مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” 137
جمع المال الحلال لصرفه في الخيرات – تقديم علم التوحيد
قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد طه النبيّ الأمي الأمين العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه ومَن والاه وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضدَّ ولا ندّ ولا زوجةَ ولا ولدَ له ، ولا شبيهَ ولا مثيلَ له ولا جسمَ ولا حجمَ ولا جسدَ ولا جثةَ له ولا صورةَ ولا أعضاء ولا كيفيةَ ولا كميةَ له ولا أين ولا جهةَ ولا حيّزَ ولا مكانَ له
كان اللهُ ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان فلا تضربوا لله الأمثال ، ولله المثلُ الأعلى ، تنزّه ربي عن الجلوسِ والقعود وعن الحركة والسكون وعن الاتصال والانفصال لا يحُلُّ فيه شىء ولا ينحلُّ منه شىء ولا يَحُلُّ هو في شىء لأنه ليس كمثلِه شىء، مهما تصورتَ ببالك فاللهُ لا يشبهُ ذلك
ومَن وصفَ اللهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر
وأشهدُ أنّ حبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه وخليلُه صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبارك وعظّمَ ورضي اللهُ عن جميعِ الأولياء والصالحين
أما بعد إخواني وأخواتي في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أذكّركم وأذكر نفسي بإخلاص النية لله تعالى في حضور مجلس العلم ، كما وأنني أذكرُكم بالإكثارِ من الصلاة على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة الزهراء المباركة الشريفة ، وأذكركم أيضًا بتذكيرِ غيرِكم وبدعوةِ غيرِكم وبتشجيعِ غيرِكم وبحثِّ غيرِكم على حضور مجلس العلم
فأنتم إنْ دعوْتم غيركم لكم ثوابٌ زائد وإنْ نشرتم هذا المجلس لكم ثوابٌ عظيم لتعملوا على نشر العلم بين الناس فيكون لكم سهم في نشر الخير ، يكون لكم سهم في نشر العلم
وقد قال عليه السلام ” بلّغوا عني ولو آية ”
نبدأ بدرسِنا بكتاب سمعت الشيخ يقول ونكمل من حيث وصلنا في الدرس الأخير
وقال رضي الله عنه ” إذا إنسانٌ رغبَ في جمعِ المال الكثير من طريق الحلال لينفعَ به أقاربَه والفقراء ويعملَ به مبرّاتٍ لبناءِ مسجدٍ أو مدرسةٍ أو تَكِيّةٍ للفقراء مَن اشتغلَ بهذا فليس عليه حرجٌ عند الله “
الآن وصلنا إلى فائدة جديدة من درر وجواهر مولانا الشيخ رحمه الله رحمة واسعة، هنا يُرشدُنا ويُنبِّهُنا ويعلّمُنا ويبيّن لنا فائدة مهمة وهي أنّ الإنسان إذا رغبَ بتكثيرِ جمع المال لكنْ من حلال ، هذا الإنسان عنده رغبة أنْ يُكثِّرَ المال بالحلال بنيّةٍ حسنة لغرضٍ طيّب بقصدٍ يحبُّه اللهُ تعالى ، فإذا كثّرَ المال وجمعَه من حلال كأنْ تاجر ووسّعَ التجارة ونوّعَ التجارة في الحلال ليَكثُرَ المال في يدِه ليبنيَ به المساجد أو مدرسة تعلّم علم أهل السنة والجماعة ، تعلّم العلوم الكونية النافعة المنَقّاة من الشوائب والتحريف والتخريف والتزييف والباطل ويُضاف إلى هذه المواد الصحيحة وإلى هذا العلم النافع تعليم الأخلاق الإسلامية الراقية النبوية المحمدية الشريفة من برّ الوالدين من التواضع من الرحمة من الشفقة ، أضِف إلى كلّ ذلك تعليم القرآن العظيم .
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول ” خيرُكم مَن تعلّمَ القرآنَ وعلّمَه ” يعني هذا مِن أفضلِ المؤمنين عند الله إنْ كان مخلِصًا وتلَقّى القرآنَ تلقّيًا مُعتبَرًا صحيحًا وعلّمَ غيرَه ونشرَ القرآن بين الناس وكان مخلصًا صادقًا هذا مِن أفضل المؤمنين عند الله من أحسن المؤمنين عند الله ، فإذا أضاف إلى ما ذكرْنا تعليم القرآن العظيم تعليم الشريعة الإسلامية الفقه الأحكام العبادات المعاملات وقبلَ كل ذلك تعليم عقيدة أهل السنةِ والجماعة ، لأنه بالعلم يُحَصَّنُ الأولاد والأطفال والشباب والشابات ولا سيّما بعلم التوحيدِ والعقيدة لأنّه الأصل والأساس لأجلِ أنْ لا ينجرفوا إلى تيارات الكفر ولأجلِ أنْ لا يميلوا إلى عقيدةِ التشبيهِ والتجسيم ولا إلى عقيدة الإلحادِو التعطيل ولا إلى عقيدةِ الحلول والاتحاد ولا إلى الإباحية ولا إلى ما هنالك من عقائد المعتزلة القدرية وغير ذلك من العقائد الكاسدة الفاسدة .
كيف نحصِّن أولادَنا وشبابَنا وأبناءَ المجتمعات ؟ بتمكينِهم بعلمِ عقيدةِ أهل السنةِ والجماعة ، بترسيخِ هذا العلم فيهم .
لذلك روى الزاهدُ الصفّار رحمه الله رحمةً واسعة وقبلَه علماء وحفاظ وأئمة مثل ابن ماجه وعدد من العلماء روَوا عن الصحابة الكرام رضوان اللهِ عليهم كعبدِ الله بنِ عمر رضي الله عنهما ، عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن أبيه ونفعنا الله ببركاتِهما وأمدّنا بمددِهما- هذا الرجل العظيم الذي كان من صالحي الصحابة من أولياء الصحابة لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم ثبتَ عنه في صحيح البخاري الحافظ الكبير رئيس الحفاظ وشيخ المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث رحمه الله ورضي عنه والحافظ ابن حبان رحمه الله روَيا أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال للسيدة حفصة أمّ المؤمنين السيدة الجليلة صاحبة الجلال والوَقار والأنوار والبهاء والتقوى والصلاح ، حفصة بنت عمر بن الخطاب ، رضي الله عنها وعن أبيها ، هذه كانت زوجةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها وعن كلِّ زوجاتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، قال الرسول عليه الصلاة والسلام للسيدة حفصة ” أخوكِ عبدُ الله بن عمر رجلٌ صالح ”
الرسولُ صلى الله عليه وسلم يشهد لأخيها بالصلاح بالتقوى وأيُّ شهادةٍ هذه؟ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يشهد لعبدِ الله بنِ عمر بالتقوى بالصلاح بالولاية.
هذا عبدُ الله بن عمر كان مِن جلّةِ الصحابة ومن أوليائهِم ومن علمائِهم والرسولُ شهِدَ له وكان رضي الله عنه من مفاتي الصحابة مع ذلك يقول “ كنا ونحنُ فتيانٌ حَزاوِرة –يتكلم عن نفسِه وعن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، يُخبِرُ عن سيرة الصحابة وعملِهم وطريقتِهم وأسلوبهم في تلقي العلم وأخذِهم وفي الأولويات-
“كنا” يعني عند الرسول ، يعني هذا المنهج النبوي ، لأجلِ أنْ لا يتكلم بعض الناس بآرائِهم الضعيفة فيُؤَخروا علم التوحيد ويتركوا التوحيد والعقيدة والتنزيه ويقولون كل مرة تتكلمونَ في التوحيد ؟ كل مرة تتكلمونَ في التنزيه ؟
في كل درس وفي كل عرس وفي كل عزاء وفي كل خطبة تتكلمونَ في التوحيد ؟
انظروا إلى المنهج النبوي ، انظروا إلى المنهج المحمدي ، انظروا إلى المنهج الذي رضيَه رسولُ الله لصحابتِه بل وضعَه لهم وأسّسهم عليه ، بل زرعَه فيهم ، بل نشّأَهم على هذا المنهج
اسمعوا وانتبهوا هذا الاستدلال الذي ذكرتُه الآن لماذا ؟ لأنّ بعضَ الجهلاء في هذا العصر والعياذ بالله يتأفّفون من علم التوحيد وهذا من جهلِهم العريض
لا يوجد مسلم على وجه الأرض ينزعج من التوحيد ، لا يوجد مسلم يكره علم التوحيد والتنزيه ويتضجّر ويتأفّف وينفر من ذلك ، هذا ليس مسلمًا ، الذي يكره علم التوحيد وعلم التنزيه والعقيدة ليس من المسلمين لو ادّعى الإسلام لو كان يلبس عمامة لو كان خطيب جمعة
بعض الناس اليوم لا يعرفون الأوْلويات صارت المشيَخة عندَهم كأنها وظيفة بلدية تكّس وامشِ ، بعض الناس هكذا صارت المشيخة عندهم وظيفة
لا المشيخة ليست هكذا ، الشيخُ الصادق يُقدّم ما قدّمه الرسول صلى الله عليه وسلم ، أولويّات الرسول صلى الله عليه وسلم هي أولويات كل الدعاة كل المشايخ الأمناء على الدين ، لما نقول مشايخ يعني الشيخ المُتعبَر الفهيم ليس الصورة ليس مجرد الشكل لا .
فإذًا هؤلاء الذين يتضجّرونَ من علم التوحيد وبعضُهم عندما نكون في عزاء أو في مناسبة كبيرة أو حتى في مناسبة تسمى وطنية أو اجتماعية أو اقتصادية ما المانع أنْ نتكلمَ في التوحيد والعقيدة ؟ في كل أمورِنا لا بد لنا من تقديم الأصل والأساس .
بعضُهم ماذا يفعل في المجالس الكبيرة والاجتماعات ؟ إذا تكلم بعض الخطباء من أهل السنة والجماعة في العقيدة يصير بعضهُم يوسوِس لبعض يقول دائمًا يتكلمون بهذا الكلام ، دائمًا يقولون الله موجود بلا مكان ، بعضهُم يوسوِسُ لبعض يقول ما عندَهم غير هالحكي ؟ ما عندَهم غير هذا الموضوع ؟
بلى عندهم وكثير ، وتعالَوا واجهوهم بالعلم إن كنتم تفهمون وإن كنتم أنتم عندَكم علم تعالَوا إليهم واجِهوهُهم بالعلم وهم يتكلمون في كل العلوم وفي كل الفنون، أعني مشايخ أهل الحق مشايخ جميعة المشاريع الخيرية الإسلامية طلاب الإمام المحدّث الحافظ الشيخ عبد الله الهرري رضي الله عنه ، لماذا يكرّرونَ التوحيد ؟
لأنّ الناس بحاجة لعلم التوحيد والعقيدة أكثر من حاجتِهم للطعام والشراب والدواء واللباس
لأنّ الإنسان لو جمعَ كلَّ متاعِ الدنيا وكل ملذّات الدنيا إن مات على الكفر إلى جهنم ، أما إذا كان على التوحيد والعقيدة والتنزيه وكان مجتنِبًا الكفريات وكان فقيرًا ضعيفًا مريضًا هزيلًا لا دواء ولا طعام ولا لباس ولا مأوى ومات في الشارع وفي الطريق ومات على الإسلام إلى الجنة ، رأيتم لماذا ؟
فحاجة الإنسان إلى التوحيد والعقيدة أهم من أيِّ حاجةٍ أخرى ومقدّمة على كلِّ الحاجات .
لذلك تقديم هذا الأمر له دليل -يعني تقديم علم التوحيد تقديم علم العقيدة له أصل- هذا الحديث الذي أوردتُه الآن عن عبد الله بنِ عمر وسأكملُه ، لكن له دليلٌ أيضًا من القرآن من الأحاديث النبوية .
فمن القرآن مثلًا قول الله عز وجل { ومآ أرسلْنا مِن قبلِك مِن رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لآ إله إلآ أنا فاعبدون }[الأنبياء/٢٥]
هذه دعوةُ كلِّ الأنبياء كلِّ المرسلين ، هذا مصدر قرآني وهو أول مصادر التشريع .
وهناك آيات كثيرة كقولِه تعالى { لقد أرسلنا نوحًا إلى قومِه فقال يا قومِ اعبدوا اللهَ ما لكم مِن إلهٍ غيرُه }[الأعراف/٥٩]
كل الأنبياء دَعوا إلى التوحيد والعقيدة والإسلام والتنزيه وحذّروا من الشرك والكفر والضلال والتشبيه ، بيّنوا للناس أنّ مَن شبَّهَ اللهَ بخلقِه لو في قضيةٍ واحدة ما عبدَ الله ما آمنَ بالله ما وحّدَ الله ، أليس قال مولانا الصدّيقُ العظيم أبو بكرٍ رضي الله عنه ” والبحثُ عن ذاتِه كفرٌ وإشراكُ ”
فالذي يشبّه اللهَ بخلقِه مشرك ، هذا قول الصديق رضي الله عنه .
الذي يحاول بزعمِه أنْ يتصوّرَ اللهَ لن يقدر لن يستطيع لأنّ اللهَ ليس جسمًا وليس جسدًا ولأنّ اللهَ ليس كميةً ولأنّ الله ليس حجمًا وليس ضوءًا وليس ظلامًا وليس غيمًا وليس إنسي ولا جني ولا ملك حاشا ، لكن الذي بزعمِه يحاول أنْ يتصوّرَ الله لن يقدر ويصير مشركًا كافرًا كما قال أبو بكر .
إذًا الله لا يُتصوَّرُ في العقول ولا تُدركُه الظنون لا يُشبهُ الأنام حيٌّ قيومٌ لا ينام ليس كمثلِه شىء فلا تضربوا لله الأمثال ولله المثلُ الأعلى ، مهما تصورتَ ببالك فاللهُ لا يشبه ذلك ، ومن وصف اللهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر .
هذه آيات وقواعد عند علماء التوحيد والعقيدة أجمعت الأمة عليها .
لذلك يجب الاعتقاد بأنّ علمَ التوحيد والعقيدة والتنزيه أفضل العلوم على الإطلاق مُقَدَّمٌ على كل العلوم وهو أعظم وأشدّ وأكبر ما يحتاج إليه الناس من كلّ الأمور الباقية والمُتبَقّية .
إذًا قال ربنا عز وجل { ومآ أرسلنا من قبلِك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لآ إله إلآ أنا فاعبدون }[الأنبياء/٢٥]
وأما في الحديث الشريف فقولُه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومالك رضي الله عنهما وعدد من الحفاظ ” أفضلُ ما قلتُ أنا والنبيّونَ مِن قبلي لا إله إلا اللهُ ”
وعند مالك رضي الله عنه بزيادةِ ” وحدَه لا شريكَ له ” هذا زيادة في التوحيد والتنزيه والعقيدة ، لفظٌ يؤكّد المعنى وفيه لفظٌ زائد ففيه معنًى زائد .
ثم في الأحاديثِ أيضًا حديث أهل اليمن ، قالوا جئناك لنتفقّهَ في الدين فأنْبئْنا عن بدءِ هذا الأمرِ ما كان ، فقال صلى الله عليه وسلم ” كان اللهُ ولم يكن شىءٌ غيرُه ”
هؤلاء الذين جاءوا من اليمن يعني من مسافة بعيدة وكم تحمّلوا المخاطر والمتاعب والمشقّات والسهر والسفر والليل والنهار والحر والبرد ومخاطر الطرقات مع ذلك جاءوا ليَجتمعوا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويتعلّموا منه وهم جاءوا مسلمين مؤمنين قالوا يا رسولَ الله جئناك لنتفقّهَ في الدين فأنبئْنا عن بدء هذا الأمر ما كان،
سؤالُهم عن أول المخلوقات ما هو أولُ العالم ، أجابَهم عن أوْلى وعن أعظم وعن أهمّ مما سألوا عنه علّمَهم أكّدَ فيهم رسَّخَ فيهم أكّدَ عليهم التوحيد والعقيدة
قال ” كان اللهُ ولم يكن شىءٌ غيرُه ” كان اللهُ أي في الأزل أي بلا بداية ، كان اللهُ أي اللهُ تعالى لا ابتداءَ لوجودِه أي هو وحدَه الموجود في الأزل ، أما السموات والأرض والعرش والشمس والقمر والإنس والجن والملائكة والبهائم والأرواح كلّ هذا لم يكن موجودًا في الأزل، كل هذا العالم له بداية اللهُ وحدَه الموجود في الأزل.
قال ” كان اللهُ ولم يكن شىءٌ غيرُه ” بعد أنْ رسَّخ وأكّدَ وبيّنَ وعلّمهم الأهمّ والأوْلى رجعَ فأجابَهم عن سؤالِهم قال ” وكان عرشُه على الماء ” يعني أول المخلوقات الماء .
رأيتم ؟ هذا الأسلوب النبوي، هذا المنهج المحمدي ، هذا الذي يفهم بالأوْلويات، هذا الذي يعرف الأولويات .
عندما نقول الداعية الشيخ الصادق الأمين الفهيم أوْلويات النبيّ صلى الله عليه وسلم هي أولويات كل داعي وشيخ صادق وأمين ، أما مَن لا يفهم ويريد أنْ يقيس الأمور بعقله الضعيف وبفهمِه السقيم فإنه يتضجّر والعياذ بالله من التوحيد والعقيدة والتنزيه .
اليوم بعض الناس ثلاثون سنة يخطبون على المنابر ولا خطبة من خطبه شرح الصفات الثلاث عشرة أو بيّن أقسام الكفر أو بيّن للناس كيفية الرجوع للإسلام أو شرح معنى الشهادتين أو شرح التوحيد والعقيدة والتنزيه على المنابر ، تروْنه يصرخ عن السينما وشاطىء البحر .
هناك أمور نأتي على ذكرِها وأنتم تسمعون في خطبِنا ودروسِنا ومحاضراتِنا الكثيرة والمتنوّعة نتكلم عن كل القضايا وعن كل المواضيع لكنْ على حسب الأوْلويات النبوية ، على حسب الأولويات المحمدية .
أما هؤلاء الذين ضيّعوا التوحيد والتنزيه لا عندَهم أولويات ولا يفهمونَ بالأولويات ولا بالمنهج النبويّ ، بعضُهم كأنه ينفلِق رأسُه عندَما يسمع درسًا في التوحيد والعقيدة .
مرةً واحد قال ما عندكم إلا هذا الموضوع ؟ فقال له المدرّس : أعِدْ لي ما هو هذا الموضوع ؟ فخرِسَ وسكتَ ما كان يعرف يتكلم .
هذا الرجل العظيم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، يتكلم عن المنهج النبوي عما قرّره النبيّ لصحابتِه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، قال “كنا ونحنُ فتيانٌ حزاورة -يعني قاربْنا البلوغ ، أحيانًا يكونون أحدى عشر سنة اثنا عشر سنة ، أحيانًا قد يكون عشر سنوات- كنا نتعلّم الإيمان قبل القرآن فإذا قرأْنا القرآنَ وجَدْنا حلاوتَه ” وفي روايةٍ ” ازدَدْنا به إيمانًا ”
وقريبٌ من هذا يُروى أيضًا عن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه .
هذا هو نهج النبيّ مع الصحابة وهذا نهج الصحابة مع التابعين وهذا نهج التابعين مع أتباع التابعين وهكذا إلى يومِنا هذا مع أهل الفهم بالأوْليات ، أما الفوضوِي والجهول والذي لا يفهم ما معنى الأوْلويات يترك التوحيد والعقيدة ويترك بيان الأمور المُكَفّرة للناس ولا يُحذِّرُهم من الكفريات ولا كيفية الرجوع للإسلام فهذا لا يُنظَر إليه ولا يُعبأُ به .
رأيتم لماذا قلتُ وقبلَ كل ذلك أضف إلى هذا أنْ يُدَرَّس في هذه المدرسة التي يحبّ أنْ يُنشِأَها مَن يبنِيَها هذا الذي يحبّ أنْ يجمعَ المال الكثير من حلال ؟ لأنّ علمَ التوحيد والعقيدة هو الأصل والأساس .
فإذًا هو يحبّ أنْ يُكثِّرَ هذا المال ليبنيَ هذه المدرسة أو ليبني مسجدًا من مالٍ حلال ، أيُّ أجرٍ له عند الله ؟ هذه صدقة جارية .
إذا بنى مدرسةً على المنوال وعلى ما شرحنا صدقة جارية ، أجرُه لها ما قامت وما بقيَت وما انتفعَ بها الناس ولو إلى ألف سنة .
كذلك المسجد إذا كان هو يحبّ أنْ ينوِّع في التجارات الحلال وأنْ يتجَرَ في الحلال وأنْ يكبر العمل وتكبر التجارة ليجمع المال أكثر فأكثر بالحلال لأنه يريد أنْ يبنيَ مسجدًا ، هذا له ثواب بهذه النية وبالتجارة بهذه النية ، يعني النية والعمل بهذا القصد له ثواب وله أجر .
ثم إذا بنى مسجدًا هذا يكون صدقة جارية له وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام الحافظ الترمذي رحمه الله ” مَن بنى لله مسجدًا في الأرض بنى اللهُ له بيتًا في الجنة ”
بنى بيتًا للعبادة في الأرض -المسجد، الذي هو بيتُ الله ، يقال له بيتُ الله يعني المكان الذي بُنيَ لعبادة الله- رب العالمين قال عن المسجد الحرام { إنّ أولَ بيتٍ وُضِعَ للناس}[آل عمران/٩٦] يعني البيت المشرّف عند الله ليس معناه أنّ اللهَ حلّ فيه أو أنّ اللهَ يسكنُه تنزّه الله ، إنما إذا قلنا الكعبةُ بيتُ الله المسجدُ بيتُ الله يعني البيت الذي بُنيَ لتعظيمِ الله لعبادة الله لتوحيد الله لتقديس الله لتمجيدِ الله عز وجل ، هذا معنى بيت الله
فإذا بنى مسجدًا في الأرض بنى بيتًا لعبادةِ الله في الأرض وكان من مال حلال وكان مخلصًا بنى اللهُ له بيتًا في الجنة ، أيُّ بشرى هذه؟ وأيُّ خيرٍ هذا ؟
اليوم بعض الناس يبني إسطبل يضع مثلًا عشرة مليون دولار للحصان والحمار، يعمل مزرعة مثلًا للخيل للبقر يضع هذا المبلغ ، هذا التاجر الذي نتكلم عنه جمعَ اشتغل تاجرَ وسّعَ نّمى تجارتَه بالحلال كثّرَ المال بالحلال بقصدٍ حسن بنيّةٍ حسنة فبنى مسجدًا ليُعبدَ الله فيه ، بنى بيتًا في الأرض لعبادة الله لتوحيدِ الله لتعظيم الله ، أيُّ خيرٍ وأيُّ بشرى له ؟
بعضهم يبني قصرًا ليقعد فيه هو وزوجته وولديه مثلًا يقول كلّفه ستون مليون دولار ، هذا موجود وأكثر ، بعض الزعماء والملوك اليوم عندهم قصور يساوي الواحد مائة مليون دولار ، وأكثر من ذلك
ما سمعتم أسعار بعض اليخوت التي بأكثر من مليار للملك الفلاني والرئيس الفلاني والتاجر الفلاني والزعيم الفلاني والقائد الفلاني والمقاول الفلاني ، وهذا يخت .
فإذا كان بنى مسجدًا لله من مالٍ حلال يا بشراه يا هناه يا سعدَه هذا له بشىرى عظيمة وخيرٌ كبير لكنْ هذا المسجد لمَن يُسلَّم ؟ يسلَّم لأهل الحق لأهل التنزيه للأشاعرة والماتريدية لا يُسلَّم للمشبّهة المجسّمة ولا يسلَّم لمَن يكفّرون الأمةَ الإسلامية ولا يُسلَّم للحلولية الاتحادية ولا يسلَّم للبهائية ولا يسلَّم للقاديانية ولا يسلّم للمعتزلة ولا يسلَّم للوهابية ، هؤلاء أخبارُهم في الدنيا عندَكم وعرفتُم كيف ملأوا الدنيا فسادًا ودمارًا وخرابًا .
إذًا لمَن يُسلَّم المسجد ؟ لأهل للأشاعرة والماتريدية أهل الحق والاعتدال
أما المسجد لو كان يسع مليون مصلي وسلّمتَه لمُشبِّه في المعنى هذا المسجد خراب ، وإنْ كنتَ تعرف مَن هو هذا الذي سلّمتَه المسجد فوزرُكَ عظيمٌ وليس لك أجر في تسليمِه هذا المسجد ، بل مَن بنى مسجدًا ليُسَلَّمَ للتكفيريين التدميريين التخريبيين القتَلة المجرمين ليُسَلَّم لنشرِ الكفر والضلال من تشبيهٍ وتجسيم فهذا لا ثوابَ في بنائِه بل وزرٌ عظيم
المسجد يُبنى لتعظيمِ الله أما هؤلاء يشتمونَ الله ، عندما يطلع الخطيب منهم على المنبر يقول الله قاعد ، شتمَ الله ، تعرفون لماذا ؟ جعل له احتياجًا للكرسيّ والعرش والمكان ليَقعُدَ فيه ، عندما يقول الله قاعد الله جالس الله بذاته في السماء الله بذاته على العرش جعل اللهَ عاجزًا محتاجًا ضعيفًا مخلوقًا مُتغيِّرًا هناك مَن يتصرّف فيه لأنّه لم يكن جالسًا ثم جلس لأنّ المكانَ الذي يجلس عليه مخلوقٌ له بداية فكيف يكونُ المكان في الأزل ؟ وإذا قلتَ هو الله والإله أزليّ كيف يكونُ إلهًا أزليًّا وجالسًا بزعمِكَ ؟ فإذًا جعلْتَ اللهَ مخلوقًا وجعلتَ اللهَ جسمًا وجعلتَ اللهَ جسدًا وجعلتَ اللهَ متغيّرًا محتاجًا قاعدًا فهذا تكذيبٌ وشتمٌ لربّ العالمين لأنّك جعَلتَه مقهورٌ مغلوب ضعيفٌ عاجز واللهُ يقول {وهو الواحدُ القهّار}[الىعد/١٦] فإذا طلع هذا المشبّه المجسّم على منبر مسجد يسَع مليونَ مصلّي وعلّم الناسَ الكفر التشبيه والتجسيم وأنّ اللهَ تعالى متغيّر محتاج ضعيف جالس قاعد أيُّ ثوابٍ في هذا ؟ هذا شركٌ وكفرٌ وضلالٌ
فإذًا المسجدُ يكونُ عمارًا إذا كان المصلّونَ فيه من أهل السنة والجماعة ، بقية المساجد إذا كانت في أيدي أهل الضلال لتكفير الأمة وإباحةِ دماءِ الأمة وتدمير الأمة وقتل الأمة هي في المعنى خراب .
انتبه واعرف لمَن تسلّم المسجد !!!
بعض الناس قد يتكلّف فيبني مسجدًا كلّفَه مثلًا خمسة ملايين دولار أو عشرة ملايين دولار حسب البلاد ، قد مثلًا يبني في مكان فيكلّفُه المسجد خمسة آلاف دولار مع هذا لو كلّف مائة دولار لا يُسَلَّم لمشبِّهٍ أو مجسِّم أو معتزليّ أو حلولي أو اتّحادي أو من البهائية أو القاديانية أو التكفيريين الشموليين ، لا يسلَّم لهم لا مساجد ولا مصلَّيات ولا مستشفيات ولا مدارس ولا معاهد ولا جامعات.
في الماضي كم احتالوا على الناس في بعض البلاد الفقيرة قالوا نفتح معاهد باسمِ تعليمِ اللغةِ العربية وقالوا نفتح معاهد ومدارس باسمِ تعليمِ القرآنِ الكريم فجاءَهم الطلابُ بالآلاف وكانت حيلة مصيَدة ، عندما دخلَ الطلابُ إليهم عملوا لهم ما يسمى غسيل دماغ صدّروهم قنابل متفَجّرة عبوات متفجّرة مؤقتة انتشروا وتعرفونَ ماذا فعلوا في البلاد العربية والإسلامية تحت عنوان على زعمِهم الجهاد، أيُّ جهادٍ هذا ؟ أنْ تقتلَ المسلم في المسجد هذا جهاد ؟ أنْ تزنيَ بالمرأة هذا جهاد ؟ أن تزني بالبنت هذا جهاد ؟
إذًا انتبهوا !! إذا أردتم أنْ تُسَلِّموا مسجدًا أو مدرسة أو حضانة أو ابتدائة أو روضة لا يجوز لكم أنْ تسَلِّموها لأصحابِ تلك الأفكار الهدّامة المُدَمِّرة التكفيرية التخريبية التشبيه والتجسيم والحلول والاتحاد والاعتزال والقاديانية والبهائية والموْدوديّة وما شابه
إنما تسلّم كل المؤسسات على اختلافِ أشكالِها وأنواعِها حتى الاجتماعية حتى الصحية تسَلَّم لأهل السنةِ والجماعة ، تسلَّم للأشاعرة والماتريدية
كم مِن مؤسسة تسمّى إغاثة واجتماعية وتوزيع إعاشة ومونة أو صحية ذهبوا باسمِ هذه العناوين إلى البلاد فنشروا فكر التشبيه والتجسيم والتكفير ، دخلوا على البلاد الضعيفة باسمِ الدواء والماء باسمِ توزيعِ المصاحف خرّجوا منها عبوات ناسفة متفجّرة لكنْ بأجسادِ البشر .
لذلك انتبهوا ، مَن أرادَ أنْ يسلِّمَ مسجدًا أو مدرسةً أو معهدًا أو مستوصَفًا أو أي مؤسسة اجتماعية تربوية صحية ثقافية حتى إعلامية حتى رياضية ، كرة قدم تسلّمها لأناس معتدِلين من أهل السنة والجماعة لأنّ هؤلاء تحت كل هذه العناوين ينتشرون في كل هذه البلاد ثم يُجَنِّدون بنشرِ أفكارِهم وعقائدِهم التكفيرية الشمولية
فإذًا إذا أرادَ أنْ ينبيَ مسجدًا من المال الحلال هذا له خيرٌ عظيم وأجرٌ كبير وبركة وبشرى ، ” مَن بنى للهِ مسجدًا في الأرض بنَى اللهُ له بيتًا في الجنة ”
ثم تعالَوا معي للننْتبِه ولنَفهم ولنَعرف ولنشرح ونبيِّن ما معنى {أنْ طَهِّرَا بيتيَ}[البقرة/١٢٥]
أليس قلنا الكعبة بيت الله والمسجد بيتُ الله ؟ وقلنا ليس معناه الحلول وليس معناه أنّ اللهَ حلَّ في الكعبة أو في المسجد ، وإلا فالمساجد كم عددُها في الأرض ؟ مئات الآلاف ، هؤلاء الحلولية الفجّار الذين كذّبوا اللهَ والقرآن ويقولون الله يحلُّ في المسجد يقال لهم المساجد مئاتُ الآلافِ في الأرض على زعمِكم هو في أيِّ مسجدٍ ؟ فإذا قالوا في مسجد قيل لهم وبقية المساجد ؟ فإذا قالوا في كل المساجد ، فيقال لهم إذًا جعلتم الإلهَ مُتعَدِّدًا بعددِ المساجد وأنتم بهذا تقولون والعياذ بالله كما تقول المجوس كما تقول القدرية والمعتزلة إنّ كلّ إنسان يخلقُ أعمالَه الاختيارية والمجوس تقول إنّ النور إله الخير والظلمة إلهُ الشر ، وأنتم وإن ادّعيْتُم الإسلام وقلتم بتعَدُّدِ الإله فأنتم تدْعونَ إلى الشركِ والكفر والضلال ، فإنْ قلتم لا نقول بتعدّد الإله ولا نقول هو في كل المساجد في وقتٍ واحد إنما نقول ينتقل من مسجدٍ إلى مسجد ، يقال لكم المسجد الذي بزعمِكم ينتقلُ إليه صار هو كالإنسان الذي ينتقل لأجل الصلاة من مسجد إلى مسجد ، أصلي الفجر في مسجد البسطة أصلي الظهر في مسجدِ برجِ أبي حيدر ، أصلي العصر في مسجد عين المريسة مثلًا ، أصلي العصر في مسجد عائشة بكار ، أصلي المغرب في مسجد الطريق الجديدة ، أصلي العشاء في مسجد عكار ، إذًا على زعمِكم جعلتُموه مثل المخلوقين الذين يتنقّلونَ أيضًا والمتَنَقِّل مخلوق لأنّ هذا تغيّر وانتقال وحلول والذي يجوز عليه أنْ يحُلَّ في كل هذه المساجد على زعمِكم صار حالًّا في الأماكن التي تدوسُها الناسُ بأقدامِهم ، المساجد يدخلُها الناسُ على رؤوسِهم أم بأقدامِهم ؟
مشيًا على أقدامِهم ، جعلتم اللهَ حيثُ أقدامِ الناس ، رأيتم ما أبشعَ هذا الكفر؟!
إذًا الله منزّه عن الحلول والاتحاد منزَّه عن الانتقال والتنقُّل منزَّه عن أنْ يكونَ في مسجد أو في كلِّ المساجد ، منزّه عن أنْ يكونَ كالهواءِ الذي هو في الداخلِ والخارج وفوق وتحت ويمين ويسار ، { ليس كمثلِه شىء }[الشورى/١١]
إذًا ما معنى { أنْ طهِّرا بيتيَ }[البقرة/١٢٥] يعني البيت المشرّف عندي ، هناك شىء يقال له إضافةُ تشريف ، ما معنى أضافة تشريف ؟
إضافة تشريف للشىئ الذي يضاف إلى الله تعالى مثلًا أليس الله قال {ناقةَ اللهِ}[الشمس/١٣]؟
هذه الناقة لها شأنٌ عظيم كبير لأنّها معجزة لنبيِّ الله صالح عليه الصلاة والسلام، فإذا قلنا { ناقةَ الله } هذا تشريفٌ لصالح وتشريفٌ لمعجزتِه التي هي الناقة وليس تشريفًا لله لأنّ اللهَ لا يتشرّف بشىء ولا يتشرّف بأحد .
مثالٌ آخر { أنْ طهِّرَا بيتيَ }[البقرة/١٢٥] أضافَ الكعبةَ إلى نفسِه إضافة تشريف للكعبة والله لا يتشرّف لا بالكعبة ولا بالعرش ولا بالأنبياء ولا بالجنة ولا بالأماكن المرتفعة ولا بالأماكن النظيفة لأنّ الذي يتشرّف معناه انتقلَ وازداد مِن شرف إلى زيادة مِن كمال إلى أكمل ، وهذه صفة المخلوقين وهي على الله مُحالة ، هذه اسمُها إضافة تشريف ، فعلى هذا المعنى { أنْ طهّرَا بيتيَ } إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام .
وهناك شىء يقال له إضافةُ جزئية وهذا في المخلوقين ، هذا لا يجوز على الله مستحيل على الله ، أقولُ مثلًا هذه يدي هي جزءٌ مني أنا جسم ويدي جسم وهي جزء من كل ، هذه اسمها إضافة جزئية وهذا في الأجسام والمخلوقين وهو على الله مُحال .
لذلك قال اللهُ في ذمِّ المشركين الكفار الذين قالوا إنّ اللهَ له ولد وفي ذم المشركين الذين قالوا الله قاعد وجالس لأنّ المعنى ينطبق على الكل ، هي نزلَت فيمن أضافوا الولد إلى الله والولد ينفصل عن الأم وعن الأب ، تقول لي كيف الولد ينفصل عن الأب ؟ كيف ؟
عندما يكون نطفة أليس يخرج من أبيه فيستقر في رحِم الأم ؟ إذًا كان نطفةً انفصَلَت عن الرجل، أليس الله قال {يخرجُ من بينِ الصُّلبِ والترآئب}[الطارق/٧] ؟
الصلب للرجل والترئب للمرأة ، معناه هذا جزئية وهي في الأجسام في المخلوقين
فهذه الآية { وجعلوا له من عبادِه جزءًا }[الزخرف/١٥] هي نزلَت فيمن نسبوا لله الولد لكنْ في المعنى تنطبق أيضًا على المشبّهة المجسّمة الذين قالوا إنّ اللهَ قاعد وجالس وقالوا يد حقيقية وعين حقيقية ووجهٌ حقيقيٌّ ، هؤلاء أشركوا بخالقِهم أشركوا بربّهم كفروا بربِّهم كما قال ملّا علي القاري في كتابه المرقاة وهذا الكتاب مشهور ومطبوع
قال ” إنّ الذي يحمل الآيات والأحاديث المتشابهة على ظواهرِها يقع في عقائد وأمور به إلى التشبيه والتجسيم تؤدّي إلى الكفر وتكونُ كفرًا بالإجمماع “
يعني مَن حملَها على الظاهر هو كافر بالإجماع .
{أنْ طهّرَا بيتيَ}[البقرة/١٢٥] يعني البيت المشرّف عندي، {ناقةَ الله}[الشمس/١٣] الناقة المشرفة عند الله ، أمرُها مشرَّفٌ عند الله لأنها معجزةٌ لصالح عليه الصلاة والسلام
إضافة الجزئية فينا نحن في المخلوقات ، يقال مثلًا هذا عمودٌ من البيت جزءٌ منه، هذا غلافُ الكتاب جزءٌ منه ، هذه يدي ، هذا بالنسبة للأجسام للمخلوقين وهذا على الله محال ، ماذا بقيَ في الإضافات ؟
يقال إضافة المُلك ، ما معنى إضافة المِلك -أو المُلك- أو الملكية ؟ كأنْ أقول هذا كتابي يعني مِلكي ، هذه إضافة ملكية ، أنا مالكُ هذا الكتاب هو ليس جزءًا مني ، فإذًا إضافة مُلكية إضافة جزئية وإضافة تشريف
إضافة الجزئية في حقّ المخلوقين ومَن نسبَها إلى الله فهو من المشركين الكافرين لو ادّعى الإسلام والمشيخَة والعلم
أما إضافة التشريف كما قلنا { ناقةَ الله} { أنْ طهِّرا بيتيَ } وما في هذا المعنى
فإذًا اللهُ منزّه عن الحلولِ في الكعبة وفي المساجد وفي الجنة لأنه ليس كمثله شىء
إذًا ” مَن جمعَ المالَ من حلال وكثّرَ المالَ من حلال ليَعملَ به مبرّات –طاعات خيرات عمل يحبُّه الله تعالى كالإحسان للأرامل للأيتام للفقراء يصل به أرحامَه يساعد مَن يحتاج للزواج يعطي المريض يعطي المحتاج المقطوع مثلًا المهجّر المنكوب المشرّد ، هذا له ثوابق عظيم – أو مدرسة أو تَكيّة “
التكيّة هو المكان الذي يُبنى في الماضي كان يقال للفقراء للدراويش وما شابه يعني مكان يُبنى لينام فيه المحتاج وأحيانًا تكون لأبناء الطرق وأحيانًا للفقراء وأحيانًا لمَن ينقطع بهم الحال ، يعني ابن السبيل وما شابه ، وعلى حسب نية الواقف إنْ كانت وقفًا أما إن كانت للمصالح العامة لمصالح المسلمين يستطيع كل مسلم ينتفع منها وبها على حسب إذن المتبرّع ، أما ما كان وقفًا فبشَرطِ الواقف ، يعني يُـتصَرَّف في هذا المكان على حسبِ شرط الواقف
مثلًا إذا كان الواقف قال وقَفتُ هذه المدرسة لطلاب الفقه الشافعي لا يدخل عليها طلاب الفقه المالكي ، إذا قال أوْقفْتُ هذا البيت لينامَ به طلاب الفقه الحنفي لا ينام فيه طلاب الفقه الشافعي ، وهكذا على حسبِ شرط الواقف
لأنّ الرسول عليه السلام قال ” المسلمونَ عند شروطِهم ” هذا في البخاري وغيرِه
أما التّكية في الغالب لا تكونُ وقفًا إنما الطلاب والفقراء والكبار في السن أحيانًا قد يكون ابن السبيل والمهجّر والمقطوع والمشرّد أو مريدي المشايخ مثلًا ينامون في هذه الأماكن ، هذا معنى التكيّة التي تُبنى للفقراء-
” مَن اشتغلَ بهذا ليس عليه حرجٌ عند الله بل له ثوابٌ وأجرٌ عظيم ” كما شرحنا وبيّنا ، أما مَن كان همُّه أنْ يُكَثِّرَ المال والقصور والسيارات والأبنية للتكبّر للتفاخر للاستعلاء على عباد الله فهو في سخطِ الله فهو في غضبِ الله لأنّ التكبّر على عباد الله من الكبائر ، وكم وكم من الأغنياء يتكبّرونَ على الفقراء ،
كم وكم من الناس الذين يُكثِّرونَ الأموال ويوَسِّعونَ التجارات بقصد الاستعلاء والتفاخر على عباد الله ، هؤلاء في غضب الله في سخطِ الله تعالى
أما القسم الأول ففي خيرٍ وثواب ونعمةٍ وبركة وأجر
والحمد لله رب العالمين
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وتب علينا وارحمنا واهدِنا وسامحنا وأصلِحْنا
اللهم ارزقنا المال الحلال الواسع لنستعملَه في نصرةِ دينِك ونشرِ التوحيدِ والإسلام في محاربة الكفريات والمنكرات في مساعدةِ الفقراء والمحتاجين أنْ نبذلهَ في وجوهِ البرّ والخير
اللهم إنْ كانت نيّاتُنا صالة لذلك فيسّرْه لنا ومَن كان في نيّتِه التكبّر أو أنْ يستعملَه في معصيةٍ فلا تُيسِّر له ذلك يا أرحمَ الراحمين
واختم لنا بكامل الإيمان واشفِنا واشفِ مرضانا وفرِّج عنا وعن المسلمين
والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته