الخميس مارس 28, 2024

معجزة الإسراء

مُعْجِزَةُ الإِسْرَاءِ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَيَجِبُ الإِيـمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ أَسْرَى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ سَلَفٍ وَخَلَفٍ وَمُحَدِّثِينَ وَمُتَكَلِّمِينَ وَمُفَسِّرِينَ وَفُقَهَاءَ عَلَى أَنَّ الإِسْرَاءَ كَانَ بِالْجَسَدِ وَالرُّوحِ وَفِي الْيَقَظَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ.

أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ على متن البراق وهو دابةٌ من دواب الجنة فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا فَرَكِبَ عليها وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَسار إلى طيبة حيث صلى ثم أكمل إلى طُورِ سَيْنَاءَ وصلى هناك ثم أكمل إلى بَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وصلى هناك ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ له الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَقَدَّمَه جِبْرِيلُ حَتَّى صلى بهم إماما.

و مِنْ عَجَائِبِ مَا رَأَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي الإِسْرَاءِ وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ الدُّنْيَا بِصُورَةِ عَجُوزٍ.

ورَأَى شَيْئًا مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ وَهُوَ إِبْلِيسُ وَكَانَ مِنَ الْجِنِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ، ثُمَّ كَفَرَ لِاعْتِرَاضِهِ عَلَى اللَّهِ.

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ وَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ إِبْلِيسَ كَانَ طَاوُوسَ الْمَلائِكَةِ أي رئيسَهم، فَهُوَ لَمْ يَكُنْ مَلَكًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ «إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ».

ثُمَّ شَمَّ رَائِحَةً طَيِّبَةً مِنْ قَبْرِ مَاشِطَةِ بِنْتِ فِرْعَوْنَ وَكَانَتْ مُؤْمِنَةً صَالِحَةً وَجَاءَ فِي قِصَّتِهَا أَنَّهَا بَيْنَمَا كَانَتْ تَمْشُطُ رَأْسَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ سَقَطَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ، فَسَأَلَتْهَا بِنْتُ فِرْعَوْنَ أَوَلَكِ رَبٌّ إِلَهٌ غَيْرُ أَبِي؟ فَقَالَتِ الْمَاشِطَةُ نَعَمْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ هُوَ اللَّهُ، فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا فَطَلَبَ مِنْهَا الرُّجُوعَ عَنْ دِينِهَا فَأَبَتْ فَحَمَّى لَهَا مَاءً فَأَلْقَى فِيهِ أَوْلادَهَا ثُمَّ كَلَّمَهَا طِفْلٌ لَهَا رَضِيعٌ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَهُ: «يَا أُمَّاهُ اصْبِرِي فَإِنَّ عَذَابَ الآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا فَلا تَتَقَاعَسِي فَإِنَّكِ عَلَى حَقٍّ» فَقَالَتْ لِفِرْعَوْنَ: «لِي عِنْدَكَ طَلَبٌ، أَنْ تَجْمَعَ الْعِظَامَ وَتَدْفِنَهَا» فَقَالَ: «لَكِ ذَلِكَ»، فَأَلْقَاهَا فِيهِ. وَقَدْ مَاتَتْ شَهِيدَةً هِيَ وَأَوْلادُهَا.

و رَأَى رسول الله في الإسراء قَوْمًا يَزْرَعُونَ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمَيْنِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَؤُلاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نَوْعَانِ: جِهَادٌ بِالسِّنَانِ أَيْ بِالسِّلاحِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالْبَيَانِ، وَثَوَابُ هَذَا كَثَوَابِ مَنْ جَاهَدَ بِالسِّلاحِ، فَالْيَوْمَ مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ بِجِدٍّ فَهُوَ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُجَاهِدُونَ لَهُمْ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ فِي الآخِرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَحْيَا سُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» وَالْمَقْصُودُ بِالسُّنَّةِ هُنَا الشَّرِيعَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

و رَأَى أُنَاسًا تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ، يَعْنِي الَّذِينَ يَخْطُبُونَ لِلشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ، أَيْ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الضَّلالِ وَالْفَسَادِ وَالْغَشِّ وَالْخِيَانَةِ.

وَرَأَى ثَوْرًا يَخْرُجُ مِنْ مَنْفَذٍ ضَيِّقٍ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ فَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعُودَ إِلَى هَذَا الْمَنْفَذِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي فِيهَا ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ وَفِتْنَةٌ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا فَلا يَسْتَطِيعُ.

وَرَأَى أُنَاسًا يَسْرَحُونَ كَالأَنْعَامِ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ رِقَاعٌ (سُتَرٌ صَغِيرَةٌ) قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ لا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ.

وَرَأَى قَوْمًا تَرْضَخُ رُءُوسُهُمْ أي تُكسَرُ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ تَعُودُ كَمَا كَانَتْ فَقَالَ جِبْرِيلُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَلُ رُءُوسُهُمْ عَنْ تَأْدِيَةِ الصَّلاةِ.

وَرَأَى قَوْمًا يَتَنَافَسُونَ عَلَى اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَيَتْرُكُونَ اللَّحْمَ الْجَيِّدَ الْمُشَرَّحَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: هَؤُلاءِ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِكَ يَتْرُكُونَ الْحَلالَ فَلا يَطْعَمُونَهُ وَيَأْتُونَ الْحَرَامَ الْخَبِيثَ فَيَأْكُلُونَهُ وَهُمُ الزُّنَاة.

و رَأَى أُنَاسًا يَشْرَبُونَ مِنَ الصَّدِيدِ الْخَارِجِ مِنَ الزُّنَاةِ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ، هَؤُلاءِ شَارِبُو الْخَمْرِ الْمُحَرَّمِ فِي الدُّنْيَا.

و رَأَى قَوْمًا يَخْمِشونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ بِأَظْفَارٍ نُحَاسِيَّةٍ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَغْتَابُونَ النَّاسَ.

وفي الختام نسأل الله أن يعيد علينا هذه الذكرى بالخير واليمن والبركات