الخميس ديسمبر 12, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” – 74

 

                           التحذير من الغفلة ومن حبّ الدنيا

قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه

قال رحمه الله مُحذِّرًا من الغفلة: بعضُ الناسِ تأسستْ محبةُ الدنيا في نفوسِهم، محبةُ الدنيا انْغَرزَتْ في نفوسِهم فيتأثرونَ بأمورِ الدنيا أما لأمورِ الدينِ لا يتأثّرون، إذا سُبَّ الله أمامَهم قد يضحكونَ للشخصِ الذي سبَّ الله.

)هنا يُنبِّهُنا الشيخُ رحمه الله ويُحذِّرُنا من الغفلة ومِن محبةِ الدنيا ومِنْ أنْ أجلِ أنْ لا ينغرِسَ وأنْ لا يُغرَزَ حبُّ الدنيا في نفوسِنا.

وهنا نُذكّر بما قالَه الإمامُ الحسنُ البِصريُّ رضي الله عنه وأرضاه، وهو من ساداتِ التابعين أخذَ العلمَ عن الصحابةِ وعن التابعين ويقالُ أيضًا أنه أخذَ عنْ عليٍّ رضي الله عنه.

هذا الإمام الحسن البصري يقول “حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة”. هذا اللفظ لم يثْبُتْ مرفوعًا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الحفّأظِ الكبار وإنْ ذُكرَ في بعضِ الكتبِ بأنه منْ كلامِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.

بعضُ الكتبِ فيها أنه مِنْ قولِ الرسول عليه الصلاة والسلام لكنْ التحقيقُ في ذلك أنه موقوفٌ على الحسنِ البصريّ رضي الله عنه وليس مرفوعًا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وهذا الكلام “حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة” ما معناه؟

معناه أنّ الدنيا إذا اسْتوْلَت على الإنسانِ وأثّرَتْ في قلبِه وتمكّنَتْ وتربَّعَتْ في قلبِ الشخص قد والعياذُ باللهِ تعالى ينجرف إلى الكفر وهذا حصلَ من بعضِ الناس، بسببِ أنّ الدنيا أكلَتْهُ واسْتَولَتْ على قلبِه وقسَى قلبُه واسْوَدَّ وأظلمَ صارَ همُّه الدنيا يريدُ أنْ يُحصِّلَ الدنيا كيف ما تمكّنَ ولو كان على حسابِ الدين والعياذُ بالله تعالى، وهذا له أمثلةٌ كثيرة.

فكم منَ الناس كفرَ بالله وتركَ الإسلامَ بسببِ الزعامة بسببِ حبِّ الرئاسة بسبب المال؟

كم من الناس كفرَ باللهِ بسببِ النساء؟ كم منَ الناس كفرَ بالله لأجلِ أنه تعلّقَ بامرأةٍ من غيرِ المسلمين فشرَطَتْ عليه أنْ يتركَ الإسلام، فتركَ الإسلام وكفرَ باللهِ عزّ وجل لأجلِ أنْ يحصلَ على هذه المرأة.

ممّا يُحكَى في هذا الأمر وفي هذه القضية ومِن هذا النوع أنّ إنسانًا –وهذا ليس من الأولياء حاشى- بعضُ السخفاء الجُهَلاء منْ أدعياءِ المشيَخة يقولون كان وليًّا، لا لم يكنْ وليًّا إنما رجلٌ كان من المسلمين رأى امرأةً نصرانية فعشِقَها وأحبَّها وتعلّقَ بها ثم طلبَها للزواج فلم يتمكّن أنْ يحصلَ عليها، فقيلَ له إنك إنْ أردتَ أنْ تحصلَ عليها لا بدَّ أنْ تتركَ دينَك، يعني أنْ تتنصّرَ تتركَ الإسلام، فقبِلَ فكفرَ ثم بعدَما كفر ذهبَ وطلبَها فلم يُوافقوا له فماتَ على الكفرِ والعياذُ باللهِ.

ويُحكى أنّ شخصًا آخَر عشق امرأةً نصرانية –هذه حادثة أخرى- وهي عشِقَتْهُ، هذا الرجل ما استطاعَ أنْ يحصلَ عليها ولا تمكّنَ منها، عند الموت قال لعنَهُ الله: أنا أحببْتُ فلانة وأنا على الإسلام وهي على غيرِ الإسلام فتركَ الإسلام وكفر ومات على الكفر، وأما تلكَ المرأة  فقبل أنْ تموت هداها اللهُ للإسلام فآمَنتْ واهتَدَتْ وأسلَمَت، ماتت مسلمةً وماتَ نصرانيًّا.

انظروا، العاقل الذكي هو الذي يثبُت على الإسلام مهما خطرَ له ومهما عُرضَ عليه منْ مناصب وزعامة وأموال ونساء وموقع قرار ونفوذ كلّ هذا لا يلتفتُ إليه ليس هو العبرة وليَتَّعِظْ بمن سبقهُ ممّن كان في هذه المناصب أو كان محصِّلًا للدنيا والنساء أينَ هم؟

ثم هذا المال ينفد ينتهي والجمال يذهب والمرأة تموت والإنسان قد يُخلَع من منصبهِ، وهذا العصرُ الحديث الذي نحنُ فيه فيه عبَر كثيرة إنْ كنا لا نريد أنْ نضربَ أمثلةً بمَنْ مضى في الأزمنةِ المُنصرِمة، بل هذا العصر كم منْ زعماء ورؤساء كانوا لزمنٍ بعيد ومديد في الرئاسة والزعامة كيف خُتِمَ لهم كيف ماتوا كيف خُلِعوا من الرئاسة والزعامة، بل إنّ منهم كيف سُجِنَ ومنهم كيف عُذِّبَ ومنهم كيف قُتِلَ ومنهم كيف حوكِمَ ومنهم مَنْ هرب ومنهم مَن اختبأ ومنهم مَنْ فُضِحَ في الدنيا، هذه الزعامات.

إذًا ما هو الأصل وما هو الأساس؟ أنْ تثبتَ على الإسلام إلى الممات لأنكَ بذلك تحصّل الجنة حيثُ النعيم المُقيم الذي لا يزولُ ولا ينفدُ تبقى في النعيم، إنْ متَّ على الإسلام ربِحتَ السعادةَ الأبدية، إن متَّ على الإسلام نجَوْتَ من الخلودِ المؤَبّدِ في النار.

بسبب الزعامة والرئاسة بسبب المال بسبب النساء كم مِنْ أناسٍ كفروا بربِّ العالمين، كم منْ أناسٍ تركوا الإسلام.

وبسبب حبِّ الدنيا كم منْ أناسٍ فسقوا وإنْ لم يصلوا إلى حدِّ الكفر لكن وقعوا في الكبائر كالذي والعياذُ بالله يزني، كالذي يريدُ أنْ يجمعَ المالَ فيسرق أو يظلم، كالذي يترك الصلاة مثلًا يصير من التجار المشاهير فيقعد في الاجتماعات والمؤتمرات ويصير مُنشغِلًا بالأسفار الكثيرة فيترك الصلوات الخمس، صار فاسقًا لأجلِ الدنيا، صار فاسقًا لأجلِ التجارة، صار فاسقًا لأجل الشركة، صار فاسقًا لأجلِ المصنع صار فاسقًا لأجلِ المؤتمرات والاجتماعات المالية، انظروا حبّ الدنيا.

كم منْ أناس بسبب تعلِّقِهم بكرة القدم مثلًا يقول أنا عندي مباريات دولية أحضرُها، فيسافر إلى حيثُ تُقام فيترك الصلوات المفروضة، هو في الأصل يصلي، قلبُه متعلق بكرة القدم يسافر مع فريق معيّن يتكلّف يدفعُ مالًا يترك عمله بلده أهله ويدفع المبالغ الباهظة لأجل السفر والفنادق والمصاريف هناك ليحضر المباراة وهو تارك صلاة الظهر العصر والمغرب إلى أنْ يرجع إلى الفندق في الليل أو أحيانًا يترك المغرب فيدخل العشاء، صار من الفاسقين، بسببِ الكرة ترك الصلاة، صار مجرِمًا ملعونًا خبيثًا، هذا الإنسان صار من الظالمين لعائنُ اللهِ تنزلُ عليه، غضبُ الله سخطُ الله حلَّ عليه، هذا الفاجر الخبيث صار مُعرِّضًا نفسَه لغضبِ الله ويُخشى عليه من سوءِ الخاتمة، هذا سببُه الغفلة، سببُه أنه أحبَّ شيئًا من أمورِ الدنيا.

يترك الفرض الصلاة التي هي عمودُ الدين التي هي أفضل أمورِ الإسلام بعد الإيمانِ باللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم.

بعض الناس يكونُ متعلّق القلب بالكزدورة والسفر وبعضُهم بأنْ يرى البلادَ البعيدة، أو أنه جاب كما يقول بعضُ الناس البلاد أو يقول أنا جلتُ العالم، هذا همُّه.

خلال هذه الأسفار الكثيرة والبعيدة والمتكررة يضيِّع الصلاة. بعض الناس في الأعراس يضيِّعونَ الصلاة، بعضُ الناس في الجنائز والتعازي يضيِّعونَ الصلاة، بعضُ الناس بما يسمى الفحص الروتيني في المستشفى يضيِّع الصلاة يكونُ دخل مثلًا لإجراء الفحوصات العامة يبقى يومًا أو يومين ثلاثة فيترك الصلاة، صار ملعونًا خبيثًا.

بعضُ الناس يكونُ موظّفًا خادم راتبُه مثلًا ثلاثمائة ألف ليرة، ستمائة ألف ليرة، تسعُمائة ألف، ثلاث ملايين، خمسة مليون، فيُضيِّع الصلوات، لو كان خادمًا عند البشر ويتقي الله لا يَعيبُه ذلك، ليس مذَمّةً ولا يُعاب عليه، أما يعمل خادمًا للناس وهو يُضيِّع فرائضَ اللهِ تعالى ويُعرِّض نفسَه لغضبِ الله لأجلِ ستمائة ألف ليرة، لأجل مليون ليرة لأجل مليون ونصف صار من الفاسقين.

لمَ لا تصلي؟ يقول الدكان من مسؤوليّتي المحل من مسؤوليّتي، ومسؤوليتك يوم القيامة وسؤالك عن الصلوات وعن الفرائض أين أنت منها أيها المُغفَّل؟؟؟ يا مَنْ أكلَتْكَ الدنيا يا مَنْ فسدَ قلبُك واسْوَدَّ يا منَ نزلَتْ عليك اللعائن بتضييعِ الفرائض بتضييعِ الصلوات.

بعض الناس في العزاء لا يعتبرون ويكونون دفنوا لتوِّهم ميِّتَهم قريبَهم أو صديقَهم، يقعد في العزاء ويضيّع الظهر والعصر والمغرب إلى أنْ يرجعَ إلى بيتِه يقول أُقضيهم كلّهم في الليل، صار ملعونًا فاسقًا، هذا الذي يكونُ مضيِّعًا للفرائض لا يؤتَمَن على وظيفة ولا على مال ولا على دجاجة، إذا كان الفرض العظيم الجليل الصلوات ضيَّعَها وأهملَها أحيانًا لأمور سخيفة، وإذا كان لأمور عظيمة ليس له أنْ يُضيِّعَ الصلوات.

هناك أحكام تتعلق بالمسافر بمَنْ يجمع ولا يقصر بمَنْ يجمع ويقصُر، هذا أبواب واسعة، أما أنْ يتركَ الصلاة هكذا بالمرة حتى لو كان مريضًا لا يتركُها، حتى لو كان في السفر لا يتركُها بالمرة لها أحكام، فكيف لأمور سخيفة خسيسة؟ بعض الأحيان يضيِّع الصلاة ويكون يلعب ورق الشدة أو يحضر التلفزيون أو يلعب أتاري أو طاولة زهر كرة القدم في الأسواق يتبضّعونَ، تكون المرأة تبرم الأسواق دكان دكان ومول مول تأتي إلى البيت تدخل المطبخ تشتغل إلى المغرب فتضيِّع الظهر والعصر، صارت ملعونةً، تقول الآن يأتي زوجي إذا كانت الطبخة غير جاهزة يعمل لي مشكلًا، وعذاب القبر وعذاب جهنم ماذا تفعلينَ به؟؟؟

إذا كنتِ خائفة من زوجِك الأولى بك أنْ تخافي من الله، اطبخي لزوجِك ونظّفي بيتَك لا مانع لكنْ حافظي على الفرائض.

القبر مواقف القيامة السؤال الحساب العذاب الجنة النار، كلّ هذه الأمور لا تخطرُ في بالكِ ولا تتذكريها؟ تخافين منْ صراخِ زوجِكِ وابنِك؟ فكّري بقبرِك، نحن نحبُّ لكِ الخيرِ والنجاة والفوز والأمن والأمان، لا تهلكي نفسَكِ بتضييعِ وقتِك وعمركِ في الأسواق والدنيا وعمل البيت وتضيّعينَ الصلاة، إن اشتغلتِ بنيةٍ حسنة لزوجِك وأولادك لك أجر ونشجّعُك على ذلك أما أنْ تضيِّعي الصلاة فأنتِ فاسقة وأنتِ لا قِبَلَ لكِ بعذابِ الله ولا طاقةَ لا لنا ولا لكِ بعذابِ الله عز وجل.

إذًا المطلوب أنْ ترحمي نفسَك وتخافي على نفسِك وتعملي لقبرِك وتنوِّري قبرَكِ قبلَ أن تموتي.

لأجلِ الدنيا يضَيِّعونَ الصلاة، هذا سببُهُ الغفلة قسوة القلب، حبُّ الدنيا انغرزَ وغُرسَ في قلوبِنا لماذا؟؟؟؟؟ فلنَنْتبِه ولنتعِظ!!!!!!!!

حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة، كلّ هذا الذي نذكرُه الآن عناوين مختلفة، هي بسببِ حبِّ الدنيا وصلَ أصحابُها إلى ما وصلوا إليه منهم إلى الكفر ومنهم إلى الفسوق والفجور.

بلعان بن باعوراء هذا الذي كان في زمنِ نبيِّ اللهِ موسى عليه الصلاة والسلام ما الذي فتَنه؟ ما الذي قلبَه وأفسَده وغيّرَهُ وما الذي جرَّهُ إلى الكفر؟؟؟؟ الدنيا، حبّ الذهب حبُّ المال أفسَدَه أوصلَه إلى الكفر.

هذا الرجل بَلعان بن باعوراء لم يكنْ وصلَ إلى الولاية إنما كان عنده علم ببعضِ الأشياء وكان يعرف مفتاح الدعاء باسمِ الله الأعظم، وكان يدعو به فيتحقق له بعض الأمور التي يدعو بها وهذا لا يدلُّ على أنه صار وليًّا يعني ليس شرطًا لأنّ الإنسان قد يكون من الفاسقين فيدعو فيتحقق له ما دعا به وما طلب.

هذا الرجل شُهِرَ بهذا الأمر، جاء إليه الكفار من بني إسرائيل وقالوا له نُعطيك كثيرًا من الذهب، القطع الذهبية الكبيرة ووعدوه إنْ فعل يُعطونَه أكثر من ذلك، لكن طلبوا منه الكفر، طلبوا منه أنْ يدعوَ على نبيِّ الله موسى عليه الصلاة والسلام، والدعاء على النبيِّ كفر، قال لهم في الأول ويَلكم وكيف أدعو على نبيِّ الله؟ في أولِ الأمر لم يرضَ معهم.

حاولوا ما استطاعوا ثم جاءوه من طريقِ زوجتِه – يعني عدنا لقضيةِ النساء، مال ودنيا وذهب ونساء- ذهبوا إليها وأغرَوْها بالذهب الكثير هي انْفَتَنَت، قالت اتركوهُ لي، صارت هي تشتغل عليه حتى وافقَها فكفر بعدما كان يدعو باسمِ اللهِ الأعظم فيتحقق له ما يريد كفرَ بالله.

ثم تواعَدوا أنْ يخرجوا للدعاء، جاء موسى عليه الصلاة والسلام ومَنْ معه وجاء بلعان مع هؤلاء الكفار ثم أرادَ أنْ يدعوَ على موسى فلمّا بدأ انقلبَ لسانُهُ فصارَ يدعو على نفسِه وعلى مَنْ معه، يقولون له ويْلَك ماذا تفعل؟ يقول لساني، هو لا يستطيع أنْ يتحكم بلسانِه يريد أنْ يدعوَ على موسى فينقلب لسانُه فيدعو عليهم، كفرَ بالله العظيم بعدَما كان في هذا الخير وهذه النعمة وهو لم يكن وليًّا.

الرسولُ عليه الصلاة والسلام قال [إنّ لكلِّ أمةٍ فتنة وفتنةُ أمتيَ المال]

ثم في حديثٍ آخر قال عليه الصلاة والسلام [لو أنّ لابنِ آدمَ واديًا منْ ذهب  لتمنّى الثاني ولا يملأ فاه ابن آدم إلا التراب ويتوبُ اللهُ على مَنْ تاب] وهذا الحديث ينقلب على معظم وأغلب الناس، أما الأنبياء والأولياء لا يدخلونَ في هذا لأنّهم قلوبَهم ليست متعلقة بالدنيا والدنيا لم تستولِ على قلوبِهم وقلوبُهم ليست قاسية إنما مَن كان من الأنبياء أو الأولياء ممّن هم من الأغنياء إنما يكون المال في أيديهم ولا يصل إلى قلوبِهم يعني يصرِفونَه في وجوهِ البرِّ والخير ولا يصرفونَه في الشر ولا في المعاصي ولا في المنكرات حاشى.

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سئلَ غنمًا بين جبليْن، تخيّلوا كثرة الغنم هذا بين جبليْن، جاءه رجل طلبَ هذا الغنم فأعطاهُ فساقَهُ ومشى ثم دخلَ في الإسلام لِما رأى من أخلاقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسَعة كرمِه العظيم، ثم قال لقومِه أسلِموا فإنَّ محمدًا يعطي عطاءَ مَنْ لا يخشى الفقر.

وهذا نبيُّ اللهِ أيوب عليه الصلاة والسلام كان غنيًّا في بعضِ الأوقاتِ كان له ضيَاعٌ بأكملِها وله بساتين ومزارع وغلّة كبيرة له بيادر من الحنطة والشعير، كان يُنفقُها في سبيلِ الله في إدخالِ الناسِ في الإسلام ويعطي الفقراء والأيتام والأرامل طلبةَ العلم ابنِ السبيل، يعطي كلّ محتاج وهو يعيشُ عيشةَ الزهد، هذا حالُ الأنبياء.

سليمان عليه السلام الذي أعطاه الله كما هو دعا ملكًا لا ينبغي لأحدٍ منْ بعدِه، كان مع ذلك يأكل خبز الشعير اليابس يغمِسُهُ في اللبن الحامض ويأكلُه، يعيشونَ عيشةَ الزهد.

فهذا الحديث [لو أنّ لابنِ آدمَ واديًا مِنْ ذهب لتَمَنّى الثاني ولا يملأ فاه ابن آدم إلا التراب] هذا لا يدخل فيه الأنبياء ولا ينطبق عليهم ولا على الأولياء.

هذا الرجل في طريق النساء والذهب والمال كفر وانقلَب، هذا حبّ الدنيا التي هي متاعُ الغرور. {قل متاعُ الدنيا قليل}[النساء/٧٧] هكذا قال ربُّنا في القرآن.

لأجل هذا القليل الحقير بعضُ الناس يتركونَ الإسلام يكفرونَ بالله فيخسَرونَ النعيم الكثير والعظيم والكبير والباقي والمستمر والذي لا ينقطع إلى أبدِ الآبِدينَ في الجنة.

حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة. وقد قال عليه الصلاة والسلام [ما قلّ وكفى خيرٌ ممّا كثُرَ والْهَى] قارون كم كان له من الأموال؟ وإلى اليوم يُضرَبُ به المثَل لكَثرةِ مالِه وكان في أولِ أمرِه مسلمًا وهو قريبُ موسى عليه الصلاة والسلام. موسى كان ابنُ عمِّه كما قال بعضُ علماءِ التفسير، وهذا قارون كان له بيوت مليئةً بالذهب واللآلىء واليواقيت والجواهر.

تخيّلوا كان يزَيِّنُ بغلَتَه الشهباء باللآلىء الكبيرة، مفاتيح خزائن قارون حِمل أربعين بغل، وهذه الخزائن ليست هذه الخزائن الحديدية الصغيرة التي نعرفُها لا، خزائن بيوت مليئة.

لما نزل فرضية الزكاة هذا قارون حسب فطلعَ الشىء الذي يخرجُهُ كثيرًا بنظرِه مع أنه بالنسبةِ لسَعة مالِه كلا شىء، لو كان ربعُ المال بالنسبةِ لكثرةِ مالِه كلا شىء، وكان في بعضِ الشرائع السابقة القدْر المُخرَج زكاةً عن المال الربع وهذا كثير أما في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم قليل جدًّا اثنان ونصف بالمائة، يعني مليونَ ليرة يدفع عليها خمس وعشرون ألف ليرة، شىء قليل.

قارون حسب كم عندَه أموال بيوت مليئة فطلع بنظرِه كثير فثَقُلَتْ نفسُهُ الخبيثة بخلَت وشحَّت ورفضَت أنْ تخرِجَ الزكاة ماذا فعل قارون؟

جمع حاشيَته والمقرّبونَ منه ومَن يدفع  لهم قال لهم والعياذ بالله إنّ موسى أمرَكم ونهاكم فاطَعْتُموه في كلِّ شىء وها هو اليوم يريد أنْ يأكلَ أموالَكم، فكفر، لأنّ النبيّ لا يفعل ذلك والأنبياء أُمَناء على الدين فكيف الأموال؟

أشدّ خلقِ اللهِ أمانةً هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

قارون اتّهم موسى بالخيانة فكفر، قالوا له مُرْنا بما تريد، قال اذهبوا إلى فلانة سمّى لهم امرأةً في ذلك العصر كانت تتعاطى البَغاء زانيةً باغية، فقال أعطوها طسطًا من ذهب مليئًا بالذهب لهذه المرأة التي تتعاطى بالبَغاء، وقولوا لها إنْ فعلتِ نُعطيكِ أكثر من ذلك، يريدونَ منها أنْ تكفرَ معهم بأنْ تتهمَ موسى بالزنى.

فذهبوا إليها وذهب قارون إلى موسى بدأ يحشد الناس فحشدهم وجمعَهم ثم جاء إلى موسى وقال له يا موسى إنّ الناسَ ينتظرونَك فاخرجْ إليهم، موسى عليه السلام ينشر الدين والهدى ويعلّم، خرجَ موسى بدأ يتكلم في الناس يُرشد ويبيِّن ويعلم وينصح ويحذِّر وينبِّه إلى أنْ قال “ومَنْ زنى وكان مُحصَنًا أقَمْنا عليه الحدّ –رجَمْناه-“

وتذكّروا أنّ موسى نبي رسول معصوم عليه الصلاة والسلام وحاشى لأنبياء الله، الصغيرة التي فيها خِسّة ودناءة كنظرة محرّمة لا تجوز عليهم لا قبلَ النبوة ولا بعدَها، كلمة بذيئة لا تحصلُ منه لا قبلَ النبوة ولا بعدَها، سرقةِ حبةِ عنب لا يحصلُ منهم فكيف بما هو أكبر من ذلك؟ هذا مستحيل عليهم لا يجوزُ عليهم لا قبلَ النبوةِ ولا بعدَها عليهم الصلاة والسلام.

قال قارون حتى ولو كنتَ  أنتَ يا موسى؟ ازداد في الكفر، كان في الأول مسلمًا، عندما اتّهم موسى بالخيانة كفر وهنا ازداد كفرًا لأنه طعن فيه وبعصمتِه وقذفَه بالزنى وعندما أرسل إلى تلك المرأة سيبيرتا الباغية أنْ تقول أنّ موسى زنى بها هذا أيضًا زيادة في الكفر، موسى عليه الصلاة والسلام غضبَ قال أعوذُ باللهِ منك إنّي لا أفعلُ الفواحش.

غضبَ عليه السلام لأنه نبيٌّ رسولٌ معصوم وقولُ قارون كفر فغضبَ موسى. ثم قال قارون إنْ سيبيرتا تزعُم أنك فعلتَ بها كيْتَ وكيْتَ، وحاشى، قال لها قارون قومي، فقال موسى عليه الصلاة والسلام لها “أستحلفُكِ بالذي أنزلَ التوراةَ وفلقَ البحر أأنا فعلتُ ما يزعمون؟ فتدارَكَتْها رحمةُ الله فتابت وندِمَت وأنابَت ورجَعت وقالت لا إنما قارون طلب مني هذا وأرسلَ لي الذهب، فبرّأَت موسى وظهر صدقُ موسى الصادق الظاهر، صدقُه ظاهر لكنْ ازداد ظهورًا وظهر كذب قارون الكافر.

سجد موسى شكرًا لله تعالى فأوْحَى اللهُ إليه أنْ مُر الأرضَ فيهم  فإنها مطيعةٌ لك، يعني الأرض تطيعُك، فقال موسى”يا أرضُ خُذيهم” فاضطرَبَت الأرضُ واهتزّت، فقال موسى عليه السلام “يا أرضُ خذيهم” زاد اضطرابُها، ثم قال الثالثة وجعلت الأرض تنشق وخزائن وأموال قارون تضطرب وتأتي بقدرةِ الله كالتلال، وجعلت الأرض تبتلع قارون ومَنْ معه وتلك الأموال الكثيرة، وقارون يقول يا موسى ارحمني يا موسى ارحمني، وموسى يقول يا أرضُ خذيهِم.

انظروا إلى الانتقام في الدنيا قبل الآخرة من أعداء الأنبياء الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه بسبب الدنيا وحبّ الدنيا وحب المال والغفلة التي أكلت القلب واستوْلَت عليه.

إذا اسودّ القلب وقسى وعميَ بحب الدنيا قد يصل إلى ما ذكرتُ لكم من هذه الأمثلة إنْ كان إلى حدّ الكفر أو إلى ما هو دون ذلك والعياذ بالله تعالى.

ربُّنا عز وجل يقول في سورة القصص {فخسَفْنا به وبدارِه الأرض}[القصص/٨١] أين قارون وأين أموال قارون وأين خزائن وكنوز قارون؟

انظروا إلى حب الدنيا إذا استولت على القلب إذا قسى القلب وقسى وتربّعتْ فيه الدنيا وانغرزَت محبة الدنيا في القلب واستوْلَت عليه ما الذي يصير والعياذُ بالله تعالى(

 

قال رضي الله عنه: تأسست محبةُ الدنيا في نفوسِهم محبةُ الدنيا انغرزَت في نفوسِهم فيتأثرونَ بأمورِ الدنيا.

)يعني إذا واحد تعرّضَ لتجارتِهم لمصانِعم لشركاتِهم لسياراتِهم لسُمعةِ بناتِهم وزوجاتِهم أو تكلّم بما فيه طعنٌ فيهم بأمورِ الدنيا تروْنَهم يغضبون ويثورون وربما بعضُهم انفجر وعيّن القضاة وربما استأجر ما يسمى هيئة المُحلَّفين للدفاع عنه لأجل الدنيا، يضع عشرين محام ليدافعوا له عن مصنعِه وشركتِه وبضاعتِه ومنتوجاتِه وسمعتِه وسمعة زوجته وابنتِه وابنِه، يعملون محاكم دولية يثورون يعملون مظاهرات يطلعون في الفضائيات ويقلّبونَ الناس ويحرّضونَ المجتمعات، كل هذا لأجلِ سمعتِهم.

أما لأجلِ الدين لا يتأثرون لا يتحركون كأنّهم صخور لا إحساس ولا شعورَ لها بل في قضايا الدنيا ربما وصلوا إلى حد القتل، أما لأجل الدين كأنه حائط لا يتأثر لا يغضب لا يتكلم لا يعترض لا يُنكر لا يببيِّن لا يحذّر(

 

قال الشيخ رحمه الله: أما لأمور الدين لا يتأثرون إذا سُبَّ الله أمامهم قد يضحكونَ للشخص الذي سبَّ الله.

)بعض الناس في الفضائيات وفي التمثيليات والأفلام والمسلسلات والمحاضرات والمؤتمرات إذا تكلّم بكفر بعض الناس يضحكون له ويصفّقونَ له بل ربما قام مَنْ في القاعة فرحًا به وهو قد مر في كلمتِه يمكن عشر كفريات، وربما أثناء كلمة الكفر يصفقون له وهذا التصفيق للكفر كفر لمَن انتبه أنه قال الكفر ففرح أو رضي أو وافق أو شجّعَ أو صفّقَ له هذا رضي بالكفر واسْتحسنَه.

وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول “الرضا بالكفر كفر” يعني إنْ كان رضيَ بالكفرِ منْ نفسِه أو رضيَه منْ غيرِه، يعني بالإطلاق الرضا بالكفر كفر.

اللهُ يقول و{ولا يرضى لعبادِه الكفر} ]الزمر/٧]

بعض الناس اليوم في المؤتمرات والمحافل الدولية يطلع واحد يدعو إلى هدم الدين والإسلام يدعو إلى مسبةِ الله فيصَفّقون له ويُعرِبونَ عن فرحِهم وسرورِهم ورضاهم، هذا مِنْ عمى القلوب من مسخِ القلوب، الكثير من القلوب مُسِخَت واسودَّت وتعفَّنَت وأنْتَنَت، الكثير من القلوب صارت كأنها والعياذ بالله مَرْتَعًا لإبليس صارت كأنها مقرًّا لفرحةِ إبليس كأنه عشعشَ فيها وباض وفرّخ لأنهم صاروا دعاةً للكفر وهو يفرحُ بهم، هذا من باب التشبيه.

الرضا بالكفر كفر، بعض الناس اليوم يكفر يطلع واحد والعياذ بالله يقول له أحسنت أحسنت، أو يصفّق له أو يفرحُ له، هذا كفر بالله والعياذ بالله تعالى.

أين الذين يَجهرونَ اليوم بقولِ الحق؟ أين الذين يَنْهَونَ عن مسبةِ الله؟ أين الذين يَنْهَوْنَ عن مسبةِ الأنبياء والإسلام والقرآن؟ أين الذين يَنهَوْنَ عن إباحةِ الكفر؟

كثير من الناس اليوم صاروا في الفضائيات يدعُونَ إلى إباحةِ الكفر مثل هذا علي الكيالي المقيم في الإمارات الحلبي الذي يقول: الله ما قال في القرآن أيها المسلمون قال أيها المؤمنون، قال ما في مجتمع مسلمين من 1400 سنة لليوم في مؤمنين، يعني اليهودي  والسيخي والهندوسي والنصراني والمرتد والمشرك وعابد النعلم وعابد الكلب وعابد القرد وعابد فرج المرأة وعابد ذَكر الرجل وعابد النار كلٌّ عنده مؤمنين.

الله قال في القرآن {إنّ الدينَ عند اللهِ الإسلام}[آل عمران/١٩]

ماذا يقول هذا الكذاب الأشر الذي يُبيح الكفر ويدعو إلى هدم الدين والإسلام ويعتبر كل مَنْ على وجهِ الأرض مِنْ أهلِ الزندقة والشرك والكفر والأديان الباطلة الفاسدة يعتبرهم مؤمنين إخوانهُ، هؤلاء إخوانه هو أما المؤمنون المسلمون كما قال الله {إنما المؤمنونَ إخوة}[الحجرات/١٠] الله يقول {ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دينًا}[المائدة/٣] اللهُ يقول {ومَنْ يبتغِ غيرَ الإسلامِ دينًا فلنْ يُقبَلَ منه وهو في الآخرةِ من الخاسرين}[آل عمران/٨٥]

أفِق أيها الأحمق أيها المغفل أيها الأصيلع أيها الداعي إلى الكفر، تحسّن الكفر للناس لأجلِ أنْ يرضى عنك الكفار؟ اللهُ يقول {وَمَنْ يبتغِ غيرَ الإسلامِ دينًا فلن يُقبلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين}[آل عمران/٨٥] أجبْ عن هذه الآية أيها الجوَيهل أيها المُتَهَتّك يا مَنْ لا تستحي من الله ولا منَ الأنبياء، أيها الإنسان الداعي إلى جهنم اسمعْ لقولِ الله {إنه مَنْ يُشركْ بالله فقد حرّمَ اللهُ عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمينَ مِنْ أنصار}[المائدة/٧٢]الله يقول {ولو ءامنَ أهلُ الكتابِ لكانَ خيرًا لهم}[آل عمران/١١٠]

الله قال  {وما أوتيَ النبيّونَ منْ ربِّهم لا نفرِّقُ بين أحدٍ منهم ونحنُ له مسلمون}[البقرة/١٣٦] هذه الآيات وهذا القرآن، مَن يرد على مثلِ هؤلاء الأقزام الذين يُبيحونَ الكفرَ ويدْعونَ الناسَ إلى جهنم؟

مَن الذي يغضب ويثور في الدنيا ويُنكر المنكرات؟ قلةٌ قليلة، لا نقول لا يوجد لكنْ نُدرةٌ قليلة، لا يغضبونَ لمسبةِ الله إنما يثورون ويعملون مظاهرات ومؤتمرات ومحاكم دولية، أما لأجلِ مسبةِ الله والإسلام وتكذيبِ الأنبياء والقرآن لا يتحركون لماذا؟ مؤامرة على الإسلام، لماذا؟ قلوبُهم ماتت قلوبُهم مُسِخَت.

جهنم لها أهلها على كلّ حال الله هو الهادي مهما صرخْنا بالحق لنْ يهتديَ إلا مَنْ شاء اللهُ لهم الاهتداء، اللهُ يقول {لَأمْلَأنَّ جهنمَ منَ الجنّةِ والناسِ أجمعين}[السجدة/١٣]

أنتم أيها والأخوات كونوا غَيارى على دينِ الله لا تتأثروا بما يُرَوَّج له اليوم دوليًّا منْ إباحةِ الكفر ومحاربةِ الإسلام قولوا الحقّ واجهَروا به أينما كنتم، الإنسانُ سيموتُ مرةً واحدة في هذه الدنيا، ثم إذا انقلبَ إلى الجنة ماذا يريد بعد ذلك؟ تفٍّ على هذه الدنيا وعلى مَنْ يريدُنا أنْ نكفرَ لأجلِها.

تفٍّ عليها وعليهم.

فإذًا إنّ الدينَ عند اللهِ الإسلام، اجْهروا بقولِ الحقّ عظِّموا دينَكم  عظّموا الإسلام عظِّموا القرآن عظِّموا الأنبياء حذّروا من الكفر وبيِّنوا للناس أنّ مَنْ وقعَ في الكفر لا يرجع للإسلام بقولِ أستغفر الله إنما يرجُع للإسلام بالشهادتين لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله

والحمد لله ربِّ العالمين