الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وءالِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
ليُعلم أن مسألة القضاء والقدر مما يخشى فيه الزلل والزيغ إذ هي من أدق مسائل التوحيد التي أوضحها أهل العلم فلم يتركوا فيها مجالاً لشبهة لمعتزلي ولا لجبري، هذا ومن المهم التنبيه إلى أن القدَر بمعنى المقدور المخلوق ينقسم إلى خير وشرّ وحلو ومرّ، أما صفة الله تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان 2) فلا تنقسم إلى خير وشرّ، فالتقدير والتدبير صفتان أزليّتان لله تعالى تفيدان أن اللهَ سبحانه دبّر الأشياء وقدّرها على وفق علمه الأزلي كما أفادت الآية الكريمة، وأما القضاء هنا فمعناه الخلق كما في قوله تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصِّلت 12)، (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (البقرة 117).
ولله درّ عالم قريش الذي ملأ طباق الأرض علمًا كما نص عليه حديث البيهقي (توفّي 458 هـ) وغيره، أعني الإمام محمد بن إدريس الشافعي (توفّي 204 هـ) الذي قـال رضي الله عنه:
ما شـئتَ كان وإن لم أشـأ *** وما شئتُ إن لم تَشأ لم يَكن
خلقتَ العبـادَ على ما علمتَ *** ففي العلم يجري الفتى والمسِن
على ذا مننـتَ وهذا خذلتَ *** وهـذا أعنـتَ وذا لم تعِـن
فمنهم شـقيٌّ ومنهم سـعيدٌ *** ومنهم قبيـحٌ ومنهم حسَـن
ومنـهم غـنيّ ومنـهم فقيرٌ *** وكُـلّ بأعمـالـه مُرتـهن
وقال الإمام أبو الحسن شيث بن إبراهيم المالكي (ت 598 هـ) في كتابه حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر (روي أن قدريا دخل على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقال له يا ابن بنت رسول الله، تعالى الله عن الفحشاء، فقال له جعفر الصادق يا أعرابي، وجلَّ ربُنا أن يكون في ملكه ما لا يشأ، فقال القدري يا ابن بنت رسول الله، أيـُحبّ ربُّنا أن يُعصى، قال يا أعرابي أفيعصى ربنا قهرا، قال يا ابن بنت رسول الله أرأيت إن صدني الهدى فسلك بي طريق الردى أحسن بي أم أساء، فقال عليه السلام إن منعك شيئا هو لك فقد ظلم وأساء وإن منعك شيئا هو له فإنه يختص برحمته من يشاء) فأفحم القدري وبـُهِت ولم يجد جوابا وهذا كلام حجته فيه، فما يحتاج إلى بيان ولا إقامة برهان ولكن لا ينتفع به إلا من خلقه الله للجنة.
والحمد لله رب العالمين.