الخميس نوفمبر 21, 2024

مظاهرُ محبةِ السلف والأئمة الأعلام للنبيّ صلى الله عليه وسلم وشوقهم إليه
كثُرت الروايات والأخبار عن السلف الصالح والأئمة الأعلام فيما يدل على عظيم محبتهم لنبيّهم صلى الله عليه وسلم وشدة شوقهم له، وقد قال عليه الصلاة والسلام:” مِن أشدّ أمتي لي حُبّـًا أناسٌ يكونون بعدي يوَدُّ أحدهم لو رءاني بأهله ومالِهِ”.
وقال صلى الله عليه وسلم :” وددتُ لو رايتُ أحبابي ” قالوا: أولسنا أحبابك يا رسول الله، قال ” أنتم أصحابي، أحبابي الذين يأتون من بعدي يود أحدهم أن لو رءاني بأهله وماله”.
وممّا ورد عن السّلف الصالح من أقوال وروايات وأخبار فيما يتعلق بحُبهم لنبيّهم عليه الصلاة والسلام وشوقهم إليه في حياته وبعد مماته أن عمرو بن العاص قال: ما كان أحدٌ أحبُّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عبْدةَ بنت خالد بن مَعدن تُخبرُ عن أبيها فتقول: ما كان خالدٌ يأوي إلى فراش إلا وهو يذكرُ من شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يُسمّيهم ويقول: هم اصلي وفصْلي وإليهم يحِنُّ قلبي ، طال شوقي إليهم فعجّل ربّ قبضي إليك، حتى يغلبه النوم.
وردَ أن امرأةً من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أُحُدٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما فعلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا لها : خيرًا هو بحمد الله كما تُحبّين، قالت: أرِنيهِ حتى أنظر إليه فلما رأته صلى الله عليه وسلم قالت: كلّ مصيبةٍ بعدك جَلَل ( أي هيّن).
وسُئل يومًا عليّ بن ابي طالب كرم الله وجهه كيف كان حُبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال رضي الله عنه: كان والله أحبّ إلينا من أموالنا وأولادنا وءابائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.

وعن زيد بن اسلم خرج عُمرُ رضي الله عنه ليلةً يحرسُ الناس فرأى مصباحًا في بيت وإذا عجوزٌ تنفُشُ صوفًا وتقولُ:
على محمد صلاة الأبرارْ ~~ صلّى عليه الطيّبون الأخيار
قد كنت قوّمًا بُكًا بالاسحار ~~ يا ليت شِعري والمنايا أطورْ
هل تجمعني وحبيبي الدار (تعني النبيّ صلى الله عليه وسلم) فجلس عمر رضي الله عنه يبكي وطلب منها أن تشاركه وتذكره في كلامها.
وثبت أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما خدرت رِجله، فقيل له: اذكر أحبّ الناس إليك يُزل عنك، فقال يا مُحمّــد. فكأنما نشط من عقال_ اي تعافى فورًا (1)

فائدة: نص الإمام البخاري في كتابه” الأدب المفرد” على جواز نداء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته بيا محمد، وذلك خلاف معتقد الوهابية نفاة التوسل فإنه عندهم شرك، وأورده ابن السني في كتابه عمل اليوم والليلة ، ونص الحديث في كتاب البخاري المذكور:” خدرتْ رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحبّ الناس إليك فقال يا محمد “.والخِدر غير التنميل الذي نعرفه، هو مرض من نوع الشلل يتعطل منه العضو عن الحسّ والشعور.
ولما احتُضرَ بلال الحبشي رضي الله عنه وكان مؤذّن الرسول صلى الله عليه وسلم نادت امرأته: واحُزناه فقال رضي الله عنه: واطَرباه غدًا ألقى الأحبّة محمدًا وحِزبَه.
ويُروى أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها بعد وفاة النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم اكشفي لي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشفته لها فصارت تبكي أمام القبر الشريف حتى ماتت من عظيم شوقها ووَجدها وحبّها للنبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وممّا ورد في شدة حبّ الصحابة رضوان الله عليهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم وتفاديهم في إبعاد الأذى والضر عنه أنه لمّا أخرج أهل مكة زيد بن الدئنة من الرم ليقتلوه قال له سفيان بن حرب: أنشُدُكَ الله يا زيد أتُحِبُّ أنّ محمدًا الأن عندنا مكانكَ يُضرب عُنُقه وأنَّك في أهلك؟ فقال زيدٌ رضي الله عنه : والله ما أحبُّ أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تُصيبُه شوكةٌ وإنّي جالسٌ في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يُحبُّ أحدًا كحُبّ أصحاب محمّدٍ محمّدًا.
وممّا يدلنا على عظيم تعلق الصحابة عليهم السلام وحُبهم للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ما حصل في غزوة أُحُد عندما خالف الرماة أوامر النبيّ صلى الله عليه وسلم وانكشف المسلمون واندفع المشركون من خلف المسلمين يُوقعون فيهم الضرر والأذى، ويُوجعون فيهم قتالا ، وهنا تجلّت روائع مظاهر الدفاع والفداء من الصحابة الكرام لنبيهم عليه الصلاة والسلام حيث تحولوا كالسور المنيع حول نبيّهم صلى الله عليه وسلم وراحوا يذودون عنه ويحمونه بأجسادهم من قتال المشركين وضرباتهم الموجعة ويتساقطون الواحد تلو الآخر تحت وابل السهام حتى قُتل كثير منهم، وهذا كله حُبّـًا وعشقًا لنبيهم وقائدهم الأعظم صلى الله عليه وسلم وفداءً له عملا بقوله تعالى:” النبيُّ أولَى بالمؤمنينَ مِن أنفسِهِم(6) سورة الأحزاب.

ومما ورد أيضًا في فداء الصحابة رضوان الله عليهم لنبيّهم عليه الصلاة والسلام بأرواحهم وأجسادهم في يوم أُحُد حيث انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ،موقفُ الصحابي الجليل أبي طلحة رضي الله عنه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم للذود عنه، حيث وقف رضي الله عنه مُتَرّسًا بنفسه عليه بترس له، وكان أبو طلحة رضي الله عنه رجُلاً راميًا شديد النزع فكان النبي عليه الصلاة والسلام يُشْرِفُ لينظر إلى القوم فيقول له أبو طلحة رضي الله عنه:” بابي أنت وأمي لا تشرفُ يُصيبك سهمٌ من سهام القوم، نَحري دون نَحْرُكَ”.

وكذلك تَرّسَ أبو دجانة رضي الله عنه نفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبل يتلاحق في ظهره وهو منحنٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قُتِل هو ومعه خمسة ممن كانوا يذودون عن نبيّهم عليه الصلاة والسلام ويقاتلون دونه حتى فدوه صلى الله عليه وسلم بأرواحهم ونالوا شرف الشهادة
وكان ءاخرهم الصحابي الجليل عمارة بن يزيد رضي الله عنه الذي قاتل دون النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يحميه بنفسه حتى أثخنته الجراح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبُ القلب الرحيم:” أدنوه مني” فوسده صلى الله عليه وسلم قدمهُ الشريفة المباركة فمات رضي الله عنه وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما ورد ايضًا في شدة محبة الصحابة لنبيّهم عليه الصلاة والسلام وشدة تعلق قلوبهم برؤيته وعدم تحمل مفارقته أنّ رجلا أتى النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لأنت أحبُّ من أهلي ومالي وإني لأذكرك فما اصير حتى أجىء إليك فأنظر إليك، وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك دخلت الجنة رُفعت مع النبيين وإن دخلتها لا أراك، فأنزل الله تبارك وتعالى :” ومن يُطِع اللهَ والرسولَ فأولئكَ مع الذينَ أنعمَ اللهُ عليهِم منَ النّبيين والصّديقين والشُهداء والصلحين وحسُنَ أولئِك رفيقًا” سورة النساء.
فدعا صلى الله عليه وسلم به فقرأها عليه.
وفي حديث ءاخر كان رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه صلى الله عليه وسلم لا يطرفُ_ أي لا يصرف بصره عنه_ فقال له صلى الله عليه وسلم :” ما بالك؟” قال: بابي أنت وأمي أتمتع من النظر إليك ، فإذا كان يوم القيامة رفعك الله بتفضيله فأنزل الله هذه الآية.

وفي حديث أنس رضي الله عنه :” منْ أحبّني كان معي في الجنة”.
فائدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” المرءُ مع منْ أحبّ” معناه الله تعالى يجمعه بهم يوم القيامة وينتفع بهم إن كانوا صلحاء.
ومن النماذج الرائعة في حُبّ الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وسلم وشدة تعلّق قلوبهم بملازمته وصحبته حتى بعد مماته ما رواه مسلم من أنَّ ربيعة ابن كعب الأسلميّ الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب حب المكافأة” سلْني” فطلب من رسول الله أن يكون رفيقه في الجنة فقال له: اسألك مرافقتك في الجنة، فلم يُنكر عليه رسول الله سؤاله بل قال له من باب التواضع :” أو غير ذلك” فقال هذا الصحابي : هو ذاك، فقال له صلى الله عليه وسلم:” فأعني على نفسك بكثرة السجود”.
فائدة: هذا الحديث الشريف الذي سأل فيه هذا الصحابي الجليل ربيعة بن كعب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة مكافأة له على خدمته له صلى الله عليه وسلم في الدنيا، هذا الحديث فيه دليل واضح وجليّ على المشوشون نفاة التوسل المحرفون من قولهم: لا يجوز سؤال غير الله تعالى وما لم تجرِ به العادة، وأما قولهم على وجه إنكار ذلك: تسأل محتاجًا !! فالردّ عليهم أننا نقول لهم: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستغني عن ربه طرفة عين ومع ذلك قال لخادمه ربيعة رضي الله عنه:” سلني” فسأله فاين هم من هدْي الرسول عليه الصلاة والسلام!!
قال أهل الحق من العلماء: يجوز سؤال النبي حيًا وميتًا وكذلك سؤال الولي حيًا وميتًا ، وليس ذلك مخالفًا للشرع ولا يعد ذلك عبادة لغير الله كما يقول ويزعم هؤلاء المشوشون نفاة التوسل، إذ العبادة كما عرّفها اللغويون هي غاية الخشوع والخضوع ، فيفهم من ذلك أن مجرد التوسل أو الاستعانة او الاستغاذة بنبيّ أو وليّ أو سؤاله حيًا أو ميتًا لا يُعد ذلك عبادةً له وشركًا ، فالأنبياء والأولياء كما قال العلماء من أهل الحق لهم تصرف في حياتهم وبعد مماتهم بإذن الله تعالى ومشيئته.
وممّا ورد في شدة عشق الصحابة لنبيّهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وزيارتهم له صلى الله عليه وسلم بعد موته والتبرك بقبره الشريف ما رُوي أن بلالا الحبشي رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك المدينة المنورة وتوجه إلى الشام وأقام فيها، فرأى رضي الله عنه في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: ” ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما ءان لك أن تزورني يا بلال؟ فانتبه بلال رضي الله عنه من نومه حزينًا وجِلا خائفًا فركب راحلته، وقصد المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة وأتم التسليم ، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويُمرّغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يضمهما ويقبلهما رضي الله عنهما ، فقالا له: نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ففعل، فعَلا سطح مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فوقف موقفه الذي كان يقف فيه فلما أنْ قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال اشهد أن لا إلا الله ازدادت رجّتها ، فلما أن قال اشهد أن محمدًا رسول الله خرجت العواتق ( أي النساء الشابات) من خدورهن وقالت: أبُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما رؤِيَ يومٌ باكيًا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم.
وأنشد لسان الحال:
ذنبي عظيمٌ يا عفُوٌّ وإنني ~~ بمحمد أرجو التسامح فيه
فبِهِ توسلَ ءادم من ذنبه ~~ وقد اهتدى منْ يقتدي بأبيه
تنبيه: ذنب ءادم ذنبٌ صغيرٌ لا خسّة ولا دناءة فيه.