الأحد ديسمبر 22, 2024

مذهب الحشوية (أي المُجسمة المُشبِّهة) في إثبات الجهة مذهبٌ واهٍ ساقط، يظهر فساده من مجرد تصوره، حتى قالت الأئمة: لولا اغترار العامة بهم لما صرف إليهم عنان الفكر ولا قطر القلم في الرد عليهم، وهم فريقان: فريق لا يتحاشى في إظهار الحشو، (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَىْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [سورة المجادلة آية 18].

وفريق يتستر بمذهب السلف لسحت يأكله (السحت الحرام قبيح الذكر) أو حطام يأخذه أو هوى يجمع عليه الطغام (أي الأرذال) الجهلة والرعاع السفلة.

وفي هذا الفريق من يكذب على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويزعم أنهم يقولون بمقالته، ولو أنفق ملء الأرض ذهبا ما استطاع أن يروج عليهم كلمة تصدق دعواه، وتستَّر هذا الفريق بالسلف حفظا لرياسته والحطام الذي يجتليه، أظهروا للناس نسكا وعلى المنقوش داروا، ومذهب السلف: إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه، والمبتدعة تزعم أنها على مذهب السلف، كما قال القائل:

وكلٌّ يدَّعون وصال ليلى *** وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكا

وكيف يعتقد في السلف أنهم يعتقدون التشبيه أو يسكنون عند ظهور أهل البدع، وقد قال الله تعالى (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة آية 42]، وقال الله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [سورة آل عمران آية 187]، وقال الله تعالى (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [سورة النحل آية 44].

ولقد كانت الصحابة رضي الله عنهم لا يخوضون في شىء من هذه الأشياء إلا للحاجة (لأنهم في الصدر الأول فهموا التنزيه وهم كانوا أهل العربية والبلاغة)، مع أن سيوف حججهم مرهفة ورماحها مشحوذة، ولذلك لما نبغت الخوارج واثبهم (كسرهم وأقام عليهم الحُجة) حبر الأمة وعالمها، وابنا عم رسولها، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، فاهتدى البعض بالمناظرة وأصر الباقون عنادا، فتسلط عليهم السيف.

ولم ينقل عن سيِّد البشر صلَّى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنه جمع الناس في مجمع عام ثم أمرهم أن يعتقدوا في الله تعالى كذا وكذا، وسيِّد الرسل صلَّى الله عليهم وسلم لم يقل: أيها الناس، اعتقدوا أن الله تعالى في جهة العلو، ولا قال ذلك الخلفاء الراشدون ولا أحد من الصحابة.

وها نحن نذكر عقيدة أهل السُّنة فنقول: عقيدتنا أن الله قديمٌ أزليٌّ، لا يُشبه شيئًا، ولا يُشبِهُهُ شىء، ليس له جهة ولا مكان ولا يجرى عليه وقت ولا زمان، ولا يقال له: أين، ولا حيث، يرى لا عن مقابلة، كان ولا مكان، كوَّن المكان، ودبَّر الزمان وهو الآن على ما عليه كان. اهـ من طبقات الشافعية الكبرى للعلامة تاج الدين السبكي (ت 771 هـ) رحمه الله.