الخميس نوفمبر 21, 2024

مسائلُ تتعلقُ بأسماءِ اللهِ الحسنى: الأولى أنَّ أسماءَ اللهِ الحسنى توقيفيَّةٌ:

     أسماءُ اللهِ الحسنى يُطلقُ عليها صفاتُ اللهِ ويُطلقُ عليها أسماءُ اللهِ إلا لفظَ الجلالةِ اللهُ لا يُطلقُ عليه الصِّفَةُ، ثم إنَّ أسماءَ اللهِ تعالى قسمانِ قسمٌ لا يُسمَّى به غيرُه منها: اللهُ والرحمٰنُ والقُدُّوسُ والخالقُ والرزّاقُ والخلَّاقُ والرازقُ ومالكُ الملكِ وذُو الجلالِ والإكرامِ والمحيي والمميتُ والإلهُ والربُّ والقيومُ، أما أكثرُ الأسماءِ فيُسَّمَّى بها غيرُ اللهِ، فيجوزُ أن يُسمِّيَ الشخصُ ابنَهُ رحيمًا، معَ اختلافِ المعنى في حقِّ المخلوقِ عنِ الخالقِ.

       فالإمامُ الأشعريُّ رحمه اللهُ يقولُ: “لا يجوزُ تسميةُ اللهِ إلا بما وَرَدَ في الكتابِ والسنةِ الصحيحةِ أو الإجماعِ”.اهـ ([1]) وهذا هو المعتمَدُ، لا يجوزُ عند الإمامِ أبي الحسنِ الأشعريِّ تسميةُ اللهِ إلا بما صحَّ ورودُه شرعًا أي بما ورد في القرءانِ، أو الحديثِ الصحيحِ، أو بما أجمعتْ عليه الأمَّةُ، وأما بغيرِ ما صحَّ ورودُه شرعًا فلا يجوزُ عندَه، هذا شرطُ قَبولِه عندَه، لكنْ بعضُ أتباعِ أبي الحسنِ يقولون: يجوزُ تسميةُ اللهِ بالوصفِ ولو لم يكُنْ واردًا بشرطِ أن لا يُوهِمَ النَّقْصَ ويكونَ مشتقًّا، عندهم يجوزُ تسميةُ اللهِ [الطَّاهرَ] لأنَّه لا يوهِمُ النقصَ [فالطَّاهرُ] معناهُ المنزَّهُ عنِ الصفاتِ التي لا تَليقُ به، فتسميةُ الأبِ ابنَه [عبدَ الطّاهرِ] عندهم يجوز، هؤلاء أجازُوا إطلاقَ اللفظِ غيرِ الواردِ على اللهِ إذا كان وصفًا غيرَ موهمٍ لما لا يليقُ باللهِ تعالى، واتفقُوا على منعِ إطلاقِ اللفظِ الموهِمِ ما لا يليقُ باللهِ على اللهِ، وهذا فيما كانَ وصفًا ومشتقًا، لا فيما كان جامِدًا من أسماءِ الأعيانِ كالروحِ، فإنَّه ممنوعٌ بالاتفاقِ أي لا يجوزُ وصفُ اللهِ بالروحِ، فإطلاقُ بعضِ العصريينَ في زمانِنَا لفظَ [الريشةِ المبدِعَةِ] على اللهِ ممنوعٌ بالاتفاقِ لأنَّه ليسَ وصْفًا، وكذلك إطلاقُ لفظِ [القوَّةِ] على اللهِ ممنوعٌ أيضًا بالاتفاقِ لأنَّه ليسَ وصفًا، فـ[الريشةُ] اسمٌ مِنْ أسماءِ الأعيانِ أيِ الجماداتِ، و[القوةُ] اسمٌ وليسَتْ وصفًا أي ليستْ لفظًا مِنْ ألفاظِ الوصفِ كالطاهرِ والناصرِ اللذين هما على وَزْنِ فاعلٍ، لكنْ قولُ الإمامِ أبي الحسنِ الأشعريِّ بأنَّ أسماءَ اللهِ تعالى توقيفيةٌ هوَ المعتَمَدُ، ووافَقَهُ على ذلكَ البَاقِلَّانيُّ ([2])، قال الإمامُ الباقِلَّانِيُّ: “ما أطلقَ اللهُ على نفسِهِ أطلقناهُ عليهِ وما لم يطلِقْهُ على نفسِه لا نطلِقُه عليهِ”.اهـ  ووافقه أبو منصورٍ البغداديُّ ([3])، فقد قال: “لا مجالَ للقياسِ في أسماءِ اللهِ وإنما يُراعَى فيها الشرعُ والتوقيفُ”([4]).اهـ  وكذلكَ لا يجوزُ إطلاقُ لفظِ السببِ والعِلَّةِ على اللهِ عزَّ وجلَّ، وقد قالَ الإمامُ رُكنُ الإسلامِ عليٌّ السُّغْديُّ ([5]): “مَنْ سمَّى اللهَ علةً أو سببًا كَفَرَ”.اهـ وقالَ النسفيُّ([6]) في تفسيرِه: ومِنَ الإلحادِ تسميةُ اللهِ بالجسمِ والجوهرِ والعقلِ والعلَّةِ([7]).

الثانيةُ: يجبُ تعظيمُ أسماءِ اللهِ تعالى بأيِّ لغةٍ كُتِبَتْ:

       فقدْ عدَّ العلماءُ مِنَ الكفرِ الفعلىِّ إلقاءَ لفظِ الجلالةِ اللهِ في القاذوراتِ، أو أيِّ اسمٍ مِنْ أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ معَ العلمِ بوجودِ الاسمِ فيها مستخفًّا، فيجبُ تعظيمُ أسماءِ اللهِ بأيِّ لغةٍ كُتبتْ مثلُ لفظِ God، وهذا مِنْ تعظيمِ شعائرِ اللهِ تعالى ﭧﭐﭨ ﱡﭐﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ([8]).

الثالثةُ: أسماءُ اللهِ تعالى غيرُ مقصورَةٍ على تسعةٍ وتسعينَ توقيفًا:

       جاءَ في حديثِ أبي هريرةَ  أَنَّ رسولَ اللهِ قالَ: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ))([9]) والمرادُ بإحصائِها أنْ يكونَ مُسْتَظْهِرًا لها معَ اعتقادِ معانِيهَا، كمَا قالَ العُقَيلِيُّ في الضُّعفَاءِ ([10])، وقالَ النوويُّ في شرحِه لهذا الحديثِ: “واتفقَ العلماءُ على أنَّ هذا الحديثَ ليسَ فيهِ حَصْرٌ لأسمائِه سبحانَه وتعالى، فليسَ معناهُ أنَّه ليسَ لهُ أسماءٌ غيرُ هذهِ التسعةِ والتسعينَ، وإنَّما مقصودُ الحديثِ أنَّ هذهِ التسعةَ والتسعينَ مَنْ أحصاها دخلَ الجنةَ، فالمرادُ الإخبارُ عَنْ دخولِ الجنةِ بإحصائِهَا لا الإخبارُ بحصرِ الأسماءِ، ولهذا جاءَ في الحديثِ الآخَرِ قوله: ((أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِيْ عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ))([11])([12])، قالَ السيوطيُّ([13]): ” وقال أبو خَلَفٍ محمدُ بنُ عبدِ الملِكِ الطَبريُّ ([14]): إنما خُصَّ هذا العددُ إشارةً إلى أنَّ الأسماءَ لا تُؤخذُ قياسًا” ([15])، ومنَ الدليلِ على وجودِ غيرِ هذهِ التسعةِ والتسعينَ اسمًا أنَّهُ وردَ غيرُ هذهِ الأسماءِ في نصوصٍ شرعيةٍ أخرى قرءانيةٍ وحديثيةٍ ثابتةٍ ومنها: الأحَدُ، الربُّ، القاهرُ، الكافي، الدائمُ، المحيطُ، المبين.

الرابعةُ: الحديثُ الواردُ في تَعدادِ أسماءِ اللهِ الحسنى([16]):

       وَردَ في حديثِ أبي هريرةَ  أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: ((إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ اسْمًا مِائَةً إِلَّاْ وَاحِدَةً مَنْ أَحْصَاْهَا دَخَلَ الجَنَّة))([17]). وفي روايةٍ بلفظِ: ((إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاْحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ، إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ))([18])، وعن أبى هريرةَ  قالَ: قالَ رسولُ اللهِ : ((إنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ اسْمًا مِائَةً غَيْرَ وَاحِدَةٍ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ، هُوَ الله الَّذِي لا إلَهَ إلَّا هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ المَلِك القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّر الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِلُّ السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَقُّ الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِ البَرُّ التَّوَّابُ المنتَقِمُ العَفُوُّ الرَّؤُوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِطُ الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُور))([19]).



 مجرد مقالات الأشعري لابن فورك ص 43. ([1])

 ([2])هو أبو بكر محمد بن الطيب، المعروف بابن الباقلاني المالكي، المتكلم على مذهب أهل الحديث وطريقة الأشعرية، إمام وقته، المرجوع إليه فيما أشكل على غيره توفي سنة 403ﻫ.  ترتيب المدارك للقاضي عياض ج 7 ص 44.

([3]) عبد القاهر بن طاهر، الأستاذ أبو منصور البغدادي، وأحد أعلام الشافعية وكان أكبر تلامذة أبي إسحاق الأسفراييني، وكان يدرس في سبعة عشر فنا، مات بأسفرايين سنة 429هـ.اهـ سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ص 372.

تفسير الأسماء والصفات لأبي منصور البغدادي (مخطوط في مكتبة قيصري في تركيا). ([4])

([5]) علي بن الحسين بن محمد السغدي القاضي أبو الحسين والملقب شيخ الإسلام و”السغد” بضم السين ناحية كثيرة المياه والأشجار من نواحي سمرقند. قال السمعاني سكن بخارى وكان إماما فاضلا فقيها مناظرا. روى عنه شمس الأئمة السرخسي. وتوفي ببخارى سنة 461هـ.اهـ الجواهر المضية في طبقات الحنفية ج 1 ص 361.

 ([6])عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي علامة الدنيا أبو البركات صاحب التفسير ذكره الحافظ عبد القادر في طبقاته فقال: أحد الزهاد المتأخرين صاحب التصانيف توفي سنة 701.اهـ الدرر الكامنة لابن حجر ج 3 ص17.

مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي ج 2 ص 126. ([7])

سورة الحج / 32. ([8])

صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها. ([9])

ضعفاء العقيلي باب العين، عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان. ([10])

صحيح ابن حبان كتاب الأدعية باب ذكر الأمرِ لِمَنْ أصابه حُزْنٌ أَن يسألَ اللهَ ذهابَه عنه وإبداله إِيَّاه فَرَحًا. ([11])

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي ج 17 ص 5. ([12])

([13]) عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد الخضيري الأسيوطي ولد سنة 849هـ ونشأ يتيما، فحفظ القرآن وهو دون ثماني سنين، وشرع في الاشتغال بالعلم من مستهل سنة أربع وستين، رزق التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع؛ على طريقة العرب والبلغاء لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة، وتوفي سنة 911.اهـ انظر حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة للسيوطي ج1 ص 338.

([14]) محمد بن عبد الملك بن خلف أبو خلف الطبري السلمي تفقه على الشيخين القفال وأبي منصور البغدادي توفي في حدود سنة سبعين وأربعمائة.اهـ طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي 3/76.

قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي ج 2 ص872. ([15])

قال القرطبي: الحسنى أي التي تقتضي أفضل الأوصاف وأشرف المعاني. اهـ الجامع لأحكام القرآن ج10ص342. ([16])

([17])  صحيح البخاري كتاب الشروط باب ما يجوزُ منَ الاشتراطِ والثُّنيا في الإقرارِ والشروطِ التي يَتعارَفُها الناسُ.

السنن الكبرى للبيهقي كتاب الإقرار باب الاستثناء في الكلام. ([18])

سنن الترمذي ج 9 ص 384. ([19]