مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول”-80
الدنيا دار بلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدِنا محمدٍ طه الأمين وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه الغُرِّ الميامين
يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تبارك وتعالى وغفر له ولوالديه ومشايخه
*وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: الدنيا والآخرة مثلُ المشرقِ والغرب كلّما اقتربتَ من واحدة اقتربْتَ عن الأخرى.
-(الإمام الهرري رضي الله عنه وأرضاه هو إمام لأنّ الإمامَ باللغة والعرف هو مَنْ يأتمّ به غيرُه وهو عالِمٌ وفقيهٌ وحافظٌ ومفسِّر وأصوليّ ومتكلّم وصوفيٌّ زاهد، مربٍّ ناسك مُرشِد وهو رضي الله عنه علّم الآلاف من البشر، أرشدَ الآلاف من الناس من الكبار والصغار وهم يقتدونَ به في الخير، فهو إمام.
وكلمة إمام ليس شرطًا أنْ تقالَ فقط لمَنْ كان كالشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد، كلمة إمام ليست خاصة بإمام المسلمين صاحب الخلافة العظمى كأبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، مِنْ حيثُ اللغة والعرف يقال الفقيه للعالم الصالح للمربي والمرشد للذي يقتدي به الناس في الخير، الإمام مَنْ يأتمّ به غيرُه، فهو إمامٌ بمعنى الكلمة، وهو رضي الله عنه وأرضاه الذي حفظَ العقيدةَ في هذا العصر مع غيرِه من العلماء، لكن نحن الآن نتكلم عن الجهود الظاهرة التي بذلَها رضي الله عنه والمنتشرة في الدنيا والأرض.
فإذًا هو إمامٌ بمعنى الكلمة، فهو حفظ الدين والعقيدة هو الذي كافحَ ونافحَ ونشرَ الإسلامَ والتوحيد والتنزيه وحذّرَ منْ أهلِ الكفر والضلال وشهدَ له العلماء من كلّ البلاد، وتقاريظُهم موجودة عندنا وفي بعض المجالس العامة أخرجْنا الكثيرَ منها ومنها ما صار مطبوعًا في الكتب، ككتابِ السقوط الكبير فيه العشرات من هذه التقاريظ من عدد كبيرٍ من بلاد الأرض من المفاتي والعلماء والفقهاء والمُحدّثين والقضاة الذين أثْنَوا على هذا الرجل العظيم ومدحوهُ ببعضِ ما فيه من الخير والعلم، لذلك هو إمام لا تستغربوا ولا تتعجّبوا لأنّ الجاهل الذي لا يعرف معنى الإمام قد يقول أنتم تقولون عنه إمام يعني هو الشافعي؟ هذه تُطلَق على الشافعي وعلى غيرِه ممّن يستحقّ هذا اللقب، تُطلَق على أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم، على الحسن والحسين رضي الله عنهما، على الأوزاعي على أبي حنيفة على مالك على أحمد على الليث بن سعد، وعلى مَن دونَهم أيضًا من أهلِ العلم والخير والفضل الذين يقتدي بهم الناس، هذا معنى الإمام عندما نقول عن شيخِنا رحمه الله وهو القدوة والمربي والمعلّم، هو رضي الله عنه وأرضاه الذي بالأدلة والبراهين بالعلم بالكتاب والسنة بالإجماعِ الذي بيّنه نصرَ مذهب أهلِ السنة والجماعة ونشر التوحيد والتنزيه وكشف زيغَ وزيف كلّ أهل الضلال في الدنيا، يعني كان رضي الله عنه على كلّ الجبهات في وقتٍ واحد لا يعبَأُ بهم ولا يخشى في الله لومةَ لائم.
كان رضي الله عنه متوكّلًا على الله مُعتمِدًا عليه لا يعبأ بالأكاذيب والإشاعات والافتراءات، ثم مع كلّ هذا الجهد العلمي العظيم في خدمةِ الدين والعقيدة وحفظ الإسلام والمسلمين كان زاهدًا متواضعًا ذاكرًا في الليلِ والنهار وكان عابدًا رضي الله عنه وأرضاه.
هذه الكلمة في محلِّها عندما نقول الإمام الهرري أو قال الإمام الهرري. ورضي الله عنه هذه أيضًا ليست خاصة بكبار الصحابة وبأجلّائِهم لأنّ الجاهلَ الذي لا يعرف العلم ولا يعرف هذه التفاصيل إذا سمع كلمة رضي الله عنه قد يتعجّب من جهلِه، أما لو كان تعلّم وعرف العلم لرأى أنّ هذه العبارة عادية جدًّا لأننا بكلمة رضي الله عنه لا نصفُهُ بما ليس فيه.
ثم كلمة رضي الله عنه تقال عن المؤمنين الطيبين عن الأتقياء عن الصلَحاء وليست خاصة بخواصّ الأولياء كأبي بكرٍ وعمر.
والدليلُ على ذلك من القرآن اللهُ يقول في سورة التوبة {والسابقونَ الأولونَ من المهاجرين والأنصار والذين اتّبَعوهم بإحسانٍ رضي اللهُ عنهم ورَضُوا عنه}[التوبة/١٠٠]
ثم إذا كانت الأم أحيانًا تقول لابنِها اللهُ يرضى عليك هذا هل فيه مانع؟ لا، فإذا قيل عن الشيخ الصالح التقي الورع رضي الله عنه هذا ما فيه غُلوّ ولا تعدّي.
ثم كان من عادة العلماء والمحدّثين أنّ يقولَ الطالب للشيخ الذي يُملي “مَنْ ذكرْتَ رحمكَ الله، مَنْ ذكرْتَ رضي اللهُ عنك أو قلتُم رضي اللهُ عنكم” هذا معروف.
فإذًا قال الإمام الهرري رضي الله عنه كلمةٌ عادية وفي محلِّها وهو رضي الله عنه يستحق ذلك لأنّنا ما رأينا منه في كلّ هذا العمر إلا الخير والصدق والثبات على الحق والزهد مع العبادة والجرأة العظيمة في نصرةِ الدين وتأييدِ الحق، هذا معنى كلمة الإمام الهرري رضي الله عنه.
ثم عبارتُه التي ذًكرَت الآن وقرأها الشيخ بارك اللهُ به فيه تنبيهٌ وتحذيرٌ وتعليم، ما هو؟
لو كان الواحدُ منا واقفًا بوسطِ البلد والغربُ منْ جهةٍ والشرقُ من جهة إذا أرادَ أنْ يقتربَ من الغرب أليس يبتعد عن الشرق؟ بلى، فإذا أرادَ أنْ يقتربَ من الشرق ابتعد عن الغرب، وهكذا الدنيا والآخرة كلّما اقتربْتَ من الدنيا كلما ابتعدتَ عن الآخرة، كلّما غرِقتَ في الدنيا كلّما ابتعدتَ عن الآخرة، كلّما أكلَتْكَ الدنيا كلّما ابتعدتَ عن الآخرة.
وطلابُ الآخرة الذين يسعَوْنَ للنجاحِ فيها ولطلبِها يقتربونَ منها ويبتعدونَ عن الدنيا، هذا معنى هذه العبارة.
فإذًا الدنيا والآخرة كلما اقتربتَ من واحدةٍ منهما ابتعدتَ عن الأخرى، فأنا الذي أنصحُ به نفسي وأنصحُكم به أنْ نقتربَ من الآخرة وأنْ نمشي في طريقِ الآخرة وأنْ نعملَ في طريق الآخرة, وللحصولِ على النجاحِ في الآخرة لأنّ الله عز وجل قال في القرآن الكريم {كلُّ مَنْ عليها فان}[الرحمن/٢٦]
فالعاقلُ الذكي هل يقضي عمرَه ويصرف أوقاتَه ويبذل الغالي والنفيس في طلب الفاني الزائل أم يعمل في الليل والنهار للحصولِ على الجنة الباقية بإبقاء اللهِ لها؟
الذكيُّ ماذا يختار؟ العاقل الذكي الفطن هو الذي يسعى في طلب الآخرة ويعمل لينالَ الآخرة وليكونَ من الناجينَ في الآخرة، بعد ذلك لا يُؤسَف على الدنيا.
فيا إخواني كيف يتجرأ البعض أنْ يخسرَ الدين والإسلام وأنْ يقع في الفسقِ والفجور كتركِ الصلاة كشربِ الخمر كالزنا كلعِبِ القمار كتشجيع الناس على الفجور والفسق، كالذين يُرَوِّجونَ للظلم والكاهن والساحر والعرّاف، ويُشجّعونَ الناس على الفجور والفسوق في ليلةِ رأسِ السنة، كيف يتجرّأ هؤلاء أنْ يُعرِّضوا أنفسَهم لغضب الله لسخطِ الله للّعَناتِ التي تنزل عليهم بسبب الدنيا الفانية.
كيف يتجرأ هؤلاء –يعني القسم الأول- أنْ يتركوا الإسلام ويخسروه ويخسروا الدين لأجل النعيم القليل الزائل؟
يقول اللهُ عز وجل {قل متاعُ الدنيا قليل}[النساء/٧٧]
يا أخي يا أختي، إذا كان اللهُ عز وجل الذي هو أحكمُ الحاكمين وهو عالمُ الغيب والشهادة وهو الذي خلق الدنيا والآخرة وهو العالم بما فيهما من الأحوال ومن النعيم، نعيم الدنيا كلا شىء بالنسبة لنعيم الجنة، وما في الدنيا من الأهوال والمصائب وما في جهنم من العذاب والهوامّ، بلاء الدنيا كلا شىء بالنسبة لعذابِ جهنم، اللهُ هو العالم بكل ذلك وهو الخالق لكلّ ذلك وهو القائل {قل متاعُ الدنيا قليل}[النساء/٧٧] وهو أصدقُ الصادقينَ سبحانه وهو أصدقُ القائلين، فكيف يتجرأ البعض أنْ يخسر الدين والإسلام، أنْ يكفروا وينسلِخوا من الإيمان وعن الإيمان بسبب الحصول على الدنيا الفانية الزائلة التي نعيمُها يتخلَّلُها كدَر، يعني أثناء التنعم وأنت تفرح وتلتذ بها يأتيك الصداع يأتيك المغص، تأتيكَ الأخبار المُحزنة فيتعَكّر نعيمُكَ صفوُكَ، هذه الدنيا وهذا نعيمُها، هذه الدنيا وهذا حالُها.
لذلك قال بعض الناس قديمًا “لو دامت فرحة العروس ما قامت القيامة” هذا الكلام ليس حديثًا لكنْ فيه عبرة معناها لو دامت فرحةُ العروس ما قامت القيامة، معناه فرحةُ العروسِ لا تدوم فهي إلى الزوال والدنيا إلى الزوال والقيامةُ تقوم.
ثم أليس قيل أيضًا قديمًا “لو دامت لغيرِكَ ما آلَتْ إليك”؟ فلْيتّعِظ الإنسان، هذه الدنيا وهذا نعيمُها وهذا حالُها.
ثم الإنسان الذي يترك الإنسان والدين لأجل الدنيا والزعامة والجاه الدنيوي لأجل أنْ تُفَتَّحَ له أبواب صالونات المطارات وبعد ذلك؟ هل كل هذا الجاه الدنيوي يحفظُه من أمراض الدنيا؟
هل كل هذا الجاه الدنيوي يحفظه من كورونا؟ هل كل هذا الجاه الدنيوي يحفظه من الجوع والبرد والعري والمرض والسقم والهم والغم والكدر والنكد ثم الموت؟ لا والله، إذا كان لا يحفظُه من هذا فهل يحفظهُ من عذاب القبر؟ وهل يحفظُه من أهوال القيامة؟ وهل يحفظه من جهنم؟ وإلا أليس الله عز وجل قال عن فرعون {فأخذَه اللهُ نكالَ الآخرةِ والأُولى}]النازعات/٢٥]
انظروا واعتبروا هذا فرعون الذي طغى وبغى وظلم وفجر وكفر وتكبّر واسْتعلَى على الرقاب وعلى العباد وقتّلَ وذبّح وقال هذه أنهارُ مصر تجري من تحتي وقال لعنه الله لا ربَّ لكم سواي، وقال لهم لعنه الله أنا ربّكُمُ الأعلى، {فأخذهُ اللهُ نكالَ الآخرةِ والأولى}[النازعات/٢٥] اللهُ في الدنيا جعله عبرةً للمُعتِبرين فأهلَكَهُ غرَقًا، كان يدّعي الألوهية وكان حاكمًا وكان على رؤوس أتْباعِه من حيثُ الحكم والسلطة والسيف هل حفظه كل ذلك من الغرق في الدنيا؟
قد تقول لي لكنه عاش أربعمائة سنة لم يشكو من صداعٍ في الرأس، ماذا يعني؟ هذه هي العبرة؟ هذا لوحدِه يُدخلُه الجنة؟ لا والله، لو عاش ألف سنة، أليس بعضَ الكفار السابقين عاش إلى ألف سنة وأكثر من ذلك.
هذا إبليس كم عمره إلى الآن؟ مَنْ منكم زار إبليس بمستشفى؟ ما العبرة؟ هل العبرة أنّ عمرَه طويلًا وكان صحيحَ الجسم وشيطان وعفريت ماذا ينفعُه؟ هل هذا يدخلُهُ الجنة؟ لا.
إذًا ليست العبرة أنّه كان ملِكًا وحاكمًا وسلطانًا ولا يصيبُه ألم في الرأس، لكنّه سيحترق في جهنم سينشوي في جهنم سينكوي في أعظم وأشد وأكبر نار خلقَها الله.
قال الله تعالى {ولعذابُ الآخرةِ أكبرُ لو كانوا يعلمون}[القلم/٣٣]
أهلكَه غرَقًا في الدنيا، هذه عبرة، قال للناس أنا ربكمُ الأعلى، صار كالجيفة المنتفِخةِ على وجهِ الماء تتقاذفُه الأمواج، وكان فرعون الوليد بن مصعب بن ريان فرعون مصر الذي كان في زمن موسى عليه الصلاة والسلام كان قصير القامة بدِنًا أزرق العينين، ومنتفِخًا على وجهِ الماء وكان يقول أنا ربّكم الأعلى، ألا يعتبر الواحد؟
أين الزعماء اليوم والرؤساء؟ أليس هناك رؤساء وزعماء حصلت لهم الويلات والنكبات في الدنيا؟ ألا يعتبر الواحد؟
جيوش جرارة تحتَ إمرتِهم وتتحرك بإشارتِهم، أين هم؟ ماذا فعلتْ بهم الشعوب وماذا فعلت بهم الأمراض؟
ترونَ الرئيس لمّا يمرض كيف يصير مثله مثل الفقير والشحاذ.
أليس قيل:
والصعبُ ذو القرنينِ أمسى ملكُهُ ألفينِ عامًا ثم صار رميمًا
مع أنّ الصعب كان من الأولياء من الصالحين وكان حجّ وطاف حول الكعبة مع نبيِّ اللهِ إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
الصعب ذو القرنين كان في اليمن واللهُ تعالى أعطاه الحكم فصار حاكمًا لهذه الأرض من شرقِها إلى غربِها. ويقال سُمّيَ بهذا لأنه حكمَ بين المشرق والمغرب أو لأنه حكم إلى ألفي سنة يعني قرنين.
ثم صار رميمًا يعني مات وزالَ مُلكُه وذهبت أيامُه، مات كما يموتُ اليتيم والفقير والجائع في الطريق، ونحن الآن لا نذمّه إنما نحكي عن الموت، كما أنّ الموتَ يصيب هؤلاء أصابَه هو، وهو رضي الله عنه كان من الصالحين فهل دامتْ له؟ إذًا اعتبروا
يا إخواني ويا أخواتي، هذا الصعب ذو القرنيْن ما دامت له وهذا فرعون الذي طغى وبغى وفجر وفسق وكفر وحارب الأولياء والأنبياء وقتّل المسلمين صار مُنتَفِخًا كجيفةِ الحمار صار طافيًا على وجه الماء، تصوّروا هو يقول عن نفسِه أنا الإله والأمواجُ تتقاذفُه تلعب به، الأسماك ربما تأكل من جسدِه، أين فرعون؟ {فأخذه اللهُ نكالَ الآخرةِ والأولى}[النازعات/٢٥] في جهنم ماذا سيفعل؟ في النار ماذا سيعمل؟
إذًا العبرة بأنْ تربحوا الآخرة ليست العبرة بالزعامة والكرسي وسيارة بمليون دولار، كلّ هذا زائل، العبرة بأنْ تثبتوا على الإيمان على الإسلام أنْ تربحوا الجنة التي تستحق أنْ يُعمَلَ لها.
قال الله تعالى في القرآنِ الكريم {ولمَنْ خافَ مقامَ ربِّه جنّتان}[الرحمن/٤٦] الله تعالى ليس جسدًا وليس له مكان وليس كما تعتقد الوهابية أنّ اللهَ يومَ القيامةِ ينزل من العرش فيقف في موقف القيامة، حاشى، جعلوا اللهَ كالحاكم الذي ينزل من قصرِه عن عرشِه إلى الساحات والرعيّة، وهذا منْ أبشعِ وأشنعِ الكفر، فاللهُ ليس كمثله شىء موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان منزّهٌ عن القعود والجلوس عن الكمية والحجميةِ والكيفوفية، منزّهٌ عن كلِّ صفاتِ المخلوقين.
معنى {ولمنْ خافَ مقامَ ربِّه}[الرحمن/٤٦] خاف السؤال وخاف الحساب وخاف العرض يومَ القيامة، لأنّ الناس يقولون سنقف بين يدي الله ولا يفهم السني أنّ اللهَ جسد ويكون واقفًا في أرضِ القيامة ثم يقف هذا العبد بين يديه في الجهة والمكان والمقابلة والحسّ والمسافة، لا، تنزّه الله عن كلِّ ذلك ومن اعتقدَ شيئًا من ذلك فليس من المسلمين، إنما كلّ ما يفهَمونَه سيقفونَ للسؤالِ والحساب، أنهم سيُحاسَبون ستُعرَض عليهم الأعمال مَنْ أطاعَ اللهَ وأحسن سيفرح ذلك اليوم بما يلقاه من النعيم.
أليس في القرآن ورد أنّ هذا التقي يقول من شدةِ فرحِه “هآؤُمُ اقرؤوا كتابيَه”؟ لأنه بُشّرَ ورأى النعيم والفرح والفوز والسعادة فيُحبّ أنْ يرى أحبابَه وأنْ يرى الناس هذا الفوز.
{ولمن خاف مقام ربِّه}[الرحمن/٤٦] يعني خافَ وقوفَه للسؤال والحساب يوم القيامة، لأنّ الناسَ يومَ القيامة كالإنسانِ الذي يتخرج من المدرسة.
المدرسة تُخرّج الناجح وتُخرّج الساقط، وفي القيامة الناجح بالتقوى والطاعات والحسنات والإسلام والعبادات إلى الجنة والساقط إلى النار، الساقط إمّا كافر وهذا يُخلّد في جهنم، وإما منْ أهلِ الكبائر مات بلا توبة وشاء اللهُ له أنْ يدخل إلى جهنم لكن لا يُخلّد فيها لأنه مسلم، أما الكافر يُخلَّد. أما مَنْ مات مسلمًا من أهلِ الكبائر بلا توبة وإنْ دخلَ جهنم لا يخُلّد فيها.
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاريُّ والبيهقي [يخرجُ قومٌ منَ النارِ من أمةِ محمدٍ بشفاعةِ محمد ويدخلونَ الجنةَ يُسَمَّوْنَ الجهَنَّميين] هذا في المسلم من أهلِ الكبائر وليس في الكافر لأنّه قال [يخرجُ قومٌ] يعني دخلوها وعندما يخرجونَ منها يعني ليسوا من الكفار، يعني من المسلمين العصاة أهل الكبائر لأنّ الكافر لا يخرج من النار، اللهُ يقول في القرآن {وما هم بخارجينَ منها}[المائدة/٣٧] وفي ءايةٍ ثانية {وما هم بخارجينَ من النار}[البقرة/١٦٧]
في نفس الحديث دليلٌ آخر قال [بشفاعةِ محمد] ومحمد لا يشفع لكافر كما كل الأنبياء والملائكة لا يشفعونَ للكفار، شهداء المعركة لا يشفعون للكفار الطفل الصغير لا يشفع لأبويه الكافريْن، كلّ الشفعاء يشفعونَ للمسلمين.
دليلٌ ثالث قال [ويدخلونَ الجنة] والكافرُ لا يدخل الجنة، ليس كما قال هذا المعتوه الشيخ الذي يلبس عمامة ولفة “الجنة ليست للمسلمينَ فقط اليهودي يدخل الجنة والنصراني يدخل الجنة وكل مَنْ يعمل عملًا حسنًا مع الناس يدخل الجنة” على زعمِه
الجنة ليست لك أيها الجاهل، الجنة دارٌ خلقَها اللهُ للمؤمنين قال الله تعالى في القرآن الكريم {وبشّر المؤمنينَ بأنَّ لهم من اللهِ فضلًا كبيرًا}[الأحزاب/٤٧] قال ابنُ عباس: “فضلًا كبيرًا: أي الجنة”
وارجع إلى أول الآية {وبشّر المؤمنين} يعني الجنة ليست لك إنْ متّ على هذا الحال أنت كافر وستكون مع إبليس وفرعون في جهنم والجنة ليست على حسابك ولا أنت تُدخل الناس على ذوقِك على الجنة يا منافق يا مداهن يا شيطان يا دجال يا مَنْ تُداهن الكفار وبعض الناس لتبقى على الكرسي.
كم وكم اليوم ممّن يدّعون العلم والقضاء والمشيخة صاروا زنادقة يكذّبونَ اللهَ والقرآن، كالذي قال “إنّ الكفارَ في زمانِنا هذا يدخلون الجنة لأنهم يُعتبَرون كأهل الفترة” مع أنّهم سمعوا بالدعوة وبالإسلام وبدعوة محمد وسمعوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وسمعوا لا إله إلا الله وفهموا ذلك، جاء هذا كي يدَعوه في منصبِه قال هؤلاء يدخلون الجنة ونعاملُهم معاملة أهل الفترة، يعني صار الدين على ذوقِكم وهواكم على زعمِكم.
لماذا خُلقت النار إذًا؟ صار الدين على هواكم؟ خسئتُم، صدق الله وكذبتم أيها العفاريت بعمائم.
الله يقول في القرآن الكريم {وقال المسيحُ يا بني إسرآئيلَ اعبدوا اللهَ ربي وربَّكم إنه مَنْ يُشرِكْ بالله فقد حرّمَ اللهُ عليه الجنة}[المائدة/٧٢] هنا موضع الشاهد.
ليس أنت يا زنديق يا دكتور، هذا كما قال الله {إنه مَنْ يُشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين منْ أنصار}[المائدة/٧٢] كيف تتجرأ وتقول اليهودي والنصراني وكل كافر يعمل صالحًا يدخل الجنة؟
الله يقول {وبشّر المؤمنين}[الأحزاب/٤٧] والله يقول {إنّ اللهَ لعنَ الكافرين وأعدّ لهم سعيرًا}[الأحزاب/٦٤] ماذا تقولون في هذه الآيات؟
نرجع إلى الآية التي كنا فيها {ولمَنْ خافَ مقامَ ربِّه جنّتان}[الرحمن/٤٦] هذا للمسلمين للمؤمنين، وكلّما كان أتقى كلّما كان مقامُهُ في الجنة أعلى.
{جنتان} هذا للذي يخاف الله ويؤمن بالله وبرسولِه وبدينِه يثبت على الإسلام يتجنّب الكفريات والكبائر ويموت على التقوى لو كان مُرتكِبًا لبعضِ الصغائر وكان مُجتنِبًا للكبائر الله لا يُدخلُه النار ولا يعذّبُه في قبرِه ولا في مواقف القيامة، وهذا ليس تشجيعًا على المعاصي كما يقول بعضُ الحمقى، هذا قرآن والقرآنُ لا يشجِّع على المعاصي بل يشجّع على الثبات على الإسلام والتقوى.
قال الله في القرآن {إنْ تجتنبوا كبآئرَ ما تُنْهَوْنَ عنه نُكفِّرْ عنكم سيِّئاتِكم}[النساء/٣١] هذا الدليل.
فمن مات تقيًّا الله لا يعذّبُه في الآخرة لا يُدخلُه النار بالمرة. {جنّتان} يعني كلّما كان أتقى وأعلى في المقامات وهو في الجنة كما قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم [هي جنانٌ كثيرة]
الجنة الأصل التي هي المكان الواسع وفي ضمن الجنة جنانٌ كثيرة، توجد بساتين وحدائق وأنهار وقصور كلّ ما فيها من ذهب، وجنة ثانية كل ما فيها من فضة، هذا لمَنْ كان تقيًّا صالحًا وليًّا، هذا معنى {جنّتان}
فإذًا منْ كان يريد الآخرة لا بدّ أن يثبتَ على الإسلام، أما الذين يبيعونَ دينَهم بالدنيا ويتخلَّوْنَ عن الإسلام لأجلِ الكراسي والمناصب السيارات والدولارات فجهنم أمامكم إنْ متُّم على ذلك لأنّ الله تعالى قال في القرآن الكريم {ومَنْ يكفر باللهِ وملآئكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخر فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا}[النساء/١٣٦] ليس المسئلة بالزعامة والمناصب والمال إنما بالإسلام والتقوى، يعني بالثبات على الإسلام بتجنّب الكفريات وبالتقوى.
مَنْ أرادَ أنْ يكونَ من أبناءِ الآخرة فليَضع في بالِه وفي حُسبانِه أنّه سيبتعد عن الدنيا، هذا معنى “كلّما اقتربتَ من إحداهما ابتعَدتَ عن الأخرى” فإذا اقتربتَ من الآخرة ابتعدتَ عن الدنيا كما أنك إذا اقتربْتَ من المشرق ابتعدتَ عن المغرب وإذا اقتربتَ من المغرب ابتعدتَ عن المشرق، وهكذا الدنيا والآخرة، فاختاروا الآخرة امشوا إلى الآخرة اعملوا للآخرة ثم بعد ذلك لا أسف على الدنيا، تفٍّ على هذه الدنيا، هذا معنى ما قاله الشيخ رحمه الله تعالى في أمر الدنيا والآخرة).
الدنيا دار بلاء
(لأنها ليست الجنة، تريد أنْ تكونَ بمكان ليس فيه بلاء هناك في الجنة، أما أنت في الدنيا لو قعدت داخل الكعبة الشريفة العظيمة الطاهرة فأنت ما زلتَ في الدنيا، لو تقعد في المسجد النبوي الطاهر فأنت في الدنيا، لو قعدتَ في رأس جبل في أواخر بلاد البرازيل والأرجنتين وكندا وأميركا وأستراليا فأنت في الدنيا، تقول أبتعد عن الناس أرتاح أقول لك منْ أين تضمن الراحة إذا جاءتك الأمراض الجسدية والحسية؟ ألست تجوع؟ هذا نكد، بعض الناس يموتون من الجوع أين تذهب؟ ألا تبرد؟ إذا كان حر ألا يصيبُك الحر؟ أليس لك حاجة لقضائِها؟
الله يقول {وخُلقَ الإنسانُ ضعيفًا}[النساء/٢٨] يكون جالسًا على كرسي الحكم يركض ركضًا إلى الخلاء، هذه الدنيا، الدنيا نعيمُها يتخللّه كدَر فطالما أنت فيها أنت في دار البلاء، تريد أنْ تكونَ ذكيًّا جدا جدا اعمل على أن تربح الآخرة لتكونَ في الدار التي ليس فيها بلاء، {واللهُ يدعو إلى دار السلام}[يونس/٢٥] الجنة، هناك لا يوجد بلاء ولا كدر ولا نكد ولا تعب ولا نعاس ولا مغص ولا نغص ولا هم ولا حتى في التفكير، إذًا طالما أنت في الدنيا فأنت في دار البلاء واستعد وتهيّأ ولا تظّنُّ نفسك مرتاحًا، أنت في الدنيا انتظر البلايا والمصائب [ما منْ يومٍ يأتي إلا والذي بعدَه شرٌّ منه حتى تلقَوا ربَّكم] كن مستعدًّا حتى تقابلَ البلاء بالصبر والمحافظة على الصلاة والطاعات والعبادات، وبعد ذلك لا أسف على هذه الدنيا، تفٍّ على هذه الدنيا المهم أنْ تصل إلى هذا النعيم المقيم الذي لا يتخلّله كدر وليس فيه بلاء، الجنة).
*قال الإمام الهرري رضي الله عنه: اللهُ يُلهِمنا الصبر، الدنيا دارُ بلاء.
(الصبر منْ أعظمِ نِعمِ اللهِ على عبدِه المؤمن لأنّ الصبر لمَن الْتَزَمه من المؤمنين يوصلُه إلى الجنة، والصبر من شيَم الأنبياء والأولياء والصالحين، والصبر بابٌ إلى المعالي وسلَّمٌ إلى النجاة، الصبر ضياءٌ للقلوب، الصبر كما ورد في الحديث قال صلى الله عليه وسلم [الصبر على البلاء بانتظار الفرجِ من الله عبادة]
يعني أنت جالسٌ في بيتِك عليك مصائب وبلايا غم هم بجسدك أمراض بأولادِك بمحلك بتجارتِك ضُربَت سيارتك، هذه المصائب نزلت عليك وأنت صابر مسلِّمًا لله تأخذ الأجر والثواب، صرتَ مُقعَدًا في البيت تأخذ الأجر، صرتَ مشلولًا تأخذ الأجر المهم أنْ تصبر، أما الذي لا يصبر لا يربح ولا ينجح ولا يصل.
قال الشيخ رحمه الله “الصبرُ مرّ وثمرتُه حلوة” هذا ليس ذمّا بالصبر كما قد يتوهّم بعض الجهلاء، الصبر مر معناه يحتاج إلى مجاهدة النفس وقهرِها للتعوّد الصبر.
تعريفُ الصبر هو حبسُ النفسِ وقهرُها على مكروهٍ تتحمّلُه أو لذيذٍ تُفارقُه.
“وثمرتُه حلوة” النجاة والفوز والجنة للمؤمنين والثواب والأجر العظيم المقيم، سعادة أبدية في الجنة للمؤمنين والجنة تستحق أنْ يُتعبَ لها.
الجنة تستاهل أنْ تتركَ الدنيا بالمرة، أليس قال صلى الله عليه وسلم [ألا إنّ سلعةَ اللهِ غالية ألا إنّ سلعةَ اللهِ الجنة]؟
والحديث من أوّلِه [مَنْ خافَ أدلجَ ومَنْ أدلَجَ بلغَ المنزل ألا إنّ سلعةَ اللهِ غالية ألا إنّ سلعةَ اللهِ الجنة] والجنة تستحق أنْ يُتعبَ وأنْ يُعملَ لها.
والصبر بجميعِ أنواعِه ضياءٌ للقلوب وهو من الواجبات القلبية فمَنْ ترك الصبرَ كان من الهالكين، ومَنْ كان ملازمًا للصبر كان من الناجين.
لذلك قال رضي الله عنه “الله يلهمُنا الصبر” ما أعظمَها من دعوة، أحيانًا قد تمر العبارة لكنْ قلوبُنا لأنها متعلّقة بالدنيا والدنيا أكلَتْنا وقلوبُنا قاسية قد لا ننتبه للمعنى، هل وقفْنا عند هذه الكلمة وانتبَهْنا لمعناها ولماذا اختار هذا الدعاء؟ لعظيمِ فائدة الصبر وللفوز العظيم الذي يُحصَّل بسببِ الصبر، للنجاة الذي ينالهُ الإنسان بالصبر.
ادعوا لبعضِكم بهذا وادعوا لنا معكم، لأبنائكم لأهلكم لإخوانِكم للمسلمين، لأننا إذا قوِينا وصبرْنا حصّلْنا السعادات نلنا الخيرات أَمِنّا وفرِحنْا وربِحْنا في الدنيا والآخرة، الصبر الذي صار للأسف بالنسبة لبعض الناس كأنها عبارة تجري على اللسان، اصبر، هل يقف عند معنى كلمة اصبر؟ لا ينتبه، بعض الناس لا ينتبه، يموت إنسان يخسر إنسان بالتجارة يقول له اصبر بدنا نصبر، فكّرْنا بمعناها وعملْنا بمقتضاها؟
إذا فكّرنا بمعناها وعملنا بمقتضاها ووقفنا عندَها صدّقوني نفوز، نربح، الصبرُ بجميعِ أنواعِه ضياءٌ للقلوب وهو من الواجبات القلبية).
*وقال الإمام: لو كانت الدنيا تخلو من البلاء كان الأنبياءُ لا يصيبُهم شىء لكنْ كان البلاءُ عليهم أكثر.
(مَنْ أفضل وأعلى وأجلّ خلقِ اللهِ على الإطلاق؟ هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأعلاهم هو نبيًّنا المشرّف المكرّم المعظَّم صلى الله عليه وعليهم جميعًا وسلَّم، حتى الأنبياء إذا ذُكِروا صلوا عليهم وسلّموا.
بعضُ الناس من جهلِهم يظنون أنّ كلمة صلى الله عليه وسلم لا تُقال إلا لنبيِّنا محمد أما إذا ذُكرَ إبراهيم أو موسى عليهما الصلاة والسلام يقول لا تقل صلى الله عليه وسلم قل عليه السلام، مَنْ قال لك هذا؟
يقال موسى صلى الله عليه وسلم، عيسى صلى الله عليه وسلم، إبراهيم صلى الله عليه وسلم، آدم صلى الله عليه وسلم، أيوب صلى الله عليه وسلم، داود صلى الله عليه وسلم، يعقوب صلى الله عليه وسلم، إسحق صلى الله عليه وسلم، يوسف صلى الله عليه وسلم، وهكذا في كلّ نبيّ.
روى الإمام الحافظ شمس الدين السخاوي أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال [إذا ذُكرَ الأنبياء فصلّوا عليهم فإنهم بُعثوا كما بُعِثْتُ]
يعني الرسول صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا أنْ نصليَ على الأنبياء الكرام إذا ذُكروا عليهم الصلاة والسلام، لكنْ يجوز أنْ يقال عليه السلام ليس ممنوعًا، نستطيع أنْ نقول آدم عليه السلام ونقول محمد عليه السلام، لكنْ إذا قلتَ صلى الله عليه وسلم الثوابُ أكثر أعظم.
لذلك كلما ذُكر الرسول صلى الله عليه وسلم أو الأنبياء السابقين صلوا وسلّموا عليهم عليهم الصلاة والسلام.
الحاصل، أعلى العالمين منزلةً رتبةً شرفًا مقامًا هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والأنبياء هم أكثرُ الناسِ بلاءً في هذه الدنيا يعني الدنيا لا يسلم فيها أحد من البلاء، لو كنا نسلم من البلاء لسلِمَ الأنبياء، إذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يسلموا فمنْ أنت ومن أنا أمام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟
كان الأنبياء الكرام ينزل عليهم البلاء أكثر من غيرِهم أكثر من عامة الناس.
الرسول عليه الصلاة والسلام قال [أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياء ثم الأمثلُ فالأمثال يُبتَلى الرجلُ على حسبِ دينِه فإنْ كان دينُه صلبًا عظُمَ بلاؤُه وإنْ كان في دينِه رقّة خفَّ بلاؤُه]
إذا كان هذا حالُنا نحنُ العوام تنزل علينا بلايا ومصائب لكنْ أقل بكثير ممّا ينزلُ على الأنبياء، لكنْ الأنبياء دائمًا المصائب تنزل عليهم في الدنيا بأموالِهم بأبدانِهم بأتباعهِم لكنْ لا تنزل عليهم بدينِهم، يعني لا يدخل نقص على نبيٍّ من الأنبياء في دينِه، لا يحصل أنْ يقعَ نبيًّا من الأنبياء في الخيانة، لا يحصلُ أنّ نبيًّا من الأنبياء يكذب، أما الواحد من العامة إذا ترك الصلاة مصيبتُه بدينِه، إذا واحد من العوام شربَ خمرًا مصيبتُه بدينِه، واحد من العوام زنا مصيبتُه في دينِه.
والمصيبة العظيمة هي أنْ تكون في الدين أما أنْ تكونَ في الدنيا هي مصيبة هيّنة.
يعني لو واحد منا مات كل أهلِه وسلمَ له دينُه فهذه مصيبة هيّنة لأنّه بموتِ أهلِه وصبرِه على ذلك ترَقّى في المقامات.
أما لو ترك صلاة واحدة دخل النقص على دينِه صار خبيثًا ملعونًا تراجعَ صار فاسقًا، صارت اللعائن تنزلُ عليه.
إذا بقيَ حالُه حسنٌ في الدين وكثُرَت عليه المصائب في أموالِه وأهلِه وفي الدين حالُهُ حسن يرتقي في المقامات فأيُّ المصيبتين أهون؟ مصيبة الدنيا هي الأهون المهم أنْ يسلم الدين.
أما إذا سلِمَت لك الدنيا وأصِبتَ في دينِك فابكِ على نفسِك، أما إذا سلمَ لك الدين وأُصِبتَ في دنياكَ فصبرْتَ فاشكرِ اللهَ على ذلك لأنك تعلو في المقامات وسلمَ لك الدين.
أمك ستموت الآن أو بعد مائة عام، زوجتك إما تدفنك أو تدفنها الآن أو بعد مائة عام، مالك إما ينفذ أو يُسرق أو تموت ويأتي الورَثة فيأكلونَه وقد لا يعملون لك صدقة جارية، فعجّل اعمل صدقة جارية لنفسكَ قبل أنْ يأتيَ أولادك ويصرفونَ أموالَك على السيارات ويأكلون أموالكَ ولا يعملون لك صدقة جارية، قبل أنْ تموت اعمل صدقة جارية لنفسِك.
كم كان يوجد من أئمة وفقهاء وصلَحاء أوقفوا عقارات للمساجد للمدارس لطلبة العلم صدقةً جارية، أوقفوها في حياتِهم قبل أنْ يموتوا، وهذا بالمئات.
هذا المال إما أنْ تصرفه أو يُسرق أو يضيع أو تُقتَل من أجلِه أو تموت قبل أنْ ينفذ أو يأتي الورثة، وحسب الورثة إما أنْ يكونوا فيهم الخير فيصرفونَه في الخير ويعملون لك صدقة جارية، أو إذا كان الإرثُ قليلًا بعض الورثة يسبون الميّت وهم يحملونَه في النعش والعياذ بالله وهذا من قسوة القلب وفسادِه بدل أنّ يترحموا عليه ويدعوا له لو كان فقيرًا ما ترك لهم المال، كيف يتلَعّنونَ عليه ويسبّونَه ويدعونَ عليه؟ هذا من جهلِهم وفسقِهم ومن ظلماتِ قلوبِهم.
وأحيانًا يدفنونَه ويأتون إلى البيت ويأكلون ويقتسمون المال وينسوك.
اعمل لقبركَ تكون تذكّرتَ نفسَك لتربَحْ في القبر وفي الآخرة
والحمد لله رب العالمين