السبت سبتمبر 7, 2024

ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَءَالِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمَ([1])

1-     

يَقُولُ رَاجِيْ مَنْ إِلَيْهِ الْمَهْرَبُ

 

عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الحُسَينِ الْمُذْنِبُ

2-     

أَحْـمَـدُ رَبِّـيْ بِـأَتَـمِّ الحَـمْـدِ

 

وَلِـلـصَّــلَاةِ وَالسَّــلَامِ أُهْـدِيْ

3-     

إِلَـى نَـبِـيِّـهِ وَأَرْجُـوْ اللهَ

 

فِي نُـجْـحِ مَا سُـئِـلْـتُـهُ شِــفَاهَا

4-     

مِنْ نَظْـمِ سِـيْرةِ النَّبِيِّ الأَمْجَدِ

 

أَلْـفِـيَّـةً حَـاوِيَـةً لِـلْـمَـقْـصِــدِ

5-     

وَلْيَـعْـلَـمِ الطَّالِـبُ أَنَّ السِّـيَرَا

 

تَجْـمَـعُ مَا صَـحَّ وَمَـا قَـدْ أُنْكِـرَا

6-     

وَالقَصْدُ ذِكْرُ مَا أَتَى أَهْلُ السِّيَرْ

 

بِـهِ وَإِنْ إِسْـــنَـادُهُ لَـمْ يُعْـتَـبَـرْ

7-     

فَإِنْ يَكُنْ قَدْ صَحَّ غَيْرُ مَا ذُكِرْ

 

ذَكَـرْتُ مَا قَدْ صَـحَّ مِنْهُ وَاسْـتُطِرْ

 

(يَقُولُ) ناظِمُ هذه الأُرجوزةِ (رَاجِيْ) أي مُؤمِّلُ عَفوِ اللهِ الغُفورِ (مَنْ) أي الإلهِ الّذي (إِلَيْهِ) التّضرُّعُ وغايةُ التّذلُّلِ و(الْمَهْرَبُ) أي الالتِجاءُ، وفي الحديثِ: «لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ» أي لا مَخلَصَ ولا مَلاذَ مِن عُقوبَتِك إلّا إلى رَحمَتِكَ.

والرّاجي ذلكَ هو (عَبْدُ الرَّحِيمِ) بَدلٌ مِن “راجِي” (ابنُ) الشّيخِ الزّاهِدِ (الحُسَيْنِ) بنِ عبدِ الرّحمنِ بنِ أبي بكرِ بنِ إبراهيمَ العِراقيُّ الأصلِ الكُردِيُّ الرازيانيُّ المصريُّ الشافعيُّ، وقَد وصفَ النّاظِمُ نَفسَه بأنّه (الْمُذْنِبُ) أي العاصِي هضْمًا للنّفْس وتواضُعًا.

(أَحْمَدُ رَبِّيْ) أي أُثنِي عليهِ (بِأَتَمِّ) أي بأكمَلِ (الحَمْدِ) أي الثّناءِ باللِّسانِ على ما أنعمَ بهِ

علَيَّ مِن غيرِ وجوبٍ عليهِ سُبحانَه، (وَ)بَعدَ حَمدِهِ عزَّ وجلَّ فإنّي (لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ) مَعًا (أُهْدِيْ) أي أجعلُهُما هَدِيّةً (إِلَى) رسولِ الله و(نَبِيِّهِ) وصَفِيّهِ وخَيرِ خَلْقِه سيّد الأوّلِينَ والآخرِينَ محمّدٍ ﷺ. والصّلاةُ مِنّا على النّبيّ محمّدٍ ﷺ دُعاءٌ أنْ يزيدَ اللهُ تعالَى محمَّدًا شرفًا وتعظيمًا ورِفعةً، والسّلامُ في الأصلِ الأمانُ، والمُهدَى إلى رسولِ الله ﷺ هُنا هو بمعنَى التّحِيّةِ.

والنّبِيُّ بالهَمزِ وترَكِه إمّا مِن النَّبَأ وهو الخبَرُ، وسُمِّي به لأنّه يُنْبِئ عن الله تعالى بما يُوحِي إليه أو يُنبَأُ عنه من قِبَل المَلَكِ مثلًا، وإمّا مِن النَّبْوَة وهي الارتفاعُ وذلك لرِفعةِ مَنزلةِ النّبِيّ على الخَلْقِ أو لرفعتِه قدرَ من اتَّبعَه.

والجامِعُ بينَ النّبِيّ الرّسولِ والنّبِيّ غيرِ الرّسولِ أنّ كُلًّا مِنْهُما إنسانٌ ذكَرٌ حُرٌّ أُوحِي إلَيه بِشَرعٍ وأُمِرَ بتَبلِيغه، والفرق بينَهُما أنّ الرّسولَ أُوحِيَ إليه بِشَرعٍ جَديدٍ أو بِنَسْخِ بعضِ أحكامِ شَريعةِ مَن قَبْلَه، وأَمَّا النَّبيُّ غيرُ الرّسولِ فيَتبَعُ شَرعَ الرّسولِ الّذي كان قَبْلَه.

ولا يَصِحّ قولُ بعضِهم: “النَّبِيّ إنسانٌ أُوحِيَ إليه بِشَرعٍ وإنْ لَم يُؤْمَر بِتَبْلِيغه، فإنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فرَسُول”، لأَنَّ كُلًّا مَأمُورٌ بالتّبليغ كما بيَّنَّا، وعَدَمُ التّبليغِ مِن الخيانةِ، والأنبياءُ مُنَزَّهُون عن ذلكَ، قال الله تعالَى: ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ  أي دَعا قَومَه.

قال الشّيخ أبو العبّاسِ أحمدُ بنُ أحمدَ بنِ زَرُّوقٍ الفاسيّ (ت 899هـ) في كتابِه «تُحفة المُرِيد»: “ولا يَصِحُّ قولُ مَن قالَ: النّبِيُّ نَبِيٌّ في نَفْسِه والرّسولُ مَن أُرسِلَ إلى غَيرِه، لأنّ الله تعالى يقول: ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ  الآيةَ، فشَرَّك بينهُما

في الإرسالِ وفرَّق بينَهُما في التّسميةِ”([2]).

(وَ)إنّي (أَرْجُوْ اللهَ) تعالَى أي أسألُه وأطلُب مِنه تحقيقَ الأمَلِ (فِي نُجْحِ) أي إنجاحِي وقضاءِ حاجَتِي فيـ(ـمَا سُئِلْتُهُ) أي ما سألْتَنِي إيّاهُ أيّها الطّالبُ (شِفَاهَا) بألِف الإطلاقِ أي مُشافَهةً (مِنْ نَظْمِ) أي تأليفِ وجَمعِ (سِيْرةِ) أي الأخبارِ المتعلِّقةِ بذاتِ (النَّبِيِّ) ﷺ وحَياتِه وأحوالِه (الأَمْجَدِ) أي الشّريفِ العظِيمِ الشّأنِ الكثيرِ المَناقِب والأتباعِ، وأنْ أجعلَ هذا المنظومَ مِن السِّيرةِ (أَلْفِيَّةً) أي أُرجوزةً مِن ألفِ بَيتٍ تكونُ (حَاوِيَةً) أي جامِعةً (لِلْمَقْصِدِ) بكَسرِ الصّادِ أي المقصودِ.

وأصلُ هذه الألفِيّة كتابُ «الإشارةِ إلى سِيرةِ المُصطفَى وتاريخِ مَن بَعدَه مِن الخُلَفا» للحافِظ علاء الدين مُغْلَطاي الحَنَفِيّ (ت 762هـ)، وقد أثبَتَ ذلك الحافظُ الفقيه المؤرِّخ الشّمس محمد السّخاويّ (ت 902هـ) بقولِه([3]): “والزَّينُ العِراقِيُّ في أَلفِيَّتِه التي مَشَى فيها على سِيرةٍ مُختَصَرةٍ للعَلاءِ مُغْلَطاي الخ”.

(وَلْيَعْلَمِ الطَّالِبُ) نَظمَ سِيرةَ النّبيِّ ﷺ وليَعلَمْ غيرُه (أَنَّ السِّيَرَا) أي كُتبَها (تَجْمَعُ) في طَيّاتِها (مَا) قَد (صَحَّ) مِن الأخبارِ (وَمَا قَدْ أُنْكِرَا) مِنها أي لَم يَصِحَّ لِضَعفِه إسنادًا أو عدَمِ الاعتِدادِ به إسنادًا أو مَتنًا، فإنّ مُقابِلَ الصّحيحِ هُنا قِسمانِ: الضّعيفُ غيرُ الموضوعِ قِسمٌ، والموضوعُ أي المكذوبُ الّذي لا أصلَ له ألبتّةَ وهو قِسمٌ ءاخَرُ؛ أمّا الموضوعُ فقَد اجتهَدَ النّاظِمُ رحمهُ الله أنْ يتجنّبَه، وأمّا الضّعيفُ فكثيرٌ في كتُبِ السِّيَرِ، ولا يَقتصِرُ النّظمُ على ما صَحَّ مِن الأخبارِ فقطْ بلِ فيه الضّعيفُ أيضًا، (وَالقَصْدُ) مِن فِعلِ ذلكَ (ذِكْرُ مَا أَتَى) أي أخبَرَ (أَهْلُ السِّيَرْ بِهِ) في كتُبِهم (وَإِنْ) كانَ (إِسْنَادُهُ) عِندَ النّظَرِ فيه (لَمْ يُعْتَبَرْ) هذا بشَرطِ عدَمِ إيرادِ الخبَرِ الموضوعِ، ولَمّا كانتْ هذه عادةَ أهلِ السِّيَرِ جرَى النّاظِمُ عليها في هذه الأرجوزةِ.

ويقول النّاظم رحم الله: (فَإِنْ يَكُنْ قَدْ صَحَّ) في الخبَرِ الّذي أورَدَه أهلُ السِّيَرِ (غَيْرُ مَا ذُكِرْ) في كتُبِهم نَبّهتُ عليهِ و(ذَكَرْتُ مَا) أي الّذي (قَدْ صَحَّ مِنْهُ) أي الخبَرِ (وَاسْتُطِرْ) أي وكُتِبَ، والله تعالَى أعلَمُ.



([1])  ثابتة بخطّ النّاظِم في نُسختِه.

([2])  تُحفة المُريد ورَوضة الفَرِيد، أبو العبّاس زَرُّوق، (ص/53).

([3])  الإعلان بالتَّوبيخ لِمَن ذَمَّ أهلَ التاريخ، شمس الدّين السّخاوي، (ص/152).