مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -140
لا تُهلك نفسك وأولادك بالمال الحرام
قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمدٍ طه النبي الأمي الأمين العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه ومَن والاه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ ولا زوجةَ ولا ولد له ولا شبيه ولا مثيلَ له ولا جسمَ ولا حجمَ ولا جسد ولا جثةَ له ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا كيفية ولا كميةَ له ولا أين ولا جهةَ ولا حيّزَ ولا مكان له
كان الله ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان فلا تضربوا لله الأمثال ولله المثل الأعلى تنزّه ربي عن الجلوس والقعود وعن الحركة والسكون وعن الاتصال والانفصال لا يحُلُّ فيه شىء ولا ينحلُّ منه شىء ولا يحلُّ هو في شىء لأنه ليس كمثلِه شىء
مهما تصورتَ ببالك فاللهُ لا يشبه ذلك ومن وصف الله بمعنًى من معاني البشر فقد كفر
وأشهد أنّ حبيبَنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه وخليله صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبارك وعظّم وعلى جميعِ إخوانِه من النبيين والمرسلين وآل كلٍّ وصحبِ كلٍّ وسائر الأولياء والصالحين ورضي الله عن أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليّ وعن بقية العشرة وعن أمهاتِ المؤمنين التقياتُ النقياتُ الطاهراتُ المُبَرّآت الصفِيّاتُ الوليّات ورضي الله عن كل الأولياء والأتقياء والصالحين
أما بعد إخواني وأخواتي في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أذكركم وأذكر نفسي بإخلاص النية لله تعالى في حضور مجلس العلم وبنيةِ أنْ تُقَوّوا الدعوةَ وتُقَوّوا المسلمين في إيصالِ العلم إليهم بنيةِ نشر العلم بنيةِ تمكين الناس بعلم الدين ، بنيةِ توسعةِ رقعةِ انتشار العلم ، أذكركم بهذه النية الحسنة وبدعوةِ الناسِ إلى مجلس العلم وبإدخال الناس إلى مجلس العلم
أذكركم وأذكر نفسي بأنْ نعملَ على نشر الدين ونشر العلم ما استطعنا إلى أنْ نموت
كما وأني أذكركم في هذه الليلة المباركة بالإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلصين لله عز وجل
وأذكركم بالدعاء لأنفسكم وللمسلمين والمسلمات برفع البلاء بتفريج الكربات بتيسير الأمور بالسلامة والنجاة بردِّ شرِّ الأشرار ، أذكركم بالدعاء بحسن الختام برؤية النبي صلى الله عليه وسلم وبدخول الجنة بلا سابق عذاب.
نحن كنا في الدرس الأخير شرحنا هذه العبارة ” الرزقُ مقسوم ، الرزقُ على حسب ما كتبه اللهُ في اللوح المحفوظ مهما تعلّمَ من علومِ الدنيا لا يأتيه إلا ما كتبه الله “
الآن للذين معهم الكتاب ويُتابعونَ فيه يوجد قصة هنا يحكيها الشيخ رضي الله عنه عن شخص نتجاوز هذه القصة لأننا لا نريد أنْ نتكلم هذه القصة لعل أولاد هذا الرجل ينزعجون أو أهلُه لا يقبلون أو ما شابه وهي أسطر سنصل إلى عبارةٍ بعد هذه القصة وهي قولُه رحمه الله رحمة واسعة
“الرزقُ ليس مُقَيَّدًا بالدراسة بل يوجدُ مَن معه شهادتان أو ثلاثُ شهاداتٍ ولا يجدونَ عملًا المطلوبُ من الإنسان أنْ يتّقي اللهَ بأداء الواجبات واجتناب المحرّمات ، لا بد أنْ يصل الرزق الذي كتَبه الله”
إذًا هنا ننبِّه أنّ الشهادات ليست هي التي تأتي بالأرزاق وذكرْنا في الدرس السابق أمثلةً عن الحمّال وذكرنا أمثلةً عن المرأة الأرملة كم يأتيها من ترِكة وأكثر من سبعين طبيب ودكتور لا يحصّلون ربع ما معها من الرزق
فالحاصل الرزقُ مقسوم ليست الشهادات هي التي تأتي بالأرزاق ، كم من طبيب أو مهندس الآن يقعد بلا عمل وبعض الناس الذين لا درسوا ولا يحملون الشهادات يعملون في الليل والنهار بنَوا بيتًا لأنفسهم لأولادهم لأهلِهم ثم فتحوا مؤسسات وتجارة في لبنان وفي الخارج وهم لا دخلوا المدارس ولا يحملون الشهادات.
ثم الإنسان عليه أنْ يتّقيَ الله تعالى ، فإذا اتّقى اللهَ عز وجل عرف كيف يطلب الحلال وكيف يسعى في تحصيل الحلال وعرف كيف يجتنب الحرام ، ثم الرزق سيأتي
وقلنا في الدرس السابق الإنسان يأخذ في الأسباب ويسعى لا يترك الأخذ بالأسباب لا سيما الذي عنده نفقة واجبة ، فالإنسان إذا أدّى الواجبات واجتنب المحرمات سلِمَ دينُه ، إذا أدى الواجبات واجتنبَ المحرمات نجا ، إذا اجتنب المحرمات وأدى الفرائض التزمَ شريعة الله باطنًا وظاهرًا كان على خيرٍ عظيم ، كان من ملوك الآخرة إنْ مات على ذلك ولو مات فقيرًا في الدنيا .
فالعبرةُ يا إخواني ويا أخواتي بالغنى؟ ليست العبرةُ بالغنى ، العبرة بالتقوى وبالقناعة .
أليس ورد في الحديث “ليس الغنى عن كثرةِ العرَض وإنما الغنى غنى النفس” هكذا ورد في الحديث “الدنيا حلوةٌ خضِرة ” هكذا ورد أيضًا في الحديث
“نعم المال الصالح للرجل الصالح “
فالإنسان إذا طلب الرزق من حلال وسعى بالحلال وعمل بالحلال لا حرج عليه المهم أن يتقيَ الله تعالى ، لا يعمل ما يعملُه بعض الفسَقة والفجَرة يقولون نحن نتسابق مع التجار فيميلون إلى الحرام ويعملون في المنكرات في الموبقات في المُفسِّقات في المهلكات ، هؤلاء أهلكوا أنفسَهم ولو صاروا من أغنى أغنياء أهل الأرض لأنّ هذا المال الذي جمعوه بالحرام يكونُ وبالًا عليهم في الآخرة وهلاكًا عليهم في قبورِهم وفي آخرتِهم
أما مَن اتّقى اللهَ تعالى سيأتيه الرزق ، هو يعمل بالحلال يسعى بالحلال لو صار من كبار الأغنياء ما عليه حرج لأنه يعمل بالحلال ، ثم إنْ مات ولم يصل إلى درجة الأغنياء في المال فهو من ملوك الآخرة ، هذا الذي مات تقيًّا ماذا يريد بعد ذلك ؟ أليس الله عز وجل يقول في القرآن الكريم { يومَ نحشرُ المتّقينَ إلى الرحمنِ وفدًا }[مريم/٨٥] أيُّ سعادةٍ وهناء وفرح وسرور وبشائر للأتقياء؟
فالمهم أنْ يتقي الله ، وعندما نقول يتقي الله يؤدي الواجبات يجتنب المحرمات هذا يُحتاج فيه للعلم ، من غيرِ علم الإنسان لن يصيرَ تقيًّا ، بغير علم لا يعرف كيف يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات إنما بالعلم إذا طبّق وعملَ يصيرُ تقيًّا
الرسول عليه الصلاة والسلام قال ” طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم ”
اليوم الكثير من الناس هِمَمُهم في الدنيا وفي طلب المال وتكثير المال في تحصيل شهادات الدنيا أما في طلب الآخرة فهِمَمُهم ماتت إلا القليل ، هؤلاء الذين أعرضوا عن علم الدين هالكون خسروا خسارةً كبيرة ، والذين أقبلوا إلى علم الشريعة والدين مخلصين وطبّقوا وعملوا ربحوا الدنيا والآخرة ، أنتم لا تنظروا إلى هؤلاء الذين أعرضوا عن علم الدين ، هؤلاء لا عبرةَ بهم ليسوا هم القدوة لكم فلا تنظروا إليهم ولا تعتبروهم لأنّ طريقَهم هلاك ويوصلُكم إلى النار إذا تبِعتُموهم في هذا الطريق. إنما ينبغي أنْ تنظروا إلى الذين أرادوا الآخرة وعملوا لها وسعَوا سعَيها واشتغلوا في الليل والنهار بتحصيل العلم والعمل والتطبيق قبل أنْ يموتوا ، هؤلاء يُقتَدى بهم ، هؤلاء يُعمَل بسيرتِهم لأنهم أتقياء تعلّموا وعمِلوا طبّقوا .
لذلك انظروا إلى الأتقياء إلى الأولياء لا تنظروا إلى الناس كيف يتوسّعون في أمور الدنيا بالحرام ، هؤلاء لا يستحقون أنْ يُنظَرَ إليهم بل هؤلاء مَن قلَّدهم واتّبعَهم يكونُ معهم من الهالكين
اليوم انظروا أكثر التجار فجار كما ورد في الحديث ، أليس قال الرسول صلى الله عليه وسلم ” التجار فجار إلا مَن اتّقى اللهَ وبرَّ وصدقَ ” فإذًا هذا الناجي الذي يتقي الله ، أما البقية الذين يُكثّرون الأموال بالحرام ويأتون بالحرام ويحلفونَ باللهِ كذبًا ويبيعونَ الأشياء المحرمة والفاسدة هؤلاء أهلكوا أنفسَهم لو صاروا من أصحاب المليارات ، هؤلاء لا عبرة بهم .
لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي يحذّرنا فيه من أكل الحرام ” كلُّ جسدٍ نبتَ مِن حرام فالنارُ أوْلى به ” ” كلُّ لجمٍ نبتَ من سُحت فالنارُ أوْلى به ”
لذلك يا إخواني انظروا اليوم في حال أكثر الأغنياء حالُهم غيرُ مرضٍ لا يُرضي اللهَ عز وجل بعضُهم يتجر في المخدرات بعضُهم يتجر في الخمور بعضهم يتجر في أمور والعياذ بالله تعود بالخراب والدمار والفساد والذين يروِّجون المنكرات ، هؤلاء لو جمعوا مئات الملايين من الليرات الذهبية هم في هلاك وفي خسران ، لو جمعوا جبالًا من ذهب لكنْ بالحرام أهلكوا أنفسَهم .
أليس الله عز وجل يقول في القرآن الكريم {وقِفوهم إنهم مسئولون}[الصافات/٢٤] إذًا يوجد قيامة وآخرة ويوجد سؤال يوجد حساب وعذاب وصراط وجنة ونار ويوجد عرض الأعمال والصحف ، أليس الله عز وجل يقول في القرآن الكرم {فوربِّكَ لنسألَنّهم أجمعين* عمّا كانوا يعملون}[النحل/٩٢-٩٣]؟
اليوم بعض الأغنياء من التجار أو أصحاب الثروات يعرفون الفقراء الذين يهلِكون من الجوع والهلاك والعُري ولا يساعدونهم ، هؤلاء أهلكوا أنفسهم ، ليس فقط الزكاة بل قبل أن يحولَ الحَول إذا علِمَ الغني والميسور والتاجر والأغنياء علموا بهؤلاء الفقراء الذين هم في ضائقةٍ شديدةٍ في اضطرار بحيثُ إن لم يُعمَل على إنقاذِهم يهلِكون يضيعون ومع ذلك ترك هؤلاء الأغنياء إنقاذَهم مع علمِهم بحالِهم صار هذا الغنيُّ فاسقًا ، ماله ماذا يفعل له إذا نزل في القبر وهو فاسق ؟
إذا جاء يوم القيامة وهو فاسق وترك ملايين في الدنيا خلف ظهرِه ومشى ماذا تعمل له هذه الملايين ؟
إذًا الأغنياء ليس عليهم أنْ يدفعوا الزكاة فقط ، الزكاة وأيضًا إنقاذ المضطرين قبل أنْ يحولَ الحَول ولا ينتظر الحَول بل ربُّنا عز وجل قال في القرآن { والذين في أموالِهم حقٌّ معلوم* للسآئل والمحروم }[المعارج/٢٤-٢٥] الأغنياء الذين لا يعملون بما فرض اللهُ عليهم أهلكوا أنفسَهم وهذا المالُ يكونُ وبالًا عليهم في الآخرة ، يكونُ حسرةً ونقمةً عليهم ونكدًا وهمًّا عليهم .
فلا تفرح أيها الغني التارك للواجبات ولا تفرح أيها التاجر المضيِّع للفرائض الزكوات وغيرها ، ليس الزكاة فقط ، بل بعض الأغنياء الزكاة لا يدفعُها ، وإنْ دفعَ يدفع أقل مما يجب عليه أو يعطيها لمَن لا يُجزئ ذمّتُه لا تبرأ وتبقى في ذمته ويُطالَب بها يوم القيامة .
كم وكم من الناس ضيّعوا العمل بهذه الآية { وأقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاة}[البقرة/١١٠] هذا أمر من الله عز وجل ، والذي له مال ذهب وفضة وغنم وبقر وإبل وكان لا يزكيها اللهُ يعيدُها يوم القيامة ، الذهب والفضة تصير كالألواح الصحائف ويُحمى عليها في نار جهنم فتُكوى بها جباهُهم وجنوبُهم وظهورُهم ، ماذا يعمل هذا الغني هذا التاجر هذا الثري هذا الذي يقال أغنى أغنياء البلد ، أغنى أغنياء تجار البلد ؟ إذا جاء يوم القيامة وهذا الذهب الذي خزنه وكان يَخبَؤُه وصار صحائف وحُمِيَ عليها في نار جهنم {يومَ يُحمى عليها في نار جهنم}[التوبة/٣٥] كما في سورة التوبة ، ثم ماذا يصير ؟ هذه الصحائف التي هي الذهب والفضة التي كان لا يزكيها في الدنيا تصير في جهنم ألواحًا وتُحمّى ثم تُكوى بها جباهُهم وجنوبُهم وظهورُهم ، ماذا ستفعل أيها التاجر أيها الغني أيها الثري أيها الميسور يا صاحب العقارات يا صاحب المليارات يا صاحبَ الأراضي يا صاحب الأبنية يا صاحب التجارات؟ ماذا ستفعل ؟
أما الغنم والبقر والإبل يُعيدُها اللهُ عز وجل ثم تأتي بقوائِمها وحوافرِها تضربُه هذا الذي كان يملِكُها في الدنيا ولا يزَكّيها ، تضربُه بقوائِمها وبحوافرِها إذلالًا لها وإهانةً له بين الخلائق يوم القيامة وهذا جزء من عذابه ليس كلَّ العذاب ، يستحق أنْ يدخلَ بعد ذلك إلى جهنم ويُعذَّبَ فيها .
وهنا لا نتكلم عن الكافر ، الكافر عذابُه أشد وأشد نحن نتكلم عن المسلم قلنا وجبَت عليه الزكاة ، مَن الذي يُخرج الزكاة ؟ المسلم ، أما الكافر الغني هذا لا يؤدي الزكاة وهو كافر إنما يُسلم وإذا حصلت الشروط يُخرج الزكاة بعدما يُسلم وبعد حصول الشروط ، أما الآن كلامُنا عن المسلم الذي لا يزكي عن الغني والتاجر عن المقاول وصاحب الثروات هذا الذي لا يزكي أو هذا الذي يدفع أقل مما وجب عليه هذا الذي يعطي مَن لا يُجزئ ولا يكفي هذا الذي تبقى في ذمتِه ، هذا الذي تبقى ذمتُه مشغولةً بهذه الزكوات عن هذا نتكلم ، انظروا الذهب والفضة ماذا يصير له بسببها يوم القيامة ، والإبل والبقر والغنم كيف تأتي بين الخلائق تضربهُ بحوافرِها بقوائمِها عندما يرتفع الإبل ثم ينزل عليه والبقر وهكذا ، ماذا يصير فيه من الإذلال والإهانة والحسرة والنكد بين الخلائق مع العذاب ثم يستحق أن يُعذَّبَ في جهنم أيضًا .
إذًا على أيِّ شىءٍ تجمع وتمنع الفرائض ؟ تجمع وتمنع الواجبات ؟ تجمع الأموال والملايين والمليارات والثروات ثم تموت وتتركها ، لمَن ؟ لمن قد يأتي فيصرفُها بعدَك ولا يتصدق عنك بفلس واحد ، قد يأتي أولادك ويكونون فسَقة فيستخدمونَ هذه التركة في الخمور في الزنا في العربدة في القمار في الظلم في التكبر على عباد الله والانتفاخ ، يصرفون هنا وهناك للتكبر ، ماذا تكون عملتَ ؟ ضيّعتَ عمركَ وأنت تجمع ولم تؤدِّ الواجبات لم تؤدِّ الفرائض ووقعتَ في المحرمات متَّ بلا توبة تاركًا للفرائض تاركًا كل هذه الملايين وراءك والأموال والعقارات والأراضي والأبنية ، ماذا تكون عملتَ أيها المغفل أيها الغني الأحمق والثريّ المغفل ، أيها التاجر أيها الزعيم أيها الرئيس أيها النائب أيها الوزير أيها القائد أيها السياسي ، صاحب الشهرة الدنيوية ، ماذا تفعل ؟ تلقي بيدِكَ إلى الهلاك والحسرة والخسران والندامة؟
عجّل إلى طاعة الله ، أدِّ الفرائض ، أدِّ الواجبات أما تشبع ؟ إلى كم ستأكل وتشرب ؟ ما تشبع ؟ الذي لا يشبع لو جمع جبال الأرضِ ذهبًا سيجمَعُها ويتركُها ويمشي كم سيأكل ؟ لو أكل الذهب سيموتُ في الأخير ثم ماذا ؟؟
ليذكر القبر والبِلى والسؤال والحساب وعرض الأعمال يومَ القيامة، والله عز وجل قال في القرآن الكريم {ثم لتُسئلُنَّ يومئذٍ عن النعيم}[التكاثر/٨]
اتقوا اللهَ عز وجل في أنفسِكم واتقوا اللهَ في عباد الله واتقوا اللهَ في الفقراء ، انظروا ماذا يصير في الشمال في طرابلس ، انظروا ماذا يصير في بعض الأماكن في بيروت وفي بعض نواحي المدينة الرياضية في صبرا وشاتيلا في مخيمِ برج البراجنة ، انظروا ماذا يصير في بعض المناطق في بيروت ، بيروت ليس كل أهلِها أغنياء فيها المحتاج فيها الضعيف فيها المريض فيها المكسور فيها مَن لا يستطيع أنْ يحصّل الدواء لأولاده ، فيها الأيتام فيها الأرامل ، انظروا إلى بعض قرى البقاع وبعلبك وإلى بعض قرى الإقليم والجنوب ، انظروا إلى الفقراء أينما كانوا كيف يُترَكون وأنتم في الملايين تتقلبون ؟ وأنتم في الملذات والنعيم تتنعمونَ في الليل والنهار ؟ ماذا ستفعلونَ يوم القيامة ؟ { ثم لتُسئلُنَّ يومئذٍ عن النعيم } كيف يتجرأ هؤلاء الأغنياء الذين يصرفونَ عشرات آلاف الدولارات على نزهة ؟ بعض الناس يأتي من الخارج من أميركا من كندا من فرنسا من سويسرا من السويد من الدنمارك من هولندا من فنلندا يقعد هنا أسبوعًا في بيروت يصرف عشرة آلاف دولار ، على أيِّ شىء ؟ على المطاعم؟ طعام البيت ألذ وأنظف في الغالب ، على أي شىء ؟ المقاهي ، للخروج في النزهة ؟ أنتَ كنتَ في البلد الذي كنتَ فيه في يومِك وليلِك في النزهة تأتي بخمسة آلاف دولار أو خمسةَ عشر ألف دولار في أسبوع واحد على بطنِك على شهوةِ نفسِك ؟ ماذا ستفعل يوم القيامة مع وجود الضرورات؟ مسلم يهلِك وأنت تصرف عشرة آلاف دولار فقط على الملذات ليس على الضرورات ولا في النفقات الواجبة
لو كان في الضرورات وتعليم الناس الدين والعقيدة ونشر التوحيد والإسلام ومحاربة الكفريات والمنكرات كنا قلنا لك جزاك اللهُ خيرًا ، لو كان لإنقاذ المضطرين من أهلك لقلنا لك جزاك اللهُ خيرًا ، لكن على الطعام والشراب ، هل أنت جائع طول عمرك مثلًا ؟
هل تعلم اليوم في بعض المناطق كعرمون وبشامون والناعمة وهالمناطق تستطيع أن تشتريَ بيتًا بخمسة عشر ألف دولار ؟ بل بعشرة آلاف ، صرفتهم على بطنك ومشيت .
ألا تسمعون في طرابلس ماذا يحصل ؟ جماعة الشمال ماذا حصل بهم ؟ وبعض الأغنياء الذين هناك صاروا كالتماثيل
أنا قلتُ في خطبة الجمعة أكثر الأغنياء والتجار والزعماء صاروا كتماثيل الشمع التي في المتاحف كأنهم لا يحسون ولا يشعرون .
الشمال كم فيها من أغنياء وأثرياء يُضرَب بهم المثل في شدة غناهم ليس فقط واحد واثنان وثلاثة وأربعة وخمسة بل أكثر من عشرة يستطيعونَ إطعام كل أهل الشمال لكن أهل الشمال الفقراء الضعفاء المرضى أسخى وأجود من هؤلاء الأغنياء البخلاء
الفقير من أهل طرابلس الذي ينام على الرصيف وليس عنده موتير ولا كهربا ولا بطارية ليضع جهاز التنفس لوالده أو لابنه ويقعد على الرصيف هو وابنه المريض أجود وأسخى وأكرم من هؤلاء أصحاب المليارات الذين صاروا كالصخور لا يستحون ولا يخجلون ولا يعملون على إنقاذ المرضى والهلكى من الجوع والضياع ، يتركونهم كأنهم صم وعميان وخرس .
لما تؤدي الواجبات وتجتنب المحرمات وأنت تؤمن بالآخرة وتعرف أنّ أمامك قبر وسؤال وحساب وآخرة وستُسأل وتُحاسَب أين المفر والمهرب ؟ يا ضعيف مع غناك وزعامتك أنت ضعيف ، بوْلة تجعلك ضعيف وتُنسيك الملايين ، هذا الشىء الذي يأخذك إلى الخلاء يُنسيك الملايين هل تستطيع أنْ تحبس نفسك بدون أن تدخل إلى الخلاء ؟
قيل لبعض الملوك لو عطشتَ ولم تجد إلا شربةَ ماء تُباع بكم كنتَ ستشتريها ؟ قال بنصف مالي ، قالوا له فإذا شربْتَها وانحبسَت ولم تخرج منك كم كنتَ تدفع لأجل أن لا تموت ؟فقال ادفع كل مالي ، فقيل له ما هذا الملك الذي لا يساوي شربة لتشرب ولا بوْلة لإخراجها .
أفِق أيها المغفل أيها الزعيم أيها القائد أيها السياسي أيها الغني أيها التاجر يا من تركتَ الناس تموت يا من صرتَ كأنك بدون إحساس وكأنك تمثال شمع ، كأنك صخرة وجهُك لا يتأثر ولا تظهر عليه عبارات التأثر والخجل لا يستحون ولا يخجلون ولا يتأثرون ، هؤلاء أقول للفقراء لا تعتمدوا عليهم ولا تنتظروا منهم شيئا اعتبروهم من أهل القبور أو كأنهم ميتون أو كأنكم تمرون من أمام حجارة وصخور لا تنتظروهم ولا تنتظروا منهم شىء ، توكلوا على الله
والكثير من الفقراء يدعمون الفقراء ، الكثير من الفقراء يشاركون إخوانهم الفقراء بما معهم من القليل ، وكثير ممن حالهم متوسط في الماضي يساعدونَ الفقراء الآن أما أكثر الأغنياء والزعماء اعتبروهم في الموتى لكن موقفُهم صعب صعبٌ يوم القيامة .
اتّقِ اللهَ تعالى ، توكل على الله واطلب الرزق من حلال ولا تسعَ في الحرام ولا تَمُدَّنَّ يدك للحرام
إذا كنت مددتَ يدكَ للحرام اشتغلت بالحرام وحصلتَ المال بالحرام وفي آخر النهار أحضروك ويداك مقيَّدة ووجهُك على الحائط وأنت على البث المباشر على الأخبار والتلفاز ماذا يفعل لك هذا المال ؟ لما تطلع حرامي ولص تشتغل بالمحرمات والمنكرات وتصير عليك فضيحة بين أهلك وجيرانك وفضيحة بالأخبار وفضيحة على مواقع التواصل