الأحد ديسمبر 22, 2024

مسائل متفرقة

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الحلال والحرام في الإسلام» ما نصّه([1]): «التطوع للجهاد بغير إذن الوالدين لا يجوز».اهـ.

الرَّدُّ:

من المعلوم شرعًا أن العدو إذا دخل فالجهاد فرض عين على كل مستطيع ولو بغير رضى الوالدين، أما إن كان العدو لم يدخل أرضنا فالجهاد عندئذٍ فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقي ومن أراد التطوع في هذه الحالة لا يخرج بغير رضى الوالدين وهذا الأمر معلوم عند صغار طلبة العلم فضلًا عن العلماء.

  • ويقول في المصدر نفسه تحت عنوان: (متى تسقط حرمة الدم) ما نصّه([2]): «الخروج على دين الإسلام بعد الدخول فيه والمجاهرة بهذا الخروج تحديًا للجماعة الإسلامية([3])».اهـ.

 

الرَّدُّ:

إن القيد الذي وضعه القرضاوي بقوله([4]): «والمجاهرة بهذا الخروج تحديًا للجماعة الإسلامية والإسلام لا يكره أحدًا على الدخول فيه».اهـ.

فهذا القيد لا أصل له في شرع الله، هو شرعًا يقتل سواء جاهر أو لم يجاهر تحدى أو لم يتحد، إذا ثبت عليه الخروج من الإسلام بقول أو فعل أو اعتقاد صريح لا يحتمل التأويل ولا يفهم منه غير الكفر فإذا ثبت باعترافه أو بشهادة شاهدين عدلين يمهل ثلاثة أيام كفرصة ليعود إلى الإسلام أو يقتل.

أما إثبات الردة بشهود فقد قال صاحب «الشرح الكبير الدردير» ما نصّه([5]): «تثبت الردة أمام القضاء بشهادة رجلين مسلمين عدلين وبهذا قال الحنابلة ومالك والأوزاعي والشافعي والحنفية وقال ابن المنذر لا نعلم أحدًا خالف في هذا إلا الحسن قال لا يقبل في إثبات الردة إلا أربعة شهود قياسًا على الزنى ولكن يرد على الحسن أن الشهادة على الردة في غير الزنى فتقبل من عدلين كالشهادة على السرقة وقد نص على مثل هذا ابن قدامة في «المغني»».اهـ.

وأما ادعاؤه المجاهرة والتحدي فلا نص لذلك؛ بل النص واضح وصريح في قوله ﷺ: «من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخاري([6]).

فلم يقل من بدل دينه مجاهرة ولا تحديًا.

وقال في الحديث الذي رواه البخاري وغيره([7]): «لا يحل دم امرئ مسلم إلى بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة» وهنا لم يقيد ولم يشترط.

وقد ثبت في الحديث أن أسامة بن زيد قتل رجلًا قال لا إلـٰـه إلا الله فقال: قالها خوفًا من السيف فقال النبي ﷺ: «أشققت على قلبه» الحديث([8])، فالنبي لم يقل له هل جاهر بكفره هل تحدى الجماعة الإسلامية؟

ومن أغاليط القرضاوي أنه زعم قائلًا في كتابه «الإسلام والغرب» ما نصّه([9]): نحن نتبنى ما تبناه أعلام المسلمين المعاصرين الشيخ رشيد رضا والشيخ شلتوت والشيخ عبد الله دراز والشيخ أبو زهرة والشيخ الغزالي وهؤلاء كلهم يتبنون أن الجهاد للدفاع عن الدين والدولة والحرمات والأرض والعرض.

وهنا يبدو عندنا سؤال تتبنى ما قاله هؤلاء وتترك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [سورة التحريم: 9]، وتترك قوله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلـٰـه إلا الله وأني رسول الله» الحديث([10])، وتترك الحديث الذي في البخاري([11]): «أن الرسول غزا بني المصطلق وهم غارُّون»، أي: غافلون لا علم لهم، وماذا تفعل بالآية {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال: 39].

ومن العجب العجاب أنك تدعو إلى الاجتهاد وتزعم نفسك بأنك مجتهد وتتبع أقوامًا معاصرين جلهم من المشبوهين ولا سيما إذا ثبتت عليهم هذه الفتوى وبعد ذلك تترك نصوصًا أوضح من الشمس في رابعة النهار خدمة لأهوائك وأراجيفك.

وأما زعمك بأن الإسلام لا يجبر أحدًا على الدخول فيه وقد استشهد بالآية في كتاب ءاخر وهي: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة: 256]، زاعمًا في غير موضوع وفي غير كتاب أن هذا معناه للإنسان حرية أن يعتقد ما شاء فهذا تحريف منك إذ الآية معناها لا تكرهوا أهل الكتاب بالقتال إذا دفعوا الجزية.

وقال الإمام أبو منصور الماتريدي في «شرح التأويلات»: هذه الآية منسوخة بآيات الجهاد كآية: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [سورة الحج: 39]، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [سورة البقرة: 193].

وأما قوله تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29]، فهو تهديد وليس إذن للناس في حرية الكفر بدليل ما يليه وهو {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [سورة الكهف: 29].

قال القرطبي في تفسيره ما نصّه([12]): «وليس هذا بترخيص وتخيير بين الإيمان والكفر إنما هو وعيد وتهديد».اهـ.

  • ويقول في كتابه المسمّى «العبادة في الإسلام» ما نصّه([13]): «ولا خير في ذكر اللسان إذا كان القلب ناسيًا غافلًا».اهـ.

الرَّدُّ:

وهذه أعجوبة من أعاجيب هذا الرجل الذي لا يكف عن الإفتاء بغير علم والتجرؤ بغير فهم، فمن أين يأتي بمثل هذا الكلام ومن الذي اشترط في الذكر أن يكون القلب حاضرًا حتى يكون فيه خير وإلا فلا؟!.

لو راجعنا كل النصوص القرءانية والحديثية لم نجد نصًّا واحدًا يشترط هذا الشرط هو لا شك الذكر باللسان مع قلب خاشع هو أفضل، أما أن يقال: إنه لا خير بمن ذكر بلسانه وقلبه ساهٍ أو لاهٍ فهذا تجبر وتحكم.

  • يقول القرضاوي في جريدة الحياة الصادرة بتاريخ 23/5/98 ما نصّه: «أنا ضد النقاب».اهـ.

الرَّدُّ:

النّقاب هو ما تغطي به المرأة وجهها قال الفيومي في «المصباح المنير» ما نصّه([14]): «ونقاب المرأة جمعه نُقب مثل كتاب وكتب وانتقبت وتنقبت: غطت وجهها في النقاب».اهـ. وكان النقاب واجبًا على أمهات المؤمنين وضعه وأما على غيرهن فليس بواجب؛ لأن وجه المرأة ليس بعورة ولكن يستحب لهن وضعه أمام الرجال الأجانب حث على ذلك رسول الله ﷺ ووعد من فعلته بالثواب من الله.

فيعد قوله: أنا ضد النقاب نجده يناقض نفسه بنفسه حيث يقول في كتابه المسمّى «الصحوة الإسلامية» ما نصّه([15]): «فما الذي يقلق إخواننا العصريين أن تلتزم الفتاة المسلمة بالحجاب أو حتى بلبس النقاب؟».اهـ.

أقول: القرضاوي هو الذي يقلق؛ لأنّه ضد النقاب كما صرح صراحة.

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «العبادة في الإسلام» ما نصّه([16]): «وليس العيب أن يخطئ الإنسان بكل ابن ءادم خطاء ولكن العيب أن يتمادى في الخطأ».اهـ.

الرَّدُّ:

من العيب أن يعرّف العيب بهذه الطريقة التي لا تنم عن صاحبها أنه ملم بأبسط مسائل المعرفة فكيف تقول يا قرضاوي ليس عيبًا أن يخطئ الإنسان فهذا مرفوض إلا إذا كان الخطأ خارج عن حدود الاستطاعة؛ كالقتل من طريق الخطأ أو نحوه كمن اجتهد في استقبال القبلة فأخطأ أو كالمجتهد الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد فأخطأ.

أما إن كان الخطأ خارجًا عن هذا الموضوع؛ كالجهل في العلم الضروري والزنى والربى وسائر الفواحش فهذا لا شك أنه عيب والتمادي بها أشد عيبًا هكذا يقال وليس كما قال.

  • وقال القرضاوي في كتابه المسمّى «العبادة في الإسلام» ما نصّه([17]): «والإسلام يكره للمسلم أن يستدين».اهـ.

الرَّدُّ:

هذا كلام بلا دليل مطلقًا والصحيح أن الدَّين كان شائعًا بين الصحابة والسلف الصالح بلا حرج، ومن تفريج الكرب عن المؤمنين إعطاؤهم مالًا هبةً أو على سبيل الدين وفي مسلم بلفظ: «من نفَّس عن مؤمنٍ كربة من كُرَبِ الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة» حتى إنه يجب شرعًا إنظار المعسر، أي: من استدان وعجز عن الدفع في الوقت المعلوم. ثم إن كنت يا قرضاوي تأنف من النقل عن الأئمة وتقليدهم كما هي عادتك فما هو النص الذي أخذت منه هذا الحكم؟!

 

 

  • وفي كتابه المسمّى «العبادة في الإسلام» ما نصّه([18]): يكفر القرضاوي المنتحر.

الرَّدُّ:

روى مسلم في صحيحه([19]) بسنده إلى جابر أن الطُّفيل بن عمرِو الدُّوسي أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله هل لك في حصنٍ حصين ومَنَعَة؟ قال: «حصن كان لدوسٍ في الجاهلية»، فأبى ذلك النبيّ ﷺ للذي ذخره الله للأنصار فلما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرٍو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرِض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرءاه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ورءاه مغطيًا يديه فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه ﷺ فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك قال: قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ: «اللَّهُمَّ وليديه فاغفر».

  • ويقول في كتابه المسمّى «ثقافة الداعية» ما نصّه([20]): «ففي هذه الناحية العملية في سنته ﷺ نجد الإسلام مجسمًا في حياة بشر ونجد القرءان حيًّا مشخصًا يسعى على قدمين».اهـ.

الرَّدُّ:

إن هذا الكلام وكما لا يخفى على ذوي البصائر قبيح ولا يجوز تشبيه القرءان بهذا الشكل وكان عليه أن لا يزيد على قول السيدة عائشة في وصف رسول الله ﷺ: «كان خلقه القرءان».

  • القرضاوي مُعجَبٌ بالكفار يورد أقوال فلاسفتهم في ثنايا كتبه مستشهدًا بها ومعظمًا لها وهو يعتقد أن موادتهم جائزة وموالاتهم لا بأس بها!! بل هو يصرح بلا مواربة ولا كناية أن محبتهم شيء حسن ممدوح في الشرع!! فقد قال في العدد 267 من مجلة الأمان: «ومحادة الله ورسوله ليست مجرد الكفر بهما؛ بل محاربته دعوتهما».اهـ. قاله في تفسير قول الله تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ} [سورة المجادلة: 22]، ثم زاد مقصده وضوحًا فقال: «فالآية تُعَلّلُ تحريمَ الموالاة أو الإلقاء بالمودة إلى المشركين ليس بمجرد كفرهم بالإسلام؛ بل بأمرين مجتمعين كفرهم بالإسلام وإخراجهم للرسول والمؤمنين من ديارهم بغير حق».اهـ.

الرَّدُّ:

على زعمه لا يحرم موادة الكفار ولا موالاتهم إلا الذين أخرجوا الرسول والمؤمنين من ديارهم، يقول الله U: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [سورة ءال عمران: 22] ومن لا يحبه الله نحن لا نحبه أيضًا، وكيف نوادّ من نقَّص الله وسَبَّهْ وازدرى النبيّ وكذَّبَهُ، وكره ديننا واحتقره، وناقض كتابَنَا وخالفه؛ بل من شأن المؤمن أن يكره من يكرهُهُ الله وأن يحب من يحبُهُ الله، قال ربنا جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ رَبِّكُمْ} [سورة الممتحنة: 1]، فهذه الآية فيها النهي الصريح عن موادتهم.

وقوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} [سورة الممتحنة: 1] ليس علة التحريم وإنما هو ذكر قبيح أفعالهم، ومن مارس الأصول يعرف من الآية أن العلة هي الكفر، ففي استنباط القرضاوي الباطل تحريفٌ؛ لأن قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [سورة ءال عمران: 32] نَصٌّ على أن العلة هي كفرهم فألغى القرضاويّ هذه العلة المصرَّحَ بها وجعل علةً غيرها لم يسبَق إليها فقال: «يجوز موالاة الكفار إن لم يخرجوكم من دياركم ويحاربوكم. بينما ربنا U يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة التوبة: 23]، أفنترك كتاب ربنا وءاياته لقول «قارض» يُجرِي الكلامَ على عواهنه ويضرب الآيات بعضها ببعض ويحرف معانيها بلا علم ولا سلطان مبين؟! حاشا وكلا. وفي هذه الآية لم يذكر قتال المسلمين ولا إخراجهم».

  • وها هو القرضاوي يزيد حبّه للكفار الذين يعادون الله ويكرهون رسوله بيانًا فيقول في كتابه المسمّى «الإيمان والحياة» ما نصّه([21]): «وأَحَبَّ المؤمنُ الناسَ جميعًا لأنهم إخوته في الآدمية وشركاؤه في العبودية لله، جمع بينه وبينهم رحم ونسب كما جمع بينهم هدف مشترك وعدو مشترك».اهـ.

ويقول في المصدر نفسه ما نصّه([22]): «وقرءانه الكريم يعلمه أن يحترم أجناس المخلوقات كلها من الدواب والحشرات والطيور».اهـ. ويستدل بالآية: {وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إِلّا أُمَمٌ أَمثالُكُم} [سورة الأنعام: 38]، وبالحديث: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها».

الرَّدُّ:

إن كان بين القرضاوي وبين أتباع الشيطان هدف مشترك فلا هدف مشترك يجمع بيننا وبين عابد الصنم ولله الحمد، وليس عدوّي وعدو عابد الشيطان مشتركًا، ولا تجمع قلوب الذين ءامنوا واتقوا بين حب الله U وحب أعدائه. كيف وقد نهانا الله عن محبتهم وزجرنا رسول الله عن ذلك زجرًا بليغًا، ويكفي في بيان هذا قوله تعالى في الكفار: {إنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [سورة الفرقان: 44] وحديثُ ابنِ حبّانَ وأحمد وغيرهما: «لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفس محمد بيده إن ما يدهدهه([23]) الجُعَل([24]) بأنفه خير من هؤلاء المشركين»، فإذا كان هذا حالهم بشهادة رسول الله ﷺ، إذا كانوا أخسَ من أقذار الناس التي يجمعها الجُعَل بأنفه فهل تصدر دعوى محبّتهم وموادتهم وموالاتهم إلا عن شخص غرق في قاذوراتهم فلم يعد أنفه يميّز بين طيب ريح المسك وخبث نتن الجيف!؟ والقرضاوي ينطبق عليه حديث رسول الله ﷺ: «المرء مع من أحب» رواه البخاري([25]).

وأما تمسكه بحديث أحمد عن زيد بن أرقم: أنا أشهد أن العباد إخوة.اهـ. فلا وجه له؛ لأن الحديث ضعيف و«الدكتور» – رغم ادعائه الاجتهاد – لا خبرة له في الحديث وفي تمييز صحيحه من ضعيفه، وأما نحن فنتمسك بقول الله تعالى: {إِنَّمَا الـمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [سورة الحجرات: 10]، ثم إن القرضاوي جهل أن قتل بعض الحيوانات من الحشرات وغيرها مطلوب شرعًا وفي قتلها ثواب فأين الاحترام الشامل؛ بل نتحداه أن يثبت أن معنى الآية والحديث هو أنه يجب احترام الحيات والعقارب والخنزير والوزغ وغيرها مما يسن قتله([26]).

  • ثم استمع إلى «الدكتور» في كتابه المسمّى «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي» يقول ما نصّه([27]): «اعتقاد كل مسلم بكرامة الإنسان أيًّا كان دينه أو جنسه أو لونه قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ} [سورة الإسراء: 70] وهذه الكرامة المقررة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية».اهـ.

الرَّدُّ:

استمع إلى كلامه هذا وقارنه بقوله الله تعالى: {إِنَّمَا الـمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [سورة التوبة: 28]، وبقوله تعالى: {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِ عِندَ اللَّـهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [سورة الأنفال: 55]، ثم سل نفسك أي احترام هذا هو الذي يتكلم عنه القرضاوي!!

وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ} [سورة الإسراء: 70] فهو بالنسبة لأصلهم فقد جعل الله أصلَهُمْ وهو المني طاهرًا وإلا فهل يعتقد مؤمن أن أبا لَهَبٍ مُكَرَّمٌ عند الله أو أن أبا جهل كان يستحق الاحترام من المسلمين أو أن عابد البقر أو الشيطان أو الفأر أو الخشب يستحق ويستوجب الاحترام على المسلمين بحيث إنّ من لم يحترمه ويعظمه يكون ءاثمًا عاصيًا؟! حاشا؛ بل هذه من تخيلات القرضاوي المبنية على المدانة في الدين، والله حسيبه.

  • ويقول في نفس الصحيفة من المصدر نفسه: «ليس المسلم مكلفًا أن يحاسب الكافرين على كفرهم أو يعاقب الضالين على ضلالهم فهذا ليس إليه وليس موعده هذه الدنيا».اهـ.

الرَّدُّ:

فلمَ قال رسول الله ﷺ: «من بدَل دينه فاقتلوه» رواه البخاريّ، ولمَ قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ} [سورة التوبة: 14]، ولمَ قال الرسول ﷺ: «أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلـٰـه إلا الله وأن محمدًا رسول الله»، ولمَ غزا المسلمون السند والهند والأندلس؟! ولمَ قال الرسول ﷺ: «عجب([28]) الله من قوم يدخلون الجنّة في السلاسل» رواه البخاري([29])، أم يظن القرضاويُّ أن رسول الله ﷺ وأصحابه وتابعيهم بإحسان كانوا مثله مداهنين للمشركين موادّين للكفار لا يمتنعون مِنْ محبة مَن حادّ الله ورسولَهُ همهم الجاه والدينار والدرهم، خاب وخسر وتعس وانتكس وما انتقش؛ بل كان همهم مرضاة الله يحبون في الله من أطاع الله ويبغضون في الله من عادى الله ولو كانوا أولي قربى.

  • ثم إن «الدكتور» القرضاوي ألغى ءايات القتال الواردة في سورة براءة وغيرها إذ يقصر الجهاد على حالة دفع المسلمين للهجوم ويمنع القتال الذي هو للهجوم تحت ستار ما يسميه حرية العقيدة التي زعم أن الإسلام يكفلها لكل الناس بلا استثناء، قال في كتابه المسمّى «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي» ما نصّه([30]): «أول هذه الحريات حرية الاعتقاد والتعبد فلكل ذي دين دينه ومذهبه لا يُجبَر على تركه إلى غيره ولا يضغط عليه أيّ ضغط ليتحول منه إلى الإسلام»([31]).اهـ.

الرَّدُّ:

الصحابة وصلوا إلى أطراف الصين كما إلى مراكش في ظرف خمس وعشرين سنة وفتحوا بلاد الروم والفرس والسند والترك والبربر من غير أن يكون أيّ من هؤلاء بادئين بالهجوم على المسلمين، ولم يفعلوا ذلك إلا لنشر دين الله تعالى تنفيذًا لقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال: 39]، وتنفيذًا لقول الله U: {تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}، ولقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [سورة التوبة: 5]، ولقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة: 29]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة: 73]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [سورة التوبة: 123]، فهذه الآيات صريحة في وجوب قتال الكفار هاجمونا أو لم يهاجمونا منعونا من نشر ديننا أم لم يمنعونا إلا إن أسلموا أو دفعوا الجزية إن كانوا من أهل الكتاب، ولذلك قال الأصوليون: «الجهاد ماضٍ حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم».اهـ. وهذا شيء اتفقوا عليه كما نقله إمام الحرمين وأقره النوويّ.

وأما قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة: 256] فقد قال الإمام أبو منصور الماتريدي: إنها منسوخة بآيات القتال، وقال ءاخرون من المفسرين إنها في المعاهَدِين فإنهم لا يُقَاتَلُونَ حتى تمضي المدة أو ينقضوا العهد، ولم يقل مفسر معتبر لا من السلف ولا من الخلف إنَّ هذه الآية تدل على أنه لا يجوز قتال الناس لإدخالهم في الإسلام؛ بل قال الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرها: «فرضٌ غزو الكفار في بلادهم كل سنة مرة على الأقل عند الاستطاعة».اهـ.

ثم إن حديث رسول الله يفسّر ما جاء في القرءان بما لا يترك مجالًا لرأي القرضاوي وأمثاله فإن سيدنا عليًّا لما وجهه رسول الله للقتال قال بعدما مشى خطوة: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فأقره رسول الله على قوله ولم ينكر عليه، ورسول الله أعلم بمعاني كتاب الله، والحديث رواه مسلم([32]).

وما تقول بحديث البخاري أن رسول الله ﷺ غزا بني المصطلق وهم غارُّون، أي: غافلون وما زعمه القرضاويّ هو ضد حديث رسول الله ﷺ الذي رواه البخاري: «من بدَّل دينه فاقتلوه» وقد سبق، وهو ضد أفعال الصحابة أيضًا فإنهم بعد موت رسول الله ذهبوا إلى عقر ديار المرتدين من بني حنيفة فقاتلوهم ثم غزوا الروم والفرس والسند والبربر مع بُعد ديارهم عنهم فوصلوا إلى أطراف الصين وإلى مرَّاكش في طرف خمس وعشرين سنة. وهذا غيلان الدمشقي القدري المعتزلي بلغ الخليفة هشام بن عبد الملك أنه يكذب بالقدر فاستدعاه فسأله عن ذلك فقال له ادعُ من يناظرني فدعا هشامٌ الأوزاعيّ فناظره فكسره الأوزاعي وألقمه الحجر ثم قال t لهشام: «كافر وربّ الكعبة يا أمير المؤمنين» وأفتاه بقتله([33])، فأخذه هشام فقطع لسانه ويديه ورجليه ثم قطع رأسه وصلبه على باب دمشق، ومثله فعل كثير من خلفاء الإسلام بفتاوى الأئمة والعلماء. فأين أنت يا قرضاوي من القرءان ومن الحديث ومن سيرة رسول الله وصحابته وخلفاء المسلمين وعلمائهم فإنك لم توافق أيًّا منهم وسيكونون خصومك يوم العرض إن لم تتدارك نفسك.

وأين أنت يا قرضاوي من أصحاب رسول الله ﷺ فقد أرسل أبو بكر جيش المسلمين لقتال قبائل المرتدين وكان في الجيش عليٌّ فذهبوا إلى عقر ديارهم وقاتلوهم وأبادوهم فماذا تقول في هذا وأنت تهدم الدين بكلام فاسد فلو كان للإنسان حرية اختيار ما شاء من المعتقد لماذا أقدم الصحابة على قتال المرتدين في عقر ديارهم أما ءان لك أن ترجع إلى الرشد قبل فجأة الموت؟!

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الخصائص العامة في الإسلام» ما نصّه([34]): «لقد أعلن الإسلام كرامة الإنسان فاعتبره خليفة الله في الأرض وهي منزلة اشرأبت إليها أعناق الملائكة»، ثم قال القرضاوي: «لقد كرم الله الإنسان بالخلافة في الأرض وهيأه لها بالعقل والعلم الذي تفوّق به على الملائكة».اهـ.

الرَّدُّ:

أولًا: ليس كل إنسان خليفة في الأرض فقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [سورة البقرة: 30]، فالمقصود هنا ءادم وليس سواه.

ثانيًا: قوله وهي منزلة اشرأبت إليها أعناق الملائكة هذا كلام غير سديد فالملائكة لما سألوا الله كما ورد بقوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [سورة البقرة: 30]، فهذا على سبيل السؤال لاستكشاف الحكمة من ذلك وليس على سبيل الاعتراض أو طلب ذلك لأنفسهم كما توهم القرضاوي فالله تعالى وصفهم بقوله: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم: 6].

ثالثًا: وأما قوله: وهيأه لها بالعقل والعلم الذي تفوق به على الملائكة([35])، فهذا مردود من وجوه:

أولًا: قوله وهيأه بالعقل والعلم فالملائكة كلهم عقلاء علماء؛ لأنّهم أولياء بكليتهم لكنهم متفاوتو المراتب فالولي لا يكون إلا عاقلًا عالـمًا ابتداء وأقل العلم أن يكون حصَّل العلم الضروري.

ثانيًا: الذين تفوقوا على كل الملائكة هم الأنبياء وليس عموم الناس.

ثالثًا: إن الله فضل الأنبياء على الملائكة بالنبوة وليس بمجرد العقل والعلم فالخلفاء الأربعة ليسوا بأفضل من جبريل وميكائيل وإسرافيل.

 

 

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الإيمان والحياة» ما نصّه([36]): «إيمان المقلد لا يقبل»، ونسبه إلى علماء الأمة.

الرَّدُّ:

إن القرضاوي يدأب في مقالته على تكفير المؤمنين والدفاع عن أهل البدع والأهواء، والمعروف عن هذه المسألة أن أهل السُّنَّة يرون أن إيمان المقلد صحيح والذين لا يرون صحة إيمان المقلد هم المعتزلة، والمعتزلة ليسوا علماء الأمة كما يدعي، فأين مستنده فيما نسبه إلى علماء الأمة فليبرز ذلك إن كان يوجد عنده ولا يوجد؛ بل المذكور في كتب عقائد أهل السُّنَّة خلاف ما ذكره.

  • قال القرضاوي في كتابه المسمّى «الرسول والعلم» ما نصّه([37]): «وبهذا صار حق المعلم كما يقول الغزالي أعظم من حق الوالدين».اهـ.

الرَّدُّ:

قالت عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ: «من أعظم الناس حقًّا على الرجل» فقال: «أمه» رواه الحاكم([38])، وأرى أن هذا الحديث يكفي للرد عليه.

  • قال القرضاوي في كتابه «غير المسلمين» ما نصّه([39]): «روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن جنازة مرت على النبي ﷺ فقام لها فقيل له: يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال: أليست نفسًا؟ – قال القرضاوي – بلى ولكل نفس في الإسلام حرمة ومكان، فما أروع الموقف وما أروع التفسير والتعليل».اهـ.

 

 

الرَّدُّ:

أوَّلًا: من الناحية الحديثية ليس هذا نص الحديث في البخاري.

ثانيًا: نص رواية جابر هي كما يلي: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مر بنا جنازة فقام لها النبي ﷺ فقمنا به فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا»([40])، هذا نص الحديث وهو يدل على أن القرضاوي لا علم له في الحديث عامة لا سندًا ولا متنًا أما رواية([41]): «أليست نفسًا» فهي عند البخاري من طريق ءاخر.

ثالثًا: أما قوله: بلى ولكل نفس في الإسلام حرمة ومكان، فهذا ليس من كلام رسول الله ﷺ البتة ولا في أي من روايات الحديث على الإطلاق؛ لأنّه لم يرد أصلًا ولأنّه كلام باطل فاسد فليس في الإسلام لكل نفس حرمة([42]).

رابعًا: سأترك الكلام الآن لابن حجر في شرحه للبخاري في «فتح الباري»([43]) حيث يبيّن رحمه الله روايات الحديث وتفسير الحديث فيتبيّن لنا أن ما قاله القرضاوي فساد وكساد وإنما دفعه إلى ذلك حرصه على محبة اليهود كما بدا ذلك في عدة مواضع من كتبه.

يقول ابن حجر: روى البخاري بسنده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال مر بنا جنازة فقام لها النبي ﷺ فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا».

وروى عن سهل بن حُنيف وقيس بن سعد: إن النبي ﷺ مرت به جنازة فقام فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال: «أليست نفسًا».

قال القرطبي: معناه: أن الموت يفزع منه، إشارة إلى تعظيمه.

قوله: «أليست نفسًا» هذا لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال: «إن للموت فزعًا»، على ما تقدم، وكذا ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة عن أنس مرفوعًا فقال: «إنما قمنا للملائكة»، ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى، ولأحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: «إنما تقومون إعظامًا للذي يقبض النفوس»، ولفظ ابن حبّان «إعظامًا لله الذي يقبض الأرواح».

وقد اختلف أهل العلم في أصل المسألة فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب فقال: هذا إما أن يكون منسوخًا أو يكون قام لعلة، وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره، والقعود أحب إليّ انتهى. وأشار بالترك إلى حديث عليّ أنه ﷺ قام للجنازة ثم قعد، أخرجه مسلم، قال البيضاوي: يحتمل قول عليّ «ثم قعد»، أي: بعد أن جاوزته وبعدت عنه، ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلًا.

وقال عياض: ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي، وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن قال: والمختار أنه مستحب، وبه قال المتولي انتهى.

  • وفي كتابه المسمّى «المدخل لدراسة السُّنَّة النبوية» يقول([44]) بجواز مصافحة المرأة الأجنبية وينكر على الذين ينكرون ذلك.

وقال في مقابلة في التلفزيون باللهجة المصرية. أنا بصافح.

وقال: يعني لو مدت ايدها تصافحني أكسفها!!.

الرَّدُّ:

 روى عن ابن حبّان([45]) عن أُميمة بنت رُقَيقَة، وإسحـٰق بن راهويه بسند جيد عن أسماء بنت يزيد مرفوعًا أن النبي ﷺ قال: «إني لا أصافح النساء» قال الحافظ ابن حجر بعد إيراده للحديث([46]): «وفي الحديث أن كلام الأجنبية مباح سماعه، وأن صوتها ليس بعورة، ومنع لمس بشرة الأجنبية بلا ضرورة».اهـ.

أما حديث أم عطية الذي ورد في البخاري فليس نصًّا في مس الجلد للجلد، وإنما معناه: كُنَّ يُشرنَ بأيديهن عند المبايعة بلا مماسة فتعين تأويله توفيقًا بين الحديثين الثابتين، ولأنّه يتعين الجمع بين الحديثين إذا كان كل واحد منهما ثابتًا.

ثم إنه قد ورد في «صحيح البخاري»([47]) قبل الباب الذي ورد فيه حديث أم عطية حديثٌ عن عائشة رضي الله عنها قالت: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله ﷺ: «قد بايعتُك»، كلامًا، ولا والله ما مست يده يَدَ امرأةٍ قطُّ في المبايعة، ما يُبَايعُهن إلا بقوله: «قد بايعتُك على ذلك»، فلو كان معنى المبايعة المصافحة كما زعموا لكان في كلامها تناقض.

ويدل أيضًا على تحريم المصافحة ومس الأجنبية بلا حائل حديث: «لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلُّ له»، رواه الطبراني في «المعجم الكبير» من حديث معقل بن يسار([48])، وحسّنه الحافظ ابن حجر ونور الدين الهيثمي والمنذري([49]).

ثم المس في الحديث، معناه: الجس باليد ونحوها ليس الجماع، وراوي الحديث معقل بن يَسار فهم من الحديث خلاف ما تدعيه كما نقل ذلك عنه ابن أبي شيبة في مصنفه([50]).

  • يقول القرضاوي في كتابه «الإيمان والحياة» ما نصّه([51]): «حب الطبيعة يتمثل في المؤمنين الذين يرون وجه الله في هذه الطبيعة».اهـ.

الرَّدُّ:

قلت: هذا هو عين كلام الحلوليين وأهل الوحدة المطلقة الذين يعتقدون حلول الله في العالم أو أن الله والعالم شيء واحد وأما المسلمون الموحّدون فإنهم يقفون عند قول الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [سورة الرحمـٰن: 26، 27] فلا يخلطون بين المخلوق الفاني وذات الله الباقي سبحانه.

وليست هذه العبارة عبارة فردةً في مؤلفات القرضاوي؛ بل ذكر شبيهاتها في مواضع أخرى؛ بل في نفس الكتاب السابق([52]) منه تراه ينقل عبارة أحد الكُتّاب الغربيين غير المسلمين – وهو معجب بهم كثير النقل عنهم – يقول هذا الكاتب: «إذا كنت على جانب الطريق فسر وأنت على يقين من أن الله يسير على الجانب الآخر».اهـ. ثم ينقل عن غربي ءاخر قول: «ضع يدك في يد الله».اهـ. ثم يقر القرضاوي العبارتين ولا ينكرهما؛ بل يبني عليهما ويزعم أن المؤمن يضع يده في يد الله.

الرَّدُّ:

أقول: أنا أتحداه أن يأتي عن عالم واحد من أئمة المسلمين بمثل هذه العبارات لفظًا ا ومعنى إلا من كتب الحلولية وأهل الوحدة.

وكأن القرضاوي لا يريد أن يترك أي لَبْسٍ في عقيدته ولا أن يترك مجالًا لجاهل يحاول الدفاع عنه فتراه يقول وفي نفس الكتاب ما نصّه([53]): «لهذا نرى المؤمن راضيًا عما قدّر الله له وما قضى الله فيه ينشد دائمًا».

إذا ما رأيت الله في الكل فاعلًا

 

رأيت جميع الكائنات ملاحا.اهـ.

الرَّدُّ:

قلت: الواجب الرضا بقضاء الله الذي هو صفته وأما المقدور الذي يحصل للعبد مما قدر الله له وقضى عليه فلا يرضى إلا بالخير منه دون الشر، فإنّه إذا كان الشخص عاصيًا لله فإن هذا العصيان إنما يقع بقضاء الله وقدره دون شك ولكن لا يجب على صاحبه أن يرضى به ويحبه؛ بل يجب عليه أن يكرهه ويسعى للخلاص منه من غير أن يعترض على الله في تقديره هذا الأمر عليه، وأما القرضاوي فيقول طالما أن الله هو خالق الكل وهو خالق الطاعةِ والمعصيةِ والحسَنِ والقبيحِ صار كل شيء حسنًا يجب الرضا به!! وما أقرب هذا الكلام من كلام الحلولية الإباحية، وعلى مقتضى هذا المذهب يجب الرضا بالكفر والشرك والسرقة والزنا والغصب وعبادة الأصنام، وعلى مقتضى بيت الشعر الذي استشهد به صارت الأفاعي والشياطين والقردة والخنازير ملاحًا تسر الناظرين، وهذا الكلام إذا ضم إلى كلام السابق الذي ينفي وجود الشر تجده كما سبق وقلنا متوافقًا مع كلام الحلولية الإباحية خذلهم الله.

ويا ليت باحثًا يبحث عن دافع صاحب هذه المقالة للدفاع عن المعاصي وعن إبليس.

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الحل الإسلامي» ما نصّه([54]): «ومفتاح شخصية هذه الأمة هو الإيمان به تصنع المعجزات وتتخطى المستحيلات».

الرَّدُّ:

هنا مسألتان؛ أولاهما: موضوع المعجزات، وأخراهما: موضوع المستحيلات: أما المعجزات فمن المعلوم من الدين بالضرورة أن المعجزة لا تكون إلا لنبي وهي الأمر الخارق للعادة فذا الأمر لا يتأتى إلا لأنبياء الله تعالى فقط وأما الأولياء فالله تعالى أكرمهم بالكرامات وأما المستحيلات فالمستحيل العقلي: هو الذي لا يقبل العقل حصوله فكيف يتخطى الشخص المستحيلات حتى الأنبياء لا يستطيعون فعل المستحيلات، والمعجزات ليست مستحيلة؛ بل جائزة عقلًا وحتى قدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات.

يوسف القرضاوي له ولع بشواذ المسائل في الفروع كما في الأصول وهو في هذا لا يعبأ بخروج على الجمهور أو خرقِ إجماعٍ أو مخالفةِ حديثٍ أو تكذيبِ ءايةٍ وكأنّ في صدره حقدًا على الشريعة أو يجد في نفسه ثأرًا يريد أخذه من رسول الله ﷺ، فيعمد إلى أحكام دينه ينقض عراها عروة عروة وينكرها حكمًا حكمًا وإليك غيضٌ من فيض ذلك.

  • يكرر القرضاوي عبارة «رب الأسرة» عن الرجل ومن ذلك يقول في المجلة المسماة الأمان العدد 276: فالرجل هو رب الأسرة.

الرَّدُّ:

كلمة رب الأسرة كلمة مستحدثة معاصرة وفيها مخالفة للشرع صريحة؛ لأن الشخص الحر لا رب له إلا الله، أما لو قال رب البيت عن مالك البيت لاستقام المعنى؛ لأن الرب معناها في اللغة: المالك، فهل يقال عنه رب الأسرة بمعنى مالكها؟! وهل يجوز أن يقول أنا رب زوجتي وأولادي؟!

ثم إن معنى الأسرة في اللغة غير ذلك المعنى الذي يذهب إليه الناس والبوطي من ورائهم وذلك من طريق التوهم والخطأ، فالأسرة معناها كما قال السيد مرتضى الزبيدي في «شرح القاموس»: «الأسرة من الرجل الرهط الأدنون وعشيرته؛ لأنه يتقوى بهم كما قاله الجوهري، وقال أبو جعفر النحاس: الأسرة بالضم أقارب الرجل من قِبَل أبيه».اهـ.

أما مفهوم الأسرة اليوم هي مجموع الرجل مع زوجته وأولاده وهذا المفهوم خطأ لغة فتأمل.

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الوقت في حياة المسلم» ما نصه([55]): «إن المؤذن يكون موقظًا للنائمين أن يقوموا ليتلقوا الصبح الطهور من يد الله».اهـ.

الرَّدُّ:

القرضاوي عنده عقدة وهو أنه مصرٌّ على أن يأتي بأشياء لم تأت بها الأوائل ولو كان ذلك الأمر قبيحًا وشنيعًا.

فهو يأتي باستعمالات تفيد أو توهم التجسيم والعياذ بالله، فالله I نسب إلى نفسه اليد ولكن قال تعالى: {لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، والنص الذي فيه نسبة اليد إلى الله فهو على المعنى اللائق بالله فقوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [سورة الفتح: 10]، معناه: عهد الله فوق العهد الذي أعطوك يا خير الخلق.

أما قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِيَّ} [سورة ص: 75]، أي: بعنايتي. وأما قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [سورة المائدة: 64]، فمعناه: الله واسع الكرم؛ لأن الجارحة مستحيلة على الله، فيجب تنزيه الله تعالى عن الجسمية والحد واللون والحجم والحركات والسكون وننزهه عن كل صفات المخلوقين إلا أن القرضاوي مُصر على التجسيم كيف وقد سمى الله تعالى جوهرًا، يعني: جسمًا كما ورد في بعض مؤلفاته وقد رددنا عليه في هذا الكتاب.

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الوقت في حياة المسلم» ما نصّه([56]): «قال بعض الصالحين طلب الجنّة بلا عمل ذنب من الذنوب وارتجاء رحمة الله مع المعاصي حمق وجهل».اهـ.

 

الرَّدُّ:

إن هذا الكلام مردود ولا يقول به صالح بن الصالحين؛ لأنّه بلا دليل، فالمؤمن وإن كان عاصيًا لله مقصرًا بأداء الفرائض والواجبات فهذا لا يحرم عليه أن يسأل الله الجنّة وليس من الحمق والضلال أن يسأل الله الرحمة.

فنقول للقرضاوي: إن كنت مقلدًا فهات لنا الحجة في التقليد، وإن كنت مجتهدًا فهاتِ الدليل وأنت أبعد ما تكون عن التقليد فمن باب أولى الاجتهاد.

وأكبر دليل على هُرائك أنك تعاند القرءان فاسمع إلى قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [سورة الأعراف: 156]، أي: يتقون الكفر.

وقوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سورة الزمر: 53]، وقال: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [سورة الحجر: 56]، فبعد هذه الآيات هل لك متَمسَّك تتمسك به يا قرضاوي؟!

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم» ما نصّه([57]): «فقد روى سعيد بن منصور عن القاسم بن محمد قال: «رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يُدمى»، أي: يجرح ويسيل منه الدم».اهـ.

الرَّدُّ:

إن هذا الكلام غير ثابت عن ابن عمر من ناحية السند وهذا الفعل هو من أفعال الجهلة ولا يقبل نقله عن ابن عمر وهو من فضلاء الصحابة ومجتهديهم، فالذين يتزاحمون لاستلام الحجر إلى حد أن يؤذي الشخص غيره أو أن يؤذى لحد أن يسيل منه الدم فهذا حرام قطعًا والمؤمن العاقل الفقيه لا يطلب طاعة الله بمعصيته ودرء المفاسد مُقدم على جلب المصالح. وقد ثبت في «صحيح البخاري»([58]) أن الرسول ﷺ شهد لعبد الله بن عمر بالصلاح فقال: «إن عبد الله رجل صالح» فهل يفعل الصالح ما زعمته يا قرضاوي أين ذهب عقلك؟!.

  • قال القرضاوي في كتابه المسمّى «الصبر في القرءان الكريم» ما نصّه([59]): «فالصبر إذن إنما يحمد إذا كان على بلاء لا يقدر الإنسان على إزالته أو التخلص منه فأما إن كان مقدورًا على دفعه أو رفعه فليس الصبر عليه مطلوبًا في الدين».اهـ.

الرَّدُّ:

هذا الكلام غير صحيح على إطلاقه، بدليل ما رواه الترمذي([60]) بإسناد حسن عن النبي ﷺ: «عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا قلت لا يا رب ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا» أو قال: «ثلاثًا» أو نحو هذا «فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك فإذا شبعت شكرتك وحمِدتك».

فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يجوع وكان يضع الأحجار على بطنه من شدة الجوع ومع ذلك عرض عليه أن تكون بطحاء مكة ذهبًا فقال: لا، ولو قال: نعم لحصل له ما أراد وأزال بلاء الجوع. فهل يقال: هذا ليس مطلوبًا في الدين وقد ثبت([61]) أن النبي ﷺ لما فقئت عين حنظلة جاء إلى النبي ﷺ وقد سالت عينه على خده فقال له النبي ﷺ: «إن شئت رددتها لك كما كانت وإن شئت تصبر» فطلب من النبي ردها، فلو لم يكن الصبرُ محمودًا هنا لما قال له النبي: «وإن شئت تصبر».

وقد ثبت أن الرسول مرض فقال طبيب من أطباء العرب: أداوي الذي بظهرك فرفض، رواه ابن حبّان.

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الحل الإسلامي»([62]): العودة إلى الإسلام هي التي تصلح ما فسد من هذه الأمة وتنشئها خلقًا ءاخر، ويكرر هذه العبارة في عدة مواضع من كتبه.

ويقول في كتابه المسمّى «الحلول المستوردة» ما نصّه([63]): «أما القيم الجديدة التي ستخلق الإنسان العربي…».اهـ.

ويقول في كتابه «الخصائص العامة للإسلام» ما نصّه([64]): «لأن الذي يخلق فرعون الكبير إنما هم أعوانه من الفراعنة الصغار».اهـ.

الرَّدُّ:

لقد تعود القرضاوي أن يتلقف كل عصري جديد ولو كان من الأخطاء الشائعة في الدين واللغة ومن جملة ما تلقف على غير بينة استعماله كلمة «خلق» في غير موضعها الشرعي أو اللغوي.

فلو كان القرضاوي عنده فهم في اللغة والشرع لما ساير أهل العصر في منزلقاتهم وقلدهم في مثل هذه التعابير المخلة، فكلمة خلق لا يجوز استعمالها إلا في الموضع المناسب وكلمة خلق لها عدة معانٍ:

  • الخلق، بمعنى: الإبراز من العدم إلى الوجود فلا خالق بهذا المعنى إلا الله.
  • أما قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ} [سورة المؤمنون: 14]، فمعناه أن الله أحسن المقدرين، لأن تقديره لا يخطئ وتقدير غيره يجوز عليه الخطأ والتغيير، فيجوز بهذا المعنى، أي: التقدير إطلاق الخلق على غير الله كما قال الشاعر زهير في وصف ممدوحه هَرِم بن سنان:

ولأنت تفري ما خلقت وبعـ

 

ـض القوم يخلق ثم لا يفري

معناه: أنت تقدر وتنفذ وبعض الناس يقدرون ولا ينفذون، أي: أنت لك مزية بذلك.

  • كما أن الخلق يأتي بمعنى التصوير، كما قال تعالى في حق عيسى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [سورة المائدة: 110].
  • وكما أنه يطلق على افتراء الكذب قال تعالى: {وَتَخَلُقُونَ إِفْكًا} [سورة العنكبوت: 17]، أي: تفترون الكذب.
  • ويقال: خلقت العود، أي: ملسْته.

فهل عند القرضاوي قسم سادس حتى يبرزه لنا إن في اللغة أو في الشرع، وفي ذلك يتبيّن لك فساد كلام القرضاوي في استعمال كلمة خلق في غير موضعها.

  • يزعم القرضاوي: أن الله لا يشاء إلا ما فيه الخير والحكمة.اهـ. قاله في كتابه المسمّى «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي»([65]) ثم أكد كلامه هذا في كتابه المسمّى «الإيمان والحياة» فقال ما نصّه([66]): «ما يظنه الناس شرًّا في الحقيقة».اهـ.

الرَّدُّ:

قلت: لا شك أن الكفر والضلال والفسوق والعصيان والقتل ظلمًا والسباب كل ذلك يحدث بمشيئة الله وعلمه وتخليقه كما قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة السجدة: 13]، وكما قال: {وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سورة الأنعام: 125]، وكما قال جلَّ وعزَّ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [سورة البقرة: 253] إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تدل على أنّ كل ما يحصل في هذا الوجد من خير وشر هو بتقدير الله. فعلى مقتضى كلام القرضاوي يكون الكفر والضلال والشرك والقتل والكذب والسباب والزنى والسرقة والغصب والفسوق والعصيان خيرًا محضًا. ومن يدعي هذا فهو مجنون. وهل فعل هذه الموبقات هو ما يقصده القرضاوي عندما يحض الناس على الخير؟! الله أعلم.

هذا مع العلم بأن رسول الله ﷺ صرّح تصريحًا بأن في المخلوقات خيرًا وفيها شرًا ففي حديث جبريل المشهور، الذي يتعلمه المبتدئون، والمذكورِ في الأربعين النووية المشهورة أن الرسول ﷺ قال: «وتؤمن بالقدر خيره وشره» رواه مسلم([67])، وفي رواية: «من الله»، فالمراد بالقدَرِ هنا هو المقدور، أي: المخلوق وفيه التصريح بأن منه خيرًا ومنه شرًا فبعد هذا لا يقام لكلام القرضاوي وزنٌ؛ بل يُرمى به في كل سَهْلٍ وحَزن.

وأما قوله: «وما يظنه الناس شرًّا في الوجود ليس هو شرًّا في الحقيقة»، فالرد: إن القرضاوي يكذب القرءان الكريم ويهدم الشرع ويعطل الأحكام فإذا كان الأمر كما يقول فإذًا ليس هناك كفر ولا كبائر ولا صغائر ولا حدود ولا جهاد ولا جهنم ولا عذاب ولا عقاب وهذا خلاف قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم} [سورة ءال عمران: 180]، القرضاوي يقول بل هو خير لهم على الحقيقة والله I يقول: {بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ}، فمن هنا يُعلم إلى أي حد وصل القرضاوي من رد ءايات الله البينات.

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «شريعة الإسلام»: «تحت عنوان «ما بني من الأحاديث على رعاية ظروف زمنية» ما نصّه([68]): «من ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس وغيره مرفوعًا: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»، فالعلة وراء هذا النهي هو الخوف على المرأة من سفرها وحدها أو مع رجل أجنبي في زمن كان السفر فيه على الجمال أو البغال أو الحمير وتجتاز فيه غالبًا صحارٍ ومغاور تكاد تكون خالية من العمران والأحياء فإذا لم يصب المرأة في مثل هذا السفر شر في نفسها أصابها في سمعتها ولكن إذا تغير الحال – كما في عصرنا – وأصبح السفر في طائرة تقل مائة راكب أو أكثر أو في قطار يحمل مئات المسافرين ولم يعد هناك مجال للخوف على المرأة إذا سافرت وحدها فلا حرج عليها شرعًا في ذلك ولا يعد هذا مخالفة للحديث؛ بل قد يؤيد هذا حديث عن ابن حاتم مرفوعًا عند البخاري «يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تقدم البيت (أي: الكعبة) لا زوج معها».

وقد سبق هذا الحديث في معرض المدح بظهور الإسلام وارتفاع مناره في العالمين فيدل على الجواز».اهـ. انتهى كلام القرضاوي.

الرَّدُّ:

هنا عدة مسائل:

  • أوَّلًا: من أين أتى القرضاوي بأن منع المرأة من السفر وحدها سببه الخوف عليها من الفجور؟ أين النص في ذلك؟ وأنت خصصت النص بسبب والتخصيص لا بد له من مخصص.
  • ثانيًا: لو سلمنا أن هذه هي العلة التي ذكرت ألا تعلم ألا تسمع بحوادث الاغتصاب والقتل والزنى والفجور والإحصاءات التي تمتلئ بها أجهزة الإعلام في ذلك؟!. ألا تسمع أن المرأة الآن في شتى بلدان العالم يقتحمون عليها في بيتها ويغتصبونها ويؤدي ذلك إلى قتلها؟!.
  • ثالثًا: لو قال لك شخص إن الإفطار في السفر والقصر والجمع الآن لا يجوز هذا الحكم التغى؛ لأن الإفطار والقصر والجمع في السفر هذا كان بسبب الشدة التي يلقاها المسافر والآن يجلس الشخص في الطائرة أو في القطار فيرتاح أكثر مما يرتاح في منزله فانتفت المشقة فلذلك ارتفع الحكم فبماذا تجيبه يا قرضاوي؟

أم أنك مصرٍّ على أن تسير على نهج مولاك رشيد رضا الذي أباح أكل لحم الخنزير إذا وصلت درجة غليانه بالماء إلى حد تموت فيه الجراثيم، وأنت أيضًا نقلت عن الحنفية زورًا وبهتانًا أن الخنزير إذا تحول إلى ملح جاز أكله هذا كذب على السادة الحنفية؛ بل المعروف عن الحنفية أنهم قالوا إذا تحول الخنزير بعد موته إلى ملح طهر وما قالوا جاز أكله؛ لأنه ليس كل طاهر يؤكل فهل تأكل أنت المخاط والمنيّ وبصاق غيرك؟ هذه الثلاثة طاهرة ولكن لا يجوز أكلها؛ لأنها مستقذرة.

رابعًا: أما استشهادك بحديث الظعينة التي تخرج من الحيرة إلى البيت لا زوج لها. فتفسيرك لهذا الحديث في غير محله. فالمعنى: أن النبي أخبر أن هذا سيكون كما أخبر بقول: «وأن تلد الأمة ربتها».

ثم قولك: «فلا حرج شرعًا في ذلك ولا يعد هذا مخالفة للحديث» من أين أتيت بهذه الفتوى التي رددت بها حديث رسول الله ﷺ وجعلت الحكم يتغير بدون دليل شرعي قاطع، اتق الله يا رجل وتذكر أو أذكرك بحديث رسول الله ﷺ: «من أفتى بغير علم لعنته الملائكة»([69]).

وهذا دأب القرضاوي وديدنه في سن قوانين وابتداع بدع فاسدة كل ذلك تحت اسم فقه التيسر وفقه المرحلة وهو في الحقيقة فقه الحزب([70]).

  • ويقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي» ما نصّه([71]): «فالله Y هو الله منذ الأزل».اهـ.

الرَّدُّ:

إن الله تعالى يتصف بصفة الأزلية والقدم ومعنى ذلك أن الله تعالى موجود بلا بداية ووجود الله تعالى ليس وجودًا زمنيًّا وهذا معنى قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ} [سورة الحديد: 3]، أي: الأول بلا بداية، وقوله: {وَالْأَخِرُ} [سورة الحديد: 3]، أي: الآخر بلا نهاية، يعني: لا أبدي بهذا المعنى إلا الله تعالى.

وأما قول القرضاوي: منذ الأزل، فكلمة منذ تفيد الزمنية وهذا الإطلاق غير جائز على الله لأنه جعل لأوليته ابتداءً، يعني ذلك أن الله مخلوق وهذا عين الضلال وإنما العبارة السليمة التي يستعملها علماء الأصول هي: وهو الله في الأزل، وهذا هو التعبير السليم الذي لا غبار عليه البتة.

[1])) انظر: الكتاب (ص214).

[2])) انظر: الكتاب (ص296).

[3])) وقد قال في كتابه المسمّى «في فقه الأولويات» (ص140): «وقد صحت الأحاديث الكثيرة في قتل المرتد عن عدد من الصحابة وهو قول جمهور الأمة وقد رُوي عن عمر ما يدل على جواز سجن المرتد واستبقائه حتى يراجع نفسه ويتوب إلى ربه وبه أخذ النخعي والثوري».اهـ.

أقول: هذا من جملة افتراءات القرضاوي على السلف الصالح وإلا فليثبت لنا المراجع.

وذكر أيضًا في كتابه المسمّى «في فقه الأولويات» (ص67) وبعد ذكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة كتحريم الربا ولحم الخنزير: «وهذه هي التي يحكم على جاحدها بالكفر وينبغي قبل هذا الحكم أن تزاح عن صاحبها الشبهة وتقام عليه الحجة ويقطع عنه العذر وبعد ذلك يُعزل عن جسم الأمة ويقضى عليه بالانفصال منها».اهـ.

أقول: إن من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة كإنكار تحريم الربا وتحريم لحم الخنزير أو أنكر الصلاة أو الصيام، فإن كان حديث عهد بإسلام أو نشأ في بادية بعيدًا عن العلماء وأنكرها جهلًا لا عنادًا فهذا يُعلم ولا يكفّر وأما إن أنكرها عنادًا بعد قيام الدليل فهذه ردة ولو كانت في غير المعلوم من الدين بالضرورة، وأما قول القرضاوي: وينبغي قبل هذا الحكم أن تزاح عن صاحبها الشبهة… فهذا غلط واضح والصواب أن يقول: وينبغي قبل إنزال الحد به أن تزاح عن صاحبها الشبهة ثلاثة أيام وغلا أقيم عليه الحد، وأما قوله: يعزل عن جسم الأمة ويقضى عليه بالانفصال فهذا تمويه من أجل أن يلبْسَ على القارئ ما بين السجن وإنزال الحد به كما تقدم سابقًا.

[4])) الكتاب السابق (ص296).

[5])) انظر: الكتاب (ص2/304).

[6])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب: لا يعذب بعذاب الله.

[7])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب: قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة: 45]، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة، باب: ما يباح به دم المسلم.

[8])) أخرجه مسلم في صححيه، كتاب الإيمان: باب: تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إلـٰـه إلا الله.

[9])) انظر: الكتاب (ص19).

[10])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [سورة التوبة: 5].

[11])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب: من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع.

[12])) الجامع لأحكام القرءان (10/393).

[13])) انظر: الكتاب (ص75).

[14])) المصباح المنير: (ص237).

[15])) انظر: الكتاب (ص32).

[16])) انظر: الكتاب (ص215).

[17])) انظر: الكتاب (ص250).

[18])) انظر: الكتاب (ص297).

[19])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر.

[20])) انظر: الكتاب (ص57).

[21])) انظر: الكتاب (ص151).

[22])) انظر: الكتاب (ص152).

[23])) يدهده: يدحرج.

[24])) الجعل: الخنفساء، المعنى: أن البعيرة التي تدحرجها الخنفساء هي عند الله خير من المشركين.

[25])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب: علامة الحب في الله.

[26])) نسي القرضاوي أنه روى حديثًا في كتابه المسمّى «فقه الأولويات» (ص44): «روى مسلم وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا: «من قتل وَزغًا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة»…» الحديث فأين احترام الحشرات الضارة التي يزعمها

[27])) انظر: الكتاب (ص49).

[28])) ليس معنى عجب شيئًا طارئًا على ذات الله؛ لأن الله لا يوصف بطروء الصفة؛ بل معناه على ما يليق بالله.

[29])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب: في الأسارى في السلاسل.

[30])) انظر: الكتاب (ص17).

[31])) بل قال في كتابه المسمّى «الإسلام والغرب» في إجابته لصحيفة أمريكية مطالبًا: أن يُؤمن الغرب أن الحياة تتسع لأكثر من دين وأكثر من ثقافة وأكثر من حضارة ثم قال: إن هذا التنوع هو من صالح البشرية ليس ضد مصالحها ولا يمكن أن تفرض حضارة واحدة أو يفرض دين واحد نفسه على العالم كله؛ لذا نقول: ليس هناك بأس من تعدد الأديان وتعدد الحضارات والثقافات…، ففي كتابه المسمّى «في فقه الأولويات» (ص44) يناقض نفسه ويقول: «فلا مجال في الحياة إلا للمتقين، بينما هنا يقول إن الحياة تتسع لأكثر من دين…».

[32])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب t.

[33])) أخرجه ابن عساكر في تاريخه.

[34])) انظر: الكتاب (ص74).

[35])) الملائكة عند القرضاوي إما بهائم أو مجانين.

[36])) انظر: الكتاب (ص39).

[37])) انظر: الكتاب (ص103).

[38])) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/175).

[39])) انظر: الكتاب (ص49).

[40])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: من قام لجنازة يهودي.

[41])) انظر: المصدر السابق.

[42])) إن هذا الكذب على رسول الله قرره وكرره القرضاوي في غير مؤلّف له ومنها ما في كتابه المسمّى «الحلال والحرام» (ص310) كل ذلك ليثبت أن لليهود حرمة ومكانة والعياذ بالله.

[43])) فتح الباري (3/180، 181).

[44])) انظر: الكتاب (ص202)

[45])) انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (7/41).

[46])) فتح الباري (13/204).

[47])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [سورة الممتحنة: 10].

[48])) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/212).

[49])) قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (4/326)، «ورجاله رجال الصحيح»، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/39): «رواه الطبراني البيهقي ورجاله الطبراني ثقات رجال الصحيح».

[50])) مصنف ابن أبي شيبة (4/341).

[51])) انظر: الكتاب (ص149).

[52])) انظر: الكتاب (ص101).

[53])) انظر: الكتاب (ص112).

[54])) انظر: الكتاب (ص167).

[55])) انظر: الكتاب (6).

[56])) انظر: الكتاب (ص44).

[57])) انظر: الكتاب (ص45).

[58])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

[59])) انظر: الكتاب (ص36).

[60])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب: ما جاء في الكفاف والصبر عليه.

[61])) دلائل النبوة، للبيهقي (3/99، 251).

[62])) انظر: الكتاب (ص170).

[63])) انظر: الكتاب (ص175).

[64])) انظر: الكتاب (ص24).

[65])) انظر: الكتاب (ص49).

[66])) انظر: الكتاب (ص111).

[67])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله I.

[68])) انظر: الكتاب (ص139).

[69])) رواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (2/155).

[70])) في لبنان قام حزب الإخوان المسمّى «بالجماعة الإسلامية» وأخذوا التبرعات من الناس لنجدة مسلمي البوسنة، وأرسلوا النائب زهير العبيدي يومها لإيصال المبلغ الذي قيل إنه (50 مليون دولار أمريكي) ثم زعم أن الكروات سلبوه المال والثياب؟؟؟ هكذا جاء في مؤتمره الصحفي على لسانه.

[71])) انظر: الكتاب (ص68).