الأحد ديسمبر 22, 2024
  • معنى الحديثِ: “إنما الأعمال بالنيات …”

     

    إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكنْ لَهُ كُفُوًا أحدٌ، ولم يكنْ لَهُ شبيهٌ ولا مثيلٌ ، تباركَ اللهُ العظيمُ الذي خلقَ العالَمَ بأسرِهِ العلويَّ والسفليَّ والعرشَ والكرسيَّ ، تباركَ اللهُ العظيمُ المستغني عنْ كلِّ ما سِواهُ والمفتقرُ إليهِ كلُّ ما عَدَاهُ فلا يحتاجُ ربُّنا لا لعرشٍ ولا لسماءٍ ولا لكرسيٍّ ولا لمكانٍ .

    فيا عجبًا كيفَ يُعْصَى الإلهُ

     

    أمْ كيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ

    وفي كلِّ تحريكةٍ ءايةٌ

     

    وفي كلِّ تَسْكِينةٍ شاهدُ

    وفي كلِّ شَىءٍ لهُ ءايةٌ

     

    تدلُّ على أنّهُ واحدُ

    وأشهدُ أنّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ هوَ طِبُّ القلوبِ ودواؤها وعافيةُ الأبدانِ وشفاؤها ونورُ الأبصارِ وضياؤها، الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سيِّدي يا رسولَ اللهِ يا محمَّدُ ، فواللهِ يا محمَّدُ لوْ تقفُ الدُّنيا في وجهي مِنْ صفِّكَ ما أنا مُنسَحِبُ.

    أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإني أوصيكُمْ ونفسِي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحكمِ كتابِهِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ (سورة الحشر 18) .

    { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أيْ لينظرَ المرءُ ما يُعِدُّ ويُقّدِّمُ لآخرتِهِ مِنَ العملِ الصالِحِ ، والآخرةُ ينفعُ فيها تَقْوَى اللهِ ، والتقْوَى هيَ أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرّمَاتِ ، أداءُ الواجباتِ بأركانِها، بشروطِها كالصلاةِ والصيامِ والحجِّ والزكاةِ وكذلكَ باجتنابِ مُبطلاتِها.

    ولْـُيُعْلَمْ إخوةَ الإيمانِ أنّنا أُمِرْنا بالأمْرَيْنِ بتحسينِ العملِ والنّيّةِ ليسَ النّيّةُ فقطْ دونَ العملِ وليسَ العملَ دونَ النّيّةِ ، إنّما أُمِرْنا باتّباعِ الشرعِ بأمْرِ الظاهِرِ والباطِنِ ، لذلِكَ الرفاعِيُّ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ يقولُ : “عليْكُمْ بِملازَمَةِ الشّرْعِ بأمْرِ الظاهِرِ والباطِنِ “ .

    فالنّيّةُ إذا خالَفَتِ الشّرْعَ فهيَ باطِلَةٌ ، وكذلِكَ العَمَلُ . فيجِبُ تطبيقُ الأمْرَيْنِ على ما يوافِقُ الشّرْعَ . والعَجَبُ أنّ بعضَ النّاسِ يُورِدُونَ هذا الحديثَ “إنّما الأَعْمالُ بالنّيّاتِ” في غيْرِ مَحَلِّهِ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ غيْرَهُمْ،  فإنّهم يُورِدُونَهُ للدِّفاعِ عَمّنْ تَكَلّمَ بكلامٍ قبيحٍ بَشِعٍ شَنِيعٍ كَمَنِ استَخَفَّ باللهِ أوْ بِرُسُلِهِ أو بِملائِكَتِهِ كُفْرٌ، فبعضُهُمْ يقولُ والعياذُ باللهِ هذا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دِينِ اللهِ هذا بعدهُ مُسْلِمٌ (ولو) ما سمعْتَ أنّ الرسولَ يقولُ ” إنّما الأَعْمالُ بالنّيّاتِ “ يقولونَ وهذا نِيّتُهُ المزْحُ ، هؤلاءِ لَمْ يِعْرفُوا معْنَى الحديثَ ” إنّما الأَعْمالُ بالنّيّاتِ “ .

    معناهُ أنّ الأعمالَ التي أَمَرَ اللهُ تباركَ وتَعالَى عبادَهُ بِها لا تكونُ مُعْتَبَرَةً إلا بالنّيّةِ أيْ إنّما الأعمالُ مُعْتَبَرَةٌ بالنّيّاتِ كالصلاةِ والصيامِ والزّكاةِ والطّهارَةِ عَنِ الحدَثَيْنِ والحجِّ ، كُلُّ هذا لا يكونُ مَقْبولاً عندَ اللهِ إلا بالنّيّةِ . هذا مَعْنَى حديثِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ .

    وليسَ معناهُ أنّ الإنسانَ إذا تَكَلّمَ بكلامٍ صريحٍ بالكُفْرِ كَمَسَبّةِ اللهِ أوِ الأنبياءِ أوِ الشريعَةِ أنّهُ لا يَكْفُرُ لأنّ نِيّتَهُ المزْحُ فقطْ لا ، ليسَ هذا معْنَى الحديثِ ، بلِ الذي وَرَدَ عنْهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : “إنّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ لا يَرَى بِها بأسًا يهوي بِها في النّارِ سبعينَ خَريفًا “ .

    أيْ أنّ الإنسانّ قدْ يتكَلَّمُ بكلمَةٍ لا يَراهَا ضّارَّةً ولا يعتبِرُهَا مَعْصِيَةً يستَوْجِبُ بِها النّزولَ إلى قَعْرِ جهنّمَ الذي هوَ مَحُلُّ الكفّارِ لأنّهُ لا يصلُ إلى قَعْرِ جهنّمَ الذي هُوَ مسافَةُ سبعينَ عامًا في النّزولِ عُصَاةُ المسلمينَ .

    وفي معْنَى هذا الحديثَ أيضًا حديثٌ رواهٌ البخارِيُّ ومُسْلِمٌ وهٌوَ: ” إنّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيّنُ فِيها يَزِلُّ بِها في النّارِ أبْعَدَ مِمّا بينَ المشرِقِ والمغْرِبِ “ . اللهُ يعْصِمُنا، اللهُ يحفَظُنا، اللهُ يختِمُ لنا بكامِلِ الإيمانِ .

    وقدْ قالَ الشيخُ عبدُ الوهّابِ الشَّعْرانِيُّ رضيَ اللهُ عنهُ في كتابِهِ (لطائفُ الْمِنَنِ والأخلاقِ) : ” مَنْ أرادَ أنْ لا يَضِلَّ فلا يَرْمِ مِيزانَ الشّريعَةِ مِنْ يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ بلْ يَسْتَصْحِبُها ليلاً ونَهارًا عندَ كُلِّ قولٍ وفِعْلٍ واعتقادٍ ” ا.هـ.

    فزِنِ الكلامَ بميزانِ الشّريعةِ قبلَ النّطْقِ بِهِ وتذَكّرْ قولَ اللهِ تعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (سورة ق/18) .

    مَعْنى هذه الآيةِ أنّ الملائِكَةَ الموَكَّلِينَ بكتابَةِ عَمَلِ العبْدِ يَكتُبونَ ما يَلْفِظُ بِهِ هذا الإنسانُ مِنْ حَسَنَاتٍ أوْ سَيِّئاتٍ مِنَ القولِ ومَا كانَ مِنَ المباحَاتِ أيضًا، ففي هذِهِ الآيةِ التحذِيرُ مِنْ أنْ يَتَكَلّمَ الإنْسانُ بِما لا خيْرَ فيهِ، فَيُعْلَمُ مِنْ هذا أنّ الإنسانَ لا يُعْفَى مِنْ كتابَةِ أقوالِهِ كُلِّها مَا كانَ مِنْها حَسَنَةٌ منَ الحسَنَاتِ كأمرٍ بمعروفٍ ونَهْيٍ عنْ مُنكَرٍ وذِكْرِ اللهِ تعالى وغيرِ ذلكَ ، ومَا كانَ منها منَ السّيِّئاتِ مِنْ كُفْرٍ ومَا دونَهُ فإذا كانَ الأمْرُ كذلكَ يَلْزَمُ الإنسانَ أنْ لا يتكَلّمَ بالشَرِّ بلْ عليهِ أنْ يَخْزِنَ لسانَهُ هذا الذي هوَ نعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ عنْ أنْ يتكلّمَ بِهِ معصيةً مِنَ المعاصي سواءٌ كانَ في حالِ الجِدِّ أوْ المزْحِ أوْ حالِ الرِّضَى أوْ حالِ الغَضَبِ .

    اللهمُّ احفَظْ علينا دِينَنَا وفَقِّهْنا فيهِ يا أرْحَمَ الرّاحِمِينَ .

    هذا وأستغفِرُ اللهَ لي ولكُمْ

    الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

    وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.