الخميس ديسمبر 12, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -94

 

                                  الوصية بالتقوى

                               بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على سيّدي محمد رسولِ الله وعلى آل بيتِه وصحابتِه ومن والاه

يقول فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه ومشايخه

*قال الإمام الهرري رضي الله عنه: مَنْ عرفَ الله وآمنَ بالله وبرسولِه صلى الله عليه وسلم وأدّى الواجبات واجتنب المحرّمات هذا فاز في الآخرة في هذه الدنيا أخذ زادًا عظيمًا.

(الزاد الذي أخذه هو التقوى لأنّ الله تعالى قال {وتزوّدوا فإنّ خيرَ الزادِ التقوى}-سورة البقرة/197-

تعرفون أنتم الإنسانُ عندما يريد سفرًا ويريد الرحيل عن البلد إلى بلد آخر يتزوّد بما ينفعُه لا يحمل معه الأشجار ولا أثاث البيت ولا كل ما في البلد من طعام وشراب وأمتعة إنما يحمل الأشياء التي يحتاجُها في طريق السفر والتي لا بد منها.

العاقل يفكّر أنّ المسافر من الدنيا إلى الآخرة ماذا يحمل معه؟ الذهب الفضة العملة الورقية الُفرش الأثاث الثياب الطعام الشراب المجوهرات ماذا يحمل معه؟

الذي ينفعُه في هذا السفر هو تقوى الله، الذي يكونُ له زادًا مفيدًا نافعًا مُنَجِّيًا هو تقوى الله لأنّ الوصية بالتقوى هي أعظمُ ما تواصى بها الخلقُ فيما بينَهم وهي أعظمُ وصيةٍ أوصى اللهُ تعالى بها عبادَه وهي أعظمُ وصية أوصى بها الأنبياءُ أتباعَهم.

قد يقول قائل أليس تقولون الإيمان بالله ورسولِه هو أفضل الأعمال على الإطلاق؟ نقول الوصية بالتقوى يعني هذا للمؤمنين لأنك إذا أردتَ أنْ توصي الكافر أولًا تقول له تشهّد، فعندما نقول الوصية بالتقوى نوصي المسلمين المؤمنين، يعني هذا مسلم حصّل الإيمان الإسلام فنقول له أوصي نفسي وأوصيك بتقوى الله، هذا لا يُعارضُ هذا.

ثم إنّ المعنى لو أردْنا أنْ نتوسّعَ قليلًا مَنْ أراد أنْ يتّقيَ اللهَ حقيقةً فلا يصح أنْ يكون تقيًّا إلا إذا كان مسلمًا، يعني أول شىء يكون مسلمًا، حتى غير المسلم لك أنْ تقولَ له اتقِ الله على معنى أسلِم، معناه خفِ الله فأسلِم آمِن أدِّ هذا الفرض الأول الواجب الأعلى الأساس ثم أدّ بقية الواجبات.

الله عز وجل قال في القرآن الكريم {يآ أيها الناسُ اتقوا ربَّكم}-سورة النساء/1- ما قال في هذه الآية كما في الآية التي نقرأُها في خطبة الجمعة {يآ أيها الذين ءامنوا اتقوا اللهَ}-سورة آل عمران/102- أمرٌ بالتقوى وبالثبات على التقوى إلى الممات، أما في هذه الآية {يآ أيها الناس اتقوا ربّكم}-سورة النساء/1- هذه تشمل المؤمن بأنْ يتقي اللهَ وغير المؤمن بأنْ يُسلم فيأتي بتمام التقوى، يأتي ببقية الواجبات ويجتنب المحرّمات.

فمِن حيثُ المعنى والإشارة فيه إشارة لغير المسلم بالإسلام لأنّ الإسلام هو الأصل الذي يُبنى عليه الفرع والتقوى فرعٌ يُبنى على الأصل الذي هو الإسلام الإيمان.

هنا تشير الآية للمؤمن بأنْ يتقي الله فيكون مؤدّيًا للواجبات مجتنِبًا للمحرّمات وإشارة لغير المسلم أنه يجب عليك أنْ تسلم ثم تؤدّي بقية الواجبات.

{يآ أيها الناس اتقوا ربَّكم الذي خلقَكم منْ نفسٍ واحدة}-سورة النساء/1-

فإذًا أعظمُ وأعلى وأنفع وصية هي الوصية بالتقوى، يعني أنت مثلًا إذا أردتَ أنْ تودِّعَ ولدَك يسافر إلى عشر سنوات مثلًا فأعطيتَه طعامًا وشرابًا ولباسًا وجمعتَ له الكثير كم الشىء الذي يستطيع أنْ يحملَه؟ القليل وما ينفعُه، أما لو قلتَ له أوصيكَ بتقوى الله حافظ على الصلوات أدِّ الواجبات واجتنِب المحرمات هذا أعظم من كنوز الأرض والدنيا.

في السفر سيحمل الذي ينفعه ويكون حجمُه صغيرًا قليلًا، أعظم وأنفع وأكبر ما تحمّل ولدَك في السفر الوصية بتقوى الله، فهذه الوصية هي وصية الأنبياء لأقوامِهم ووصية الأئمة لأتْباعِهم، وهي وصية الأولياء لمُريديهم، وهي وصية اللهِ لعبادِه.

الوصية بالتقوى معناها كأنك تقول له صِر تقيًّا وليا صالحا، هذا معنى أنْ يؤدّي الوجبات ويجتنب المحرمات ويصيرُ تقيا فإنْ زاد على ذلك شرطًا وهو أنْ أكثر من النوافل صار وليا.

لذلك يا إخواني ويا أخواتي أنا أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله، أوصي نفسي وأولادي وأهلي وأحبابي وإخواني وأصدقائي بتقوى الله والثبات عليها إلى الممات، هي زادٌ لما بعدَ الموت، هي الزاد الذي يُنوِّرُ القبر الذي به تطير فوق الصراط، هي الزاد الذي يجعلك آمنًا في الآخرة، هي الزاد الذي يُثَقِّلُ لك كفة الحسنات فتغلب كفة السيئات، تقوى الله سبيل النجاة والفوز والمقامات العالية، تقى الله طريق الأمن الأمان والسلامة من العذاب بالمرة بالآخرة، مَن اتّقى اللهَ ومات تقيًّا أمِنَ من العذاب بالمرة لا يعذَّب لا في قبرِه ولا في آخرتِه، هذا إنْ مات على تقوى الله.

وتقوى الله ليس ثوبًا يُلبَس وانتهى الأمر ليس بإعفاء اللحية فقط ولا بلبس العمامة أو القلنسوة أو التردد إلى المساجد، تقوى الله كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان، ثقيلة عند العمل يعني يحتاج فيها الإنسان ليُخالف نفسَه ليُحارب نفسه وهواه.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم [الهوى يُعمى ويُصمّ]

كلمة الهوى في لغة العرب لها عدة معاني، هنا في هذا الموضع الهوى ما تميلُ إليه النفس مما يخالف الشرع.

تأتي بمعنى الميْل والحب وما تميل إليه النفس والهواء بدون همز، لكنْ في هذا الموضع تأتي بمعنى ما تميلُ إليه النفس من الأمور المحرّمة أو الخبيثة.

لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم [الهوى يُعمي ويُصم]

والشيخ رضي الله عنه قال “مَن لا يخالفُ هواه لا يترقّى”

وقال رحمه الله “مَن اتّبعَ الهوى هَوى” يعني سقط على رأسِه، لكنْ أحيانًا حتى الأولياء حتى الأتقياء حتى الصلحاء قد ينزلِقون قد يقع منهم كبيرة، ليس في الصغيرة فقط، قد يقع في الذنوب في المعاصي ثم اللهُ تعالى يُلهمُه فيرجِع يتدارك نفسَه هذا الولي أو هذا التقي أو الصالح، لأجل أنْ تنتبهوا أنّ مذهب أهلِ السنة والجماعة الولي ليس معصومًا، العصمة الكاملة لأنبياء اللهِ تعالى أما الملائكة لهم حكمٌ خاص، ورد في القرآن {لا يعصونَ اللهَ مآ أمرَهم ويفعلونَ ما يُؤمَرون}-سورة التحريم/6-

فالحاصل الإنسان إذا خالف هوى النفس والتزم الشريعة واقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم كان من الناجين الأمنين ممّن لا فزعَ عليهم في القبر ولا في الآخرة ويدخل الجنة بلا سابق عذاب، هذا ليس شرطًا أنْ يصيرَ وليًّا حتى التقي يدخل الجنةَ بلا سابقِ عذاب.

لأنّ من الناس مَن يدخلون الجنة بلا سابق عذاب بالمرة الله تعالى يفعل ما يشاء، ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء.

من الذين يدخلون الجنة بلا سابق عذاب بل في الطبقات العليا والعظمى في الجنة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام هم في الطبقات العليا وأعلى نعيم في الجنة لهم بلا نكد بلا هم بلا انزعاج بلا خوف بلا ألم بلا حسرة بلا فزع، يدخلون الجنة في أمن وأمان وفرح وسعادة وسرور وأنس كما قال ربُّنا في القرآن الكريم {إنّ الذين سبَقَتْ لهم منّا الحُسنى أولئكَ عنها مُبعَدون}-سورة الأنبياء/101- عن النار، {لا يسمعونَ حسيسَها}-سورة الأنبياء/101-

وكما قال تعالى {ألا إنّ أوليآءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}-سورة يونس/62-

وآيات كثيرة {إنّ الذين قالوا ربُّنا الله ثم استقاموا تتنزّلُ عليهم الملآئكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم تُوعَدون}-سورة فصلت/30-

ساداتُ هؤلاء رؤساؤهم هم الأنبياء والرسل، النبي الرسول ثم النبي الغير رسول، ثم بعد هذه الطبقة الكريمة الجليلة يأتي الطبقة العليا في أولياء البشر، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومَنْ بعدَهم في الترتيب الأعلى فالأعلى في التقوى ليس بالشهرة الدنيوية ولا بالمال ولا بالزعامة ولا بالحكم، هناك أناسٌ حكموا الأرضَ لكنّهم كفار لا يُساوونَ شيئًا هؤلاء لا يكون لهم منزلة عليا في الجنة لا، مثل بُختَ نصّر كان من الكافرين وحكم هذه الأرض هذا لا يُدخلُه الجنة مع الأولين مع السابقين مع النبيين والصديقين والأولياء لو حكم الأرض، ليس هذا المقياس ولا العبرة، شداد بن عاد حكم الأرض ولكنْ هو في جهنم، وهكذا كل كافر في جهنم مهما علا صيتُه في الدنيا ولو حكم القارات السبع، في الماضي كان يوجد قارات سبع اليوم يقولون خمس قارات.

الإنسان يدخل هذه الطبقات ويصل إلى هذه المقامات على حسب التقوى لأنّ الله قال {إنّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم}-سورة الحجرات/13- ما  قال أغناكم مالًا ما قال أشهرُكم ذكرًا بين الناس ولا قال أجملكُم شكلًا وصورةً ولا قال مَنْ كان من أبناء الملوك في الدنيا، قد واحد يكون من أبناء الملوك الملِك كافر وابنُه تقي هذا التقيّ يكونُ قبل غيرِه،  فالمراتب الدنيوية ليست هي العبرة بل التقي يكون قبل غيرِه إلى الجنة ممّن حكموا وليسوا أتقياء.

فالحاصل الإنسان يعظُمُ مقامُه ويعلو ويرتفع على حسب التقوى لو كان بالدنيا لا يُنظَر إليه عند الناس إذا غاب لا يُفتَقَد إذا حضر لا يُقَدَّم.

وردَ في الحديث [رُبَّ أشعثَ أغبر ذي طِمرَيْن مدفوعٍ بالأبواب لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّه] ارجعوا إلى الآية {إنّ أكرَمكم عند اللهِ أتقاكم}-سورة الحجرات/13-

يُحكى أنّ أحدَ الأئمة الكبار بعضُهم يروي ذلك عن مالك بن دينار أو عن عبد الله بنِ المبارك رضي الله عنهما، يقولون ذهب ليشتريَ عبدًا مملوكًا نظرَ ما وجدَ إلا شيئًا هو لا يريدُه، في اليوم الثاني حصل أنْ خرج الناسُ للقحط لأجل الدعاء فأقاموا صلاة الاستسقاء، دعا الناس وجاء العلماء والمشايخ والمشاهير واشتغلوا بالصلاة والدعاء، ربي يفعل ما يشاء، ورد في الحديث أنّ في زمن سليمان صار قحط فخرج الناس لصلاة الاستسقاء فدعَوا فلم يُمطَروا، نملة صارت مستلقيةً على ظهرِها وربي لا يُعجزُه شىء، الله أطلعَ سليمان على ما حصل مع هذه النملة فقال للناس ارجعوا قد كُفيتُم، أليس الله يرحم الدواب؟

أليس الله يقول {ورحمتى وسِعت كلَّ شىء}-سورة الأعراف/156- والرسول صلى الله عليه وسلم أمرَنا بالإحسان للهرة وهناك أحكام متعلقة بالدواب والبهائم الغير مؤذية فإنْ عذّبها إنْ ضربَها إن حبسَها مَنعها من الطعام والشراب يكون عليه معصية وقد تكلّمنا في الدرس الذي تكلمنا فيه عن قضية الروح وأمر الروح وأنّ البهائم لها أرواح وقلنا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم رأى حمارًا قد كُوِيَ بحديدةٍ مُحمّاة بوجهِه، فقال صلى الله عليه وسلم [لعن الله مَنْ فعلَ هذا] والمرأة التي حبسَت الهرة لا أطعمَتها ولا تركتْها تأكل من خشائش الأرض فقال الرسول هي تُعذَّب بها في النار.

وتلك المرأة المسلمة الزانية من بني إسرائيل سقت الكلب قال الرسول صلى الله عليه وسلم [فغفر اللهُ لها بسُقياها الكلب]

 الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسِه كان يُدني الجَفنة للهرة لتأكل، ربي يفعل ما يشاء.

 بنملة قال لهم سليمان قد كُفيتم الطلب، ونزل المطر، الله تعالى رحيمٌ بعباده رحيمٌ بخلقِه حتى بالبهائم لكنْ ليس كما تقول الوهابية على زعمِهم (من النملة) قال رفعَتْ قوائمَها إلى السماء يعني الله في السماء، هذا موجود في كتبِهم.

معلّمُهم ابن عثيمين بكتابِه شرح رياض الصالحين يقول: عند الزلازل بعض البهائم ترفع قوائمَها إلى السماء ويحكي عن مسئلة النملة فيحتجون من البهائم على دينِهم، يأخذون دينَهم من البهائم يقولون إنّ اللهَ بذاتِه في السماء من فعلِ النملة.

أنا أسألُ هؤلاء الذين يأخذون من البهائم ويعملون أئمة عندَهم وقدوة لهم حجم النملة كم يطلع بالنسبة للنعامة؟ كم ألف نملة ليعملوا حجم نعامة واحدة؟ إذا كانت النعامة تضع رأسَها في التراب ماذا تفعلون؟ والنملة ترفع قوائمَها لفوق، ماذا تفعلون؟

تمشونَ وراء النملة أم وراء النعامة؟  هذه بهيمة وهذه بهيمة، مَن قال أنّ العبرة إذا كانت النملة رفعت قوائمَها إلى السماء على زعمِكم يكون الله بذاتِه في السماء؟

هذا قولٌ سخيف لا يقولُ به عاقل، الله تعالى موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان كما سنعرض لكم إن شاء الله في آخر هذا المجلس بعض ما في هذا الكتاب.

فالحاصل أنّ سليمان عليه السلام الله أطلَعه على شأنِ هذه النملة هم دعَوا ما نزلَ المطر، ربي رحيمٌ بعبادِه وبخلقِه فنزلَ المطر، هذا الرجل جاء إلى صلاة الاستسقاء مع الناس دَعوا بكَوا صلَّوا ما نزل المطر، انصرفوا.

بعد أن انصرف الناس جاء عبد أسود رثّ الهيئة نحيل القدمين يلبَس إزارًا ورداءً حافيًا وقف في المصلّى صلّى ركعتين فوقف يدعو ويبكي نزل المطر، هذا الإمام العالم الذي يقال عبدُ الله ابنُ المبارك أو مالك بن دينار رآه فصار من قوة المطر الذي نزل بدعاء هذا العبد الأسود صاروا يمشون مع الماء من غزارة الماء الذي نزل، صار الإمام يتتبّع هذا العبد الأسود تعجّب من حالِه، ذهب إلى سوق النخاسين سوق العبيد، قال أرجع غدَا وأشتريه، رجع وقال لصاحب المكان أريد أنْ أشتريَ عبدًا صار يُخرج له الأقوياء الأشداء الكبار يقول له ليس هذا ليس هذا، ما بقي إلا عبدٌ أسود هو كثيرُ البكاء، قال له أرِني إياه، رآه فكان هو نفسُه الذي يريده، قال هذا، قال بكم؟ قال له عن مبلغ فاشتراه بمبلغ أكبر ومشى.

قال هذا العبد الأسود لهذا الإمام يا سيّدي لماذا اشتريتَني؟ قال: اشتريْتُك لأخدِمَكَ، الإمام العالم يريد أنْ يخدم هذا العبد الأسود، قال له: لماذا؟ قال له: ألستَ أنت كنتَ البارحة في المصلّى؟ أنتَ مَنْ دعوْتَ فنزلَ المطر بدعائِك، قال له: أوقد اطّلعْتَ على هذا السر؟ قال: نعم رأيتُك، ورفعَ يديه العبد الأسود وقال: اللهم إنه سرٌّ كان بيني وبينَك أطْلعْتَ عليه عبادَك فاقبُضْني إليك غيرَ مفتون، ما استتمّ كلامَه حتى وقعَ فمات.

ارجعوا إلى الحديث [رُبَّ أشعثَ أغبر ذي طِمريْن مدفوعٍ بالأبواب لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّه] يعني يعطيه يستجيب له يحقق له ما طلب.

ليست العبرة بالأشكال والأموال الكثيرة والشهرة والجمال والعضلات، العبرة بتقوى الله لو كان عبدًا أسودًا ينام على الزبالة يلبس الخَيش ويأكل من الطريق لو كان ما عنده مأوى ولا بيت وكان تقيًّا فهو أفضل من كلِّ مَنْ له شهرة حتى الملوك والرؤساء والعلماء الغير أتقياء.

لذلك {إنّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم}-سورة الحجرات/13- هذا المقياس والأساس والأصل.

دائمًا يا إخواننا حسّنوا الظنّ بالمسلمين، دائمًا حسّنوا الظنّ بعباد الله إذا رأيتم إنسانًا في الطريق ثيابُه وسخة وعيناه حمراوان لا تقولوا هذا الحشاش، من قال لك هذا حشاش يا مغفل؟ عيناه حمراوان يمكن يكون من السهر في الليل في العبادة في الدعاء في البكاء.

سيدنا عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام كان صوّامًا قوّامًا في الليل يسهر فتتعب عيناه في الصباح يكتحل وفي النهار من الصيام لأجل أنْ لا يُرى الجفاف الذي على شفتيْه من الصيام يدهنُ شفتَيْه بالزيت ثم يُرَجّلُ شعرَه لأجلِ أنْ لا يُعرَف ولا يُرى عليه أثر التهجد بالليل.

من قال لك أنّ الذي تكون عيناه حمراوان يكون يتعاطى الحشيش أو الخمر؟ يمكن من شدة خوفهِ من الله، بعض الأولياء من الأحوال التي في داخلِهم في قلوبِهم عيونهم تصير مثل الجمر لا تستطيع أنْ تنظر إليهم، أحوالُ الأولياء عجيبة بعضُهم كان يأنس بذكر الله وطاعتِه وعبادتِه في الغابات في البراري في الجبال في الوديان يترك الناس فينقطع للعبادة في الوديان فيصير شكلُه عند الناس مُستغرَبًا شعرُه منكوش ثيابُه مغبّرة متسخة مرقّعة حافي هزيل نحيل ربّما بسبب المرض بطنُه كبيرة ونحيل القدمين، فيصير منظرُه عند بعض الناس ليس مألوفًا لكنْ يكون أفضل من ألف واحد مثلك عند الله (هذا الذي يتكلم على هذا الولي الصالح)، العبرة عند الله بالتقوى ليس بالأشكال ولا بالمظاهر.

فالإنسان قد تراه تقول عنه يتعاطى الخمر أو المخدِّرات أو تقول هذا محتال من نظرات عينيه، تُسىء الظن بعباد الله وتركّب عليهم الأفلام بحماقتِك بغفلتِك بدل أنْ تحسِّنَ الظنّ بعباد الله؟ ما يدريكَ من هو هذا؟

لعله من الأبدال أو يجتمع كل يوم يقظة بالخضر، أنت مَنْ؟ هكذا الواحد ينتبه لا تحكمون على الناس بالمظاهر وأنّ ثيابَه وسخة ينام على الرصيف أو تحت الجسر ليس عنده مَن يهتم به.

مرةً أرسلَنا الشيخ رحمه الله لعملٍ في الدعوة إلى بلد سافرْنا قيل لنا في البلدة الفلانية يوجد ولي فقصدْنا هذه القرية، بلدة فيها سهول وجبال، وصلْنا إلى الشيخ محمد نور التركماني من حيثُ الخلقة وجهُه أجمل من البدر بياض مع عينين زرقاوين، تنظر إلى ثيابهِ يمكن تنزع عن ثيابه 2كيلو وحل، يعيش بالتراب والوحل، سلّمنا عليه، دعانا للجلوس وهو يجلس قرب المياه المتعفنة الوسخة بين الوحل والتراب، قعدنا، رأيناه يرقع سروالَه بكرتونة بدل القماش، تنظر بحذائِه ملىء بالوحل، قعدنا معه وما تكلمنا بعد، نظر إلينا نحن كنا ثلاثة، قال أنتم الثلاثة أولاد عم، بعض الناس قد يستغرب نحن لا نعرفه ولا رأيناه ولا رآنا ولا زرناه ولا زارنا ولا اجتمعنا به ولا اجتمعْنا به قبل ذلك، أنا والدكتور كمال الحوت والشيخ جمال صقر، قال أنتم الثلاثة حسينية ومن أبناء فاطمة والحسين، نحن بفضل الله تعالى من باب التحدث بنعمة الله مشجّر عائلتنا توجد نسخة منه في بعض البلاد في مامولان من نحو 800سنة وعليه تواقيع نقباء الأشراف وسلاطين وعلماء وأولياء ومشاهير وقّعوا على مشَجَّر النسب الذي لنا.

الحاصل أنّ هذا الرجل الذي يراه قد يُسىء به الظن ويقول عنه مجنون وحاشى، هو كان مستغرقًا ببحر المحبة، فرق كبير بين المجاذيب والمجانين، مثل هذا الرجل إذا كنتَ تنظر بمقياس أهل الدنيا الأعوج يمكن تسىء به الظن وهو يكون أفضل منا، العبرة عند الله بالتقوى.

بعض الإخوة الذين كانوا معنا أعطَوْه مالًا وبالنسبة لبلدِهم يُعدّ كبيرًا، نظر إليهم رماهم على الماء على الوحل لا يهم عنده لا الدنيا ولا المال، {إنّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم}-سورة الحجرات/13-

دائمًا استحضروا هذه القاعدة العظيمة التي في هذه الآية.

لذلك هذا الذي قال عنه الشيخ رحمه الله أخذ زادًا من الدنيا، هذا هو الزاد هذا العمل الذي ينفعك بقبرِك بآخرتِك ويوم القيامة، لا يصير الإنسان تقيًّا إلا بالإيمان بالإسلام بتعلّم الفرض العيني بتطبيق الواجبات وباجتناب المحرّمات.

الآن أريكم شيئًا في هذا الكتاب كما ذكرتُ لكم ثم هذا الكتاب هو للإمام أبو منصور البغدادي رحمه الله رحمة واسعة المتوفى عام 429 للهجرة، الفرق بين الفرق

صحيفة 333

يقول “وأجمعوا على أنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان” ثم قال “على خلاف قولِ مَنْ زعمَ من الهشامية والكرّامية –المجسمة- أنه مُماسٌّ للعرش والعياذ بالله، وقد قال أميرُ المؤمنينَ علي رضي الله عنه: إنّ اللهَ تعالى خلق العرشَ إظهارًا لقدرتِه لا مكانًا لذاتِه، وقال أيضًا: قد كان ولا مكانَ وهو الآنَ على ما كان وأجمعوا على نفيِ الآفات والهموم والآلام واللذات عنه وعلى نفيِ الحركة والسكونِ عنه”

الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي.

ثم قال  في موضعٍ آخر صحيفة 357

“وأما أهلُ الأهواء من الجارودية والهشامية والنجاريةِ …..”إلى قولِه “والمشبهة كلّها والخوارج فإنّا نُكفِّرُهم كما يُكفِّرونَ أهلَ السنةِ ولا تجوز الصلاةُ عليهم عندنا ولا الصلاة خلفَهم”

هذا من ألف و12 سنة تقريبًا

هذا ما عليه أهل السنة والجماعة من المحققين والمدققين والأئمة والعلماء أهل التقوى والورع والعلم الصافي، هذا الذي عليه الإجماع الذي نقلناه لكم من كتب عديدة وكثيرة.

هذا يؤكّد ما ذكرتُه خلال الكلام أنّ أصل التقوى وأساسَها إيمانٌ بالله ورسولِه أما مَن كان مشبّهًا مجسّمًا يعتقد في الله التغيّر التطوّر التبدّل الحركة السكون الانفعال الإحساس اللذة الألم هذا لم يعرف الله ليس من المسلمين وعليه ليس من أهل السنة وعليه ليس تقيا وعليه لو بقيَ على ذلك ألف سنة لا يصيرُ تقيا بل إنْ مات على ذلك إلى جهنم ولا تصح منه الصلاة ولا تصح خلفَه الصلاة ولا تصح عليه الصلاة إذا مات.

هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة.

والحمد لله رب العالمين.