الأحد ديسمبر 22, 2024

مخالفة القرضاويّ لإجماع الأمة

ومن أخطر مموّهي هذا العصر الدكتور يوسف القرضاويّ الذي أصدر الكثير من الفتاوى المخالفة للشريعة الإسلامية، وفي هذا الموضع سنبيّن بعض ما خرج به عن دائرة أهل الحق وخالف فيه القرآن والسُّنَّة وإجماع الأمة.

ففي حلقة تلفزيونية على قناة الجزيرة 12/9/1999 قال القرضاوي: «إن النبيّ ﷺ كان يجتهد أحيانًا ويخطئ في اجتهاده، وقد استدلّ بزعمه بحديث أن شخصًا سأل النبيّ عليه الصلاة والسلام عن الشهادة فقال ﷺ: «يُغفر للشهيد كلّ ذنب»، ثم بعد أن تولّى الرجل ناداه فقال له: «إلا الدَّيْن»([1]) فاعتبر القرضاوي أنه أخطأ بالأولى، ونبّهه جبريل إلى ذلك فاستثنى.

وهذا جهل فاضح في فهم النصوص الشرعية، وتكذيب لقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. وبيان ذلك أن الكلام الأول كان بوحي وكذا الثاني كان بوحي، وليس عن اجتهاد أخطأ فيه كما ادّعى القرضاوي، وكذلك أخذ النبي ﷺ للفداء من أسارى بدر كان بتخيير من جبريل بين قتل الكفار وبين الفداء، كما رواه ابن حبان([2])، إذًا فلا حجة لمن ادّعى أنه يجوز الخطأ عليه ﷺ في اجتهاده.

وأما الاستدلال في إثبات جواز الخطأ عليه ﷺ بقوله ﷺ: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار»([3]) رواه البخاريّ.

فيجاب عنه بأنه ﷺ يقضي في مثل ذلك بناءً على ما يظهر له عند القضاء بحسب حكم الشرع، والله لم يكلّفه أن يطّلع على الغيب ويحكم بمقتضاه، فتبيّن أنه لا يجوز الخطأ عليه ﷺ في الحكم الشرعيّ، كذلك لا يجوز عليه الخطأ في إخباره بأنّ كذا فيه شفاء، كقوله عليه الصلاة والسلام لرجل استطلق بطن([4]) أخيه «اسقه عسلا»([5])، فإن تجويز الخطأ عليه في مثل ذلك فيه نسبة ما يضر الأمة إليه ﷺ، وذلك لا يجوز في حقّه، وللعلماء في أمر المسهول بسقي العسل تأويلات ومعانٍ حسنة تطلب من مظانهّا([6]) وأما الخطأ في غير التشريع فجائز عليه إن كان من غير وحي، وذلك في الأمور الدنيوية التي ليست بوحي فقد يخطئ في مثل هذا كما ورد في تأبير([7]) النخل([8]).

[1])) شرح السُّنَّة، البغويّ (8/200)، وتمام الرواية: «عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاريّ، عن أبيه أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن قُتِلْتُ في سبيل الله صابرًا محتسبًا مقبلًا غيرَ مدبر يكفّر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله ﷺ: «نعم»، فلمَّا أدبر، ناداه رسول الله ﷺ، أو أمر به فنودي فقال رسول الله ﷺ: «كيف قلت؟» فأعاد عليه قوله، فقال النبي ﷺ: «نعم إلا الدَّيْن، كذلك قال: جبريل». هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن قتيبة عن ليث عن سعيد المقبريّ. وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّيْن».اهـ.

[2])) صحيح ابن حبّان، ابن حبّان، (7/143).

[3])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب المظالم، باب: إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت، (9/32)، رقم 6967.

[4])) «استِطْلاقُ البَطْنِ: مشْيُهُ وخُروجُ ما فيهِ، وهو الإسهال، ومنه الحديث: «إنّ رجُلًا استَطْلَق بطنُه».اهـ. تاج العروس، الزبيديّ، مادة: (ط ل ق)، (26/101).

[5])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب الطبّ، باب: الدواء بالعسلِ وقول الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 69]، (7/159)، رقم 5684.

[6])) كشف المشكل، ابن الجوزي، (7/173). فتح الباري، ابن حجر، (10/169).

[7])) «أَبَرَ النَّخْلَ والزَّرْعَ يَأْبُره بالضَّمّ، ويَأبِره بالكسر أَبْرًا، بفَتْح فسكُون، وإِبَارًا وإِبارةً بكسرِهما: أَصْلَحه، كأبره تَأَبِيرًا. والآبِر: العامل. والمأبور: الزرعُ والنَّخْلُ المصْلَحُ».اهـ. تاج العروس، الزبيديّ، مادة: (أ ب ر)، (10/5).

[8])) صحيح مسلم، مسلم، كتاب الفضائل، باب: وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ما ذكره ﷺ من معايش الدنيا على سبيل الرأي، (7/95).