومسائل، وكتبا ورسائل فالمعاني لأربابها قريبة، والصدور لفهمها رحيبة.
إلى أن ذهب المعنى وبقي الاسم، وغابت الحقيقة وحصل الرسم، فصار التحقيق حلية، والتصديق زينة، وادعاه لم يعرفه، وتحلى به من لم يصفه، وأنكره بفعله من أقر به بلسانه، وكتمه بصدقه من أظهره ببيانه، وأدخل فيه ما ليس فيه، فحعل حقه باطلاً، وسمى عالمه جاهلاً، وانفرد المتحقق فيه ضنا به، وسكت الواصف له غيرة عليه، فنفرت القلوب منه، وانصرفت النفس عنه فذهب العلم وأهله، والبيان وفعله، فصار الجهال علماء، والعلماء أذلاء.
فدعانا ذلك إلى أن نبين في هذه العجالة وصف طريقتهم، وبيان نحلتهم وسيرتهم من القول في العقيدة والأحكام وسائر ما يتصل به ممن وقعت فيه الشبهة عند من لم يعرف مذاهبهم ولم يخدم مشايخهم، فكشفنا بلسان العلم ما أمكن كشفه، ووصفنا بظاهر البيان ما صلح وصفه لينتفي عنهم خرص المتخرصين وسوء تأويل الجاهلين، ويكون بياناً لمن أراد سلوك طريقهم، مفتقرين إلى الله تعالى في بلوغ تحقيقه وبالله نستعين وعليه نتوكل وعلى نبيه نصلي وبه ونتوسل.