الخميس ديسمبر 12, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -87

                          عمر الإنسانِ أطوارًا- شرح الآيات المتشابهات

                                     بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدي محمد رسول الله وعلى آل بيتِه ومَن والاه

يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله وغفر له ولوالديه ومشايخه

*قال الإمام الهرري رضي الله عنه: فمهما جمعَ الإنسانُ من المال وتنوّعَ بأنواعِ الملذاتِ والمُشتَهيات لا بدّ أنْ يفارق ذلك بالموت، اذكروا ما جرى لمَنْ قبلكم من الذين جمعوا الأموال كقارونَ الذي خسف اللهُ به وبداره الأرض والذهب الكثير الذي كان جمعَه وكان قدرُ ذهبِه ما لا يوجد اليوم عند دولةٍ من الدول، وكذلك ما جرى لشدادِ بنِ عاد الذي حكم الدنيا وكان تحت يدِه مائتانِ وستونَ ملِكًا وكان على الكفر وأرادَ أنْ يبنيَ مدينةً أوصافُها كما سمعَ من أوصاف الجنة فجمع الذهب والجواهر من الدنيا وبنى بثلاثمائة سنة مدينةً شبّهها بالجنة ثم دمّره اللهُ تعالى وقومَه قبل أنْ يدخلَها وكان عمرُه تسعُمائةِ سنة.

(فيما مضى تكلمنا في قصة قارون وببعض ما جرى له وكيف أنّ الله تعالى خسف به وبداره الأرض وكيف أنْ موسى قال يا أرضُ خذيهم وانتقمَ اللهُ تعالى من قارون ومَن معه ونصر نبيَّه موسى عليه الصلاة والسلام وأيّده وأظهر له المعجزات. وتكلّمنا أيضًا لما حصل لشداد بن عاد والمدينة التي بناها وعن بعض ما كان في قصة نبيِّ اللهِ سليمان ومع أنه نبيٌّ عظيمٌ كريم وكان يصرف المال في الطاعات والخيرات مع ذلك الدنيا ما دامت له، وأيضًا تكلمنا عما جاء في قصة نبيِّ الله أيوب عليه الصلاة والسلام، كل هذا كنا ذكرْناه بالتفصيل.

الآن هنا أعاده الشيخ رضي الله عنه بالإجمال بالاختصار لكنْ مِنْ غير أن نخوض ونعود إلى شرحِه بالتفصيل نستطيع أنْ نأخذ العبرة وأنْ نتّعظَ لأنّ هؤلاء الذين حكموا وملكوا الكفار منهم كانوا والعياذ بالله مع طول العمر والملك يسترسلون في الكفر والفسق والفجور مع ذلك ما دامت لهم الدنيا.

فرعون أيضًا كنا تكلمنا ماذا حصل في قصته وفي غرقِه وكان حاكمًا ملِكًا، الدنيا ما دامت لهم وهذا الغنى والرئاسة والزعامة والمُلك كل هذا ما دفع عنهم الهلاك في الدنيا فهل يدفع عنهم العذاب في جهنم؟ والله يقول {ولَعذابُ الآخرةِ أكبرُ لو كانوا يعلمون}-سورة القلم/33-

هؤلاء ما حُفِظوا من العذاب والانتقام بالرئاسة والمُلك والزعامةِ والمال والذهب في الدنيا فهل يُحفَظون من عذاب جهنم؟ لا والله.

وما حصل أيضًا لسيدنا سليمان ولبعض الذين حكموا مثل الصعب ذي القرنين هؤلاء كانوا يستعملون المال في الخير، أيوب كان يُنفق في الخير وهؤلاء يزدادون ثوابًا وخيرًا وبركةً وزهدًا وتواضعًا وإحسانًا وحسنات لكنْ مع ذلك هل دامت لهم؟ لا.

انظروا الفرق بين عمل هؤلاء الأشقياء وبين عمل هؤلاء السعداء، مع ذلك ما دامت لا لهؤلاء ولا لهؤلاء، هذا حال الدنيا. نحن إلى الزوال إلى الفناء.

واليوم إذا أردنا أنْ ننظرَ بنظرةٍ سريعة إلى ملوك الأرض أين الذين جمعوا مئات المليارات أو ما شابه من الدولارات من الذهب من العملات الأجنبية وغير ذلك أين هم؟ هل كانوا في معزِلٍ عن البلاء والتعب والمرض والنغص والهم والقلق والخوف ثم الموت؟ لا، بل كان يصيبُهم كل هذا كما يصيب الفقير الذي في الشارع، هذه الأشياء كانت تصيبُهم كما تصيب اليتيم والأرملة والفقير والشحاذ، هؤلاء الذين كانوا في هذا العصر من الملوك والزعماء انظروا إلى حالِهم على أيّ حال يموتون والعياذ بالله وكيف تصير نهايتُه في الدنيا فكيف في الآخرة؟

 لذلك علينا أنْ نعتبر ونتّعظ فليست المسئلة وليس الشأنُ بكثرةِ المال في الدنيا أو الحكم أو الزعامة أو الرئاسة إنما العبرة بتقوى الله {والآخرةُ خيرٌ لمَن اتّقى}-سورة النساء/77-)

 

                              عمرُ الإنسانِ أطوار

 *قال الإمام الهرري رضي الله عنه: عمرُ الإنسانِ أطوار بعض الناس اللهُ تعالى يُصلِحُهم بوقتٍ يسير يرزقُهم التوبة فيموتونَ تائبين بعد أنْ قضَوا عشرات السنين على الفسق والفجور وبعض الناس بعد أنْ قضَوا على الإسلام عشرات السنين يكفرونَ فيموتون كافرين.

(هذا له أمثلةٌ عديدة مثلًا هذا الرجل الذي كان يقال له دوري هذا كان يعيش على عبادة الطاغوت، والطاغوت شيطان ينزل مثلًا في إنسان يدخل فيه فيتكلم على لسانِه أو يدخل في شجرة فيتكلم من داخل الشجرة مع الناس، هذا الرجل دوري كان يعبد الطاغوت ثم بعد أن انقضى الكثير من عمره يعني عشرات السنين كان على الكفر والشرك وعبادة الشيطان وعبادة الطواغيت عشرات السنين مرّ أحد علماء أهل السنة والجماعة في أرضِهم يدعو إلى الإسلام فاستمعَ إليه دوري فوقعَ حبُّ الإسلام والإيمان والتوحيد في قلبِه فلزِمَ هذا الرجل وتعلّمَ منه الفرضَ العيني، وبقي معه في حطّه وترحالِه وصار يحصّل منه العلم، في مدة قصيرة نحو ستة أشهر حصّل الفرض العيني ثم رزقَه اللهُ همةً عالية في الطاعات والعبادات.

أليس قال هنا الشيخ رحمه الله عمر الإنسان أطوار؟ انظروا هذا كيف كان على عبادة الشياطين وعبادة الطاغوت والشرك، الآن بعدما أسلم وتعلّم الفرضَ العيني وحسنَ إسلامُه اللهُ أعطاه همةً عالية فتفرّغَ وانقطَعَ للعبادات صار يقوم الليل يصوم النهار يُكثر من ذكر الله من تلاوة القرآن من التعبّد مدةً الشياطين الذين كانوا يدخلون في تلك الشجرة أغاظَهم هذا الشىء، وكانت شجرة ضخمة من حيثُ الحجم، هؤلاء صاروا يحاولون إيذاءَه.

ثم هذا الرجل بعدما صار تقيًّا صالحا وصل إلى الولاية بعد ذلك، الله أكرمَه بالكرامات، قال تلك الشجرة التي يدخل فيها الشياطين ويعبدُها الناس لماذا لا أقطعُها؟ فذهب في الصباح إلى تلك الشجرة وأخذ الفأس وحاول أنْ يقطعَها ما استطاع لأنها ضخمة جدا، ثم قال أعودُ فأُحرِقُها، رجع بعد ذلك في اليوم الثاني فأحرَقَ تلك الشجرة أضرمَ فيها نارًا عظيمة، الشياطين الذين كانوا يدخلون وينزلون فيها أغاظهم هذا أكثر وأكثر ثم صاروا يتتَبّعونَه لقتلِه، كان له مثل الخباء –الخيمة- يتعبّد فيها فكان هو فيها يصلي جاءوا فأشعلوها عليه واحترقت العمُد الخشب صارت جمرًا وهو خرج يمشي لم يحترق ثم ذهب إلى مكان آخر فأشعلوه نارًا، ثم دخل في كهف في جبل ويتعبّد فيه جاءوا فأضرموه نارًا وهو خرج يمشي ولم يحترق، ثم قال الخشبُ يُحرقُ الخشب أما أنا اللهُ حفظني سلّمني أعطاني هذه الكرامة -معنى كلامِه- وهذه المحاولات منهم ما أثّرَت فيّ ولا أحرقوني وما استطاعوا من قتلي إحراقًا لأنّ اللهَ نجّاني وأعطاني هذه الكرامة.

وهنا للذي يسأل أو يتعجّب أو يستغرب من هذا يقال له لا تنس نار النمرود التي أشعلَها وأوقدَها لنبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام والنمرود كان في العراق وقصتُه من حيثُ المناظرة ما حصل بينَه وبين نبيِّ اللهِ إبراهيم عليه السلام حكيْناها لكنْ مسئلة النار نذكرُها الآن مع شىء من الإيجاز.

بعدما انكسرَ النمرود وأقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحجة عليه وصار إبراهيم يُكسّر الأوثان والأصنام التي يعبدُها النمرود وقومُه أراد أنْ يتخلصَ بزعمِه من إبراهيم فأمر أهل البلد أنْ يحتطبوا فاشتغل كل أهل البلد بجمع الحطب، حتى إنّ من المفسّرين من قال كان مَنْ تخلّف عن جمع الحطب يُعاقبُه النمرود فصار الكل يعمل، وعمل خندقًا عظيمًا في الأرض حفرة واسعة ثم ملأها بالحطب وأضرم فيها نارًا عظيمة وقيّدوا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالحبال ثم من قوة هذه النار ما استطاعوا أنْ يأخذوا بيد إبراهيم لإلقائِه فيها، كان من شأنِها أنّ الطير إذا مر في جوّها وقعَ مشويّا على الأرض فصنعوا له المنجَنيق ثم وثّقوه بالحبال ووضعوه في المنجنيق وقذفوه في تلك النار من بُعد، في هذه اللحظات جاء جبريل عليه السلام فقال يا إبراهيم هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال جبريل: وأما إلى الله؟ قال: بلى، قال: ما حاجتُك إلى الله؟ قال: هو عالمٌ بحالي وغنيٌّ عن سؤالي، هذه قوة التوكل العجيبة التي ينبغي أنْ نأخذ درسًا من قوة توكل الأنبياء والأولياء على الله.

وصل إبراهيم إلى نار النمرود، تخيّلوا تلك النار وما كان من شأنِها، وصل إلى قعرِها كأنه في بستان. وأنتم تعرفون أنّ الشعر يتأثر بالنار بلحظة، شعر إبراهيم عليه السلام في تلك النار العظيمة لم يحترق لحم إبراهيم عليه السلام لم يحترق، ثيابه عليه السلام لم تحترق، الذي احترق شىء واحد وهو الوِثاق الحبل الذي ربطَه به الكفار، تخيّلوا سمك الحبل وسمك الشعرة، الشعرة لم تحترق والحبل احترق، الثوبُ لم يحترق والحبل احترق، اللحم لم يحترق والحبل احترق، فكّ إبراهيم فكّ الحبل فصار سيدنا إبراهيم عليه السلام خالصًا من ذلك الوثاق.

ثم خرج إبراهيم يمشي على قدميه من تلك النار العظيمة ولم تحرقْه، الله قال {يا نارُ كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}-سورة الأنبياء/69- الله جعل تلك النار الشديدة الكبيرة القوية المُلتهبة بردًا وسلامًا، ليس بردًا فقط بل بردًا وسلامًا، ربي قادر لا يُعجزُه شىء.

*****فائدة:  {يا نارُ كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}-سورة الأنبياء/69- ليس معنى هذه الآية أنّ ذلك الوقت الله تكلّم فقال يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، لا، هذه الآية تُخبرُنا عما حكمَ اللهُ به في الأزل عمّا قضاه اللهُ في الأزل، اللهُ في الأزل حكم بأنْ تكونَ النارَ بردًا وسلامًا على إبراهيم في العصر الذي يكون فيه إبراهيم والنمرود وفي الوقت الذي يُلقى فيه إبراهيم في نار النمرود أنْ تكونَ بردًا وسلامًا عليه، هذا كله في الأزل قضاه اللهُ وحكم به وليس في ذلك اليوم قال لأنّ اللهَ تعالى كلامُه حكمُه وحكمُه قولُه وقوْلُه أزليٌّ أبديّ ليس مُبتدأً ليس مُختَتَمًا وليس بحرفٍ وصوتٍ ولغة ليس بفم ولا أسنان ولا شفاه ولا أضراس ولا اصطكاكِ أجرام ولا انسلالِ هواء ولا مخارجِ حروف ليس باللغة العربية ولا العبرية ولا السريانية ليس ككلام الإنس ولا الجن ولا الملائكة لا يتخللُه انقطاع ليس ككلام العالَمين، كلامُ اللهِ هو صفةٌ له أزلية أبدية لا يتعدد لا يتجدد لا يتبعّض ليس ككلام المخلوقين لأنّ اللهَ ذاتُه ليس كذواتِ المخلوقين وصفاتُه ليست كصفاتِ المخلوقين.

صفاتُه أزلية أبدية فلا يكون كلامُه بحرف وصوت، لو كان كل لحظة يتكلم ويقول يا نارُ كوني بردا وسلاما على إبراهيم الآن يقول ثم يسكت لكان مثلَنا وهذا لا يجوز على الله.

الآيةُ تُخبرُنا أنّ اللهَ  في الأزل حكم أمرَ قضى قال تكلم بكلامِه الأزلي أنْ تكونَ النار بردًا وسلامًا على إبراهيم فليس معنى الآية أنّ الله في ذلك اليوم تكلم لأنّ اللهَ كلامُه أزلي أبدي لا يشبه كلامَ المخلوقين, هذا ينبغي أنْ يُنتبَه له لأنّ عقيدة الأنبياء والمسلمين والأولياء وأهل السنة والسلف والخلف والأشاعرة والماتريدية أنّ اللهَ كلامُهُ ليس بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغة كما قال أبو حنيفة رضي الله عنه وهذا إجماع.

بل قال الإمام الأشعري المالكي الصقلي أبو بكر بن ثابت في رسالتِه التي أفرَدها في مسئلة صفة الكلام، قال في هذه الرسالة “إنّ مَنْ قال اللهُ يتكلم بحرفٍ وصوتٍ ولغة هذا كافرٌ بإجماعِ الأمة” هذا كان من نحو تسعمائة سنة.

عقيدة أهل السنة والجماعة أنّ اللهَ كلامُه ليس ككلامِ خلقِه.

هذه الآية التي في القرآن تُخبرُنا أنّ اللهَ  في الأزل قال وكلامُه وحكمُه أزليٌّ حكم في الأزل أنْ تكونَ النار بردا وسلاما على إبراهيم.

فخرج إبراهيم عليه السلام من تلك النار ولم يحترق ثم ترك العراق وتوجّه إلى بلاد الشام وصار يدعو الناس في بيت المقدس في فلسطين إلى دين الإسلام وإلى التمسك بطاعة الله، وهذا معنى الآية { إنّي ذاهبٌ إلى ربي سيَهدين}-سورة الصافات/99- لأنّه في العراق بين أهلِه وفي وطنِه كانوا يحاربونَه هذه المحاربة كانوا يكيدون له يتآمرونَ عليه يكذّبونَه والعياذ بالله وكانوا يعبدون الأصنام والأوثان ومنهم من يعبد النجوم، إبراهيم عليه السلام ما وجد بُغيتَه فيهم، هؤلاء القوم أجلاف ما كانوا يستجيبون له ولدعوتِه عليه الصلاة والسلام، تركهم وخرج بأمرٍ من الله، { إني ذاهبٌ إلى ربي سيَهدين}-سورة الصافات/99- وهذه الآية لها تأويل ليست على ظاهرِها، {إلى ربي} إلى طاعة ربي إلى حيث أمرني ربي، إلى المكان الذي أمرني ربي أْنْ أكونَ فيه لأنشرَ الإسلام.

والذي يقول القرآن على الظاهر والآيات المتشابهات لا تُؤوَّل كالوهابية يُقال لهم أنتم تقولون الله بذاتِه في السماء وتقولون بذاته على العرش وهذا إبراهيم نبي رسول عليه الصلاة والسلام كان في العراق وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين إلى بيت المقدس، فعلى زعمِكم صار الله حالًّا في بيت المقدس، صار اللهُ ساكنًا الشام على زعمِكم، صار الله في فلسطين، هل هذا يقولُه مسلم؟ هل هذا يقوله عاقل؟ إذًا يلزمُكم التأويل كما تؤوِّلونَ هذه وتقولون لها تأويل.

ثم مِنء كذبِهم المفضوح يقولون هذا تفسيرٌ للآية وليس بتأويل، ما هذا الكذب؟

أليس صرفْتَ النص عن ظاهرِه؟ هذا معنى التأويل، فلما صرَفتم هذه الآية عن ظاهرِها يلزمُكم أن تصرفوا بقية الآيات المتشابهات عن ظواهرِها وإلا فأنتم متناقضون، لأنكم إذا قلتم الله بذاتِه في السماء وعلى العرش كيف يكون بذاتِه في الشام وفلسطين وبيت المقدس؟ إذًا لا بد من التأويل.

 وحاشى لإبراهيم أنْ يعتقد أنّ اللهَ كان حالًّا في الشام أو في بيت المقدس لأنّ الحلول والاتحاد عقيدة الكفار، والأنبياء هم الذين جاءوا بالتوحيد والتنزيه والإسلام وعلّموا الناس أنّ اللهَ لا يحُلُّ في  شىء ولا يحلُّ فيه شىء ولا ينحلُّ منه شىء لأنه ليس كمثلِه شىء، قال في القرآن {ولم يكن له كفُوًا أحد}-سورة الإخلاص/4- وقال {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفُوًا أحد}-سورة الإخلاص/4- نفيٌ للماديةِ والانحلال.

وقد نقل الحافظ السيوطي في الحاوي أنّ مَنْ قال بعقيدة الحلول والاتحاد فهذا كافرٌ بالإجماع.

فهذا مستحيلٌ على إبراهيم، وكما أوّلتُم أيها التيمية النجدية القرنية الإبليسية هذه الآية يلزمُكم أنْ تؤوّلوا بقية الآيات المتشابهات، فإنْ أوّلتم الآيات التي ظاهرُها يوهِم أنّ اللهَ في الشام وفي جهة الأرض وحملتُم الآيات التي ظاهرُها يوهم أنّ اللهَ في جهةِ السماء وعلى العرش على ظاهرِها ولم تؤوّلوها وأوَّلتُمْ تلك يقال لكم هذا تحكّم يعني دعوى بلا دليل، أنتم للتشَهي للعقيدة الكفرية الشركية التي أنتم عليها تفعلون ما تريدون تُكذّبونَ الله والقرآن والأنبياء والشريعة والعقيدة تخرجون عن مقتضى العقل والنقل لأنكم أُشْرِبتم في قلوبِكم حب التشبيه والتجسيم كما أُشرِبَ عبَدة العجلِ حبّ العجل في قلوبِهم، هذا حالكُم وشأنُكم.

كيف تؤوّلون هذه ولا تؤوّلون {الرحمن على العرش استوى}-سورة طه/5-؟

الله عز وجل قال في القرآن {وهو الواحدُ القهّار}-سورة الرعد/16- وقال {فعّالٌ لما يريد}-سورة البروج/16- وقال {وهو ربُّ العرش العظيم}-سورة التوبة/129- هذه الآيات الثلاثة توضح معنى آية {الرحمن على العرش استوى}-سورة طه/5-

هو متصرّفٌ بالعرش والعالم كما يريد ليس قاعدًا ليس جالسًا ليس مستقرًّا ليس محاذيًا، الله يقول في القرآن {فلا تضربوا لله الأمثال}-سورة النحل/74- وأنتم ضربْتم له أمثالًا لا تُعَدُّ ولا تحصى شبّهتموه بالإنس والجن والملائكة والبهائم، الكلاب تجلس والبشر والجن يجلسون والملائكة يجلسون، أنتم تقولون الله جالس قاعد بذاتِه حقيقة على العرش وفي السماء، إذًا كذّبتم الله.

وهذا سيدنا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين باب مدينة العلم كفّرَكم قال “مَن زعمَ أنّ إلهَنا محدود فقد جهل الخالقَ المعبود”

أبو منصور الماتريدي  وأبو الحسن الأشعري قبل أبي منصور قالا “الجهل بالله كفرٌ به”

أنتم جعلتم اللهَ كميةً جسمًا شكلًا صورةً قاعدًا مستقرًّا في السماء وعلى العرش بذاتِه، ماذا تركتم من الكفر؟ ما أبقيتم في التشبيه والتجسيم من بقية، فأنتم داخلون في كل أبواب الكفر والتشبيه والتجسيم.

سيدنا وإمامنا وقدوتنا الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول “مَن اعتقد أنّ اللهَ جالسٌ على العرش فهو كافر” رواه ابن الرفعة أحمد بن محمد أبو العباس نجم الدين في كتابه كفاية النبيه شرح التنبيه المجلد الرابع كتاب الصلاة باب صفة الأئمة في النسخة المطبوعة صحيفة 24

عن القاضي حسين عن نص الشافعي.

ماذا تقولون؟ هذه أقوال الصحابة ومَنْ بعدَهم الإجماع على كفرِكم لأنّكم شبّهتم ووقعتم في التجسيم وفي تكذيب الله تعالى.

*القاضي حسين من أئمة المذهب الشافعي كان يلقب بالبحر أو بالحبرمن عظيم وسعة علمه وفقهه. 

إذًا الآية الكريمة {إني ذاهبٌ إلى ربي سيهدين}-سورة الصافات/99- إلى حيث أمرني ربي.

{الرحمنُ على العرش استوى}-سورة طه/5- حفظ وسيطر واستولى وأبقى وقهر، وهذا موافق للآيات الثلاث التي ذكرناها، {وهو الواحدُ القهّار}-سورة الرعد/16- وقال تعالى {فعّالٌ لما يريد}-سورة البروج/16- وقال {وهو ربُّ العرش العظيم}-سورة التوبة/129-

ثم هذه الآية التي ذكرناها أولًا وهي قول الله تعالى {يا نارُ كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}-سورة الأنبياء/169- لأنّ من الناس من يعتقد أنّ اللهَ كلامُه حادث يحدثُ شيئًا بعد شىء وهذا تكذيبٌ للقرآن لأنه لو كان يحدثُ شيئًا بعد شىء لكان مثلَنا.

الآن أردنا في هذا الدرس أنّ الإنسان عمرُه يكونُ أطوارًا انظروا إلى أين انتقلنا، أنا حدثَتْ لي مشيئة جديدة الآن غيّرتُ نيتي تكلمتُ في الآيات المتشابهات، تكلمتُ في مسئلة نار النمرود، أنا أريد أن أتكلم بشىء ثم أغيّر أريد أنْ أذهب إلى مكان فأنتقل إلى آخر، مَن الذي تحدثُ له صفة بعد صفة أو شىء بعد شىء؟ نحن المخلوقون، أما الله فليس كمثله شىء، اللهُ يقول {ليس كمثله شىء}-سورة الشورى/11- أنتم إنْ حملتم الآيات المتشابهات على الظاهر فقلتم {ءأمنتم مَنْ في السمآء أنْ يخسفَ بكم الأرض}-سورة الملك/16- يعني الله، يقال لكم لو كان كما تزعمون السماء أزلية أم مخلوقة؟ أجيبوا عن هذا السؤال، إذا قلتم السماء أزلية يعني أنتم مشركون بالله لأنّ اللهَ قال في سورة الحديد {هو الأولُ والآخر}-سورة الحديد/3- وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي وابن حبان والنسائي والبيهقي قال صلى الله عليه وسلم  [اللهم أنت الأولُ فليس قبلَك شىء وأنت الآخرُ فليس بعدَك شىء]

هذا قرآن وحديث وإجماع، يعني السماء مخلوقة أما الله هو الأزلي الأبدي وصفاتُه، أجيبوا، إذا قلتم السماء أزلية فقد جعلتم لله شريكًا في الأزلية، والله قال في القرآن في أول آية من سورة الأنعام {الحمد لله الذي خلق السمواتِ والأرض}-سورة الأنعام/1- إذًا السماء مخلوقة بنصِّ القرآن، وبالدليل العقلي والنقلي والشواهد كثيرة.

فإنْ قلتم السماء أزلية ليكون الله فيها فقد جعلتم له شريكًا في الأزلية، وإنْ قلتم هي مخلوقة يقال لكم كيف صار الله فيها بزعمِكم؟ يعني صار متغيّرًا لأنها كانت معدومة صارت موجودة، لما كانت معدومة يعني هو ليس فيها، وُجِدَت على زعمِكم فصار فيها يعني هناك مَن غيّرَه وتصرّفَ فيه يعني جعلتُموهُ مجعولًا لجاعل وهذا منْ أشنع وأبشع وأقبح وأصرح الكفر.

إنْ قلتم هو مخلوق كما أنّ السماء مخلوقة فقد صرّحتم بكفرِكم كما في التي قبلَها أيضًا، ثم بقي أنْ تقولوا بزعمِكم الله مخلوقٌ كما أنّ السماء مخلوقة وهذا تصريحٌ أشد وكله كفر، يعني الذي يقول الله بذاته في السماء أو حقيقة يلزمُه أحد أمرين إما أنْ يقول السماء أزلية ليكونَ الأزلي فيها وهو الله وهذا شرك لأنه جعل لله شريكًا في الأزلية أو أنْ يقول الله مخلوق ليكونَ في مخلوق وهي السماء وهذا صريح في الكفر، إذًا أين المفر والملجأ والجواب الصواب؟

عقيدة أهل السنة والجماعة إنّ الله أزلي لا بداية له ولا يتغير ليس جسما ليس حجما، السماء مخلوقة لها بداية والله ليس فيها، فإنْ قلتم هو فيها قيل لكم أجيبوا عن قول الله تعالى {إنْ كلُّ مَنْ في السمواتِ والأرضِ إلا آتي الرحمن عبدًا}-سورة مريم/93- جعلتم اللهَ عبدًا لنفسِه، تقولون لها تأويل، وتلك لها تأويل.

وأجيبوا عن قول الله تعالى {يوم نطوي السمآءَ كطيِّ السجلِّ للكتب}-سورة الأنبياء/104- جعلتموه يفنى ويزول ويموت والسماء تُلَف عليه، تقولون لها تفسير، وتلك لها تفسير.

وأجيبوا عن قول الله تعالى {وانشقّت السمآءُ فهي يومَئذٍ واهية}-سورة الحاقة/16- فعلى زعمِكم ماذا يفعل وأين يذهب بعدما تتشقق السماء بنصّ القرآن؟

رأيتم عقيدة التشبيه النجِسة إلى أين توصل؟ جعلتم اللهَ ملعبةً على زعمِكم وحاشى لله تنزه الله تقدّس الله جلّ جلالُ الله، عظمةُ الله أنه لا يشبه شيئًا من خلقه {فلا تضربوا لله الأمثال}-سورة النحل/74-

ما معنى إذًا {ءأمنتم مَنْ في السمآء}-سورة الملك/16-؟ قال إمام الحرمين عبد الملك أبو المعالي الجويني، إمام من أئمة أهل السنة والجماعة في كتابِه الشامل في أصول الدين في المجلد الأول يقول “ءأمنتم من في السمآء أنْ يخسف بكم الأرض” قيل جبريل وقيل الملائكة.

 أليس الله قال {فالمدبّراتِ أمرًا}-سورة النازعات/5-؟ الملائكة لهم تدبيرٌ جزئي بما أمرهم الله أما التدبير الكلي لله عز وجل، تدبير الكون بالإطلاق والشمول هذا لله.

معنى الآية يعني جبريل والملائكة الذين مسكنهم السماء مقرُّهم السماء لو أمرَهم الله لخسفوا بكم يا كفارَ مكة الأرض كما فعل جبريل بقرى قوم لوط عند البحر الميت عندما أدخل ريشةً من جناحِه تحت مدن القرى الأربة واقتلعَها من مكانِها ورفعها إلى قرب السماء الأولى ثم ضربَها في الأرض وجعل عاليَها سافلَها فجعلت تذهب وتجىءُ فوقَهم {فإذا هي تمور}-سورة الملك/16-

هذه معناها جبريل، يعني الله يخوِّف الكفار بالملائكة بجبريل.

هذا الرازي المفسر المشهور في كتابه مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، له اسمان، يقول جبريل أو الملائكة.

تقول في صحيح مسلم [ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء] أقول لك هناك رواية ثانية [ارحموا من في الأرض يرحمكم أهل السماء] أهل السماء الملائكة سكان السماء.

وهذا الحافظ النووي في شرح مسلم يقول في هذه الآية {ءأمنتم مَنْ في السمآء} هي مؤوّلةٌ عند جميعهم، وينقل هذا الإجماع عن القاضي عياض ونقله عن عياض النووي ومَنْ بعدَه، وملا علي القاري يقول إجماع.

من خلق السماء؟ الله، كيف يكون فيها؟ السماء تفنى {وانشقّت السمآءُ فهي يومئذٍ واهية}-سورة الحاقة/16-

فإذًا الله سبحانه وتعالى لا يسكن السماء، ثم إنّ الله قال {ونُفِخَ في الصورِ فصَعِقَ مَنْ في السموات}-سورة الزمر/68- تقولون الله يموت يُصعَق؟ حاشى لله تنزه الله، والأدلةُ كثيرةٌ.

فحديث الرحمة لها تأويل بالإجماع، آية الملك لها تأويل بالإجماع، وهكذا الآيات والأحاديث المتشابهة، قال الحافظ ابن بطال في شرحِه على البخاري وهذا قبل الحافظ ابن حجر، ابن حجر العسقلاني ينقل عنه أحيانا، قال “يجب صرفُ الأخبار المتشابهات عن ظواهرِها.

أما ملا علي القاري في المرقاة يقول إنّ حملَ الآيات المتشابهات والأخبار المتشابهة على الظواهر يؤدي إلى أمور كفرية بشعة وهي كفرٌ بالإجماع.

إذًا الله لا يسكن السماء لا يحتاج للعرش الله هو الذي خلق السماء وخلق العرش، ثم إنّ السماء مسكن الملائكة، إذا قلتم هو بذاته في السماء نقول لكم الملائكة في السماء وعيسى في السماء والنبي ليلة المعراج طلع إلى السماء فأنتم على زعمِكم سوّيتم بين اللهِ وبين خلقِه أم جعلتموه تحت أقدامِ خلقِه، إذا قلتم في الأولى فعيسى في الثانية يعني تحت قدمي عيسى على زعمِكم، فإذا قلتم هو في الثالثة لنتجنب عيسى يقال لكم جعلتموه تحت أقدام مَنْ هم أقل من عيسى رتبة وهم الملائكة الذين في السماء الثالثة، فإذا قلتم لا هو ولا في واحدة منها بل هو فوق السابعة يقال لهم جعلتموه تحت أقدامِ بهائم الجنة كالخيل –يوجد فرس وبراق في الجنة- جعلتموه تحت أقدام الولدان المخلدون خدم أهل الجنة، إذا قلتم هو في السابعة والجنة فوقَه جعلتموه تحت أقدام مَنْ في الجنة، فإذا قلتم لا هو فوق الجنة يقال لكم فوق الجنة العرش، فإذا قلتم فوق العرش يقال لكم  جعلتموه محمولًا من قِبل الملائكة لأنّ الله قال {ويحملُ عرشَ ربِّكَ فوقَهم يومَئذٍ ثمانية}-سورة الحاقة/17-

أنتم جعلتم اللهَ كالعريس الذي يحملُه الناسُ على أكتافِهم ويدورون فيه –هذه العادة في بلاد الشام- جعلتم اللهَ قاعدًا على العرش والملائكة تحملهُ، تنزّه الله حاشى لله ليس كمثله شىء.

إذًا الواجب هو صرف الآيات والأحاديث المتشابهة عن الظاهر كما قال الله تعالى {هنّ أمُّ الكتاب}-سورة آل عمران/7- أي الأصل التي يُرجَع إليه ومَنْ خالف في ذلك فليس من أهلِ السنة في شىء.

والحمد لله رب العالمين